كيف تؤثر أشعة الشمس على الجلد؟
تؤثر أشعة الشمس على جميع محتويات الجلد بما في ذلك خلاياه، وخلايا الغدد الموجودة فيه، وكذلك الشعر وأوعيته الدموية وخلاياه العصبية التي يحتويها نسيجه الضام.
وإذا سقطت الشمس على الجلد فإنها تسلك ثلاثة مسارات: يعكس الجلد بعضاً من الأشعة إلى الخارج، بينما يبتلع الجلد بعضها الآخر في طبقاته العليا، في حين تخترق بعض الأشعة الجلد إلى طبقاته الداخلية لتؤثر فيها.
فالأشعة فوق البنفسجية القصيرة الموجات (ultra violet rays) يتم ابتلاعها في الخلايا العليا للجلد وتساعد على تكوين صبغات الجلد السمراء (melanin)، التي تستطيع حماية الأنسجة الداخلية العميقة من التأثيرات الضارة للشمس وتحويل أشعتها ذات الموجات القصيرة والمؤثرة كيماوياً إلى أشعة حرارية طويلة الموجات تستطيع الوصول إلى الطبقات الداخلية في الجلد وتحته وتزيد في انتشار الحرارة منها. ولذلك فالجلد الأسمر ينشر الحرارة أكثر من الجلد الأبيض ويحول دون احتقان الجلد بسبب الحرارة في أشهر الصيف ويسبب الشعور بالارتياح. وتكثر الأشعة قصيرة الموجات في مناطق الجبال العالية وفي الشواطئ بينما تفتقد في المدن والسهول وذلك بسبب الأبخرة والتلوث الذي ينتشر في الجو.
أما الأشعة الحمراء وتحت الحمراء (Red & infra red)، فإنها تخترق الجلد إلى طبقاته الداخلية وتعمل على توسيع الأوعية الدموية (V.D) فتزداد كمية الدم بها وتكسب الجلد لوناً أحمر، وفي استطاعة أوعية الجلد الدموية أن تستوعب ثلثي كمية الدم الموجودة بالجسم، مما يدفع نخاع العظم والكبد والطحال على دفع كمية من الدم إلى الجلد لكي تستوعبه هذه الأوعية المتسعة.
كما تعمل هذه الأشعة على زيادة قلوية الدم وتناقص الحموضة فيه.
تأثير أشعة الشمس على الجهاز العصبي
يوجد اتصال بين أعصاب الجلد الطرفية، وأعصاب الأحشاء الداخلية (كالرئة، والكبد والمعدة والأمعاء)، والجهاز العصبي المركزي. وقد اكتشف هيد (head) هذه العلاقة، وأكد أن هناك أماكن خاصة في الجلد لها علاقات خاصة بالأحشاء الداخلية، وقد سميت هذه الأماكن الخاصة باسم مكتشفها الطبيب “هيد”، وبذلك فإن تعريض منطقة واحدة مثلاً من هذه المناطق لأشعة الشمس ينشّط العضو الداخلي المرتبط بها عن طريق الأعصاب النباتية، وبالتالي ينشّط دوران الدم وعملياته الغذائية وحرق الرواسب فيه والتخلص من أضرارها وتنشيط عملية التنفس الداخلي لخلاياه. لذلك أمكن معالجة كثير من الأمراض المستعصية في الداخل وشفاؤها بتعريض الجلد إلى أشعة الشمس.
تأثير أشعة الشمس على الغدد الجلدية
يحتوي الجلد على غدد عرقية ودهنية، وتعمل أشعة الشمس على تنشيط هذه الغدد مما يزيد من إفرازاتها وتخليص الجسم من كثير من السموم الراسبة في خلاياه، ولذلك فأشعة الشمس مفيدة جداً في علاج أمراض النقرس (Gout) والروماتيزم وكثرة إفراز العرق، بما يحتويه من ماء وأملاح مما يخفف العبء عن الكلى وخاصة إذا كانت مصابة بأمراض، وتصريف الماء المتراكم حتى من الأجسام السليمة يزيد طاقة هذه الأجسام ومناعتها. وزيادة عملية التنفس في الجلد تخفف العبء أيضاً عن الرئتين.
