الفتوق هي من أكثر الحالات المرضية التي تصيب الجنس البشري، إذ يصاب بها خمسة في المئة من الناس، وينال الرجال خمسة أضعاف ما تنال النساء من هذه النسبة.
والفتق هو انتفاخ يتكون من انزلاق جزء من الصفاق peritoneum من خلال فتحة خلقية أو مكتسبة في جدار البطن، وهذا ما يسمى كيس الفتق hernial sac. ونظرا إلى أن هذا الجيب يكون فارغا، فإن جزءا من محتويات البطن المجاورة له، كالأمعاء مثلا، أو كالغشاء الشحمي البطني أو ما يعرف بالثرب omentum أو المبيض عند النساء، ينزلق إليه عند الوقوف الطويل، أوالمشي المديد، أو السعال الشديد، أو عند كل جهد جسدي آخر، ثم يعود تلقائيا إلى مكانه الطبيعي في البطن في أثناء الراحة أو بالضغط اليدوي على مكان الانتفاخ. في هذه الحالة، يصنف الفتق بالردود reducible hernia.
أما في حالات أخرى، فتبقى محتويات الفتق داخل الجيب، ويستعصي إرجاعها إلى مكانها الطبيعي رغم الراحة أوالضغط الموضعي. وهذه الحالة تعرف بالفتق غير الردود irreducible hernia. وإذا طالت هذه الحالة ولم تحظ بالعلاج اللازم، فقد تنقطع عن محتويات كيس الفتق التروية الدموية، مما يؤدي إلى حالة من الغرغرينا والتسمم، وهذا ما يعرف بالفتق المخنوق strangulated hernia، الذي يودي بصاحبه إلى الموت المحتوم إذا لم يعالج فورا.
أسباب الفتق
إن الفتوق في معظمها نوعان: خلقية congenital ومكتسبة acquired. والأخير تنتج من ضعف في عضلات جدار البطن، أو توسع في فتحاته، أو من كليهما معا مصحوبا بارتفاع الضغط داخل البطن. اما عند الاطفال فهو تشوه خلقي سببه الرئيسي عدم انغلاق القناة الاربية.
أما الفتق المكتسب الذي يحدث في كل مراحل العمر، فينتج من حمل أشياء ثقيلة أو القيام بمجهود كبير أو في حالات الامساك (القبض المزمن) والسعال الشديد، ويحصل كذلك لدى المصابين بصعوبة في التبول عند المتقدمين في العمر من الرجال من جراء تضخم غدة البروستات. كذلك يصيب أيضا الأشخاص المهيئين خلقيا للإصابة بهذه العلة، والذين يكون لديهم نقص خلقي في بعض ألياف البطن، فيأتي الحمل الثقيل والأسباب الأخرى لتكشفه وتخرجه إلى النور.
أنواع الفتوق:
أ- الفتق الإربي inguinal herina
الفتق الإربي هو أكثر الفتوق شيوعا، ويصيب جميع الأعمار ويصاب به الأطفال منذ الولادة. ويظهر بصورة انتفاخ في المنطقة الإربية في أسفل البطن، وتصاب به الجهة اليمنى أكثر مما تصاب به الجهة اليسرى بثلاثة أضعاف تقريبا، وقد يحدث الفتق في الجهتين معا.
يكتشف هذا الفتق عرضيا، أو عند بكاء الطفل، فتلاحظ الأم انتفاخا غير طبيعي، سرعان ما يتلاشى بعد أن يهدأ الطفل وينام، ما يدفع الأم أحيانا إلى الإسراع به إلى الطبيب. وكثيرا ما يجد الطبيب صعوبة في تشخيص هذه الحالة عند الأطفال، وخاصة إذا كانت محتويات الفتق غير منزلقة. إلا أن وصف الأم للحالة، وانتفاخ المكان المعين عند البكاء، واختفاءه عند الراحة، تؤكد بصورة جازمة وجود الفتق الإربي. وفي بعض الحالات يمتد الفتق إلى كيس الخصية، أو يكون مصحوبا بعدم نزول الخصية إلى موضعها الطبيعي testicle undescended في كيس الصفن scrotum.
