إن فهم المعلومات المتعلقة بكيفية وصول الطفل إلى مرحلة ضبط البول ضرورية جداً من أجل فهم حالة الأطفال المصابين بسلس البول الليلي البدئي والثانوي.
أولا – سلس البول الليلي التالي لتأخر نضج المراكز العصبية
الوصول إلى مرحلة الضبط البولي:
إن المعلومات المتعلقة بوظائف المثانة الناضجة تبدو كحلقة مؤلفة من مجموعة من الظواهر تبدأ بامتلاء المثانة، فالرغبة بالتبوّل، فتأجيل الحاجة للتبول، ثم بدء إرخاء المصرّات وتقليص العضلة المثانية، ويستمر ذلك إلى الإفراغ المثاني التام. ومن ثم تعود المثانة لتمتلئ من جديد وهكذا.
يتطلب الوصول إلى مرحلة الضبط البولي الوصول أولاً إلى مرحلة تأجيل الرغبة بالتبوّل، أي على طور (تأجيل الرغبة بالتبوّل) أن يسبق طور (الضبط البولي)، فهنا يكون الطفل مدركاً لمثانته حين امتلائها ويشعر بالإلحاح البولي والحاجة لإفراغ المثانة، وعليه أن يكون قادراً على التحكم وضبط العضلات المثانية إرادياً، إن هذه المرحلة (مرحلة السيطرة التامة على الوظائف المثانية) تتطلب زمناً قدره (4 – 5) سنوات إلى أن يكتمل نمو ونضج الجملة العصبية وإن مراحل نمو ونضج الجملة العصبية تشتمل على عدة مستويات:
1. يتم إفراغ المثانة عند حديثي الولادة بشكل انعكاسي لا واعي وبشكل متكرر, دون وجود أية تثبيطات، ومع ازدياد تمدد مثانة الطفل تزداد التنبيهات العصبية الواردة من تقلصات العضلة المثانية، مما يزيد بطول الألياف العضلية المثانية وبالتالي إفراغ المثانة بفعل التبوّل بين سن الـ (6 – 12) شهر من الحياة، ويمكن أن نلحظ بعض التثبيط اللاإرادي القادم عن طريق العقد العصبية القاعدية مما يؤدي إلى زيادة الفترة الزمنية الفاصلة بين التبوّل والآخر.
بين عمر الـ (1 – 2) سنة من الحياة يتطور الحسّ المثاني والإلحاح وحسّ الرغبة في التبوّل, وهذه أولى مراحل التطور في ضبط البول عند الطفل.
إذاً تمتد المرحلة الأولى من تطور السيطرة على المثانة من الولادة حتى نهاية السنة الثانية من العمر، ويكون التبوّل لديهم إنعكاسيا, فكل امتلاء مثاني يستلزم تقلّصاً مثانياً إنعكاسياً بهدف إفراغ المثانة ليس أكثر.
2. بين عمر ال 2- 4 سنوات من عمر الطفل يصبح الطفل قادراً على الإحساس بالحاجة للتبول والإلحاح البولي، لكنه ما زال عاجزاً عن السيطرة الإرادية على العضلات المثانية، ويكون لدى الطفل في هذه المرحلة تعدد بيلات (إلحاح بولي) ويحاول الطفل منع نفسه من التبوّل وتبليل نفسه بأن يضغط على الإحليل لمنع جريان البول أو بتقليصه عضلات قاع الحوض لديه بأخذه وضعية القرفصاء أو بتطبيق ضغط خارجي على منطقة العجان، إلا أن أكثر الوضعيات التي يأخذها لمنع خروج البول حين الإلحاح هي تلك التي يأخذ بها الطفل وضعية القرفصاء وضغط منطقة العجان بثبات، وفي هذه المرحلة من العمر يكون ضبط البول يتم من خلال المصرّات البولية المخطّطة وعضلات قاع الحوض.
إذاً تتميز المرحلة الثانية من تطور السيطرة على المثانة بأن الطفل يصبح واعياً ومدركاً للرغبة والحاجة للتبوّل إلا أن الإفراغ البولي غير مضبوط.
