التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

الضغوط والتوتر البطني والحركة التمعجية لعضلات الأمعاء

لا يمكن فصل الجهاز الهضمي عن باقي الجسم، ولا الجسم عن العقل. ومن ثم، فإن مستوى التوتر لدينا وكذلك حالتنا النفسية لهما علاقة كبيرة بالصحة الهضمية. والجهاز الهضمي هو أساس بقائنا، لذا فإنه يمثل الغريزة اللازمة للحفاظ على ذاتنا. ومنطقته الجسمانية هي التجويف البطني ومركزه هو البطن. ويقول من يؤمنون بالفنون التقليدية القديمة إن مركز الطاقة الحيوية للجسم يقع عند نقطة أسفل السرة بمقدار عرض أربع أصابع وحوالي 2.5 سم داخل البطن. وهذه النقطة تعرف في أعراف وتقاليد مختلفة باسم “كاث” أو “كي” أو “تان تيين”.

والتجويف البطني منفصل عن التجويف الصدري بالحجاب الحاجز، وهو عضلة تشبه القبة (مع العلم بأن الرئتين والقلب والكليتين تقع جميعاً داخل ما يسمى القفص الصدري أو الأدق أن نسميه قفص الضلوع). إن الطريقة التي نتنفس بها وحركة عضلة الحجاب الحاجز لهما أهمية كبيرة لعملياتنا الهضمية. ففي الشخص المسترخي والسليم تُجذب عضلة الحجاب الحاجز إلى أسفل أثناء الشهيق فتنفتح الرئتان لدخول الهواء، ثم تنقبض تلك العضلة إلى أعلى مما يقلل فراغ الرئتين مع خروج هواء الزفير. لذا، فإن البطن يجب أن يتمدد أثناء الشهيق، مع هبوط عضلة الحجاب الحاجز، ويجب أن يسترخي أثناء الزفير مع ارتفاع تلك العضلة. وهذا يحدث في الأطفال الصغار وفي الحيوانات، ولكن مع تقدم الإنسان في السن نجد الكثير من الناس يفقدون هذه القدرة التنفسية العميقة الطبيعية، وبدلاً منها فإنهم يأخذون أنفاساً سطحية جداً. فيبدو الأمر بالنسبة لهم كأن هذين التجويفين قد انفصل (تقريباً) كل منهما عن الآخر، مما يعني بالتالي أن الأعضاء الهضمية لا تحصل على التدليك اللازم عن طريق حركات عضلة الحجاب الحاجز. كما يعني أيضاً أن عضلات البطن قد تبقى في حالة توتر، مما يثبط العمليات الهضمية.

التجويفان البطني والصدري وعضلة الحجاب الحاجز

وإذا كان القلب، أو التجويف الصدري، يقال إنه يمثل غريزتنا في الارتباط بالآخرين، فإن البطن، أو التجويف البطني، يتصل بغريزتنا في حفظ الذات، أو حفظ كياننا ووجودنا في الحياة. ويمثل الرأس أو التجويف الجمجمي غريزتنا التأقلمية، أو أفعالنا في الحياة. وتظهر ضغوطنا النفسية المتعلقة بأفعالنا (أو كفاحنا)، وارتباطنا (أو انتمائنا)، وحفظ وجودنا (أي شعورنا بالأمان) في صورة توتر جسماني. ومن المناطق الرئيسية التي يظهر بها التوتر الجسماني: العضلات البطنية. وتوتر هذه المنطقة يمكن أن نجده كمظهر للإدراك النفسي تجاه نوع ما من التهديد الموجه لوجودنا في الحياة وذلك بأفكار مثل: “ماذا أفعل إذا فقدت وظيفتي”، أو “ماذا سيحدث إذا لم أتمكن من سداد القرض الذي عليّ”، أو “لن أمتلك المال الكافي لأن أشعر بالأمان”، أو “إنني لا أشعر بالأمان” (وهي قضايا تشمل كياننا ووجودنا في الحياة، مثل الطعام، والصحة، والبيت، والمال، والأمن… إلخ). ويختزن التوتر النفسي في الجسم في صورة توتر جسماني يكون له تأثير حقيقي على الهضم، إذ يعوق الحركة التمعجية الطبيعية للعضلات المحيطة بكل من الأمعاء الدقيقة والغليظة.