أما في حالة اختناق الفتق، فالصورة تختلف تماما، إذ إن الطفل يكون في حالة ألم شديد وبكاء متواصل وانتفاخ مؤلم ومتحجر وتوقف عن التبرز والتبول، ما يستدعي علاجا فوريا، حتى لا تتحول محتويات جيب الفتق إلى غرغرينة وتسمم يؤديان إلى حصول اشتراكات خطرة لدى الطفل.
الفتوق الإربية نوعان:
مباشر: وهو ناتج من ضعف في جدار البطن الخلفي، ويبرز بصورة انتفاخ في المنطقة الإربية.
غير المباشر: ويحمل في طياته غشاء يتجه إلى كيس الخصية، وهو خلقي في الدرجة الأولى.
ب – الفتق الفخذي femoral hernia
وهو يصيب النساء بنسبة أعلى بكثير مما يصيب الرجال، ويقع تحت الرباط الإربي، ويحتوي في كثير من الأحيان على شحم وغدد لمفاوية، ما يعوق التشخيص، إذ يظن الجراح في الفحص السريري أنه أمام كتلة شحمية lipoma أو غدة لمفاوية lymph node وعند المداخلة الجراحية يكتشف أن ما ظنه آنفا لا ينطبق على الواقع، والحالة ليست إلا فتقا فخذيا. يظهر الفتق الفخذي femoral hernia في أعلى الفخذ، ويسبب في حالاته المبكرة ألما وانتفاخا. ومع مرور الزمن تتضاعف الآلام، وقد يحدث لهذا النوع من الفتق اختناق كما يحدث لغيره، ما يسبب العوارض والنتائج التي أتينا على ذكرها في الفتق الإربي.
اختناق الفتق: strangulation
ويحصل هذا عندما تضيق الحلقة حول محتويات الفتق التي تنحبس في كيس الخصية، أو عند بروز كتلة شحمية في الفتق المباشر لا يمكن إعادتها إلى داخل البطن، فتنقطع التروية الدموية عن هذا الجزء العالق خارج البطن سواء كان قسما من الأمعاء أو قطعة من شحم البطن أو المبيض عند الأنثى… لذا، يجب معالجة الفتوق قبل حصول هذا التطور الذي يستدعي مداخلة جراحية سريعة حتى لا يتعرض محتوى الفتق من الأنسجة إلى الغرغرينة والتلف، ما يستدعي استئصالها، وتتحول العملية عندئذ إلى عملية كبرى major operation مع ما تحمل من مخاطر ومضاعفات. نسبة حدوث هذه الحالة لا تتجاوز 3 % عند الكبار، وهي تصل إلى 45 % عند الصغار و20 % في حالات الفتق الفخذي عند الإناث.
ج- فتق السرة umbilical hernia
يظهر فتق السرة بصورة انتفاخ في سرة البطن، يكبر مع بكاء الطفل ويصغر بهدوئه، وقليلا ما يسبب إزعاجا للطفل. إلا أن تخوف الأم من هذا الانتفاخ المتقطع يدفع بها إلى اسشارة الطبيب.
وهذا الفتق يظهر أيضا عند الكبار، وخاصة عند النساء على أثر الحمل المتكرر.
د- فتق الخط الأبيض hernia of the linea Alba
فتق الخط الأبيض هو الفتق الذي يحدث على الخط الطولي الذي يمر في منتصف البطن. ويحدث الانتفاخ بشكل كتلة مكورة وبارزة فوق السرة عادة، حتى يظن أنها كتلة شحمية lipoma معزولة تحت الجلد، إلا أنها غالبا ما تكون دائما فتقا في الخط الأبيض، يحتوي في معظم الأحيان على شحم الثرب، أو شحم الغشاء الصفاقي.
هـ – فتق الجروح incisional hernia
يحدث فتق الجروح إثر عمليات جراحية بطنية، إذ يتقيح الجرح أحيانا أو يحصل فيه تجمع دموي hematoma أو يحدث انتفاخ بطني حاد يخلق ضغطا شديدا على الجرح الطري، أو أن يقوم المريض بعمل شاق أو جهد كبير مباشرة بعد إجراء العملية وقبل انتهاء فترة النقاهة أو يكون سببه خطأ تقني في تقطيب جرح البطن. كذلك تحدث فتوق الجروح عند المرضى الذين يشكون السرطان وسوء التغذية وضعف المناعة، وحالات نقصان في بروتينات الجسم وغيرها من الحالات التي لا تساعد على التئام الجرح إلتئاما كاملا، فيتمزق جزئيا أو كليا ليسبب فتق الجرح البطني.
