تميل الرعاية الطفلية إلى التركيز على تعزيز العافية الجسمية والنمائية للأطفال. ويعمل معظم أطباء الأطفال في المستشفى، ويتلقون القليل من التدريب على التعامل مع المظاهر النفسية للمرض. في المقابل، يركز العديد من أطباء الأطفال النفسيين وفرقهم على الرعاية النفسية للأطفال الأصحاء جسدياً ولعائلاتهم، ويعملون في عيادات المجتمع، ويحصلون على خبرة قليلة في شؤون الأطفال المرضى أو المعوقين جسدياً.
لكي نحسن الخدمات التي نؤمنها للأطفال المرضى وعائلاتهم، يجب أن نحيطهم علماً بحاجاتهم النفسية والطرق التي يمكن أن تعمل فيها فرق الطب النفسي الطفلي وطب الأطفال سوية لتأمين خدمات أكثر شمولية وارتباطاً. يعرف هذا الحقل من العمل “بالطب النفسي الطفلي الارتباطي”، أو “التشاور الطفلي المتصل”، وتزداد الآن مهمته أهمية، حيث العناية بالأطفال المرضى تزداد تعقيداً على الدوام من الناحية التقنية وتتطلب كماً كبيراً من التعاطف مع الأطفال وعائلاتهم، وفرقهم السريرية.
المشكلات النفسية في طب الأطفال
– المرض المزمن والإعاقة
– إسقاط الأمراض النفسية على أخرى عضوية قد تكون وهمية
– التوتر الشديد عند الأطفال
– أذى النفس المتعمد
– المشكلات النفسية في طب الأطفال
المرض المزمن والإعاقة
تبين عبر أكثر من 30 سنة أن الأطفال ذوي المرض المزمن يتعرضون لمشكلات نفسية أكثر من الأطفال الأصحاء. أظهرت دراسة جزيرة وايت أن نسبة هذا الخطر كانت الضعف تقريباً، ووردت معلومات مماثلة في دراسة مديرية صحة الطفل في أونتاريو. عموما، يعاني حوالي %20 من الأطفال ذوي الأمراض المزمنة من صعوبات نفسية أو سوء تلاؤم مع مرضهم، وهذا ضعف النسبة لدى الأصحاء. يتخذ سوء التلاؤم هذا أشكالاً عديدة. منها رهاب الإبرة المرضي، والغثيان التوقعي، والإقياء، وعدم الالتزام بالمعالجة أو بالحمية، والتهرب من المدرسة، والانطواء الاجتماعي، وصعوبات إقامة العلاقات. يواجه بعض الأطفال معايير الاضطرابات النفسية -اضطراب السلوك أو الاضطراب الانفعالي غالباً- التي يمكن أن تسبق مرضهم الجسمي أو تتطور أثناء مساره.
كان المعتقد سائداً بأن سبب قابلية الناس للتعرض لهذا المرض كان من خصوصيات المرض نفسه. على أية حال، يظهر من المراجعات الحديثة للنصوص أن هذا هو الحال بالنسبة لأمراض الدماغ فقط. أما في الحالات الأخرى، فيتحدد تكيف الطفل بالتفاعل بين المرض والخطر والعوامل الوقائية في الطفل والعائلة والبيئة. تتضمن هذه العوامل التالي:
• مرحلة الطفل التطويرية، والمزاج، ونمط المجابهة قبل المرض
• المرض نفسه ومعالجته (بما في ذلك إدخاله المستشفى)، وفهم شدته
• المواقف الأبوية وتماسك العائلة، والاستقرار
• البيئة، مواقف فريق العناية، مجموعة أقران الطفل، والمدرسة.
سمّى “لاسك” هذا “شبكة المرض”. بشكل عام، يحدث اضطراب نفسي ما عندما تتم تلك العوامل في آن واحد. على سبيل المثال، قد تتطور مشكلات نفسية لدى طفل أصغر، كان يعيش صعوبات نفسية، ومع مرض مزمن يحتاج إلى علاجات متعددة في المستشفى، ولم يكن لوالديه لا التفهم الجيد للمرض ولا رد الفعل المواتي له، إضافة إلى سوء العلاقة بينهم.
يجب على أولئك المشتركين في عناية طفل مريض ما لمدة طويلة أن يكونوا قادرين على تقييم كل هذه العوامل لكي يكتسبوا فهماً كاملاً لمأزق الطفل وللمساعدة في اتخاذ قرارات العناية المثالية بالطفل وبالعائلة. يجب عليهم أيضا أن يدركوا أن تحسن طفل ما قد يتبدل بمرور الوقت، مع تغيّرات مثل أحداث الحياة الجديدة التي قد تزيده ضعفاً، أو مهارات المجابهة المحسنة بالنضج المتزايد الذي يحد من الخطر.
