إنّ فرط التوتر والإكثار من الأطعمة المحتوية على البهارات، قد تكون أسباباً للإصابة بالقرحة. ففي الماضي القريب كان الاعتقاد سائداً بأن القروح تنجم عن نمط الحياة. ولكن، مع التطور الكبير الذي حققه الطب، صار الأطباء يعلمون بأن الإنتان البكتيري أو الأدوية هي المسؤولة عن معظم القروح، وليس التوتر أو النظام الغذائي. وعوضاً عن الحاجة إلى شهور أو حتى سنوات لعلاج القرحة، صار بمقدورهم شفاء أغلب الحالات في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم مصابون بالقرحة، لا يعانون منها في الواقع. والحقيقة أنهم يعانون من حالة تدعى عسر الهضم غير التقرحي الذي قد يحاكي في عوارضه عوارض القرحة. وخلافاً للقروح التي يتناقص عددها، يبدو بأنّ حالات عسر الهضم غير التقرحي في ازدياد مستمر.
تعريف وأنواع القرحة
القرحة مصطلح طبي للجرح المفتوح. القرحة على أنواع عدة. منها قرحة الضغط (الناقبة أو قرحة الاضطجاع) التي تصيب أسفل الظهر أو الردفين من جراء التمدد لوقت طويل بالوضع نفسه. وثمة أيضاً قرحة الركود الوريدي التي تصيب الساق أو القدم نتيجة لتباطؤ تدفق الدم. أما أكثر أنواع القرحة شيوعاً، وهو النوع الذي يقرنه الناس عموماً بتعبير “قرحة”، فيتمثل بالقرحة الهضمية. وتتكون القروح الهضمية في البطانة الداخلية للمعدة أو الأمعاء الدقيقة.
وثمة نوعان من القروح الهضمية. فالقرحة الهضمية التي تحدث في المعدة تسمى قرحة معدية. أما إن تكونت القرحة في الأمعاء الدقيقة فتأخذ اسم الجزء المعوي الذي تكونت فيه. وأبرز قروح الأمعاء الدقيقة هي القرحة الاثني عشرية التي تتكون في الاثني عشري، وهو أول أجزاء الأمعاء الدقيقة.
وفي حال عدم تلقي العلاج، من شأن القروح الهضمية أن تسبب نزفاً داخلياً وقد تكون فجوة في بطانة المعدة أو الأمعاء الدقيقة، مما يعرّض المصاب لإنتان خطير في التجويف البطني (التهاب الصِّفاق). كما تسبب القروح أحياناً نسيجاً ندبياً بمقدوره أن يمنع مرور الطعام عبر القناة الهضمية مما يسبب نقصان الوزن.
علامات وأعراض القرحة
● ألم ناخر في المعدة أو أعلى البطن.
● دم في القيء.
● دم في البراز.
● نقصان غير مبرر في الوزن.
● ألم في أعلى الظهر.
تسبب القروح الهضمية عوارض عدة أبرزها ألم ناخر في أعلى البطن بين السرة وعظم الصدر. وقد يدوم هذا الألم الناجم عن مرور حمض المعدة على القرحة لدقائق معدودة أو يتواصل لساعات. وغالباً ما يسوء الألم حين تكون المعدة فارغة، بالتالي فهو يتفاقم ليلاً. وبما أنّ الطعام يعدّل الحمض، فإن الأكل بانتظام غالباً ما يزيل الألم مؤقتاً. ونظراً لإكثار بعض الناس من الأكل فإن وزنهم يزداد نتيجة لذلك.
وتشتمل علامات الحالة وعوارضها الأخرى على تقيؤ الدم الذي يخرج أحمر فاتحاً أو أسود، وخروج دم ممزوج بالبراز الذي يبدو داكن اللون وشبيهاً بالقطران. ومن شأن القروح أيضاً أن تسبب ألماً في وسط الظهر ونقصاناً في الوزن.
أسباب القرحة الهضمية
البكتيريا، المسؤول الأبرز
في عام 1983، تم إحراز تقدم جديد في فهم القروح الهضمية وعلاجها. إذ وجد باحثان أستراليان أحياء بكتيرية شبيهة باللولب في عينات مختزعة من أشخاص يعانون من القرحة ومن التهاب متواصل في المعدة.
وتعيش هذه البكتيريا المسماة هليوباكتر بايلوراي helicobacter pylori وتتكاثر داخل الطبقة المخاطية التي تغطي وتحمي أنسجة بطانة المعدة والأمعاء الدقيقة. وفي أغلب الأحيان، لا تسبب هذه الأحياء مشاكل تذكر.