تقنية الترميم بالمنظار
إن ترميم الفتق الإربي من الآفات الشائعة، كما قلنا لا يمكن شفاؤها إلا بالجراحة.
علاج الفتوق بالمنظار
كان الجراح Ger أول من أجرى علاجا بالمنظار للفتوق عام 1979. وبعد مضي عشر سنوات ونصف سنة على هذا الإنجاز، أصبحت عملية جراحة الفتق بالمنظار شائعة ومتبناة في كثير من مراكز الجراحة في العالم، ومن مبادئها الأساسية “الخلو من الشد” Tension Free.
وفيما كان التحفظ عند بعض الجراحين هو ردة الفعل الأولى على العملية، أصبحت الآن تمارس في حدود 20 إلى 25 % من عمليات جراحة لرتق الفتوق. إن ما يزيد على 700 ألف عملية فتق تجرى في الولايات المتحدة سنويا، وازدادت نسبة العملية بالمنظار مع ازدياد الخبرة وتنوع الطرق الجراحية. وما يشجع على تبني هذه الطريقة، أن نسبة الالتهاب في عملية الفتق بالمنظار لا تتجاوز 0.3 % بالمئة، ونسبة المعاودة هي 0.4 %.
الفارق بين علاج الفتق بالطريقة التقليدية والطريقة التنظيرية هو أن في الأولى توضع الشبكة المقوية أمام الفتق بشكل عام، بينما توضع الشبكة خلفه في جراحة المنظار.
وجراحة الفتق بالمنظار لها طرق متعددة، إذ ليست هناك طريقة واحدة للعلاج؛ فبعض المدارس الجراحية، وهي ألاكثر شيوعا، تتبنى ما يعرف بTAPP، وهي الدخول إلى التجويف الباطني وتشريح الأنسجة المحيطة بالفتق وتثبيت شبكة داعمة لجدار البطن الأمامي بالنسبة إلى الناظر من داخل البطن.
هذه الطريقة هي الأولى التي ابتكرت في جراحة الفتوق بالمنظار. لقد دفع الخوف من التصاقات معوية، بحكم وجود الأمعاء على تماس مباشر مع الشبكة، الكثيرين إلى استكشاف طرق أخرى أقل خطرا.
وهكذا نشأت طريقة العلاج من خارج التجويف البطني Total Extra Peritoneal. وفي هذه الطريقة، يحاول الجراح إيجاد تجويف أو قناة بين عضلات جدار البطن والغشاء الأمامي لل peritoneum وتوسيع هذا التجويف في مكان الفتق.
حسنات العلاج بالمنظار
من حسنات علاج الفتوق بطريقة المنظار العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية، مع تدني الألم مقارنة بالعملية الكلاسيكية.
أما مضاعفات العملية بالمنظار، فإن نسبة إصابة الأمعاء والشرايين بأذى في هذه العملية تكون أكبر من نسبة إصابتها في العملية الكلاسيكية، وخاصة على أيدي الجراحين غير المدربين كفاية على هذه التقنية. كذلك فإن نسبة المعاودة أعلى منها في حالات الجراحة التقليدية، لذا يفضل بعض الجراحين إجراء علاج الفتق الأولي primary بالطريقة التقليدية. أما في حال المعاودة recurrence، فالاعتقاد بأن الجراحة بالمنظار تعطي نتائج أفضل. كما في حالات الفتق الاربي الثنائي الجانب bilateral inguinal hernia.
هناك دوما صفة مشوهة للندبة الجلدية في الجراحة التقليدية بسبب العلاج الجراحي، أما الجراحة التنظيرية فتسمح بتجاوز هذه المشكلة، تاركة وراءها ندبات صغيرة لا ينتبه إليها أحد وتختفي بمعظمها مع مرور الوقت.