قد تحتاج خطة العناية أن تتضمن العلاج النفسي للطفل المريض، أو الوالد أو شقيق ما، والعمل مع العائلة كلها، أو العمل مع شبكة المحترفين الذين يشتركون في رعاية الطفولة -أي الفريق الطبي للأطفال وفريق العناية الأساس والمعلمين وآخرين- وكثيراً ما يحتاج الأمر إلى مهارات غير تلك الموجودة في فريق الأطفال. وهنا تلعب العلاقة الحميمة بين الطفل وفريق الطب النفسي دوراً في تأمين تقييم واع للوضع ورعاية للطفل جيدة.
إسقاط الاضطرابات النفسية على أخرى عضوية قد تكون وهمية
يمكن أن يعرض بعض الأمراض المعيقة المزمنة التي ليس بمقدور أي علم أمراض عضوي أن يفسرها. تبيّن أن ثلث الأطفال الذين يحضر جلسات عنايتهم الأساس طبيب يعانون من أمراض نفسية، بدلاً من جسمية. فعلى سبيل المثال اضطرابات المشي والصداع وألم البطن بدون أي سبب عضوي قابل للإثبات. أغلب هؤلاء الأطفال يلاقون معاملة حسنة من قبل آبائهم وأطبائهم، الذين يعترفون بأن القلق على البيت أو المدرسة قد يتسبب في مثل تلك الأعراض، ويساعدون الطفل على الاطمئنان وعلى معرفة سبب الضيق الذي يشكو منه. على أية حال، هناك بعض الأطفال الذين يتعرضون لأعراض كالإعياء أو الألم المزمنين، وأن تلك الأعراض هي أشد حدة أو استمراراً أو إعاقة، وأن آباءهم لا يزالون يسعون إلى إيجاد الأسباب الجسمية لتلك الأعراض على الرغم من النتائج السلبية لفحوصاتها. قد تكون أعراض الطفل الجسمية -في بعض الحالات- مثل جروح الجلد أو النوبات المرضية أو البيلة الدموية قد سُببت عمدا أو اختلقت من قبل الطفل أو الآباء (المرض المصطنع).
يخفق الأطفال ذوو “الاضطرابات النفسية المسقطة” هذه غالباً في التحسن تحت العناية الطفلية الاعتيادية. وقد تسوء أحوالهم، وأولياء أمورهم مستمرون في السعي خلف الأسباب العضوية. هنا أيضاً، يحتاج أطباء الأطفال والأطباء النفسانيون إلى لعمل سوية كي يتمكنوا من التشخيص الدقيق والعلاج المناسب.
الإجهاد الحاد والأطفال
قد يعاني الأطفال ذوو الإصابات الجسمية الخطيرة من ارتكاسات إجهاد حادة إلى جانب إصاباتهم. إن هذا الأمر شائع خاصة في الحروق الشديدة أو بعد حوادث السير، ولكنه يمكن أيضاً أن يُرى بعد إجراءات قد تكون مؤلمة (كالحقن المؤلمة أو الحقن الشرجية) أو ربما بعد إيذاء جسمي أو جنسي للطفل. وقد يواجه هؤلاء الأطفال أيضاً الحزن العميق لدى وفاة أحد أفراد العائلة أو تعرضهم للأذى في الحوادث المذكورة أعلاه. كثيراً ما يُقهَر أقرباء الطفل والقائمون على علاجه بالأسى العميق الذي يشعر به هؤلاء الأطفال. وقد يلعب الدعم النفسي والإرشاد دوراً في منع تشكل ردود فعل طويلة الأمد هم في غنى عنها من جراء تلك الصدمات. يعاني الأطفال من درجات مرتفعة من القلق والانفعال عند تشكل الكرب بعد الشدة لديهم، وتنتابهم مشاعر كاذبة، ويشاهدون أحلاماً توحي بأن تلك الصدمات سوف تعاودهم ويتجنبون أية وضعيات تذكرهم بها. ننصح هنا بأن يتم إبلاغ الطفل في المراحل الأولى بعد الصدمة بأن يشرح بدقة وأمانة حقيقة ما كان قد حصل وأن يتم تشجيعه على وصف ما حل به -صراحة أو من خلال اللعب- قد يحتاج العاملون على شفاء الطفل لاحقاً إلى إجراءات محددة سلوكية لحمايته من القلق والأرق.
