ما هذا الشيء الذي يطلق عليه الضغط النفسي؟ إذا كنت حيا، فإنك حتما ستجرب الضغط النفسي، فلا أحد في منعة منه، ولكن رغم أن الضغط النفسي منتشر في ربوع الأرض، فإنه لا يأتي بدليل للمستخدم – حتى الآن. في هذه السلسلة دليل عملي مفصل نقطة بنقطة للفهم والتعامل مع الضغط النفسي الذي نتعرض له يوميا لكوننا أصحاب عقول وأجساد بشرية.
إن لمس شيء ساخن على الموقد أو سماع مزحة جيدة كلاهما يولد رد فعل. وفي الحقيقة ينتج كل منهما نوعا من الضغط النفسي؛ فالضغط النفسي يحدث عندما يستجيب عقلك أو جسدك لأي موقف حقيقي أو تخيلي، ويطلق على المواقف التي تسبب استجابات مثيرة للتوتر اسم مثيرات التوتر.
وبعض أنواع التوتر مفيدة أو مرغوب فيها. بينما يمكن أن تسبب أنواع أخرى من التوتر – خاصة إذا استمرت لفترات طويلة – الإجهاد أو الضرر بنظامك لدرجة الخلل الوظيفي أو المرض؛ وحيث إن كل حالة أو حدث في حياتك اليومية يسبب بعض أنواع التوتر النفسي ودرجاته، فمن غير الواقعي والمستحيل أن تمحو التوتر النفسي كليا من حياتك! فأنت تحتاج حقا إلى مستويات معتدلة من التوتر النفسي لتساعدك على البقاء متيقظا والأداء بشكل جيد. والأشخاص الوحيدون الذين يعيشون متحررين تماما من التوتر والضغط النفسي هم من يسكنون المقابر!
هناك فرقا مهما بين الضغط النفسي الضار والضغط النفسي المفيد؛ فمن الممكن أن يسبب الضغط النفسي الضار الشعور بالعجز والإحباط وخيبة الأمل، ويمكنه أيضا أن يسبب ضررا بدنيا ونفسيا. وقد أطلق “سيلي” على هذا النوع اسم التوتر السلبي أو الكرب. وتتسم بعض أنواع الضغط النفسي الأخرى بأنها مفيدة وتعطي إحساسا بالإنجاز، والرضا، والإشباع، والمعنى، والتوازن، والصحة. وقد أطلق على هذا النوع من الضغط الذي يساعدنا على عيش حياة أطول وأسعد اسم التوتر الإيجابي.
ولا تتدخل مثيرات الضغوط نفسها أو شدتها كثيرا في جعل الضغط النفسي مفيدا أو ضارا، وإنما رد فعلك الشخصي للحدث أو الحالة. وخير مثال على ذلك هو الطيران: يستمتع بعض الناس برحلة الطيران بشكل كبير ويمرون بتوتر نفسي جيد، بينما يصبح آخرون على الرحلة نفسها مرتعبين أو حتى هستيريين ويشعرون بتوتر نفسي سلبي.
إنك لم تولد بردود أفعال غير مرغوب فيها تجاه مثيرات الضغوط النفسية. لقد تعلمت – عن طريق مشاهدة الآخرين، ومحاكاة والديك ومعلميك، والتجارب المؤلمة والسارة – كيف تستجيب للمواقف المختلفة، وفي النهاية تكتسب عادات يمكنها أن تستمر. ما نوع ردود الأفعال والاستجابات التي تعلمتها تجاه مثيرات الضغوط النفسية؟ اسأل نفسك هذين السؤالين المهمين:
• ما الذي تعتقده حيال قدرتك على التعامل مع الحياة، ومع مثيرات الضغوط النفسية؟
• ما نوع الاستجابة الشخصية الذي ترغب في اختيارها لمثيرات الضغوط النفسية؟
إن إجابات هذين السؤالين هي مفتاح الإدارة الناجحة للضغط النفسي.
رد الفعل العالمي، والغريزي، والأولي للضغط النفسي
إن القدرة على التعامل بشكل فعال مع الحياة، وهي إدارة الضغط النفسي الصحية المتوازنة، يجب أن تبدأ أولا بفهم كيفية استجابة عقلك وجسدك لأحداث الحياة، ومثيرات الضغوط النفسية. تذكر تعريف الضغط النفسي: يحدث الضغط النفسي عندما يستجيب عقلك وجسدك لبعض المواقف الحقيقية أو التخيلية.