وفي الأحوال الطبيعية تعمل تلك الموجة التمعجية (الشبيهة بحركة الثعبان) من الانقباضات العضلية على جعل محتويات القناة الهضمية تسير في الاتجاه السليم، بصورة سليمة. فإذا ما حدث تثبيط لها، إما بفعل التوتر البطني وإما بفعل الإمساك وانتفاخ القولون، فإن تلك الحركة التمعجية قد تتم إعاقتها بالفعل أو إضعافها، مما يؤدي إلى ميل أكبر إلى الإمساك. وعلى العكس، فإن الانقباض الزائد للعضلات البطنية يمكن أن يسبب آلاماً في القناة الهضمية تشبه التقلصات مع ميل للإسهال.

إرخاء البطن واستعادة الحركة التمعجية

ثمة طرق عديدة لاستعادة النشاط السليم للعضلات البطنية وللحركة التمعجية. وهذه تشمل طرقاً للتنفس والتمارين البطنية والتدليك والعلاج القولوني والأعشاب المرخية للعضلات. وكل هذه الوسائل يمكن أن تكون مفيدة لمجموعة عريضة من المشكلات الهضمية، بدءاً من التقلصات البطنية ومتلازمة الأمعاء المتهيجة، وحتى الإمساك وسوء الهضم. وكذلك أيضاً يمكن أن يفيد التعامل مع القضايا النفسية والضغوط التي تؤدي إلى التوتر البطني.

التمارين التنفسية

إن المدارس المختلفة من اليوجا والفنون العرفية القديمة تعلم مختلف التمارين التنفسية التي تهدف إلى تعزيز التنفس العميق الكامل الذي يقوي عضلة الحجاب الحاجز ويستخدمها بالكامل. وثمة طريقة أو تقنية منها تعجبني شخصياً وتسمى تنفس “ديا-كاث” وهو جزء من نظام تدريبي يعرف “بالجمباز النفسي” (أو الألعاب الجمبازية النفسية). وخلاصة هذا التمرين أن تتخيل ما يسمى نقطة “كاث” كمغناطيس يجذب عضلة الحجاب الحاجز إلى أسفل عند الشهيق. وهذا التصور، الذي يتم في ضوء التعليمات السليمة سرعان ما يولد تنفساً من البطن يكون أكثر عمقاً بكثير مما تعودت عليه. وهذا لا يحسن الصحة الهضمية فحسب، وإنما يحسن أيضاً وبشكل جوهري الإمداد بالأكسجين وتبادل الغازات، وبالتالي يولد حيوية متزايدة.

التمارين البطنية

تركز التمارين التقليدية السائدة على جذب البطن إلى الداخل ليبدو خصرك نحيلاً، وفي الرجال تركز تلك التمارين على جعل صدر الرجل يبدو مربع الشكل مع تقعر للبطن. ولكن من المهم أيضاً بالنسبة للبطن أن يكون قادراً على الاسترخاء بصورة سليمة وأن يتمدد مع التنفس. وبالتالي، فإذا كانت التمارين المقوية لعضلات البطن مثل تمارين الجلوس مفيدة، فأنت أيضاً بحاجة إلى أنواع أخرى من التمارين البطنية مثل تمرين “أودي-ياما” Udiyama وهو من تمارين اليوجا التقليدية التي تساعد على تنشيط الهضم وتدليك الأعضاء التي بالمنطقة البطنية.

وضع القدمين: المسافة بينهما تساوي عرض ثلاث أقدام.
التنفس: شهيق في 3 عدات، زفير في 3 عدات.
أوقف التنفس واجعل عضلات البطن تنقبض ثم تنبسط في 9 عدات.
كرر التمرين ثلاث مرات

 