تأثير أشعة الشمس على الجروح والطفح الجلدي
تنشيط الدورة الدموية في الجلد يساعد على التخلص من الجراثيم والأنسجة الميتة إلى خارج الجرح. وللأشعة القصيرة تأثير كيماوي يحرم الجراثيم الموجودة في الجرح من إمكانيات التكاثر والحياة. وتنشيط الدورة الدموية في الجسم يساعد أيضاً على مد الأنسجة السليمة بالمزيد من الغذاء وكرات الدم البيضاء المدافعة عن الأنسجة وسلامتها، فيزول من الجرح العفن والرائحة الكريهة بعد أيام قلائل ويتقدم الجرح نحو الشفاء بسرعة، ومما هو جدير بالذكر أن الندب (الأنسجة الليفية التي تخلفها الجروح) المعالجة بأشعة الشمس تكون أكثر ليونة وأقوى مناعة من المعتاد.
تأثير أشعة الشمس على كسور العظام وأمراضها
إن فيتامين د D فعال في الجسم إلا إذا تعرض لأشعة الشمس، حيث تقوم هذه الأشعة بتحويل الأرجوستيرين (Ergosterin) وهي الصورة غير الفعالة للفيتامين إلى الصورة الفعالة له. وهذا الفيتامين يقي الجسم من مرض الكساح لدى الأطفال ولين العظام لدى الكبار.
تأثير أشعة الشمس النفساني
لا يقتصر تأثير أشعة الشمس على أعضاء الجسم الخارجية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الحالة النفسية، حيث تزيل الأفكار الكئيبة عند بعض الناس وتستبدلها بالميل نحو صفاء الذهن والمرح والتفاؤل في الحاضر والمستقبل وتبعث مباهج جديدة للحياة وأهداف أسمى والشوق إلى العمل والثبات وتعزز الثقة بالنفس. وكما أن أشعة الشمس تشحن الجسم بالطاقة والحيوية فإن هذه تتسرب من الجسم إلى أعماق النفس وتعمل إليها ما أودع الخالق سبحانه فيها من قدرة سرية في بعث الحياة.
وعند التعرض لأشعة الشمس يزداد التنفس عمقاً وطولاً، وبتكرار هذا التعرض تتحسن الشهية لتناول الطعام ويزول الأرق ويزداد الشعور بالراحة بعد النوم.
الأضرار الصحية لأشعة الشمس
رأينا فيما سبق كيف أن أشعة الشمس تثير نشاطات الجلد إلى حد بعيد وتجعله يتنفس كالرئة، وبذلك يمكن أن تفيد في معالجة كثير من الأمراض.
ولأشعة الشمس أضرار صحية إذا ارتكبت أخطاء في كيفية ومدة التعرض لها، ومن هذه الأضرار:
حدوث التهابات في الجلد:
وذلك إذا تعرض لها الجلد لفترة طويلة وهو غير مهيأ لها. فالجلد يجب أن يهيأ تدريجياً على تحمل أشعة الشمس قبل أن يتعرض لها لفترة طويلة وذلك بتعريض الجلد أولاً إلى الضوء والهواء وبدلكه بفوطة وبطليه بالزيت (يوجد زيت خاص لهذا الغرض يباع في الصيدليات). وإذا تعرض الجلد لفترة طويلة إلى أشعة الشمس قبل تهيئته أحدثت فيه التهاباً كما تحدثه الحروق من الدرجتين الأولى والثانية. ويظهر هذا الالتهاب بعد ساعات من التعرض، ويحتفظ بحدته بضع ساعات أخرى ثم يزول بعدها تدريجياً.
وقد يُلجأ إلى هذا الالتهاب عمداً في معالجة بعض الأمراض (ورُبَّ ضارة نافعة) مثل النقرس والروماتزم والتهاب العصب الوركي (sciatica)، حيث تحدث هذه الالتهابات ثورة عارمة في الدورة الدموية، تستمر عدة ساعات، ويستفاد من هذه الخاصية في معالجة الأمراض المذكورة وتخفيف آلامها بعد حصر الالتهاب في مناطق محدودة من الجلد (مناطق هيد)، لأن تعميم الالتهاب على مناطق واسعة من الجلد يسبب قشعريرة يعقبها ارتفاع شديد في الحرارة.