أذى النفس المتعمد
يرتفع منسوب أذى النفس المتعمد إلى أعلى مستوى له لدى أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 29-15 سنة، بالرغم من أن أطفالاً دون الثانية عشر قد يقومون به. يقوم أكثر الأطفال بأذى أنفسهم نتيجة لردات فعل على نزاعات قد تتم في المنزل أو مع نظرائهم. وأكثرهم غير مصابين بالاكتئاب إلى حد يذكر. وقد يكون السبب في هذا ضغط حاد نتيجة لإساءة جسدية أو جنسية، ولكن -في كثير من الحالات- يكون الطفل معرضاً لمشاعر من السخط أو الرفض من قبل خصوم له سابقين أو حاليين أو في المدرسة. إن نسبة %20 من الأطفال الذين يؤذون أنفسهم قد قاموا بذلك في السابق، وعلى محترف الصحة العقلية أن يتفكر دوماً بخطر محاولة الطفل الانتحار. يجب دوماً تحديد العوامل الخلفية لدى الأطفال هؤلاء، وتشخيص كل أوضاعهم النفسية وإعداد الخطط لحمايتهم من أنفسهم. قد يتطلب هذا تدخلاً للأزمة التي قد تتم جنباً إلى جنب مع العائلة، أو العمل العلاجي الخارجي (لغير المقيمين)، أو إدخال الأطفال إلى مصح ما للشفاء.
العمل مع طب الأطفال:نموذج الطب النفسي الطفلي الارتباطي
إن مفتاح الخدمة النفسية الاجتماعية الفعالة للأطفال المرضى وعائلاتهم، وأعضاء الفريق الطبي هو دمج أعمال الفريق الطفلي مع الفريق الطبي النفسي. هناك العديد من النماذج المختلفة لتحقيق هذا، ولكن مهما كانت الخدمات منظمة فإنه لا بد أن تشترك بميزات تجعلها مختلفة عن خدمة الراشدين المترابطة. يتطلب العمل من أجل الأطفال المرضى منظوراً يأخذ النمو ونظام العائلة بعين الاعتبار، ويجب أيضاً أن يُعنى بردود فعل أفراد الفريق الطبي الشديدة تجاه الأطفال المرضى والذين يحتضرون منهم وتجاه صدمات دخولهم إلى المستشفى والتقنيات التي ستتبع في محاولة شفائهم.
لقد استعيض عن طبيب نفس الأطفال الذي كان يعمل وحيداً في المستشفى بفريق نفسي واجتماعي كثير المناهج، يعمل مع الأطفال داخل المستشفى وخارجه. قد يشتمل هذا الفريق على أطباء نفس أطفال وممرضين للطب النفسي وعلماء نفس سريريين ومستخدمين في الخدمات الاجتماعية ومعالِجين باستطاعتهم تقديم سلسلة من التقييمات والتدخلات الشخصية والعائلية، بما في ذلك العلاجات غير اللفظية (كالفن واللعب) للأطفال الصغار.
تتصل الميزات لأية خدمة بالخدمة الطفلية -على سبيل المثال علم الأورام وعلم تطبيب الكلى وغرف العناية الفائقة للأطفال والعيادات- وبالموارد النفسية والطبية النفسية الموجودة سواء أكان أفراد الفريق هم أعضاء كاملين في الفريق الطفلي أم هم يقدمون المشورة فقط.
تنشأ معظم الخدمات حيث يكون هناك اتصال متبادل جديد بين أعضاء الفرق النفسية الاجتماعية العاملة عند زيارة المرضى وأثناء الاجتماعات. تجتمع الفرق الطبية الطفلية وفرق الطب النفسي في تلك المواقع، حيث تتم مناقشات حول القضية وحول دعم أفراد الفريق وحول تطوير مهماتهم بالتدريب والتدريس. ويمكن بهذه اللقاءات أيضاً توفير مؤثر قيم لفهم أعمق لوجهات النظر المختلفة لأطباء الأطفال وأطباء نفس الأطفال تجاه المساءلات النفسية وحل الخلافات بينهم إن وجدت.
نلخص فيما يلي وظائف مركز الخدمة للطب النفسي الطفلي الارتباطي.
