الحادثة غير المرحب فيها كثيراً: كأنها اقتحام لعالم الأبناء على النقيض من آبائهم، لا يشك الأولاد في وجود الغيرة بالعائلة. عرفوا منذ مدة طويلة معناها وتأثيرها. بغض النظر عن تحضيرهم الجيد، فإن قدوم طفل جديد يجلب الغيرة والأذى. لا يستطيع أي توضيح أن يحضّر الابن الأكبر لمشاركة دائرة الأضواء مع قادم جديد. الغيرة، الحسد، والتنافس ستوجد بالنهاية. إن الفشل بتوقع هذه الأشياء أو بالشعور بالصدمة عند ظهورها، هو جهل أبعد ما يكون عن النعمة.
إن قدوم طفل آخر هو أزمة من الدرجة الأولى في حياة طفل صغير الذي تغيرت مدارات فضائه، وهو يحتاج للمساعدة في التوجيه والملاحة. لكي نكون مصدر مساعدة بدل أن نكون عاطفيين فقط، فإننا نحتاج أن نعرف عواطف الطفل الحقيقية.
بإعلان الحادثة السعيدة لطفل صغير، يفضل تجنب الشروحات الطويلة، مثل، “إننا نحبك كثيراً وأنت رائع جداً لدرجة أن أباك وأمك قررا الحصول على طفل آخر مثلك تماماً. إنك ستحب الطفل الجديد. سيكون طفلك أيضاً. ستكون فخوراً بالطفل. وسيكون لديك من تلعب معه دائماً”.
لا يبدو هذا التفسير صادقاً ولا مقنعاً. من المرجح منطقياً أن يستنتج الطفل، “إن كانوا يحبونني حقاً، ما كانوا ليتطلعوا لطفل آخر. أنا لست طيباً بما فيه الكفاية، ولهذا فإنهم سيستبدلونني بنموذج أجدّ”.
كيف كانت أي زوجة ستشعر إذا جاء زوجها ذات يوم وأعلن، “عزيزتي، أنا أحبك كثيراً وأنت رائعة لدرجة أنني قررت أن أحضر امرأة أخرى لتعيش معنا. ستساعدك بأعمال المنزل ولن تشعري بالوحدة بعد الآن عندما أكون في عملي. بعد كل شيء لدي حب يكفي أكثر من امرأتين”. لا أظن أن هذه الزوجة ستكون منتشية حيال هذا الترتيب. سوف تتساءل هذه الزوجة لماذا لا تكون هي كافية ولماذا يفكر زوجها بامرأة أخرى لتشاركها فيه. على الأرجح أنها ستشعر بالغيرة وبأنها غير محبوبة.
من المؤلم التشارك بحب أب أو شريك. في تجربة الطفل، تعني المشاركة الحصول على الأقل، مثل التشارك في تفاحة أو قطعة “علكة” لبان. إن مشروع التشارك في أب هو مقلق كفاية، لكن توقعاتنا بأن الطفل سيسر بالقادم الجديد هو توقع غير منطقي. كلما تقدم الحمل، تبدو المخاوف مبررة أكثر. يلاحظ الطفل بأنه حتى قبل قدوم القادم الجديد، فإنه يأخذ بإشغال الوالدين مسبقاً. تصبح الأم أقل حضوراً. يمكن أن تكون مريضة على السرير أو أنها متعبة وترتاح. لا يستطيع الطفل القلق حتى أن يجلس في حضن أمه، لأن المكان مشغول بمقتحم جديد غير منظور لكنه موجود دائماً. الأب مشغول أكثر مع الأم وأقل حضوراً في اللعب والنشاطات الأخرى.