3- المرحلة الثالثة والأخيرة من التطور هي الوصول إلى مرحلة الضبط الإرادي للمثانة بشكل طبيعي ويتم ذلك من حول سن الأربع سنوات، حيث يصبح الطفل قادراً على التثبيط الإرادي لعملية التبوّل بزيادته الفترات الفاصلة بين البيلتين ويصبح قادراً على بدء التبوّل متى شاء.
إذا تتميّز المرحلة الثالثة من تطور السيطرة على المثانة بقدرة الطفل على تأجيل الحاجة للتبول وهي العلامة المفتاح التي تدل على اكتمال التطور الطبيعي للمثانة.
من هنا تلاحظ العلاقة الوثيقة بين سلس البول الليلي وتأخر نضج المراكز العصبية، والذي يؤكد ذلك تناقص نسبة السلس بين الأطفال مع تقدم عمر الطفل.
والملاحظ أنه يبقى عند سن الخمس سنوات حوالي 10% من الإناث و16% من الذكور مصابين بالسلس، وفيما بعد نجد أن معدل الشفاء يرتفع بمعدل 13% سنوياً لهؤلاء الأطفال ما بين عمر 6 – 12 سنة من العمر.
نستخلص مما سبق أن ضبط البول من قبل الطفل يتطلب نضجاً تاماً للمراكز العصبية وإن بقاء المراحل التطورية الباكرة تؤدي إلى حصول اضطرابات افراغية غير وظيفية بالمثانة من أعراضها سلسل البول الليلي.
إن عدم كفاية التنبيهات العصبية القشرية الدماغية المثبطة للتنبيهات الحسية الواردة من المثانة الممتلئة بعد السنة الثانية من العمر يؤدي إلى استمرار وبقاء السلس البولي الليلي والنهاري.
وإن فرط نشاط العضلة القابضة للمثانة بعد سن الخمس سنوات من علامات تأخر نضج المراكز العصبية والجملة العصبية وهو أحد أهم أسباب سلس البول الليلي عند الأطفال لكنه ليس السبب الوحيد.
وعند سؤال الأهل عن نوم الطفل, نجد أن نوم الطفل عميق وأعمق بكثير من نوم الأطفال الأصحاء، إلا أن الإفراغ البولي بالسلس لا يتوافق مع طور محدد من أطوار النوم ويحدث بأي طور.
ثانيا – سلس البول الليلي التالي لنقص إفراز ADH:
يبدي مستوى البلازما من الهرمون المضاد للإدرار تبدلات واضحة أثناء النهار، حيث ينخفض مستواه نسبياً أثناء النهار ليرتفع أثناء الليل، وإن ارتفاع مستوى الهرمون المضاد للإدرار أثناء الليل يؤدي إلى إنتاج كميات أقل من البول لكن بكثافة أعلى من بول النهار.
ولاحظ العلماء أن المشكلة المرضية الوحيدة الموجودة لدى الأطفال المصابين بسلس البول الليلي هو نقص إفراز الهرمون المضاد للإدرار ليلاً مما يؤدي إلى إنتاج كميات كبيرة من البول بكثافة قليلة وكميات تفوق استطاعة المثانة مما يؤدي إلى حدوث سلس البول الليلي عندهم.
ومن هنا نستنتج أن ضبط البول عند الأطفال يستلزم شرطان أساسيان هما:
1. نقص فرط نشاط العضلة المثانية القابضة.
2. زيادة إفراز الهرمون المضاد للإدرار ليلاً لإنقاص الحصيل البولي.
وإن معدل إنتاج الهرمون المضاد للإدرار يرتبط بنضج الجملة العصبية المركزية وبالتالي يمكن أن ينقص إفراز الهرمون المضاد للإدرار بتأخر نضج المراكز العصبية والجملة العصبية المركزية.
إذاً من أهم عوامل السلس الليلي بقاء النموذج الطفلي للعضلات المثانية مع نقص إفراز الهرمون المضاد للإدرار.
ثالثا – سلس البول التالي للإضطرابات العاطفية:
تعتمد السيطرة الإرادية على عملية التبوّل على التوازن القائم ما بين التنبيهات العصبية المحيطية الواردة من المحيط وعلى قدرة القشرة الدماغية على تنظيم وتعديل تلك التنبيهات.