الوظائف الرئيسة لمركز خدمة الأطفال النفسي الارتباطي
– التشاور والدعم من أجل فرق طبية للأطفال
– تشخيص وعلاج المشكلات النفسية
– المساعدة على تخفيف المساءلات النفسية (بما في ذلك المشكلات الرئيسة) التي تعيق استجابة الطفل للعلاج
– المشاركة في العناية بالوضعيات المعقدة والمزمنة كاضطرابات الجهاز العصبي الرئيس
– المساعدة على علاج ردود الفعل الإجهادية الحادة لدى الأطفال المعرضين للصدمات
– توفير العناية النفسية والنصيحة للأطفال المحتضرين أو المفجوعين مع عائلاتهم وأفراد الفرق التي تعنى بهم
– التدريس والتدريب على مظاهر المرض النفسي لدى الأطفال وإسهام في البحث العلمي
استخدام خدمات الطب النفسي الارتباطي:أمثلة عن حالات
دعم الفريق الطبي: فتاتان تعانيان من أمراض خبيثة
مثال عن الحالة 1
أصيبت سارة بسرطان الدم وهي في العاشرة. كان والداها قد انفصلا لسنوات خلت، وبقيت هي إلى جانب أمها، وكانت تكتفي بزيارة والدها في عطل نهاية الأسبوع والعطل الأخرى. تقبلت سارة مرضها والعلاج دونما أي اضطراب نفسي كما فعل والدها. ولكن تصرف والدتها كان مختلفاً حيث كانت دوماً تبدي الغضب والقلق وتطلب من الأطباء والممرضات الكثير من الوقت والانتباه. ولم يتكفل لا مرور الزمن ولا الطمأنة والمعلومات التي كان هؤلاء يوفرونها لها في التخفيف عنها، ثم أصبحوا يوجهون لها الانتقادات، وكانوا يشعرون بأن موقفها كان ينعكس بشكل سلبي على سارة التي كانت تبدو حزينة دوماً ومتألمة عندما كانت أمها توجه النقد اللاذع لأفراد الفريق. ثم بدؤوا يتحاشون لقاء الأم، مما جعل هذه الأخيرة تغالي في انتقاداتها وطلباتها. ثم أثار أعضاء الفريق الطبي هذا الموضوع أثناء الاجتماع الأسبوعي لأعضاء قسم المستشفى حضره مستشار الطب الطفلي وأطباء آخرون والممرضات ومتخصصو اللعب مع أطفال ومسؤول شؤون التغذية والمسؤول عن الخدمات الاجتماعية في المستشفى. أثارت مناقشة شاملة للموضوعات النفسية لدى العائلة مشاعرَ أعضاء الفريق في اعتناق وجهة نظر أكثر دعماً لوالدة سارة، وتحسن الوضع العام من جراء هذا.
مثال عن حالة 2
احتاجت فتاة في الرابعة عشر من عمرها إلى بتر أحد أطرافها لاستئصال ورم عضلي خبيث. اجتاحت والدة الفتاة موجة عارمة من الذعر، وطلبت من الطبيب الجراح عدم إخبار الفتاة بهذا الأمر حتى اللحظة الأخيرة قبل العمل الجراحي. شارك الطبيب رأي الأم، وكان يميل إلى اتباع نصيحتها. ثم ناقش الأمر مع الطبيب النفساني الذي كان يُعنى بالفتاة والعامل في الخدمات الاجتماعية في المستشفى وموظفي القسم الطبي. وتبيّن له بأنه يجب منح الفتاة الوقت الكافي لاستيعاب وقبول تلك الجراحة المشوِّهة، ثم الإفادة من الدعم المعنوي الذي كان سيقدمه الجميع.
نقاش
تظهر الحالتان أعلاه الكيفية التي يمكن للتشاور مع الفريق النفسي الاجتماعي أن يحسّن من طبيعة العناية الطبية عند التعرض إلى مدى الأثر العاطفي الذي سيخلفه مرض الفتاة على أفراد الفريق الطبي العامل. توفر هذه الفسحة من الوقت فرصة للعاملين كي يتحدثوا عن مشاعرهم ويتحروا طرقاً تمكنهم من مجابهة العديد من الحالات التي تتطلب استعدادات عاطفية أثناء العناية الطبية بالأطفال.
سوء التوافق في مرض السكري المزمن: فتاة مصابة بالسكري
كانت ماري في السادسة من عمرها، وكانت تعاني من مرض السكري لسنتين. كانت تجابه هذا المرض بشكل مقبول مبدئياً حتى أصيب أبوها نفسه بالمرض بعد عام. أصبحت ماري معارضة لكل شيء يتعلق بعلاجها بعد هذا وترفض طعامها وتصرخ عند حقنها بالأنسولين، وكانت دائمة الغضب في المنزل حيث كانت تتشاجر مع أخيها الصغير، وتنتابها ثورات من الغضب لأصغر الأمور. شارك طبيبها والدها القلق الشديد على ضبط علاجها لمرض السكري وأحالوها إلى الفريق الطفلي الترابطي.
بعد جلسات حوار لمدة مع ممرضة مرض السكري في المجموعة السكانية -التي كانت تعرف العائلة جيداً- تمت في العيادة الطبية النفسية التي كانت تزورها الفتاة عدة لقاءات. أظهرت تلك اللقاءات أن والدة ماري كانت تعاني من اكتئاب حاد، وكان والدها يلاقي الأمرين في مجابهة مرضه، وأنه كان مستغرقاً في شؤونه الخاصة لدرجة أنه تنصل من أية مسؤولية تربطه بمرض ابنته بالسكري، تاركاً زوجه دونما أي دعم. وكانت الزوجة هي بدورها حزينة جداً لفقدانها حياتها العائلية الطبيعية والدور الذي كانت تلعبه كراعية وحامية لابنتها. أما شقيق ماري فكان ينغصه اهتمام الجميع بأخته، وما كان يفوت فرصة إلاّ ويتشاجر معها كي يشفي غليل غضبه وحسده.