عندما تواجه ضغوطا نفسية، فإنك تستجيب لها جسديا ونفسيا. ويبدأ الأمر برمته برد فعلي عقلي يتضمن معتقداتك تجاه نفسك والحياة، وسوف تحدد معتقداتك كيفية استجابة جسدك وفي النهاية مدى جودة استجابتك، وربما كيف ستنجو من الضغوط المستمرة التي تتعرض لها في الحياة اليومية.
يحدث رد فعل بيولوجي يتضمن عضلاتك، وجهازك الهضمي، ومخك، وجهازك القلبي الوعائي، وجلدك، وجهازك المناعي، ويحدث رد الفعل هذا أو النشاط في جسدك بسبب التغير السريع والفطري في التوازن الكيميائي الطبيعي لجسدك.
فكر فيما قد تظنه وتشعر به إذا أزعج نومك العميق ذات ليلة صوت غريب ظننت أنك سمعته. إنك تعيش وحدك. ولست متأكدا مما إذا كنت قد سمعت أي شيء. وأحيانا يصدر البيت ضوضاء غريبة في ليالي الشتاء الباردة العاصفة. هل كنت تحلم؟ أم هل كانت هناك خطوات أقدام في الغرفة المجاورة؟
في أثناء مرورك بتلك اللحظات القليلة المؤلمة بينما ما زلت تعتقد أنك سمعت شيئا، تحدث استجابة ضغط نفسي. ويبدأ الأمر برمته بسبب عملية تفكير تطلق تفاعلا متسلسلا في جسدك. وفي هذا الموقف، لم تكن لتمر بأي ضغط نفسي لو لم تستيقظ من نومك.
ولكنك استيقظت بالفعل، وتعتقد أنه قد يكون هناك خطر في الغرفة المجاورة. إليك نظرة مبسطة للغاية على ما قد يحدث في عقلك وجسدك:
إنك تعتقد أنك في خطر ويرسل مخك (سريعا، تلقائيا وبدون وعي) إشارة كهربائية تحفز الغدة النخامية الخاصة بك، وهي غدة صغيرة للغاية تقع في منتصف مخك. تفرز الغدة النخامية هرمون ACTH (الهرمون المنشط للغدة الكظرية) في مجرى الدم. يتدفق هذا الهرمون في الغدتين الواقعتين فوق كليتيك مباشرة – الكظريتين – اللتين تزيدان من إفراز الأدرينالين وسلسلة من الهرمونات الأخرى؛ مما يتسبب في أن يصبح جسدك أكثر استثارة، واستعدادا للعمل. ويؤثر التغير الكيميائي على كل خلية في جسدك. وتستغرق هذه العملية الكهربية والكيميائية بالكامل حوالي ثماني ثوان فقط!
وفي أثناء الثواني الثماني نفسها، تحدث إشارات كهربية أخرى تغييرات في قلبك، ورئتيك، وعضلاتك؛ فيصبح جسدك بالكامل متيقظا ومستعدا للاستجابة، وتنقبض بعض عضلاتك وأوعيتك الدموية، رافعة ضغط دمك ومزودة عضلاتك الرئيسية بقدر كبير من الدم. ويزداد التوتر العضلي بشكل كبير، مستعدا للتحرك بسرعة وقوة. هل تتذكر قصص رجال ونساء قاموا بأعمال بطولية بدنية لا تصدق في حالات الطوارئ ذات الضغط النفسي العالي للغاية، مثل تحريك السيارات؟
في أثناء الثواني الثمانية نفسها، تبدأ كبدك في إنتاج الجلوكوز بسرعة والذي يعد مصدر طاقة ضروريا لمخك وعضلاتك. ويحتاج مخك بشكل خاص لإمداد أكثر وفرة من الدم الغني بالجلوكوز حتى يستطيع زيادة نشاطه الكهربي والتحكم في حركات جسدك بشكل أفضل. كما يتسارع معدل تنفسك؛ مما يزيد من إمداد الأكسجين في الدم بحيث تستطيع عضلاتك ومخك استخدام الجلوكوز بطريقة أكثر فاعلية. ويتسارع معدل ضربات قلبك، رافعا كمية الدم المرسلة إلى الأجزاء المختلفة من جسدك. وتكون الأولوية للأجزاء التي تحتاج إلى المزيد من الدم – مخك وعضلاتك – بينما يتحول الدم من الأعضاء الأقل أهمية الأخرى مثل معدتك وأمعائك. ويعوق هذا هضمك بشكل أساسي، وهذا هو سبب معاناتك مشكلات في الهضم إذا كنت تمر بضغط نفسي فترات طويلة. ويتحول الدم أيضا من يديك وقدميك. ولا يسمح هذا فقط باستخدام مزيد من الدم أينما كانت الحاجة إليه (المخ، والعضلات الضخمة، والقلب) وإنما يحد هذا العمل أيضا من النزيف الحاد إذا أصيبت أطرافك. وإليك أحد الآثار الجانبية السلبية: قد تصبح يداك وقدماك باردة ورطبة تحت وطأة الضغط النفسي.
