العناد سلوك يعبر عن نزعة عند الولد إلى مخالفة الوالدين، وتأكيد مواقف تتنافى مع مواقفهم ورغباتهم وأوامرهم ونواهيهم. إنه تأكيد للذات يحمل إلى حد بعيد طابعا عدوانيا تجاه الوالدين، ويتخذ شكل المعارضة لإرادتهم.
أسباب العناد
إن معظم حالات العناد عند الأطفال تتكون من انعكاس لواقع حياتهم الأسرية. فالجو العائلي غير المستقر، والتوترات التي تسود العائلة، وعدم التعاون، والخلاف حول تربية الطفل كل ذلك يؤدي إلى التوتر والانفعال الذي قد يأخذ صورة نوبات من الغضب والعناد والعصبية، كما قد يكون العناد تعبيرا عن ضيق قد يكون جسديا ناتجا عن التعب المدرسي، أو نقص في النوم، أو اختلال عضوي بمقدمات المراهقة، أو ببوادر مرض لم ينكشف بعد بجلاء. ولكن العناد يشكل علامة إنذار به، وفيما يلي بعض الأسباب التي تولد العناد.
أ. يجدر بنا أن نتساءل أمام عناد مفرط يبديه ولدنا، هل نشعره بأنه مهم حقا في نظرنا؟ فقد يكون عناد الولد تعبيرا عن شعوره بأنه لا يحظى بأهمية كافية في نظرنا، وقد يمارس هذا العناد محاولة للفت انتباهنا، لا بداعي الغرور كما قد يعتقد، إنما ليثبت لنفسه أن له مكانة في أعيننا.
ب. من جهة أخرى، علينا أن نتساءل هل ولدنا متأكد من حبنا له؟ ألا يشعر مثلا بأننا نهمله إلى حد ما لصالح هذا أو ذاك من أخوته، أو أننا قد حرمناه حبنا لأن نتائجه المدرسية غير كافية؟ قد يكون على خطأ في تصوراته هذه، ولكنها على كل حال تؤلمه وتثير عدوانه تجاهنا، فيعبر عن هذا العدوان بالعناد. كما أنه من خلاله يحاول أن يستجدي حبنا بتحويل انتباهنا إليه.
ج. ثم ينبغي لنا أن نتساءل هل نراعي حاجته إلى الاستقلال؟ هذه الحاجة تظهر باكرا جدا في حياة الطفل، أي منذ السنة الثانية من عمره وتتزايد مع نموه، مثلا يرغب الطفل منذ عمر السنتين أن يأكل لوحده مع أنه لا يحسن استعمال أدوات الأكل بعد، ولكنه يصر على دخول المجازفة ليختبر قدراته وينميها.
د. لنتساءل أيضا إن كنا لا نفرض على ولدنا أوامر كيفية لا مبرر لها سوى رغباتنا الذاتية، أو حتى مجرد الإصرار على إثبات سلطتنا، وقد نجبر ولدنا على النوم باكرا، وهو يريد أن يطيل السهر قليلا في ليلة تليها عطلة. فإذا أصر ولدنا في هذه الحال أو تلك على موقفه، نتهمه بالعناد مع أن السؤال الذي يطرح نفسه، من العنيد في ظرف كهذا؟ أما إذا تكرر فرض الأوامر الكيفية على هذا المنوال فقد يصبح ولدنا عنيدا بالفعل، يرفض مسبقا كل أوامرنا لأنه فقد الثقة بها، وأصبح يعتبرها خطرا على كيانه واستقلاله وتعبيرا عن تحكم القوي بالضعيف. فيصبح العناد بين يديه سلاح الضعيف يدافع به عن كيانه المهدد.
أساليب أبوية يحتمل أن تسبب أو تفاقم العناد
من السهل على أي ولي أمر أن يقع في أي نوع من الأخطاء. ولكن إذا تصرف باستمرار بنفس الطريقة، فسوف ينتهي الأمر إلى تشجيع عناد الطفل بدلا من القضاء عليه. وفيما يلي بعض الأمثلة لمعرفة كيف يتم ذلك:
أ. الوالدان العنيدان
يتوقع الوالدان العنيدان الإذعان الكامل من أطفالهما. وكثيرا ما يدققان في كل صغيرة وكبيرة. إنهما لا يخبران فقط أطفالهما بما يجب أن يفعلوه، ولكن أيضا كيف يفعلوه بكل دقة. إنما يتوقعان ويأملان أن ينقلا ما لديهما من حكمة إلى أطفالهما حتى لا يرتكب الصغار نفس الأخطاء. ولكن الأطفال بحاجة إلى أن يختاروا الطريقة التي يستخدمونها في أداء واجباتهم ومهامهم. وأهم شيء أن يتعلم الأطفال من أخطائهم هم، وليس من أخطاء الآباء.