اجتمع الوالدان لعدة مرات، وتعرضوا لموضوع مرض الوالد وأثره على علاقتهما. ثم ناقشا لأول مرة ردة فعلهما على مرض الوالد. تم إقناع الوالدة بأن تستشير طبيبها عن اكتئابها، حيث تم وصف دواء لها مضاد للاكتئاب. ثم تم إبرام اتفاق مع ممرضة داء السكري كي تقوم هذه الأخيرة بدعم الأم لمساعدة ابنتها مع بعض الهدايا حتى توافق على الحقن والالتزام بالحمية. دعي شقيق ماري لحضور بعض تلك اللقاءات لاكتشاف مسببات تلك المشاجرات. ثم تم الاتفاق على أن يلتقي هو بمفرده أحد والديه بين الفينة والأخرى.
تحسنت العلاقة بين والدي ماري بشكل مطرّد. وتحسن مع هذا سلوك ماري أيضاً، ومن ثم تم توقفت المشاحنات بين ماري وأخيها، وبعد ثلاثة أشهر عادت ماري إلى ما كانت عليه في تعاون على علاجها.
نقاش
هناك الكثير من البحث العلمي عن المظاهر النفسية للمصابين بمرض السكري، وهناك بعض الدلائل على أن للعلاج التحليلي الانفرادي وللعلاج العائلي والسلوكي أثراً طيباً على تلك المظاهر. وكغيرها من المرضى بداء السكري تجاوبت ماري في بادئ الأمر بشكل حسن مع علاج مرضها. ولكن الضغط الناجم عم مرض أبيها أثر سلباً على مقدرة العائلة على المواجهة وخلف مشكلات عاطفية وسلوكية في العائلة. أصبح علاج كل فرد من أفراد تلك العائلة ضرورياً لعلاج اضطراب ماري المعارض والرافض.
يتعلق عدم انسجام الوالدين بعدم انسجام الطفل أو الأطفال مع الأمراض المزمنة. وقد يتطلب هذا الأمر اهتماماً خاصاً. قد تم مراراً تجاهل متطلبات أشقاء وشقيقات الطفل المصاب والمعاق، وقد ينجم عن هذا اكتئاب أو نظرة متدنية للذات أو عزل اجتماعي. يتطلب العثور على طرق لمساعدة الآباء المتوترين للاشتراك في الانتباه إلى كل أولادهم دون الإحساس بالذنب الكثيرَ من الحساسية والمهارة.
تبين أيضاً الحالة أعلاه أهمية ربط باقي أجزاء “شبكة المرض”: الطبيب وممرضة داء السكري في هذه الحالة.
المشكلات النفسية المعيقة للعلاج وتصوّر الذات في المرض المزمن: فتاة كانت تعاني من متلازمة نقص المناعة
كانت “آن” الولد الوحيد لأبوين عطوفين. ولدت هذه الفتاة وهي مريضة بمرض نقص المناعة. وعاشت حتى بلغت الثامنة والعشرين. كانت فتاة محبوبة في المدرسة الابتدائية بالرغم من فترات مرضها الكثيرة بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي والتهاب الكليتين والتهاب العينين. جابهت العائلة معالجة أبيها ضد السرطان عندما كانت في الخامسة. وفي الثامنة أصيبت بمرض ذات الرئة، حيث عُولجت بطريقة جديدة تجريبية، وهي فترة من الحقن المؤلم في العضلات. تولد لدى والديها قلق شديد من تقدم علاجها. ثم بدأت تشعر بالخوف من الوخز بالإبر (الحقن)، وأصبحت تمانع علاجها بالكامل. ثم أصبحت مكتئبة جداً، وأضحت أدوارها في التمثيل لا تتعلق سوى بالموت والاحتضار.
تمت إحالتها إلى الفريق الطفلي الارتباطي للمعالجة النفسية، وبعد مناقشات مكثفة مع والديها وفريق الطب الطفلي قرروا علاجها عن طريق الفن الذي استغلته للتعبير عن تخوفاتها من الموت ومن الحقن. تحسن وضعها بشكل مطرّد، وأنهت علاجها بالحقن بشكل ناجح.