الوصول: تقديم المقتحم
يمكن أن يُعلن عن قدوم الطفل لولد صغير بدون طبل وزمر. يكفي أن نصرح، “إننا على وشك الحصول على طفل جديد في عائلتنا”. بغض النظر عن ردة الفعل الفورية للأولاد، فإننا نعرف أن هناك العديد من الأسئلة غير المطروحة في أذهان الأولاد والعديد من المشاعر القلقة غير المعبّر عنها في قلوبهم. لحسن الحظ، نحن كآباء موجودون في مركز قوي لمساعدة أطفالنا ليعيشوا خلال وقت الأزمات. لا يستطيع أحد أن يغير حقيقة أن الطفل الجديد هو تهديد لأمن الولد. بالنسبة للولد البكر فإن ذلك الحدث هو تهديد لتفرده. إنه مؤلم على الأخص بالنسبة للولد البكر الذي لم تتضمن تجربته مشاركة والديه مع أحد. الولد البكر وبصفته التفاحة الوحيدة في أعين والديه لا يسعه أن يكون سعيداً حينما يعلن وصول طفل جديد ينهي إقامته في فردوسه.
عموماً، سواء كانت شخصية الولد ستتعزز أو تغلف بالإجهاد وضغوط الأزمة فهذا أمر يتعلق بحكمتنا ومهارتنا.
يُظهر المثال التالي تقديماً مساعداً للولد الجديد.
عندما وجدت نادين وهي بعمر الخامسة بأن أمها حامل، استجابت بفرح عظيم. رسمت لنفسها لوحة من إشراقة الشمس والزهور حول حياتها مع أخ. لم تشجع الأم هذا الموقف الأحادي الجانب للحياة. بدلاً من هذا قالت، “سيكون أحياناً مسلياً، لكنه سيحمل الإزعاج في أحيان أخرى. سيبكي في أوقات وسيضايقنا كلنا. سيبلل السرير ويقوم بتوسيخ حفاظاته. سيتعين عليّ أن أنظفه، وأطعمه، وأعتني به. لربما ستشعرين بالوحدة. لربما ستشعرين بالغيرة. وحتى أنك يمكن أن تقولي في نفسك، “إنها لم تعد تحبني بعد الآن – إنها تحب الطفل”. عندما تشعرين هكذا، تأكدي بأن تأتي إلي وتخبريني، وسأعطيك المزيد من الحب، إذاً لا تقلقي. سوف تعرفين بأنني أحبك.
يتردد بعض الآباء باستعمال هذا النهج. إنهم يخافون وضع أفكار خطرة في ذهن الولد. هؤلاء الآباء بإمكانهم التأكد بأن هذه الأفكار ليست جديدة بالنسبة للأطفال. إن عباراتنا تعكس تفهم المشاعر. أنها تعطيهم مناعة بالنسبة للشعور بالذنب وتشجع الحميمية والتواصل. يتحتم على الولد أن يشعر بالغضب وبالتذمر بالنسبة للطفل الجديد. من الأفضل أن يشعر الطفل بالحرية للتعبير عن العذاب صراحة، بدلاً من المعاناة بصمت.
التعبير عن الغيرة: الكلمات أفضل من الأعراض
يُظهر الحادث التالي كيف أن أماً ساعدت ولدها جمال، وهو في الثالثة في التعبير عن شعوره الغاضب بالنسبة لقدوم طفل جديد. كان من المتوقع أن يصل في غضون الثلاثة أسابيع. ذات يوم انفجر جمال بالبكاء وسالت دموعه:
جمال: “لا أريد الطفل الجديد في البيت. لا أريدك أنت وأبي أن تلعبا معه وتعطياه الحب”.
الأم: “إنك غاضب بشأن الطفل الجديد. تتمنى لو لم يكن هناك أي طفل جديد”.
جمال: “نعم، أنا أريد الماما والبابا وجمال”.
الأم: “إنك تغضب لمجرد التفكير بطفل جديد”.
جمال: “نعم، إنه سيأخذ كل ألعابي”.
الأم: “حتى أنك خائف قليلاً”.
جمال: “نعم”.
الأم: “إنك تقول لنفسك، لن يحبني البابا والماما مثله ولن يكون لهما وقت لي”.
جمال: “نعم”.
الأم: “حسناً، جمال، تذكر بأنك الجمال الوحيد الذي نملكه وهذا يجعلك مميزاً جداً. الحب الذي نكنه لك، لن نشعر به بالنسبة لأي شخص آخر”.
جمال: “ولا حتى للطفل؟”.