يصبح تركيز حواسك منصبا على الخطر المحتمل من شيء أو شخص ما في الغرفة المجاورة. ويصبح سمعك أكثر حدة. وتتسع حدقتا عينيك؛ مما يزيد حساسية رؤيتك. بل إن تركيز عامل التجلط في دمك يزداد. وهذه التغيرات القليلة الأخيرة تحدث في جسدك لتساعدك على التأهب لأي صراع بدني. إنها بقايا تطورية من ماضيك البيولوجي، ولكن في بعض مواقف الحياة أو الموت المعينة تصبح ردود الأفعال هذه لا تقدر بثمن.
إن هذه العملية بأكملها هي إنذار كهربي وكيميائي منسق بشكل رائع لجسدك لاستجابة “كر وفر” محتملة. تحدث العملية بسرعة (تذكر، من ثماني إلى عشر ثوان تقريبا)، دون وعي، ومع ذلك فهي استجابة طبيعية للغاية من جسدك لحماية نفسه ضد أي ضرر محتمل. وتتوقف مدى شدة هذه الاستجابة، أو طول مدتها، على كم التوتر أو الخطر الذي ترى الموقف يمثله.
من المهم بالنسبة لك أن تكون قادرا على إدراك أعراض الضغط السلبي الجسدي المميزة الخاصة بك، وتتضمن القائمة التالية بعض الأعراض الأكثر شيوعا.
أعراض الضغط النفسي السلبي البدنية المحتملة
• الدوار
• اتساع حدقتي العينين
• توتر الرقبة والكتفين
• التنفس سريع
• ركبتان ضعيفتان
• التعرق
• جفاف الفم
• ضيق في الحنجرة
• ضربات قلب سريعة
• أيد باردة ورطبة
ويتضمن الضغط النفسي ردود أفعال نفسية أيضا؛ فحيث إنك مكون من جسد وعقل فإن الضغوط النفسية تجعلك تستجيب نفسيا.
أعراض الضغط النفسي السلبي النفسية المحتملة
• اللامبالاة
• الكبت
• الانسحاب
• النسيان
• القلق
• التوتر العاطفي أو الحدة (أن تكون مثاراً أو مفرط الاستثارة)
• الأحلام المزعجة
• الضحك بعصبية وبصوت مرتفع
• الشعور بعدم الرضا
• حدة الطبع
• ضعف التركيز
• التعرض للحوادث
• رغبة لا تقاوم في البكاء أو الركض أو الاختباء
• الميل للذعر بسرعة
الاتصال العقلي – الجسدي: مسألة حياة أو موت
بينما كنا نصف رد فعل جسدك للضغط النفسي، أشرنا عدة مرات إلى ما تفكر فيه وكيف يستجيب عقلك. تذكر مرة أخرى تعريف الضغط النفسي: يحدث الضغط النفسي عندما يستجيب عقلك وجسدك لأي موقف حقيقي أو تخيلي.
ولإدارة الضغط النفسي علاقة بعقلك (ما تتصوره، وتفكر فيه، وتصدقه) أكثر من جسدك (كيفية استجابتك جسديا). فتبدأ استجابة جسدك للضغط النفسي بمخك – عقلك. إذن فإن المفتاح لإدارة فعالة وناجحة للضغط النفسي يجب أن تبدأ أيضا بما تفكر فيه وتصدقه – كيفية تصورك لكل شيء يحدث لك. أليس من المنطقي أن تبدأ من حيث يبدأ ضغطك النفسي؟
بدأ العلماء يدرسون كيف يمكن أن تؤثر الأفكار، أو المعتقدات أو التصورات على صحة الجسد، والعلاقات بين العقل والجسد. ويسمى هذا Psychoneuroimmunology أو علم المناعة العصبية النفسية ويُعرف اختصارا PNI. وهناك دليل على أن العقل ليس قادرا فقط، ولكن يعدل أيضا الكيمياء الحيوية للجسد بانتظام.