ب. الآباء المسالمون
لا يستطيع الآباء المسالمون معالجة السلبية الشديدة، فهم ضعاف ومسالمون. قد يحققون النجاح في حياتهم، ولكن قبل أن يفعلوا ذلك فإن أطفالهم الذين يصعب إرضاؤهم سوف يسببون لهم الجنون. فإن الغضب يمكن أن يسبب توترا خطيرا للآباء، فقد يسبب لهم عدم الراحة لأي سبب، أو يذكرهم بطفولتهم الصعبة. وقد يعتقد هؤلاء الآباء أنه إذا لم يكن المنزل في حالة انسجام وتناغم، فإن هذا سوف ينعكس عليهم سلبيا.. ولذلك فهم يحاولون أن يفعلوا أي شيء لإرضاء طفلهم، حتى يستمر الهدوء.
ج. الآباء المتوجسون
إن الآباء المتوجسين يفرطون في الخوف من تدخل الآخرين أو الوكالات الخارجية مثل جمعيات حماية الطفل. مثل هؤلاء الآباء لا يوفرون لأطفالهم التأديب المناسب. وينتهي بهم الأمر إلى الأبوة القائمة على الخوف. عندما يخاف الآباء من تهذيب أبنائهم، أو يسمحون لهم أن تكون لهم السيادة العليا، يؤدي ذلك إلى أنهم لا يستطيعون أن يرشدوا أبناءهم الإرشاد المناسب الذي يأتي طبيعيا عندما يعاملونهم على أساس من الحب. وفيما يلي ثلاث مواقف بين الوالدين يمكن أن تؤثر على الطفل سلبا:
• اختلاف فلسفة التربية بين الزوجين، وهذا يجعل الطفل مشوش التفكير ومستعدا للعناد.
• الطلاق وما بعده من آثار. ثمة مشكلة لدى الزوجين المطلقين، وهي رفض تأديب الطفل خوفا من إبعاده أكثر فأكثر. وهذا يجعل الطفل صعب المراس، عنيدا وغير مطيع وصعب القيادة.
• الزواج مرة أخرى. إن هذا الحدث قد يدفع عواطف الطفل بعيدا عن التوازن، ويفجر العناد. فإذا أصبح الطفل عنيدا أثناء هذه الأحداث، فمن المهم معالجته بسرعة وإلا فإن العناد قد يتصاعد.
صفات الطفل العنيد
هناك أربع صفات تميز الطفل العنيد:
1. الرغبة في السيطرة: إنهم يرغبون في السيطرة والتحكم في حياتهم أكثر من الأطفال الآخرين. إنهم مستعدون لعمل أي شيء، حتى ولو كان هذا الشيء سوف يأتي بنتائج عكسية. فهم يحاولون الوصول إلى السيطرة أو الاحتفاظ بها أو استعادتها.
2. الانتهازية الاجتماعية: لديهم سرعة بديهة في ملاحظة ردود أفعال الآخرين، واستغلال هذه الردود لصالحهم في كل من البيئة الاجتماعية والأسرية.
3. عدم رؤية دورهم في أي مشكلة: في أغلب الأحيان لا يدرك الأطفال العنيدون الدور الذي يلعبونه في خلق المشكلات. وبدلا من ذلك يفهمون خطأ أنهم ضحايا. وفي كثير من الأحيان يقنعون أنفسهم بأن شخصا آخر هو المخطئ.
4. القدرة على تحمل قدر كبير من السلبية: في أثناء صراع القوة تتحسن أحوالهم في وجود مستويات من السلبية والصراع التي لا يتحملها معظم الكبار، إن الأطفال العنيدين ينسون أي شجار عنيف خلال دقائق، أي أن لديهم قوة احتمال عالية للصراعات. وغالبا ما يكون الصراع نفسه مكافأة ومنحة لمثل هؤلاء الأطفال.
نستخلص مما تقدم أن الطفل العنيد يتميز بالصفات التالية:
• لديه رغبة شديدة في السيطرة.
• يعتقد دائما أنه ضحية.
• جامد، يرفض التغيير.
• لديه سرعة بديهية في ملاحظة ردود أفعال الآخرين، واستغلالها لصالحه.
• لديه قدر كبير من السلبية.
• يبكي ويصرخ عندما لا تتحقق رغباته.
لكن إذا فهمنا الوظيفة الإيجابية للعناد على أنه وسيلة من وسائل النمو العاطفي وتأكيد الذات، تجنبنا الكثير من القلق الذي لا مبرر له تجاه مظاهر العناد، وأصبح بإمكاننا أن نتقبله برحابة صدر أوفر، علما بأن هذه الرحابة وهذا التفهم من شأنهما أن يجعلا علاقتنا بأولادنا أقل توترا وأكثر صفاء، وبالتالي أن يحولان دون استفحال العناد وازدياد حدته.
تأليف: أنس شكشك