إن العلاج بأشعة الشمس يشبه أنواع العلاج بالصدمات الكهربائية والصدمة بالأنسولين أي أنها إثارات عنيفة تُحدث انقلاباً عاماً في واقع الأوضاع، ولكنه نوع من الانقلابات إلى الأحسن والحمد لله. ولا تستعمل الصدمات للمعالجة إلا في أوضاع خاصة وتوفر شروط خاصة، ولا يمكن أن تصبح مجرد هوايات تستبدل السيئ بالأسوأ.
ضربة الشمس:
وتحدث نتيجة لتعرض الرأس والعنق طويلاً لأشعة الشمس مما يحدث التهاباً في أغشية المخ السحائية، وتظهر الأعراض على شكل صداع شديد وقيء وإحمرار شديد في الوجه، وألم في العنق ويعقبه هذيان وتشنجات عضلية وفي الحالات الشديدة غيبوبة كثيراً ما تنتهي بالموت. وتظهر أعراض الإصابة إما فجأة، أو بصورة تدريجية طوال عدة ساعات.
وللوقاية من الإصابة بضربة الشمس لابد من حفظ الرأس والعنق من أشعة الشمس مباشرة بواسطة المظلة.
ضربة الحرارة:
وهي غير ضربة الشمس حيث كثيراً ما يخلط بينهما فتذكر الواحدة مكان الأخرى. فضربة الشمس هي تعرض الجسم طويلاً لأشعة الشمس نفسها، أما ضربة الحرارة فهي تعرض الجسم لحرارة الشمس أو المحيط حول الجسم دون أن تكون أشعة الشمس منصبة على الرأس مباشرة، فهي تحدث نتيجة لطول المكوث في وسط مرتفع الحرارة كالمطابخ والأفران ومواقد البخار. وتبتدأ الأعراض بصداع شديد مع جفاف في الحلق وسرعة في النبض، فإذا لم يُنقذ المصاب من الوسط الذي أصيب فيه ازدادت هذه الأعراض وزادت سرعة التنفس وقد يدخل في غيبوبة، وفي الحالات الشديدة تنتهي هذه الغيبوبة بالموت.
هؤلاء المرضى ينصح بعدم تعرضهم لأشعة الشمس:
يجب ألا يتعرض الأشخاص الذين يتصفون بالعصبية إلى أشعة الشمس لحمامات شمسية، كما يجب ألا يطيلوا من التعرض للشمس مباشرة. والأفضل لهؤلاء ممارسة الحمامات الضوئية الهوائية بدلاً من الحمامات الشمسية.
كما لا يجوز أيضاً للأشخاص المصابين بأمراض القلب والحميات وأمراض المخ والنخاع الشوكي التعرض مباشرة لأشعة الشمس.
وبعض الأشخاص الذين يعانون من حساسية مفرطة لأشعة الشمس، والتعرض الخفيف إليها يظهر عندهم بشكل صداع واضطراب في المعدة والأمعاء وطفوح في الجلد، وانخفاض الشهية لتناول الطعام، والأرق والتهاب الملتحمة في العين وخفقان في القلب وعزوف عن العمل، ويمكن تعويد هؤلاء الأشخاص على تحمل أشعة الشمس بتهيئتهم تدريجياً واستعمال الماء والهواء والتدليك وتمارين التنفس.
حمام الشمس
أفضل الفصول لممارسة حمام الشمس هو فصل الربيع، وذلك لأن لأشعة الشمس في الربيع تأثيراً خاصاً إذ تنبعث فيها الحياة وترتدي فيه الطبيعة ثوباً جديداً. أما أفضل الأوقات فإنه يفضل أشعة الشمس قبل الظهر، ثم أشعة الشمس قبل الغروب.