موانع إجراء العملية بالمنظار
من الأمور التي تمنع الجراح من إجراء هذه العملية بالمنظار الالتهابات البطنية أو الخلل في التخثر الدموي، وأيضا حالات الأمراض المستعصية المصحوبة بضعف في المناعة، وأخيرا الفتوق الانزلاقية الكبيرة sliding herina التي يتكون الجدار الخلفي لكيسها، أي الposterior wall من الأمعاء الغليظة.
علاج الفتوق بالمنظار له أيضا اشتراكاته وتعقيداته
من أولى الاشتراكات، الآلام الشديدة الناتجة من إصابة العصب nerve injury أو حدوث معاودة وظهور الفتق مجددا recurrence أو انحسار الرقعة dislodgment of the mesh. وقد تتطلب حالة الألم الناتجة من ربط العصب إلى معاودة إجراء عمل جراحي لاستكشاف موضع العصب المربوط أو المشبوك clipped لفك الرباط أو الكبسة عنه أو استئصال العقدة العصبية neuroma. وإذا لم يكن الألم صادرا عن منطقة محددة بوظيفة العصب، فمن المستحسن أن تحقن المنطقة بمخدر موضعي، علما بأن الآلام البسيطة تتلاشى مع الوقت، ويجب متابعة المريض من دون تدخل جراحي. كل ذلك جعل بعض الجراحين يضعون الشبكة بدون تثبيت بالمشابك (الكبسات clips) تلافيا لحدوث هذه المضاعفة.
كذلك تحصل معاودة لعدم تحديد الفتق أو لصغر الشبكة أو عدم تثبيتها جيدا أو تلافيا لأذى يمكن أن يحصل من إدخال المبازل trocar وغيرها من المخاطر. لذلك يجب أن يجري العملية من يتقن ويهتم بأصول الجراحة بالمنظار.
إن خمسة بالمئة من الذين تجرى لهم عملية إصلاح الفتق يشعرون بأنهم في حالة أسوأ مما كانوا عليه قبل العملية.
ونسبة عشرة بالمئة يتجمع لديهم دم ماصل seroma بعد العملية. كذلك يحصل تجمع للماء حول الخصية hydrocele، أو يحصل تورم والتهاب في الخصية orchitis بنسبة عشرة في المئة.
ومن الاشتراكات أيضا إلتهاب الشبكة المقوية والرفض rejection الذي يستدعي مداخلة جراحية ثانية لاستخراج تلك الشبكة وإعطاء المريض مضادات حيوية.
وقد يحدث انسداد في الأمعاء سببه عدم إقفال الفتحة، ما يساعد على حشر الأمعاء في هذه الثغرة، وإن نسبة حدوث هذه المضاعفة ضئيلة جدا بنسبة 0.1 – 0.6 %.
بعض الأسئلة التي قد يطرحها المريض
ماذا أتوقع إذا أصبت بفتق؟
إذا لم يعالج مع مرور الزمن، يكبر حجم الفتق وتشتد عوارضه واشتراكاته.
لماذا يصاب المرء بفتق؟
يعتبر حمل الأشياء الثقيلة الوزن أو البدانة عاملا مساعدا للأصابة بالفتوق كما ارتفاع الضغط داخل البطن بسبب تأثير عوامل عديدة، منها السعال الشديد المتكرر أو المزمن،الإمساك (القبض)،صعوبة في التبول عند المتقدمين في السن من الرجال بسبب تضخم غدة البروستات، التوسع الكبير في حجم البطن كتجمع سائل داخل البطن (الحبن) ascitis. واذا اجتمع الضعف في جدار البطن مع العوامل الواردة اعلاه ينتج عندها الفتق.ان الشقوق الجراحية التي لا تلتحم بالقوة نفسها التي كانت للأنسجة قبل العمل الجراحي تؤدي كذلك للفتوق.
ما هو علاج الفتق؟
المشدات والأحزمة، والتي كانت تستعمل بكثرة قبل بزوغ فجر الجراحة هي ليست بالعلاج، لكنها تجمد الوضع، وهي تستعمل حاليا في الحالات النادرة جدا التي لا يستطيع الإنسان لأسباب صحية جدية تحمل عمل جراحي. أما اليوم، فالجراحة بتقنياتها الحديثة وبخبرة الجراحين تعالج جذريا هذه الآفة، وتكفل للمريض المصاب بها الشفاء الدائم.