وقد اكتشفت الأبحاث التي أجريت في العقد الماضي خطوطا مادية من التواصل بين المخ وجهاز المناعة، فإن الأعصاب تربط المخ بأعضاء مثل الغدة الصعترية والطحال اللذين يؤثران بدورهما على جهاز المناعة. وتعد الروابط العصبية بين تلك الأعضاء والجهاز الحوفي للمخ الذي يتحكم بالمشاعر وجهاز المناعة مهمة بشكل خاص.
يجب أن يكون هذا أكثر من مجرد مثير للاهتمام بالنسبة لك، فهناك موقف يعني الحياة أو الموت حرفيا بالنسبة لك! لدى عقلك (النفسية) القدرة – عن طريق جهازك العصبي (العصبية) – على التأثير على جهاز المناعة الخاص بك (المناعة) والذي يحدد وجود المرض ومساره في جسدك. بمعنى آخر، من الممكن لتفكيرك أن يجعلك مريضا أو معافى بدرجة كبيرة. عندما يقول مخك: “إنني أشعر بالتعب اليوم”، أو “لا أستطيع أن أتأقلم مع أي شيء”، أو “يبدو أنني سأصاب بالتجمد الذي لدى الجميع”، ربما يستجيب جهاز مناعتك بأن يصبح متعبا وغير قادر على مقاومة التجمد.
من الممكن أن يؤثر الضغط النفسي السلبي على جهاز المناعة. في الحالات الطبيعية يسعى جهاز المناعة الخاص بك وراء الفيروسات والبكتيريا الضارة ويدمرها، ولكن عندما تمر بضغط نفسي سلبي شديد، فإن التغيرات الكيميائية في جسدك من الممكن أن تغير من العمل الصحي لجهاز المناعة الخاص بك. وقد يؤدي جهاز المناعة الضعيف لزيادة قابلية وصول الفيروسات والبكتيريا المحيطة إليك. وربما يفسر هذا سبب إصابتك بالبرد المعتاد، أو الإنفلونزا، أو العدوى التي قد تقاومها عادة في ظروف معيشية ذات ضغط نفسي أقل أو في وجود ضغط نفسي إيجابي.
إن مخك وجهازك المناعي متصلان بحلقة مغلقة عن طريق جهازك العصبي. وبأبسط الكلمات، يعني وجود هذه الحلقة أن ما تفكر فيه يمكن أن يؤثر في النهاية على صحتك.
إن التشاؤم، والشعور بالعجز، واليأس، والاكتئاب، والوحدة هي حالات عقلية يمكن أن تؤثر سلبا على جسدك عن طريق جهازك المناعي؛ لذا فإن أقوى أداة لإدارة الضغط النفسي، أو ” الترياق”، للآثار السيئة للضغط النفسي السلبي يمكن أن تتمثل في وجود عقل سليم صحيا، وبشكل محدد، فإن بإمكانك القيام بالكثير لدعم الاتصالات الإيجابية المولدة للصحة بين مخك وجسدك عن طريق:
– الحفاظ على نظرة متفائلة أو إيجابية في حياتك عن طريق رؤية الإمكانات في مواقف حياتك (الاعتقاد والشعور بأن لديك بعض التحكم). انظر الدليل السريع رقم 3.
– إضافة الفكاهة لحياتك حيث إن الدراسات تشير إلى قوة الجهاز المناعي لمن يعيشون بجدية أقل (رغم أنهم يعملون في حياتهم بجدية كبيرة).
– خلق روابط اجتماعية قوية والحفاظ عليها وأن تكون حول من يحبونك لشخصك.
إن الضغط النفسي الزائد على الحد من الممكن أن يضعف جهاز مناعتك ويجعله عرضة لإمكانية استضافة أمراض ناتجة عن الضغط النفسي، ويربط علم المناعة العصبي النفسي هذه الظروف بطريقة تفكيرك – أي ما يتصوره عقلك. ومن المهم أن تلاحظ أن كل حالة مرضية مذكورة في الدليل السريع رقم 4 قد لا تكون بسبب الضغط النفسي أو حالتك الذهنية. فيعلمنا البحث أيضا أن بيئتك واستعدادك الوراثي من الممكن أن يؤثرا على صحتك، ولكن يبدو أن هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تشير إلى أن الضغط النفسي الزائد – الضغط النفسي السلبي – يمكن أن يجعلك أكثر عرضة لهذه الأمراض أو الوعكات.