وفي بداية الربيع يُباشر بتهيئة الجلد لاستقبال أشعة الصيف شديدة التأثير، حيث يُعرض الجسم للأشعة الربيعية مع إطالة مدة التعرض يوماً بعد يوم، وتدليك الجسم بفوطة خشنة أو جافة ودهنه بالزيوت.
وللأشعة البنفسجية للشمس فوق الجبال تأثير أقوى منها في السهول، ويتزايد تأثير الأشعة البنفسجية على الشاطئ أيضاً بسبب ما يعكسه الماء من أشعة تتساقط فوقه.
والأشخاص الذين لا يتمتعون بمقاومة قوية لأشعة الشمس يمارسون الحمام الشمسي صيفاً في أوقات الصباح أو عند العصر وليس في وقت الظهيرة عندما تكون الأشعة على أشدها وتقع عمودية فوق الجسم مما يسبب إثارة أعصابهم. أما الأشخاص الأقوياء فقط هم الذين يستطيعون تحمل أشعة الشمس عند الظهيرة في فصل الصيف دون إصابتهم باضطرابات صحية.
ولا يسمح بممارسة الحمام الشمسي بعد تناول الطعام مباشرة لأنه يقوم بسحب الدم من منطقة المعدة والأمعاء في بداية الهضم إلى أوعية الجلد الدموية.
ويجب الاحتراس الكلي في ممارسات الحمامات الشمسية في حالات الضعف العام والأمراض رغم حاجة هؤلاء الأشخاص للتعرض لأشعة الشمس لتقوية أجسامهم وشفائهم. لذلك يجب عليهم أن يمارسوا التعرض للحمامات الشمسية تدريجياً حيث يبدأ أولاً بتعريض القدمين فقط لأشعة الشمس، وعلماء الطبيعة يشبهون القدمين بالهوائي (الإيريال) (Antenna)، في الأجهزة اللاقطة أو المرسلة، فالقدمان تتلقيان القوة في الماء والأرض والشمس ويرسلانها إلى داخل الجسم، وبعكس ذلك يستعمل الجسم القدمين لتفريغ شحنات من الكهرباء إلى الأرض لإزالة التوتر، فإذا توقفت القدمان بفعل التشنجات العصبية عن القيام بوظيفة (الموصل) اختل الانسجام باتصال الجسم بالأرض، وليس هناك ما هو أفيد من الحمامات الشمسية لإعادة هذا الانسجام المفقود إلى حالته الطبيعية، وذلك بتعريض القدمين إلى أشعة الشمس أو بالمشي في الشمس والقدمان حافيتان. ثم يبدأ المريض بتعريض الساقين للحمام (من الجوانب والأمام والخلف).
وفي بعض الحالات يستحسن عند تعريض القدمين والساقين معاً للحمام الشمسي وضع رقادات باردة ورطبة فوق القلب والجبهة لتسكين الجسم وكذلك فوق الرقبة أيضاً عند وجود إفراط في هرمون الغدة الدرقية وتجدد الرقادات مراراً طيلة مدة الحمام الشمسي.
وتمارس الحمامات الشمسية والجسم عارٍ من كل الملابس ما عدا ما يستر العورة.
وفي كل الحالات يجب دائماً وقاية الرأس من أشعة الشمس باستخدام المظلة أو القبعة الفلينية.
والتعاقب في الحمام الشمسي أي التعرض إلى أشعة الشمس وإلى الظل بالتعاقب أفضل من البقاء المستمر تحت الأشعة وتأثيراتها الشديدة، ولزيادة الاستفادة من الحمام الشمسي يقرن بألعاب رياضية أو تمارين جيمناستيكية وتمارين تنفسية وسباحة في الماء. ويمكن دفن الجسم بالرمال على الشاطئ لتبريده إذا لم تتوفر وسيلة أخرى للجوء بالتعاقب إلى الظل. ولا يجوز مطلقاً الاستلقاء لمدة طويلة تحت أشعة الشمس دون تحريك الجسم، كما لا يجوز أيضاً النوم في الشمس لأن هذا كله يعرض الجسم لأضرار صحية. ويلاحظ أن الإفراط في التعاقب أيضاً يسبب الشعور بالتعب بدلاً من بعث النشاط والانتعاش.