الأم: “حتى الطفل لا يمكنه أخذ حبنا لجمال. عزيزي، في أي وقت تشعر فيه بالحزن وبالغضب تعال إلي وأخبرني وسأعطيك بعضاً من الحب الخاص”.
بعد وصول الطفل، عبّر جمال عن امتعاضه بقرصه، وضربه برجليه بخشونة. وبخته أمه بقولها: “لم يأتِ الطفل كي نؤذيه لكن بإمكانك أن ترسمه ثم تقطع الصورة إلى أجزاء كثيرة، إن كنت ترغب بذلك”.
عندما يكبت الأطفال غيرتهم، فإنها تظهر على شكل طرق مقنّعة لظواهر وسوء سلوك. وهكذا عندما يمتعض الأولاد من إخوتهم، لكنهم يمُنعون من التعبير عن مشاعرهم فمن الممكن أن يحلموا بأنهم رموا الصغار من نافذة من الطابق العاشر، على سبيل المثال. يحتمل أن يصبح الحالمون مرتعبين لدرجة أنهم يمكن أن يستيقظوا وهم يصرخون. حتى أنهم يمكن أن يسارعوا إلى أسرة اخوتهم ليتأكدوا بأنهم ما زالوا فيها. يمكن أن يشعروا بالسرور لأن اخوتهم سلموا لدرجة يشعر معها الآباء بمحبة الأولاد لهؤلاء الأطفال. الكوابيس هي طريقة الطفل للتعبير بالصور عما يخشى قوله بالكلمات. من الأفضل أن يقوم الأطفال بالتعبير عن غيرتهم بالكلمات بدلاً من الأحلام المرعبة.
عانى وليد، وهو في الخامسة، بعد ولادة أخته بوقت قصير من مشاكل بالتنفس. ظن أهله بأنه دفاعي جداً حيال أخته وأنه “يحبها حتى الموت” (لربما كانت حتى الموت هي التعبير المناسب). لم يستطع الطبيب إيجاد أساس فيزيائي للربو وقام بإحالته لعيادة صحة نفسية، حيث يمكن أن يتعلم أن يعبر عن غيرته وغضبه بدلاً من نوبات التنفس. بعض الأولاد يعبّرون عن غيرتهم بالسعال وبحساسية جلدية، وليس بالكلمات. آخرون يبللون فراشهم، وهكذا فإنهم يعبرون بعضو ما عن الأشياء بدل العضو آخر. بعض الأطفال يصبحون مخربين: إنهم يكسرون الأشياء بدلاً من التعبير عن سخطهم. بعض الأطفال يقضمون أظافرهم أو ينزعون القليل من شعر رأسهم كتغطية للرغبة بعضّ وأذية أخوتهم وأخواتهم. كل هؤلاء الأطفال يحتاجون للتعبير عن مشاعرهم بالكلمات بدلاً من العوارض. يتمتع الأهل بوضع أساسي لمساعدة أطفالهم على إطلاق مشاعرهم.
الوجوه المتعددة للغيرة
من أجل البقاء بأمان، على الوالدين أن يفترضا بأن الغيرة موجودة في أولادهم، وحتى لو لم تكن ظاهرة للعين غير الخبيرة. تملك الغيرة وجوهاً متعددة والكثير من الأقنعة: من الممكن أن تكشف نفسها عن طريق المنافسة المستمرة أو عن طريق تجنب كل المسابقات التنافسية، وبالبروز بين الناس أو بالتواضع الشديد، بالكرم المتهور أو بالطمع الشديد. إن الثمار المرّة لصراعات طفولتنا غير المحسومة تلاحقنا في حياة بلوغنا. إنها تشاهد في المنافسات غير المنطقية عند الشخص الذي هو بسباق أبدي مع كل سيارة في الطريق أو الذي ليس بإمكانه أن يخسر بلطف لعب كرة مضرب أو الذي هو على استعداد دائم ليراهن بحياته وثروته ليبرهن نقطة ما يكون مقتنعاً بها أو الذي يشعر بدافع لكي يتبرع أكثر من غيره حتى ولو كان ذلك فوق قدرته. إنها يمكن أن تشاهد أيضاً عند الشخص الذي يرفض الدخول في كل المنافسات، والذي يشعر بأنه مهزوم قبل أن يبدأ العراك وعند الشخص المستعد أبداً ليكون في المقعد الخلفي، والذي لا يطالب أبداً حتى بحقوقه المشروعة. وهكذا فإن السجالات بين الأخوة تؤثر على حياة الطفل أكثر مما يدركه الأهل. بإمكانها أن تطبع نفسيته بشكل لا يمحى وتشوش شخصيته. يمكن أن تكوّن محور حياة متعبة.