إلا أنها في بعض الحالات تأكل الأنسجة الهضمية مسببة قرحة. وتشير الإحصاءات إلى أنّ حوالي شخص واحد من بين كل ستة مصابين بهذه البكتيريا يصابون لاحقاً بالقرحة. ويتمثل أحد الأسباب في كون هؤلاء الأشخاص قد أتلفوا مسبقاً بطانة المعدة أو الأمعاء الدقيقة، مما سهّل للبكتيريا اكتساح الأنسجة التالفة.
ويرتفع احتمال إيواء الجسد لهذه البكتيريا مع التقدم في السن. وتقدر نسبة الإصابة بها في الولايات المتحدة بواحد بالمئة مع كل سنة من العمر. مما يعني بأن 20 بالمئة من الأشخاص يلتقطون العدوى في العشرينيات من عمرهم وأنّ 60 بالمئة يصابون بها في الستينيات. وبالرغم من عدم وضوح كيفية انتشارها، لكن يبدو بأن انتقالها من شخص إلى آخر يتم بالاحتكاك المباشر. كما يعتقد بأنّ سوء الممارسات الغذائية والصحية تشكل ظروفاً ملائمة لانتقال البكتيريا. وبما أنّ العلماء قد وجدوا بكتيريا H. pylori في الماء، فقد رجحوا أن يتم الانتقال أيضاً عبر مياه الشرب الملوثة.
وتشتمل عوامل الخطر على:
● الولادة في بلد نامٍ.
● انخفاض مستوى الحياة الاجتماعي والاقتصادي.
● العيش ضمن عائلة كبيرة أو في ظروف مزدحمة.
● وجود طفل في المنزل.
● التعرض لقيء شخص مصاب.
ولحسن الحظ يبدو بأنّ معدل الإصابات الجديدة ببكتيريا H. pylori. بيلوري آخذ في الانخفاض. فالمتقدمون في السن الذين كان نموهم في فترة العشرينيات إلى الأربعينيات من القرن العشرين كانوا أكثر عرضة لالتقاط البكتيريا من أطفال اليوم. وتتمثل العوامل الأساسية التي أدت إلى انخفاض إصابات بكتيريا H. pylori في تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية وفي الانتشار الواسع لاستعمال المضادات الحيوية لدى الأطفال. فعلاج بعض الحالات، كإنتان الأذن وغيرها من أمراض الأطفال الشائعة بالمضادات الحيوية قد أدى دوراً مزدوجاً عبر منع الإصابة ببكتيريا H. pylori أو علاجها باكراً في مرحلة الطفولة.
الأسباب الأخرى للقرحة الهضمية
تشكل بكتيريا H. pylori السبب الأبرز وليس الأوحد للقروح الهضمية. وتعتبر مسؤولة عن 50 بالمئة أو أكثر من القروح الهضمية. ففي بعض المجتمعات، كالمدن الداخلية المزدحمة التي تتميز بظروف اجتماعية واقتصادية سيئة، يفوق معدل الإصابة بهذه البكتيريا ما هو عليه في أجزاء أخرى من الدولة.
وإضافةً إلى بكتيريا H. pylori وثمة أسباب أخرى للقروح الهضمية منها:
الاستعمال المنتظم لمسكنات الألم
من شان العقاقير المضادة للالتهاب والخالية من الستيروييد أن تؤدي إلى التهاب بطانة المعدة والأمعاء الدقيقة. وتتوافر هذه الأدوية بالنوعين الموصوف وغير الموصوف. وتشتمل الأنواع غير الموصوفة على الأسبيرين (Bayer, Bufferin)، إبوبروفين (Advil, Motrin, Nuprin)، نابروكسين (Aleve) وكيتوبروفين (Orudis). وتجنباً لأي انزعاج هضمي، يستحسن تناول العقاقير المضادة للالتهاب والخالية من الستيروييد أثناء الوجبات.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ حوالي 20 بالمئة ممن يتعاطون العقاقير المضادة للالتهاب والخالية من الستيروييد بانتظام يصابون لاحقاً بالقروح. ذلك أنّ هذه العقاقير تحفز إفراز أنزيم (cyclooxygenase) الذي ينتج حمضاً دهنياً هو البروستاغلندين. وتساعد هذه المواد الشبيهة بالهرمونات على حماية بطانة المعدة من الجروح الكيميائية والفيزيائية. ومن دون هذه الحماية تتآكل بطانة المعدة بفعل الحمض مما يؤدي إلى حدوث نزف وظهور القروح.