إن لديك بالفعل سيطرة على عقلك وجسدك وردود أفعالهما تجاه الضغوط النفسية. فهل تتقبل هذه الحقيقة فعلا؟
يتم استدعاء استجابة ضغط نفسي قياسية للعمل بشكل تلقائي في كل مرة يتلقى فيها عقلك شيئا يَعُدُّهُ خطيرا. وعندما يوجد اعتقاد بأن شيئا ما مثير للقلق، أو يمثل تهديدا، أو خطرا، فإن استجابة الكر والفر – الكل أو اللاشيء – البدنية تحدث في جسدك، ويمكن أن تحدث استجابة ضغط نفسي بدنية إذا كنت في حادث سيارة، ومن المحتمل أن تحدث استجابة ضغط نفسي مشابهة للغاية (رغم أنها قد تكون أقل حدة) في كل مرة تستعيد فيها التجربة في ذاكرتك.
إن الضغط النفسي وإدارته يرتبطان بحقيقة أساسية للغاية ولكنها مهمة وهي أن: عقلك يستجيب بالطريقة نفسها لما هو حقيقي وما يتخيله. بمعنى آخر، أن تصورك للواقع مهمة أهمية الواقع نفسه.
على سبيل المثال، إذا كنت تؤمن بأنك في خطر أو إذا كنت تعتقد أنك ستتعرض لأذى، فإن عقلك ينطلق للعمل ويستعد للأسوأ. وهو يصدق تماما (يتصور) أن هناك خطرا ويتأهب لحماية نفسه. وفي مثالنا السابق – سماع أصوات في الليل – فإنك مررت بتجربة استجابة للضغط النفسي عندما استيقظت وصدقت أن هناك أحدا في الغرفة المجاورة. إن عقلك لا يعرف ما يحدث في الغرفة المجاورة، ولكن بما أنه يصدق (يتصور) أن هناك خطرا، فإنه يستعد لهذا الخطر عن طريق إصدار استجابة بدنية ونفسية. إن تصور عقلك للحقيقة مهم بقدر أهمية الحقيقة نفسها.
ومن الممكن أن تعوقك هذه الاستجابة الوقائية الصحية الطبيعية للضغط النفسي وتصبح مؤذية بطريقتين:
• إذا كانت تحدث بشكل أكثر من اللازم عندما تكون حقا في موقف مثير للتهديد نوعا ما
أو
• إذا كانت تحدث بكثرة لأن عقلك يعتقد فقط أنك في موقف مثير للتهديد.
في كلتا الحالتين، ستحدث استجابة الضغط النفسي البدنية والنفسية المتفجرة بالكامل والتي من الممكن أن تخلق توترا كبيرا على جهازك المناعي والذي يمكن بدوره أن يعدك لمشكلات، أو أمراض، أو وعكات أخرى مثل المذكورة في الدليل السريع رقم 4.
ونحن نرى أن بإمكانك أن يكون لديك سيطرة على استجابتك البدنية والنفسية للضغط النفسي أكبر مما قد تدرك.
ما السر الحقيقي للمعنى والتوازن والصحة؟
يوجد عامل مشترك بين تلك المآسي الإنسانية. إنه العامل الوحيد والذي هو أيضا السر المطلق لإدارة الضغط النفسي بنجاح، ولتحقيق المزيد من المعنى والتوازن والصحة. إن الفكرة بسيطة للغاية، يتجاهلها معظم الناس ويظلون ينفقون الكثير من المال والوقت في البحث عن العلاج السحري “الحقيقي”. إنهم يسمعون السر ولا يتعرفون عليه أو يقبلونه لبساطة قوته.
كان “السر” معروفا لقرون، ويتم ذكره بطرق مختلفة، طارحا دائما الفكرة نفسها ويتم التعبير عنه عادة بجملة واحدة:
• إن حياتنا هي من صنيع أفكارنا.
• من لديه سبب للحياة يمكنه تحمل أي شيء تقريبا.
• معظم الناس سعداء بقدر ما اختاروا أن يكونوا عليه.
• نحن لسنا ما نعتقد أننا عليه؛ لكن، ما نعتقده، هو ما نحن عليه.
• المدخلات السيئة تؤدي إلى نتائج سيئة.