جذور الغيرة
تتكوّن الغيرة من رغبة الطفل ليكون هو “الغالي المحبوب” لوالديه. هذه الرغبة هي تملكية إلى الحدّ الذي لا يُقبل معه أي منافس. عندما يأتي الأخوة والأخوات، فإن الطفل يتنافس معهم من أجل الحصول على الحب الحصري لكلا الوالدين. يمكن أن تكون المنافسة مفتوحة أو مستترة، ويتعلق هذا بموقف الوالدين تجاه الغيرة. يشعر بعض الأهل بالغضب الشديد تجاه تنافس الأخوة لدرجة أنهم يعاقبون أي مظهر له. يتراجع أهل آخرون للوراء بشكل بهلواني لتجنب إعطاء سبب للغيرة. إنهم يحاولون أن يقنعوا أولادهم بأنهم محبوبون بطريقة متساوية ولهذا فليس هناك من سبب للغيرة. يجري توزيع الهدايا، المديح، النزهات، المسايرات، الثياب، والطعام بالتساوي وبالعدل للجميع. مع ذلك فإن هذه الطرق لا تفلح بالتخلص من الحسد. لا يفلح العقاب المتساوي أو المديح المغدق المتساوي بإطفاء الرغبة في الحصول الحصري على الحب. ولأن مثل هذه الرغبة لا يمكن تلبيتها، فلا يمكن منع الغيرة كلياً. عموماً فسواء كانت نار الغيرة تومض بهدوء أو أنها تتوهج بخطورة، فإن ذلك يعتمد على المواقف والأفعال.
التعامل مع الغيرة: الكلمات والمواقف التي تصنع الفوارق
وسط ظروف طبيعية، فإن فروق الجنس والعمر يمكنها التسبب بالغيرة بين الأخوة. يُحسد الولد الأكبر لأنه يمتلك امتيازات أكثر واستقلالية أكبر. يُحسد الطفل الصغير لأنه يتمتع بحماية أكثر. تحسد الأخت أخاها لأنه يبدو على أنه يتمتع بحرية أكثر مما تحصل عليه هي. يحسد الأخ أخته لأنها تظهر بأنها تحصل على عناية خاصة. يتطور الخطر عندما يعطي الآباء انطلاقاً من حاجاتهم الخاصة فوارق الجنس تركيزاً تفضيلياً.
عادة ما تصبح الطفلة المفضلة ضحية، عندما يبدأ الآباء، كما سنرى في هذه القصة بإغداق الهدايا عليها. لم يكن هؤلاء الأهل واضحين فقط في تفضيلهم للبنت التي طال انتظارها بعد ولادة عدة صبيان، لكنهم أصروا على أن يتولى الأولاد الكبار مسؤولية أختهم. لأنهم القوا اللوم على أختهم لتمتعها بامتيازات خاصة، بدل إلقاء اللوم على والديهم لتفضيلها، فقد جعل هؤلاء الأخوة حياة أختهم تعيسة. للأسف، فإن غيرة أخوتها التي لم تُعالج لم تسمم طفولتهم فقط لكنها حرمتهم من علاقات محبة الأخوة في كبرهم.
عندما يقوم الأهل بتفضيل طفل عاجز على استقلالية ولد بعمر السادسة أو العكس، فإن الغيرة تقوى. يصح نفس الشيء عندما يعطى الطفل قيمة مبالغ فيها بسبب الجنس، التطلعات، الذكاء، المواهب الموسيقية أو المهارات الاجتماعية. يمكن أن تتسبب المواهب الطبيعية الفائقة بالحسد، لكن التقدير الأبوي المبالغ فيه للسجايا أو المواهب هو الذي يقود للتنافس العنيد بين الأولاد.