ومن غير المؤكد، مع أنه يبدو ممكناً بأن الاستعمال المنتظم للعقاقير المضادة للالتهاب والخالية من الستيروييد قد يزيد خطر القروح لدى الأشخاص الذين يحملون بكتيريا H. pylori.
التدخين
يزيد النيكوتين الموجود في التبغ حجم حمض المعدة ونسبة تركزه، مما يضاعف خطر القروح. وقد يبطئ التدخين شفاء القرحة أثناء العلاج.
الكحول
قد تعرّض الكحول بطانة المعدة والامعاء للتهيج والتآكل مما يؤدي إلى التهابها ونزفها
تشخيص القرحة
يتم اكتشاف القرحة عادةً بإحدى هاتين الطريقتين. فقد يبدأ الطبيب بإجراء صورة أشعة لأعلى المعدة والأمعاء لإظهار المعدة والاثني عشري. وقبل البدء بالصورة، يبتلع المريض سائلاً معدنياً أبيض اللون يدعى الباريوم، يعمل على تغليف القناة الهضمية ويسهّل رؤية القرحة. غير أنه بإمكان هذا الاختبار أن يكشف عن بعض القروح وليس جميعها.
وهنا يأتي التنظير الداخلي الذي قد يتبع صورة الأشعة إن بينت هذه الأخيرة احتمال وجود قرحة، أو يحل محلها. وفي هذه العملية الأكثر دقة، يتم إدخال أنبوب ضيق وطويل مجهز بكاميرا في الحلق ويمرر إلى المعدة والاثني عشري. ومع هذا الجهاز، يصبح بمقدور الطبيب رؤية الجزء الأعلى من القناة الهضمية واكتشاف القروح. وفي حال وجود قرحة، قد يعمد الطبيب إلى اختزاع عينات دقيقة من الأنسجة القريبة من القرحة، يتم فحصها مجهرياً لاستبعاد سرطان المعدة. وتكشف الخزعة أيضاً وجود بكتيريا H. pylori. بيلوري في بطانة المعدة. ونظراً لندرة الإصابة بسرطان الاثني عشري، نادراً ما يضطر الطبيب إلى اختزاع عينات من القرحة الاثني عشرية.
إضافة إلى الاختزاع، ثمة ثلاثة اختبارات أخرى من شأنها أن تحدد ما إذا كانت بكتيريا H. pylori هي المسؤولة عن القرحة:
تحليل الدم: يتحقق هذا الاختبار من وجود الأجسام المضادة لبكتيريا H. pylori ولكن يؤخذ عليه أنه لا يفرق بين الإصابة السابقة والحالية بالبكتيريا. فحتى بعد زوال البكتيريا من الجسم، قد يستمر الاختبار بإعطاء نتيجة إيجابية.
اختبار النفَس: يستعمل هذا الاختبار ذرة الكربون المشعّ لكشف بكتيريا H. pylori فيقوم المريض أولاً بالنفخ في كيس بلاستيكي صغير، يُختم لاحقاً. ثم يشرب بعد ذلك كوباً صغيراً يحتوي على سائل بلا طعم أو لون، يحتوي على كربون مشع يشكل جزءاً من مادة (يوديا) ستحللها البكتيريا في حال وجودها. وبعد ثلاثين دقيقة، ينفخ المريض من جديد في كيس آخر يُختم هو أيضاً. فإن كان مصاباً ببكتيريا H. pylori وستحتوي عينة النفَس الثانية على كربون على شكل ثاني أكسيد الكربون. ويستغرق ظهور نتائج الاختبار يوماً كاملاً تقريباً.
وفي حال كنت تتعاطى عقاراً يدعى مثبط ضخ البروتون، من الضروري أن توقف الدواء لثلاثة أيام على الأقل قبل إجراء اختبار النفس لأنّه قد يتداخل مع نتائج الاختبار.
والواقع أنّ اختبار النفس يكشف وجود بكتيريا H. pylori في 90 بالمئة من الحالات تقريباً. وينجح تحليل الدم بنفس النسبة أيضاً. ولكن اختبار النفَس يتميّز بقدرته على إظهار فعالية العلاج الموصوف للقضاء على البكتيريا، لأنه يكشف على الفور تقريباً وقت موتها. ولكن في تحليل الدم، تبقى الأجسام المضادة للبكتيريا موجودة لسنة أو أكثر بعد زوال الإصابة.