• يستطيع العقل إدارة حوار مع نفسه يستمر حتى ينتهي بالموت.
• لا يمكنك أن تعلم إنسانا أي شيء، يمكنك فقط أن تساعده على إيجاده بداخله.
• أغلب الناس مضغوطون نفسيا بقدر ما اختاروا أن يكونوا عليه.
إن معتقداتك، وتوجهك الإيجابي، وإحساسك بالسيطرة، وما تفكر فيه، وحديث عقلك، والأمل – جميعها تمثل القدرة البشرية الداخلية نفسها التي تشكل حياتك، للجيد أو للسيئ. إنك تختار مستقبلك، وصحتك، وحياتك، وحتى موتك، من خلال ما تفكر فيه.
• إن عقلك، ومخك، وما يفكر فيه هو…
• المفتاح لجسد أكثر صحة،
• والمفتاح لتوازن أكثر في حياتك،
• والمفتاح لمعنى وسعادة أكثر،
• والمفتاح لإدارة الضغط النفسي بشكل أكثر فاعلية.
هل يمكن أن يكون الأمر بهذه البساطة؟
إن مخك يتحكم حرفيا، من خلال ما تفكر فيه، بحياتك. هل تفكر في نصف الكوب الممتلئ أم الفارغ؟ هل تصدق أن بإمكانك الحصول على علاقات ناجحة ذات معنى؟ هل لديك إيمان بقدرتك على تسلق قمة ارتفاعها 14000 قدم في كولورادو؟ هل لديك أمل في مستقبلك كنحات للتماثيل البرونزية؟
هل ترغب في إلقاء نظرة عن كثب على ما يدور في حياتك عن طريق النظر عن كثب على ما يدور داخل عقلك؟
لا توجد مواقف “جيدة” أو “سيئة” في حياتك. إن الضغط النفسي في عالمك محايد. إن عشرات الأحداث التي تمر بها كل يوم هي مجرد أحداث. وهي تحدث لك تماما كما تحدث للآخرين. ورد فعلك لكل حدث هو ما يجعله “جيدا” (ضغط نفسي إيجابي) أو “سيئا” (ضغط نفسي سلبي).
نعم، هذا صحيح. تحدث أشياء “سيئة” لأناس جيدين، وتحدث حوادث مؤسفة، لكن، حين تفكر في الأمر، لن يفيد أن تصبح ممتعضا وتكبت غضبك وتصب اللوم على ما حولك حتى ولو فترات زمنية قصيرة. لن تغير نوبات غضبك الماضي أو الحاضر، ولكن احتفاظك بالمشاعر السيئة من الممكن أن يفعل الكثير لجعل أيامك الحاضرة والقادمة أكثر بؤسا مما يمكن أن تكون عليه.
عندما تنظر إلى عشرات الأحداث في كل يوم من أيامك، يمكنك فقط أن تشير بإصبعك إلى نفسك وتبدأ في تقبل الحقيقة البسيطة وهي أنك أنت من يقرر إذا ما كان كل موقف يمثل نعمة أم نقمة. إنك تخلق ضغطك النفسي السلبي بنفسك من خلال طريقة اختيارك لتفسير الأحداث في حياتك أو رؤيتها، ولا يمكنك لوم أي شخص أو شيء في حياتك على ما يحدث لك، ولا يمكنك أن تكون غاضبا أو ممتعضا تجاه مديرك، أو شريك حياتك، أو أطفالك، أو أصدقائك، أو زملائك في العمل، أو حيوانك الأليف، أو أي شيء أو شخص آخر.
بمعنى آخر، يتضمن العيش في عالمك بمزيد من المعنى والتوازن والصحة:
10% مما يحدث لك، و90% من طريقة تفكيرك حياله ومن ثم كيفية استجابتك له.
أو بمعنى آخر، إن الإدارة الأكثر نجاحا لضغطك النفسي وإيجاد المزيد من المعنى والتوازن والصحة هي:
10% فعلا (تعلم واستخدام تقنيات إدارة الضغط النفسي)، و90% توجها (طريقة تفكيرك والأفكار التي تدور في رأسك).
هذان هما عاملا إدارة الضغط النفسي الفعالة: التصرفات التي يمكنك تعلمها والتي ستساعدك على التعامل بشكل أكثر فاعلية مع المواقف المسببة للضغط النفسي، والتوجهات التي تشكلها وتحتفظ بها في عقلك.
إن الأمر بهذه البساطة حقا!