لا يُفهم من هذا بأن الأولاد الكبار والصغار يجب أن يلقوا نفس المعاملة. على العكس من ذلك يجب أن يجلب العمر امتيازات ومسؤوليات جديدة. يجب أن يعطى الولد الأكبر مصروفاً شخصياً أكبر بطبيعة الحال، أوقات سهر أطول، وحرية أكثر للخروج مع أصدقائه من الولد الذي يصغره سناً. تعطى هذه الامتيازات علناً وبسخاء كي يتطلع كل الأولاد قدماً لأن يكبروا.
من المحتمل أن يحسد ولد صغير أخاه بسبب امتيازاته. نستطيع مساعدة ذلك الولد بالتعامل مع مشاعره، ليس عن طريق تفسير الحقائق، ولكن بتفهم عواطفه:
“إنك تتمنى لو تستطيع السهر أيضاً”.
“تتمنى لو تكون أكبر سناً”.
“تتمنى لو كنت بسن التاسعة وليس السادسة”.
“أعرف لكن الآن هو وقت النوم”.
يمكن للوالدين أن يغذوا الغيرة دون قصد عندما يجعلون ولداً يقدم تضحيات للآخر: “يحتاج الطفل لسريرك”. “نأسف لأننا لا نستطيع شراء مزالج جديدة لك هذه السنة. نحتاج المال الفائض للطفل الصغير”.
يكمن الخطر بأن الولد يمكن أن يشعر بأنه محروم ليس فقط من الممتلكات ولكن من الإعجاب. لهذا فإن مثل هذه الطلبات يجب أن يُمهد لها بالإعجاب والتقدير.
كلمات الحنان: تخطي الغيرة
يعبّر الأطفال الصغار جداً عن الغيرة بشكل غير دبلوماسي: إنهم يتساءلون إذا كان الأطفال الصغار يموتون، يقترحون بأن يتم إعادة هذا “الشيء” إلى المستشفى أو يوضع في صندوق النفايات. الصغار الأكثر إقداماً يمكن أن ينشغلوا في عمليات عسكرية ضد الغازي. يحتمل أن يضايقوا الطفل بدون رحمة: من الممكن أن يحتضنوه كما تحتضن الأفعى ويمكن أن يدفعوه، يقرصوه أو يقوموا بضربه كلما أمكنهم ذلك. في الحالات المتطرفة، فإن أخاً غيوراً يمكن أن يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه.
نحن كأهل، لا نستطيع أن نسمح لولد أن يضطهد أخاه أو أخته. الهجومات السادية، سواء كانت بدنية أو لفظية، يجب إيقافها لأنها تسبب الضرر لكل من الضحية والمهاجم. كلا الولدين يحتاجان لقوتنا ورعايتنا. لحسن الحظ، لكي نضمن السلامة البدنية لطفل صغير، لا نحتاج لأن نعرض الأمان العاطفي للأخ الأكبر.
عندما يتم إمساك ولد بعمر الثالثة وهو يعذب أخاه الرضيع، فإن الولد يجب أن يُمنع فوراً وتوضح الدوافع فوراً:
“أنت لا تحب الطفل”.
“أنت غاضب منه”.
“أرني كم أنت غاضب. سوف أراقب”.
يجب أن يُسلم الطفل لعبة كبيرة أو ورقة وأقلاماً. يُسمح للطفل أن يلقي خطاباً على اللعبة أو أن يرسم خطوطاً عليها. يجب أن لا نقترح على الولد ما يجب عليه فعله. يقتصر دورنا على المراقبة بعين محايدة وأن نتجاوب معه بلغة متعاطفة: نحن لن ننصدم بشراسة المشاعر. المشاعر صادقة والهجوم لا يحمل أضراراً. من الأفضل أن يتم التنفيس عن الغضب رمزياً ضد شيء غير حي من أن يوجه مباشرة ضد طفل حي أو مواجهته بعوارض رمزية ضده أو ضدها. يجب أن تكون تعليقاتنا مختصرة:
“أنت تُظهر لي كم أنت غاضب!”.
