هناك بعض الحالات من مشكلات التعلم والتخلُّف الدراسي ترجع إلى التخلف العقلي وانخفاض مستوى الذكاء. ولكن هناك أيضاً مشكلات من التخلف الدراسي والتعلم ترجع إلى أخطاء في التربية التي تشكل عائقاً للنجاح. وهذا ما يمكن تسميته “الطفل الذكي المتخلف في دراسته”. لذلك فإن عوامل مختلفة يجب أخذها بعين الاعتبار عندما تبدو حالة من التخلف الدراسي عند الطفل الذكي.
عوامل ضرورية للأخذ بها في مجال العلاج السلوكي
ـ ضرورة التركيز على النجاحات التي يحققها الطفل عوضاً عن التركيز على الفشل مهما كان أمر النجاح فيها ضئيلاً لأنه لا شيء يدعو إلى النجاح مثل النجاح ولا شيء يدعو إلى الفشل مثل الفشل.
ـ جعل عملية التعليم عملية يسعى التلميذ من خلالها إلى تحقيق الرغبة فيها بحيث تُدخل السرور إلى قلبه حتى يُقبل عليها إقبال الظمآن على الماء القراح.
ـ التركيز على تحقيق النجاحات خطوة خطوة، عبر مراحل من التشجيع والإطراء في كل مرة يحقق فيها الطفل تقدماً معيناً.
ـ جعل التعلم مرتبطاً بالنشاط العملي لأن الأمور العملية أكثر رسوخاً في الذهن بحيث تبقى مدة طويلة.
ـ كن عملياً قدر ما تستطيع عبر تقديم نماذج من النجاح لأشخاص حققوا إنجازاً معيناً أو نجاحاً هاماً في ميدان من الميادين بحيث يغدو هذا الشخص قدوة يسعى التلميذ إلى تحقيقها.
مثال لحالة طفل
“كريم” طفل في الحادية عشرة من عمره، سبب قلقاً وانزعاجاً لوالديه خاصة بعد رسوبه في المدرسة. وممّا زاد الأمر سوءاً عدم اكتراث “كريم” لهذا الرسوب علماً بأنه كان ناجحاً في السنتين السابقتين، لكن تدهوراً حصل بعد ذلك بشكل تدريجي.
ومن الجدير ذكره أن مستوى الذكاء عنده كان فوق الوسط وأنه لم تكن عنده دلائل على أية مشكلة عقلية تعيق نجاحه. بالإضافة إلى أن معلميه أيدوا هذه النتائج وأشادوا بإمكاناته العقلية لكنهم قالوا أنه مهمل في أداء واجباته المدرسية داخل المدرسة وفي المنزل ممّا زاد الأمر سوءاً وشكل تدهوراً واضحاً في أدائه المدرسي، ولقد نصح معلموه الاستعانة بعيادة نفسية حيث ساهمت هذه العيادة بإعطاء نصيحتين اثنتين وهما:
النصيحة الأولى:
وتدور حول خلق دافع قوي للدراسة عبر مساهمة الوالدين بالإشراف على متابعة دروسه وأعماله المنزلية ـ لأنهما كما يبدو لم يهتما بهذا الجانب ـ وبكلمة أخرى كان كريم يلجأ إلى القول في كل مرة يسأله أبواه عن إنجاز واجباته المدرسية (وقليلاً ما كانوا يفعلون) بأنه أتم ذلك على أفضل وجه دون التأكد من قوله. ولمّا عرف والداه بالأمر بعد ذلك غضبا غضباً شديداً وطلبا منه أن يلازم غرفته لمدة ساعتين كان يقضيهما في قراءة قصص تافهة. لكن التقارير المدرسية استمرت في تأييد المقولة ذاتها من أنه لا يقوم بأداء واجباته.
وهنا تدخلت العيادة النفسية مقترحة على الوالدين ما يلي:
أ ـ ضرورة تحديد المشكلة وهي “فقدان الدافع للعمل” وهذا ما أهمله الوالدان طيلة المدة الماضية فلم يشرفا على القيام بواجباته والتأكد من إنجازها عبر طريقة مشوقة مقرونة بالمكافأة التدريجية.