اثنِ ركبتك وضع يديك على فخذيك فوق مستوى الركبتين مباشرة مع جعل أصابعك متجهة للداخل. واجعل كتفيك وذراعيك ويديك مسترخية جميعاً. واجعل عمودك الفقري وعنقك على استقامة واحدة. ولكي تحصل على زاوية الميل الصحيحة بمقدار 45 درجة اثن ركبتيك ومل بجذعك ورأسك للأمام، جاعلاً يديك مستقرتين بخفة على فخذيك، على أن يكون رأسك وعمودك الفقري في خط مستقيم واحد. تجنب المبالغة في ثني الجسم. راعِ أن تبقي عضلات الأليتين مسترخية. أخرج هواء الزفير بحدة، وأفرغ رئتيك من الهواء واجعل بطنك يبرز للخارج. وأثناء جعل الرئتين فارغتين، اقبض وابسط عضلات البطن بالتبادل وبشكل متتابع سريع تسع مرات (أي في 9 عدات). واجعل كل انقباضة بأعمق قدر ممكن. اجعل حركات البطن سلسة ومنتظمة. وإذا اتخذت الوقفة السليمة، فهذا يجعل انقباض العضلة المستقيمة البطنية يدلك الأحشاء بدرجة أكثر كفاءة. ويمكنك أن تشعر بالجذب الواقع على العضلات بدءاً من عظمة العانة إلى أسفل وحتى الحلق إلى أعلى. ويجب على النساء عدم أداء هذا التمرين أثناء الحيض وأثناء الحمل.

ومع ذلك، فهذا التمرين هو مجرد واحد من 23 تمريناً ضمن الروتين التدريبي للجمباز النفسي، والذي يمثل في مجمله طريقة رائعة لبعث الحيوية في الجسم وللمحافظة على اللياقة البدنية والقوة والمرونة وتحسين الهضم (انظر “عناوين مفيدة” للحصول على مزيد من التفاصيل). ويجب أن يشمل النظام التدريبي الكامل من اليوجا هذه التمارين البطنية المذكورة بالإضافة إلى تمارين أخرى تهدف إلى تحقيق الانتعاش والحيوية للجسم.

التدليك

برغم أن التدليك التقليدي نادراً ما يكون تأثيره متعمقاً بحيث يصل إلى تحرير المنطقة البطنية من توترها، إلا أن الخبير المتمرس على العلاج بالتدليك يمكنه أن يعزز تحقيق هذا الهدف. وأغلبنا يعاني التوتر في هذه المنطقة، لاسيما حينما نكون تحت ضغوط معينة. ومع ذلك، يجب اتخاذ الحذر عند إجراء التدليك للمصابين بمرض الأمعاء الملتهبة.

العلاج القولوني

يتضمن هذا العلاج تمرير كمية من الماء برفق إلى داخل القولون، وهذا يعمل على تنبيه الحركة العضلية التمعجية. والمعالج القولوني الجيد (انظر “عناوين مفيدة”) يقوم بتدليك المنطقة البطنية أثناء جلسة العلاج بطريقة تعزز الحركة العضلية التمعجية. ولكي تستعيد تلك الحركة بشكل طبيعي (والتي يمكن الإحساس بها مثل دقة القلب في كثير من خصائصها)، من الأفضل أن تلجأ إلى معالج قولوني (أي خبير في العلاج القولوني) مرة كل يومين أو ثلاثة أيام إلى أن تعود الحركة التمعجية إلى طبيعتها. وهذا مفيد جداً للأشخاص الذين لديهم تاريخ سابق من معاناة الإمساك. وإن كان من الأفضل أن تبدأ العلاج بعد شهرين من الممارسات الغذائية السليمة.

الأعشاب المرخية للعضلات

النعناع عشب فعال مرخ للعضلات. وقد ثبتت فعالية كبسولات زيت النعناع بدرجة عالية في الأشخاص الذين يعانون تقلصات عضلية بطنية لاسيما في حالة متلازمة الأمعاء المتهيجة. ويتم ابتلاع هذه الكبسولات فتنطلق محتوياتها في المعدة والجزء العلوي من القناة الهضمية. وإذا كان الانقباض العضلي يمثل جزءاً من المشكلة، يمكن أن تحقق هذه الكبسولات تفريجاً جوهرياً وفورياً بصفة نسبية. ومع ذلك، ضع في اعتبارك أن هذه الانقباضات العضلية يمكن أن تكون أسلوباً من جانب الجسم ليقول من خلاله أنه لا يتلقى احتياجاته من الأطعمة الشافية. لذا، فانظر بدقة إلى ما تأكل، واحرص على ما ينفعك.