اختبار مستضدّ البراز: يتحقق هذا الاختبار الأحدث من وجود بكتيريا H. pylori في عينات من البراز. وهو فعال في تشخيص الإصابة بالبكتيريا وأحياناً في إظهار فعالية العلاج.
العلاج الطبي ومزيج من الأدوية
لا يمكن للمريض علاج الحرقة بنفسه من دون مساعدة الطبيب. فمضادات الحمض وأدوية حصر الحمض غير الموصوفة بإمكانها تخفيف الألم الناخر ولكن لمدة محدودة.
أما بمشورة الطبيب، فيمكن الحصول على مسكّن فوري للألم إضافةً إلى الشفاء من القرحة مدى الحياة. وبما أنّ معظم حالات القرحة تنشأ عن بكتيريا H. pylori ويعتمد الأطباء مقاربتين:
● قتل البكتيريا.
● خفض معدل الحمض في الجهاز الهضمي لتخفيف الألم والمساعدة على الشفاء.
ولإتمام هاتين الخطوتين، يتوجب استعمال اثنين، وأحياناً ثلاثة أو أربعة، من الأدوية التالية:
المضادات الحيوية
ثمة عدة تركيبات من المضادات الحيوية التي تقضي على بكتيريا H. pylori وغالبية هذه الأدوية متساوية الفعالية وتقتل البكتيريا في 90 بالمئة من الحالات تقريباً. ولكن لنجاح العلاج، من الأهمية بمكان اتباع تعليمات الطبيب بدقة. وتشتمل المضادات الحيوية التي يشيع استعمالها لعلاج بكتيريا هليوباكتر بايلوراي H. بيلوري على أموكسيسيلين (Amoxil, Wymox)، كلاريثرومايسين (Biaxin)، ميترونيدازول (Flagyl) أو تيتراسيكلين (Achromycin). وتعمد بعض شركات الأدوية إلى تعليب مزيج مضادين حيويين معاً، مع كابح لإفراز الحمض أو عامل حامٍ للخلايا خصيصاً لعلاج الإصابة بالبكتيريا. وتباع هذه التركيبات تحت اسمي Prevpac و Helidac.
ويحتاج المريض لأخذ مضادات حيوية لأسبوع أو اثنين فقط، اعتماداً على نوع المضادات الحيوية التي يصفها الطبيب وعددها. أما باقي الأدوية التي توصف مع المضادات الحيوية فتؤخذ إجمالاً لمدة أطول.
أدوية حصر الحمض
وتدعى أيضاً أدوية حصر الهيستامين (H-2)، وهي تعمل على خفض إفراز حمض الهيدروكلوريك في القناة الهضمية لتخفيف ألم القرحة وتسريع الشفاء. ففي الحالات الطبيعية، لا يؤذي هذا الحمض المعدة والاثني عشر. أما عند وجود خلل في الطبقة المخاطية التي تغلف القناة الهضمية، يتسلل الحمض في الخلل منتجاً قرحة. ومن العوامل الأخرى المساعدة على نشوء القرحة، تعاطي النيكوتين والعقاقير المضادة للالتهاب الخالية من الستيروييد والكحول التي تزيد خطر تحول الخلل إلى قرحة.
وتعمل أدوية حصر الحمض على الحؤول دون وصول الهيستامين إلى مستقبلات الهيستامين. فالهيستامين هو عبارة عن مادة موجودة عادة في الجسم. وعند تفاعلها مع مستقبلات الهيستامين، ترسل المستقبلات إشارة إلى خلايا إفراز الحمض في المعدة لكي تفرز حمض الهيدروكليريك.
وتشتمل أدوية حصر الحمض، المتوفرة بأنواع موصوفة وغير موصوفة، على عقاقير رانيتيدين (Zantac)، فاموتيدين (Pepcid)، نيزاتيدين (Axid) وسيميتيدين (Tagamet). ولعلاج القروح، تعتبر أدوية حصر الحمض الموصوفة أكثر فاعلية لأنها تفوق الأدوية غير الموصوفة قوة.
مضادات الحمض
قد يعمد الطبيب إلى تضمين برنامج الأدوية الخاص بالمريض مضادّ حموضة يؤخذ بالإضافة إلى دواء حصر الحمض أو عوضاً عنه. وتعمل مضادات الحموضة، بدلاً من خفض إفراز الحمض، على إبطال مفعول الحمض الموجود في المعدة كما يشكل مسكّناً سريعاً للألم.