نقاش
كانت “آن” في وضع متطور مزمن. ولكنها كانت متلائمة معه حتى بلغت الثامنة ووصلت علتها إلى وضع حرج. كانت العوامل الواقية لها مزاجها الجيد واستقرار وضعها العائلي والمحيط الداعم الذي وفره فريق العناية الطفلية الذي كان يعالجها من جهة ومدرستها من جهة أخرى. أصبحت “آن” عرضة للخطر عندما أصبح بمقدورها أن تقيّم الطبيعة المهلكة لوضعها الصحي. ترتبط تلك العملية المتغيرة لفهم الذات في المرض المزمن مع مرحلة الطفل النمائية وفهمه موضوع الموت، ومع تجربته الخاصة مع الطبيعة المهددة لمرضه من منظوره الخاص لموت أحد الأطفال أو الراشدين الذي كان يكنّ له المحبة. أيقنت “آن” خطورة وضعها من ردود فعل والديها والأطباء لحالة رئتيها المتدهورة وإحالتها إلى طريقة جديدة تجريبية للعلاج.
أصبح بمقدورها -بمساعدة نفسية- أن تشكل استراتيجيات جديدة للتعامل مع قلقها من الموت، وبهذا أصبح بإمكانها أن تقبل بالعلاج حتى النهاية.
اضطراب مُجسَّد: ولد يعاني من ألم في أحد أطرافه وفي المعدة
كان “آلان” ولداً لامعاً في العاشرة ذا طبيعة مثالية. عندما كان في السابعة تم فحصه من قبل طبيب متخصص بسبب مشكلات معدية كان يعاني منها، وكانت النتائج غير جازمة. توفي جد “آلان” بالسرطان قبل عام من تعرضه للمرض. تقدم إلى العلاج وقد عانى لمدة ثلاثة أشهر من الآلام في أطرافه ومعدته. باءت كل التحريات التشخيصية بالفشل. ثم ظهرت لديه أعراض أخرى منها الخوف من الضوء والصداع والصعوبة في المشي. تم إدخاله إلى قسم الأطفال لإجراء فحوصات أخرى، وكانت نتائجها سلبية أيضاً؛ ثم تدهورت صحته مجدداً، وأصبح يرفض الطعام الصلب. وكان قلقاً للغاية ومكتئباً ولا يستطيع الاغتسال أو ارتداء ثيابه أو تناول الطعام. كانت والدته على قناعة بأنه يعاني من مرض خبيث لم يتم تشخيصه بعد.
بعد تدخل مشترك من قبل طبيب للأطفال وطبيب لطب الأطفال النفسي تم إقناع والديه باللجوء إلى أساليب نفسية لعلاجه.، فتم نقله إلى وحدة للمرضى النهاريين. ثم البدء بالعمل الانفرادي وبرنامج سلوكي لتجنيبه الألم وزيادة ثقته بنفسه، بعد أن أصبح والداه أكثر قوة وثقة بشفائه. أصبح “آلان” عندها يكثر من الحديث غاضباً عن وفاة جده، وعن منافسة أشقائه وعن مشكلاته مع نظرائه في المدرسة. وبعد مساعدته ومساعدة عائلته على مواجهة تلك الصعوبات تحسنت أعراضه الجسمية تدريجياً. ثم تم شفاؤه كاملاً، وعاد إلى المدرسة تحت مراقبة مترابطة بين أساتذته والفريق الطبي النفسي الذي أشرف على علاجه.
نقاش
كان “آلان” يعاني من مرض نفسي يؤثر على جسمه. وكان يتعرض للعديد من أعراض هذا المرض. كان مزاجه مثالياً مع ميل ما للقلق والشعور بالنقص. وكان لدى عائلته انشغال دائم بالمرض. ثم أصبح جده مثلاً لهذا الهاجس. وكان للضغط المدرسي المحيط أثر على كل هذا، فقد كانت علاقاته مع أقرانه صعبة بعض الشيء. يوجد في حوالي ثلث عدد الأطفال اضطراب عاطفي مرافق كالاكتئاب أو القلق الحاد، وغالباً ما يتطور خلال فترة المرض. وقد يجد طبيب الأطفال وطبيب نفس الأطفال صعوبة في إقناع الطفل ووالديه بأن هناك عوامل نفسية تساعد على استمرار هذا المرض. فبعد إجراء التشخيص الصحيح وإشراك الأبوين توقفت التحقيقات، ثم بدأ العلاج النفسي. فقد كانت الأعراض المَرَضية الجسمية التي تعرض لها “آلان” تنم عن الألم الداخلي الذي كان يشعر به. فقد كان في حاجة ماسة كي يعبر عن تلك الأحاسيس بكلمات. وكغيره من الأطفال كان بحاجة إلى برنامج تدريجي لإعادة التأهيل يقوم بتحديده معالج جسماني ومهني، وكان الألم الذي يشعر به بحاجة إلى برنامج متأن لتقويم السلوك بالإضافة إلى العمل العائلي. وقد تطلبت إعادته إلى المدرسة تعاوناً خاصاً مع إدارة التربية والتعليم.