ب ـ إن وضع الطفل “كريم” في غرفته لتمضية ساعتين كعقوبة دون النظر إلى ما في هذه الغرفة من ألعاب مختلفة يمكنه اللجوء إليها بدل الانصراف إلى أداء واجباته المدرسية كما يجب، فكان هذا سبباً عائقاً في أداء واجباته المنزلية. ولذلك نصحت العيادة بنقله من غرفته إلى مكان آخر حيث لا توجد هذه اللواهي ـ غرفة الطعام ـ ومكنت الوالدين من مراقبة طفلهما.
جـ ـ لجأ الوالدان إلى مكافأة الطفل في كل مرة ينجز فيها نجاحاً صغيراً كحافز للتعلم.
د ـ زيادة الوقت تدريجياً. بحيث لا ينتقل الطفل من عدم الاهتمام بواجباته إلى الاهتمام بها تماماً، لأن من شأن هذا أن يجعله قادراً على التكيف مع هذا التدرُّج.
هـ ـ مدح الطفل وتشجيعه كلما دعت الحاجة وعند الضرورة.
و ـ يُفترض أن تكون المكافأة فوريّة، أطعمة لذيذة، مشاهدة تلفزيون، اللعب خارج المنزل.
ز ـ ضرورة المتابعة والمثابرة على الإشراف على مدى تقدمه عبر تقييمه المستمر.
النصيحة الثانية:
وتدور حول كيفية التغلّب على المشكلات السلوكية عبر مساهمة كلاً من المعلمة والوالدين لعمل ما يلي:
أ ـ تحديد المشكلة وقد تبين أنها ذات شقين:
ـ إهمال في أداء الفروض والواجبات المدرسية.
ـ كثرة الحركة وعدم الانضباط مقرونة بتعليقات غير ملائمة. وكان يفعل هذا من أجل لفت الانتباه إليه.
ب ـ البحث عن حل للمشكلة
فقد تركزت على التقليل من المكافآت التي يحصل عليها بسبب سلوكه المشاغب، أي بالتقليل من الانتباه الإيجابي والسلبي الذي يحصل عليه من زملائه ومعلمته (كان زملاؤه يضحكون عندما يرمي نكتة في حين كانت المعلمة ترد على ذلك بسلبية). كذلك التركيز على زيادة الحوافز ومكافأته على السلوك الملائم، ولقد أتفق على أن السلوك الملائم هو العمل على إنهاء واجباته المدرسية وعدم تأجيلها حتى العودة إلى البيت.
كذلك أُتفق على أن يتم إبعاده عن الصف خمس دقائق عندما يصدر عنه سلوك غير مقبول. وهكذا تمّ إبعاده عن التدعيمات التي كان يحصل عليها داخل الصف من قبل زملائه (الضحك مثلاً) وفي حال تكرار السلوك نفسه مرة أخرى كان يُستبعد عن الصف من جديد لمدة مضاعفة. ولقد شكل إبعاده عن الصف نصف الحل، لكن النصف الثاني منه كان يتم عبر تعليمه على السلوك الملائم عمله داخل الصف.
جـ ـ المكافأة
وكانت تنطوي على إثابته في كل مرة يبقى ملازماً مكانه وهو يؤدي واجباته المدرسية. وكانت هذه الإثابه عبارة عن نقاط أو نجوم تُعطى له يومياً كلما أدى عملاً إيجابياً. وفي الوقت ذاته كان البيت على إطّلاع بكل هذه المكافآت في المدرسة بحيث يمتدح الوالدان السلوك الذي قام به “كريم” في المدرسة مشيدين بالانجازات ـ نجوم ـ نقاط…
د ـ المتابعة والتقييم
كان لا بُد من المتابعة لتحقيق أفضل النتائج لأنه لا شيء أفعل وأثبتْ وافضل من متابعة العمل لأنها السبيل الوحيد للحصول على النتيجـة المتوخاة. كما لا ننسى أهمية تقييم هذه المتابعة من أجل معرفة جدوى وأهمية وصحة ما يقوم به الوالدان والمعلمة.
وهكذا حققت هذه العملية العلاجية عبر الوالدين والمعلمة نتائجها وغدا “كريم” مزوداً بالدافع منصرفاً إلى أداء واجباته مما أدخل السرور الى قلبه وهذا ما أثلج صدر والديه ومعلمته.