“الآن الماما تعرف”.
“عندما تغضب تعال وأخبرني”.
هذا النهج هو أكثر مساعدة بتقليل الغيرة من العقاب والإهانة على السواء. بالمقابل فإن النهج التالي هو غير مساعد. عندما أمسكت أم ابنها وائل، وهو بعمر الرابعة، وهو يجرّ أخاه الرضيع من قدميه. انفجرت هذه الأم صائحة، “ما خطبك؟ أنت تريد أن تقتله؟ هل تريد أن تقتل أخاك؟ ألا تعرف بأنك يمكن أن تعطبه مدى الحياة؟ أتريده أن يكون مشلولاً؟ كم من المرات أخبرتك أن لا تخرجه من سريره؟ لا تلمسه، فقط لا تلمسه أبداً!” مثل رد الفعل هذا سيضاعف من امتعاض وائل. ما هو الشيء الذي يمكن أن يكون مساعداً؟ “الأطفال الصغار يجب أن لا يتعرضوا للأذى يا عزيزي. هذه لعبتك، حبيبي. بإمكانك جرها لأي وقت تريده”.
يجب أن يُواجه الأطفال الأكبر سناً بمشاعر غيرتهم أيضاً. يمكن محاورتهم بشكل أكثر صراحة:
“من السهل أن نرى بأنك لا تحب الطفل”.
“إنك تتمنى لو لم يكن هنا”.
“أنت تتمنى لو كنت الوحيد”.
“أنت تتمنى لو كنت أنا لك وحدك”.
“أنت تغضب عندما تراني أوليها انتباهي”.
“تريدني أن أظل معك”.
“كنت غاضباً جداً لدرجة أنك قمت بقرص الطفلة. لا أسمح لك مطلقاً بإيذائها، لكن بإمكانك إخباري عندما تشعر بالوحدة”.
“عندما تشعر بأنك لوحدك، سأعطيك المزيد من الوقت، كي لا تشعر بالوحدة في أعماقك”.
النوعية أو المساواة: قدم المحبة بفرادة، وليس بانتظام
أولئك الآباء الذين يريدون أن يكونوا عادلين بالمطلق لكل طفل ينتهون أخيراً بالثورة على كل الأولاد. لا شيء يستعصي ويغلب النفس مثل العدالة الخاضعة للقياس. عندما لا تستطيع الأم أن تقدم تفاحة أكبر أو عناقاً أقوى لولد لأنها تخاف بإثارة حنق الولد الآخر، فإن الحياة تصبح غير محتملة. المجهود المبذول في قياس العطاء العاطفي أو المادي يمكنه جعل أي شخص متعباً وغاضباً. لا يتطلع الأولاد لحصص متساوية من الحب: إنهم يحتاجون كي نحبهم بشكل إفرادي، وليس بشكل متساوٍ. التشديد هنا هو على النوعية، وليس على المساواة.
نحن لا نحب كل أطفالنا بنفس الطريقة، وليس هناك من حاجة لأن نتظاهر بأننا نقوم بذلك. نحب كل طفل بشكل إفرادي، وليس علينا أن نتعب كثيراً لإخفاء ذلك. كلما كنا يقظين بمنع التمييز الظاهر، كلما أصبح كل طفل أكثر يقظة بكشف حوادث اللامساواة.
عن غير فهم وعن غير قصد، إننا نجد أنفسنا في موقف الدفاع ضد صرخة المعركة الشائعة عند الطفل، “هذا ليس عدلاً”.
دعونا لا نؤخذ بدعاية الولد. دعونا لا نطلب الأسباب المخففة، ولا أن ندعي براءتنا، ولا أن ننقض اتهامهم. دعونا نقاوم دافع تفسير الظروف أو الدفاع عن موقفنا. دعونا لا ننجر إلى جدال لا ينتهي حول عدالة وعدم عدالة قراراتنا. فوق كل شيء يجب أن لا ننجر إلى تقنين أو تقسيم محبتنا لأجل العدل.