العناية المشتركة باضطراب معقد: فتى يعاني من مرض الصرع الشامل الحاد
أحيل ميخائيل إلى طبيب الأطفال في السابعة من عمره، وكان يعاني من مرض الصرع الشديد منذ أن كان في الثالثة، حيث عُولج بأدوية ضد التشنج. وبعد أن شرع في الذهاب إلى المدرسة في سن الخامسة أصبح سلوكه صعباً بشكل متزايد في البيت والمدرسة؛ كان قليل التركيز ومفرط الحركة ومتقلب المزاج وكانت تنتابه ثورات عنيفة من الغضب عندما يزجر. كان أحد ولدين لوالديه، وكان أبوه من النوع الشديد الضبط والتأديب. أما أمه فكانت تعمل مساعدة في العناية الصحية وأقل شدة من أبيه.
تم تقييم ميخائيل من قبل فريق الاتصال. ووصف بأنه مفرط في الحركة وقليل الانتباه، ولديه صعوبة في الدراسة وتلقي العلم. وقد زاد في تعقيد علاجه مرض النوبات التي كانت تأتيه وتخالف طرق تنشئته من قبل والديه وأساتذته. توصل طبيب نفس الأطفال وطبيب الأطفال اللذان عملا سوية إلى صيغة مناسبة لعلاجه. قد نجح موظف الخدمات الاجتماعية في تقويم العناية العائلية التي كانت تتم، وقد ساعدت اللقاءات التي تمت مع المدرسة على جعل الأساتذة وغيرهم يُلمّون بالصعوبات المدرسية التي كان يعاني منها وسلوكه المضطرب. وقد كان لهذا العمل الترابطي ضرورة للحد من اكتئاب ميخائيل وتعرضه لبعض العرّات وتنافسه مع شقيقه التي تطوّرت يوما إلى حد رفض أخيه الذهاب إلى المدرسة. لم يشف ميخائيل تماماً من نوباته، وقد ينجم عن ذهابه إلى مدرسة ثانوية تحديات أخرى.
نقاش
قد يتمخض الصرع والاضطرابات العقلية عن مخاطر نفسية ومشكلات عائلية. لقد كانت احتياجات ميخائيل المعقدة تتطلب مزيجاً من المهارات الطبية الطفلية والنفسية الاجتماعية، خصوصاً في مجال تناول الأدوية.
فمن الضروري العمل على موضوع النوبات والتأقلم مع العائلة وتصويب العلاقات مع النظراء والاحتياجات التربوية الخاصة في آن واحد. تتغيّر مواطن الضعف لدى الشخص – ككل الوضعيات المزمنة- مع الوقت. وقد يكون الانتقال إلى المدرسة الثانوية حدثاً هاماً يتطلب الكثير من العمل والتعاضد المتعدد الجهات.
التدريب والتربية والتعليم
توفر زيارات أماكن إقامة المرضى ذات الطابع النفسي الاجتماعي وغيرها من اللقاءات المشتركة فرصاً لا تفوت من أجل التدريس والتدريب على المظاهر المَرَضية النفسية والاجتماعية لأمراض الطفولة، بما في ذلك الاعتبارات الخلقية التي تحيط عادة بالعناية بالأطفال المرضى والضغط الذي يتعرض له أفراد الفريق العلاجي. بالإضافة إلى هذا قد يُسهم الفريق الطبي بشكل فعال على العمل أثناء العلاج وما بعده، وما قد يتخلله من برامج تدريبية. قد تكون تقنيات مثل برامج الفيديو ولعب الأدوار المعروفة من قبل محترفي الصحة العقلية للأطفال ذات فائدة في هذا الحقل من التدريس.
البحث العلمي
هناك الكثير من الذي يجب علينا معرفته من المظاهر النفسية التي يجب أن نتعلمها عن المرضى والإعاقة ونتائج التدخلات النفسية التي نقوم بها من أجل الأطفال المرضى وعائلاتهم. يجب أن نولي الدور الذي يقوم به الآباء اهتماماً أكبر مع محيط الطفل الاجتماعي (كأقرانه والمدرسة ومكان العلاج)، ويجب أيضاً أن تتم دراسات مطولة لتقييم الآثار التي تخلفها الأمراض المزمنة على تطور الطفل. إن الفريق الطبي النفسي الترابطي الذي يُعنى بالطفل هو في موقع جيد للإسهام في تلك الدراسات وبتعاضد مع فرق أخرى في مراكز أخرى.