مثبطات ضخ البروتون
ومن الوسائل الأكثر فاعلية لخفض معدل حمض المعدة هي بإيقاف “المضخات” الموجودة داخل الخلايا المفرزة للحمض. وتعمل مثبطات ضخ البروتون على تخفيض مستوى الحمض بحصر عمل هذه المضخات الدقيقة. وهي تتضمن الأدوية الموصوفة التالي: أوميبرازول (Prilosec)، لانسوبرازول (Prevacid)، ورابيبرازول (Aciphex). وثمة عقار آخر هو بانتوبروزول (Protonix)، يمكن تناوله بالفم أو يؤخذ عبر الأوردة ويوصف في المستشفيات. وعلى ما يبدو فإنّ هذه المثبطات تثبط أيضاً بكتيريا H. pylori إلا أنّ كلفة هذه العقاقير تعادل ضعف كلفة أدوية حصر الحمض. ومن آثارها الجانبية غير المألوفة، ألم في المعدة وإسهال وصداع.
عوامل حماية الخلايا
هي أدوية مخصصة للمساعدة على حماية الأنسجة التي تبطن المعدة والأمعاء الدقيقة. وهي تتضمن الأدوية الموصوفة التالية، سوكرالفات (Carafate) وميزوبروستول (Cytotec). غير أنّ لهذه الأدوية بعض الآثار الجانبية. فمن شأن السوكرالفات أن يسبب الإمساك، أما الميزوبروستول فقد يسبب إسهالاً ونزفاً في الرحم. ويجب ألا يوصف الميزوبروستول للحوامل لأنه قد يؤدي إلى الإجهاض.
وثمة عامل حماية آخر هو بزموث سابساليسيلايت (Pepto – Bismol). فبالإضافة إلى حماية بطانة المعدة والأمعاء، يبدو بأنّ مركبات البزموث تثبط نشاط بكتيريا H. pylori.
القروح التي يتعذّر شفاؤها
يشفى 90 بالمئة تقريباً من حالات القرحة الهضمية في غضون شهر إلى ثلاثة أشهر. وتدعى القروح التي لا تشفى قروحاً عاصية. وثمة أسباب عديدة للإخفاق في شفاء القرحة. فعدم الالتزام بتعليمات الطبيب في العلاج هو أحد الأسباب. ومن الأسباب الأخرى أنّ بعض أنواع بكتيريا H. pylori مقاومة للمضادات الحيوية. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى قد تتداخل مع عملية الشفاء بما في ذلك التعاطي المنتظم للتبغ أو الكحول أو العقاقير المضادة للالتهاب الخالية من الستيروييد. وفي بعض الأحيان تكون المشكلة عرضية، إذ يجهل بعض المرضى أنّ الدواء الذي يتناولونه يحتوي على عقار مضاد للالتهاب خالي من الستيروييد.
وفي حالات نادرة، تنجم القروح العاصية عن فرط إفراز حمض المعدة أو عن إصابة بغير بكتيريا H. pylori أو عن أمراض هضمية أخرى، بما فيها مرض كرون أو السرطان.
ويشتمل علاج القروح العاصية عموماً على القضاء على العوامل التي قد تعيق عملية الشفاء، بالإضافة إلى جرعات أقوى من أدوية القرحة. ويمكن أحياناً وصف أدوية إضافية. ولا يتم اللجوء إلى الجراحة إلا عندما تمتنع القرحة عن الاستجابة للعلاج الطبي القوي.
دور المريض
قبل اكتشاف بكتيريا H. pylori وكان مرضى القرحة يخضعون لنظام غذائي قاسٍ ويؤمرون بتجنب التوتر في حياتهم. واليوم مع استبعاد الطعام والتوتر كأسباب للقروح الهضمية، لم تعد هذه القوانين سارية. مع ذلك، ما زال يُنصح أثناء علاج القرحة بالحمية عن بعض الأطعمة وبتجنب التوتر. فمن شأن الأطعمة الحمضية أو الحارّة أن تضاعف ألم الحرقة. وهو أمر ينطبق أيضاً على التوتر الذي يبطئ العملية الهضمية، متيحاً للطعام ولحمض المعدة بالبقاء في المعدة والأمعاء لفترة أطول.