وأثناء تطور مراحل النضج للجملة العصبية المركزية والمراكز العصبية تكون قدرة القشرة الدماغية على تعديل هذه التنبيهات غير مستقرة مما يؤدي إلى عدم توازن عمل المثانة وحدوث سلس البول الليلي.
وأثناء مراحل التطور الطبيعية للمراكز العصبية يمكن لسلس البول الليلي أن يتوطد ويترسخ من خلال أية حادثة مرضية تزيد من انطلاق التنبيهات العصبية من المثانة مثل (الالتهابات المثانية) أو تناقص تثبيط المراكز العصبية المثبطة (مثل الإضطرابات النفسية والعاطفية).
من هنا نستنتج الآلية المرضية التي تتم في حالات الإضطرابات العاطفية والمسؤولة عن إحداث سلس البول الليلي عند الأطفال، فهنا تتناقص التنبيهات العصبية المثبطة لمركز التبوّل العجزي مما يؤدي إلى حدوث السلس من خلال عدم استقرار المثانة لفترة طويلة قد تصل إلى مرحلة البلوغ (وقد ذكرنا في فصل الأسباب، الأسباب النفسية بالتفصيل).
رابعا – سلس البول الناجم عن عسرة الوظائف المثانية عصبية المنشأ:
إن استمرار حالة سلس البول الليلي أو النهاري أو الليلي والنهاري معاً يمكن أن تدلنا على وجود أمراض عصبية خفيّة تؤثر على وظائف المثانة مثل:
1. الشوك المشقوق.
2. الصرع.
3. عدم تصنع العجز.
4. غياب العجز الخلقي.
5. الإصابة البدئية في الجذور العصبية العجزية.
وغالباً ما يترافق السلس البولي هنا بالسلس الغائطي، ونستطيع وضع التشخيص بسهولة من خلال إجراء التصوير الشعاعي الظليل للجهاز البولي.
خامساً – سلس البول التالي للانسداد الوظيفي تحت مستوى المثانة:
هناك مجموعة من الأطفال المصابين بسلس البول الدائم الليلي والنهاري، ويجب تمييزهم عن أولئك الأطفال الذين من النادر أن يذهبوا إلى المرحاض ليفرغوا مثانتهم بشكل متقطع أو بشكل تقاطر بولي دائم.
إن العديد من هؤلاء الأطفال يكون في قصتهم السريرية إنتان بولي وليس نادراً أن يترافق ذلك بإمساك مزمن.
فهؤلاء الأطفال مرضى حقيقيون ولا يشفون إلا بتطبيق معالجات نوعية وجراحية حتى الآن. هذا التقاطر الدائم بالبول قد يكمن خلفه أمراض كبيرة مثل:
1. استسقاء الحالب والكلية الشديدين.
2. التهاب الحويضة والكلية مع تندبات كلوية.
3. الجذر المثاني الحالبي (عودة البول من المثانة إلى الحالب).
4. صمامات الإحليل الخلفية.
5. تضيقات الإحليل الخلقية.
6. تضيق الصماخ البولي الخارجي (الفوهة الخارجية للقضيب).
7. الإنتانات البولية الشديدة والمزمنة.
8. الحصيات المثانية والإحليلية.
9. النواسير البولية.
فهؤلاء سلسلهم ليس نفسياً ولا عاطفياً ولا يشفى مع تقدم الطفل بالعمر بل يزيد أكثر ويسوء أكثر وهؤلاء يحتاجون إلى الدراسة الطبية الدقيقة والتشخيص الدقيق من خلال إجراء التصوير البولي الظليل وتخطيط المثانة اليوروديناميكي.
يُظْهِر التنظير الشعاعي لدى هؤلاء الأطفال نموذجاً تبوّلياً غير مستقر مع بقاء المصرّات البولية مغلقة أثناء التبوّل، ونرى المصرّة تنفتح وتنغلق بشكل متقطع وبنظام خاص بها ومستقل عما تفعله المثانة من انقباض ومحاولة تبوّل.