مضادات الاستطباب
ليست هناك مضادات للاستطباب بالفعل بما يخص الفريق الطبي النفسي المترابط، هذا إذا وافق الطفل المريض وعائلته على التقييم الطبي النفسي المزمع إجراؤه. لا يزال هناك الرأي الواسع الانتشار أن المسبب الجسدي للمرض هو الأكيد (والمقبول)، وأن المسبب النفسي يعني الجنون أو التمارض. قد يكون من واجب طبيب الأطفال أن يتعرض لتلك الأمور مع الآباء بشكل مباشر وأن يؤكد لهم أنه قد يكون هناك ترابط بين العوامل الجسدية والعوامل النفسية للمرض مركزاً على أن مفهوم الاضطراب النفسي/الجسدي هو مفهوم واقعي وأنه قد يكون لهذا العامل الأثر الجسدي نفسه في المرض والإعاقة. قد يكون من المفيد جداً أن يحضر طبيب نفسي للأطفال وفريقه الاجتماعات الأولى مع أفراد عائلة مهددة وأطفالها كجزء من الفريق الطبي الذي يؤمن العناية للطفل المريض وعائلته.
التوقعات من العمل المتعدد الجهات
كي تكون العناية الشاملة -الآخذة بعين الاعتبار كل العوامل- بالأطفال المعاقين ناجحة عليها أن تحيط علماً بكل مظاهر حياة هؤلاء الأطفال، وهذا يشتمل على مدارسهم وبيئاتهم الاجتماعية والشبكة الابتدائية للعناية الطبية التي تهتم بهم. وتلعب الدراسة في المستشفى أو في المنزل دوراً هاماً في المحافظة على التعليم المطرّد للطفل الذي يمنعه المرض من الذهاب إلى المدرسة وتساعد على جعل حياته أقرب ما يمكن من الحياة الاعتيادية وتمنحه العمل والفرص لرفع معنوياته. قد يحتاج الأمر إلى علماء نفس تربويين ومنسقي الحاجات الخاصة و موظفين في قسم التربية والتعليم لتخطيط برامج لإعادة الأطفال ذوي الحاجات الخاصة إلى مدارسهم. إن الاتصال المتبادل بين فريق العناية الطفلية وفريق العناية النفسية الطفلية والتخطيط لكيفية خروج الطفل من المستشفى (أو مركز العناية) يساعد على التأكد من أن كل الأمور قد تم اعتبارها وكل الاحتياجات قد تم تأمينها.
قد تسهل الاتصالات مع دوائر الخدمات الاجتماعية إذا كان هناك من يعمل في فرق الاتصال المتبادل أو فرق العناية الطبية الطفلية بحيث لا يكون هناك من شكاوى من الظروف المعيشية للطفل أو من العناية به – إن كانت تلك الشكاوى من إهمال أو إيذاء له – وذلك إذا كان الطفل في المستشفى، وقد يحصل على الدعم من عائلته إذا أراد. قد يحتاج الأمر إلى أماكن بديلة لوضع الطفل فيها -إذا لم تكن عائلته في وضع تستطيع معه تأمين العناية له- وإلى علاقات مع عائلات التبني كي تستوعب هذه الأخيرة متطلبات الطفل الجسدية والعاطفية.
يتطلب الطفل الذي يعاني من مرض مميت إلى عناية ملطفة، وقد تكون هناك جهات عدة – مهنية أو متطوعة – راغبة في مد يد العون. ويجب التنسيق ما بين جهودها. قد تكون مراكز العناية الطفلية ومراكز العناية النفسية الطفلية الترابطية من بين تلك الجهات، جنباً إلى جنب مع فريق العناية الصحية الابتدائية، كي يتم التخطيط لتلبية حاجات الطفل والعائلة والمهنيين المحترفين.
حيثما يكن هناك والد -أو والدة- يعاني من اضطراب نفسي حاد، كالفصام أو الإدمان على المواد، فقد يحتاج الطبيب النفساني إلى الاتصال بمركز خدمات الطب النفسي للراشدين كي يتأكد من أن احتياجات الطفل مفهومة كما هي احتياجات الوالد المريض. قد تكون هناك ظروف يكتشف فيها الطبيب النفسي الطفلي الترابطي مشكلات لدى الوالد فعليه أن يتصل حينها بزملائه من أطباء النفس للراشدين للتنسيق معهم على طلب المساعدة من جهة كفؤة.
خلاصة
إن العمل مع طب أو أطباء الأطفال لتأمين العناية والعون لهم ولعائلاتهم هو من الأعمال الصعبة والمكافئة. ما تزال مراكز الخدمات على شيء من عدم التنسيق وما تزال المعلومات عن التدخلات المفيدة في مرحلة مبكرة من النضوج. ومع هذا فالتقدم في هذا الميدان قائم على قدم وساق، وترتفع الحاجة إلى مراكز للخدمات الصحية النفسية الطفلية. وكذلك يرتفع إسهام المحسنين والمساعدين في العناية الصحية، ونتوقع خدمات أفضل وذات موارد أوفر في المستقبل.