يجب أن نقوم بإيصال علاقاتنا المتميزة لكل طفل، وليس عدالتها أو تشابهها. عندما نمضي لحظات أو ساعات قليلة مع أحد أطفالنا، يجب أن نكون مع هذا الطفل بالكامل. وبالنسبة لتلك الفترة، يجب أن نجعل الطفل يشعر بأنه ابننا الوحيد وأن نجعل البنت تشعر وكأنها ابنتنا الوحيدة. عندما نخرج مع طفل واحد، يجب أن لا ننشغل بالآخرين. دعونا لا نتكلم عنهم أو نشتري لهم الهدايا. لكي تكون اللحظة لا تنسى، يجب أن يكون اهتمامنا غير مجزأ.
عندما يتم الاعتراف برغبة الطفل لمحبتنا غير المجزأة، فالطفل يطمئن. عندما يتم تفهم هذه الرغبة وتقبلها بحرارة، فإن الطفل يشعر بالارتياح. عندما يقيم الطفل لذاته وتفرده، فالطفل يقوى.
الطلاق وإعادة الزواج: ملعب آخر للغيرة
يبرز على السطح شكل آخر للغيرة بالنسبة للأولاد الذين يتم الطلاق بين والديهم. مثل هذه التجربة يمكن أن يمرّ بها طفل يتمتع بعلاقة جيدة مع الأم أو الأب الراعيان له. يبدو كل شيء جيداً حتى تتهدد العلاقة المتينة بمقتحم جديد، في هذه الحالة شخص بالغ يهتم بوالدة أو والد الطفل.
لا يُستغرب شعور الأولاد بانعدام الأمان عندما يغادر أحد الوالدين البيت. إنهم يحللون، “إذا كان باستطاعة أحد الوالدين أن يتركني، فإن الآخر يستطيع ذلك هو أيضاً”. كنتيجة لهذا الوضع فإنهم يصبحون في موقف دفاعي مع أحد الوالدين الذي بقوا معه. إنهم يراقبون كل خطوة من خطواته ليتأكدوا من أنه أو أنها لا يقيم علاقة مع شخص بالغ آخر. إنهم يصعّبون الوضع عليه كي لا يُواعد، مثيرين نوبات غضب عندما يتكلم أو تتكلم بالهاتف، ويظهرون بشكل بغيض لأقصى حدودهم عندما يتلقون زيارة من صديق أحد والديهم. حتى أنهم على استعداد للتخلي عن قضاء ليلة خارج المنزل من أجل مراقبة والدهم أو والدتهم. إن آخر شيء يريدونه هو مشاركة أحد والديهم مع شخص بالغ آخر.
ما الذي يتوجب على الأم أو الأب فعله؟
يتحتم عليهم فهم مأزق ولدهم، والتركيز على المشاعر المضطربة، وتشجيعه في التعبير عما يقلقه وذلك بالقيام بعكس والاعتراف بمشاعره:
“إنه وقت صعب بالنسبة إليك. سأطلب منك أن تجري تعديلاً آخر. أولاً عليك الاعتياد على العيش بدون أب (أو أم) يعيش معنا وعلى العيش وحيدين معاً. والآن أنا أسألك لإعادة تنظيم حياتك كي تشمل غريباً ليس بوالدك (أو والدتك)”.
“أنت قلق بأنني إذا أحببته، فإنني سأتوقف عن محبتك”.
“أنت لا تريد أحداً يفصل بيننا”.
“إنك تتساءل عما إذا كنت سأتركك وأذهب بعيداً مع ذلك الشخص”.
“إنك ترغب لو لا أحتاج أحد غيرك كي يحبني”.
“إنك لا تريد أن تتشارك بي مع هذا الغريب”.
“إنك تتمنى لو أنه يذهب بعيداً وتستمر حياتنا كما كانت”.
إن حب الوالدين وتفهمهم هو ما يسكّن مخاوف الأولاد، ويساعدهم على التأقلم مع حب الراشد الجديد لوالدهم أو والدتهم.
تأليف:هايم جينو
مراجعة وتحديث: د. اليس جينو ود. والس غودارد