وإذا أجرينا لهؤلاء الأطفال الدراسة اليوردوديناميكية اللازمة من قياس الجريان البولي وتخطيط المصرّات الخارجية الكهربائي مع تخطيط كهربائي لعضلات قاع الحوض لوجدنا أنه لا تناسق أبداً بين عمل المثانة والمصرّات وأن المرحلة التي يجب أن تسترخي بها عضلات المصرّة البولية عند الانقباض المثاني نرى أن المصرّة تتشنج وتنقبض مانعة البول من الخروج ولهذا نرى الطفل هنا يخرج بوله على شكل دفعات متقطعة وقليلة.
تكون العضلة القابضة للمثانة لدى هؤلاء الأطفال مفرطة النشاط ومفرطة التقلص وبحالة رجفان دائم، وتكون مثاناتهم ذات سعة كبيرة وضغوط مثانية منخفضة، وغالباً ما يستعمل الأطفال هنا عضلاتهم البطنية (يشدون) من أجل مساعدة أنفسهم على التبوّل وفي النهاية نجد لدى هؤلاء الأطفال ثمالة بولية كبيرة بالمثانة قد بقيت رغم الجهد الكبير الذي بذله الطفل من أجل التبوّل.
ينجم هذا النموذج من التبوّل من عدم تعلّم الطفل كيفية إرخاء مصرّاته البولية ويعود السبب إلى تأخر نضج المراكز العصبية الخاصة بذلك وبالتالي لا تستطيع أن تتكيف مع الأحداث المرضية التي ذكرت سابقاً والتي تؤدي إلى تخديش وتهييج المنطقة المثانية والإحليلية ومنطقة المصرات البولية؟
لهذا السبب نجد أن الطفل يقلّص عضلات قاع الحوض لديه حالما يحس بالحاجة للتبول, وذلك لمنع تبليل نفسه مما يؤدي مع الزمن إلى اكتساب الطفل هذه العادة السيئة لفترة زمنية طويلة.
وعندما ينمو الطفل وتتم السيطرة الإرادية على فعل التبوّل، حيث تثبيط الإفراغ البولي يتم من خلال زيادة نشاط المصرّة البولية الخارجية المخططة الإرادية يلجأ إلى ما تعلّمه خطأ من تقليص عضلات قاع الحوض أو البطن أو ضغط إحليله لتأجيل الحاجة للتبول، وعندما يضاف إلى ذلك الإضطرابات العاطفية والنفسية التالية لتوجيهات الأهل المليئة بالقلق والخوف والعصبية بنتكس الطفل من جديد ويعود إلى حالته الطفولية الأولى ويبلّل نفسه من جديد مسبباً بذلك سلس البول الليلي الثانوي.
سادساً – سلس البول الليلي والانتانات البولية:
تؤدي الالتهابات البولية في المجاري البولية السفليّة مثل:
1. التهاب المثانة.
2. التهاب الإحليل.
3. السل.
4. البلهارسيا.
وغيرها من تخديش مخاطية المثانة والإحليل وبالتالي إلى زيادة التنبيهات العصبية المنطلقة من المثانة إلى مركز التبوّل العجزي، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن ما بين التنبيهات العصبية الواردة والتنبيهات العصبية المثبطة والقادمة من الجملة العصبية المركزية.
وباعتبار أن الطفل أثناء النوم تخف لديه التنبيهات العصبية المثبطة والواردة من الدماغ وتخف سيطرة الجملة العصبية بشكل عام على النائم وعلى مثانته نجد أن الطفل المصاب بالانتانات البولية يعود إلى تبليل نفسه بسب كثرة التنبيهات الصادرة عن المثانة وهو نائم وقلة السيطرة الدماغية على هذه التنبيهات.
وهنا يكون الطفل نهاراً جيداً ونظيفاً وعند النوم أكان النوم ليلياً أو نهارياً يبلّل نفسه ويصاب بالسلس، لأن نشاط الجملة العصبية المركزية يكون كافياً في النهار لأن يوقف التنبيهات العصبية التالية للتخديش الناجم عن التهاب المجاري البولية أما أثناء النوم فلا.