وقد ينصح الطبيب أيضاً باتخاذ الخطوات التالية:
● الامتناع عن التدخين.
● تجنب الكحول.
● لتخفيف الألم، تناول أسيتامينوفين (Tylenol) عوضاً عن العقاقير المضادة للالتهاب الخالية من الستيروييد.
وفي حال عدم فعالية الأسيتامينوفين، تناقش مع الطبيب حول أنواع أحدث من مسكّنات الألم الموصفة، وتدعى مثبطات COX-2. فهذه الأدوية مصممة لتسكين ألم المفاصل والعضلات من دون أن تسبب كغيرها مشاكل في المعدة والأمعاء.
عسر الهضم غير التقرحي
في بعض الأحيان، يقصد الناس الطبيب اعتقاداً منهم بأنهم مصابون بالقرحة، ولكنهم لا يعانون منها في الواقع. فبالرغم من الألم الناخر في أعلى البطن، لا تظهر اختبارات التشخيص وجود قرحة أو مشكلة هضمية أخرى، وتأتي نتائج جميع الاختبارات طبيعية. والحقيقة أنّ كثيراً من هؤلاء يعانون من عسر الهضم غير التقرحي.
وتطرأ هذه الحالة من دون سبب واضح. ومن أبرز عوارضها الألم أو الانزعاج في أعلى البطن. وعلى غرار القرحة، غالباً ما يزول الألم بعد تناول الطعام أو مضادات الحموضة. أما العوارض الأخرى للحالة فتشتمل على غازات أو انتفاخ أو غثيان أو شعور بالامتلاء بعد تناول كمية معتدلة من الطعام.
نظريات عديدة في أسباب عسر الهضم غير التقرحي
لا يزال سبب عسر الهضم غير التقرحي مجهولاً على نطاق واسع. فمن الممكن أن ينشأ الألم عن “تهيج” في بطانة المعدة. وللباحثين نظريات أخرى أيضاً.
وجود بكتيريا H. pylori: قد تمثل العوارض حالة مبكرة من الإصابة بهذه البكتيريا بالرغم من عدم وجود قرحة.
استجابة للعقاقير والملحقات: من المعروف أنّ بعض مسكنات الألم مثل الأسبيرين وغيرها من العقاقير المضادة للالتهاب الخالية من الستيروييد تسبب قروحاً والتهاباً في المعدة. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي هذه الأدوية إلى تهيّج الجهاز الهضمي من دون إيذاء المعدة أو الأمعاء. وهذا ما ينطبق أيضاً على عقاقير وملحقات أخرى، بما فيها المضادات الحيوية والستيروييدات والمعادن والأعشاب.
فرط إفراز حمض المعدة: من شأن الخلايا المفرزة للحمض في المعدة أن تفرز منه كميات تفوق المعدل الطبيعي. وهذا ما قد يؤدي إلى تهييج الأنسجة الهضمية.
اضطراب في المعدة: قد يحدث خلل في عمل المعدة أو تفريغها الطبيعيين لأسباب غير معروفة. وهي حالة غالباً ما تعقب الإصابات الفيروسية.
الحساسية تجاه الحمض: قد تكون الأنسجة الهضمية في المعدة والاثني عشري مفرطة الحساسية تجاه مستويات الحمض الطبيعية، فتتهيج بسهولة.
الحساسية تجاه الأطعمة: في بعض الحالات، تكون المعدة والأمعاء مفرطة الحساسية تجاه بعض الأطعمة أو مكوناتها. وتشتمل هذه الأطعمة غالباً وليس دوماً، على بعض البهارات والفاكهة الحمضية والخضروات التي تحتوي على مستوى معتدل إلى مرتفع من الحمض. كما يلاحظ البعض بأن القهوة تزيد العوارض سوءاً.
الاستجابة المفرطة للحوافز الطبيعية: قد تعاني الإشارات العصبية بين المعدة والدماغ من خلل يجعلها تبدي استجابة مبالغة للتغيرات الطبيعية التي تحدث أثناء الهضم، كتمدد المعدة مع امتلائها بالطعام.
التوتر: يشكل الألم أحياناً طريقة الجسد في الاستجابة للتوتر.
الاضطراب النفسي: من شأن الاكتئاب أو القلق أو بعض العوامل الأخرى التي تؤثر على الصحة النفسية أن تؤدي دوراً في عسر الهضم غير التقرحي.
علاج عسر الهضم غير التقرحي
تعتبر عوارض عسر الهضم غير التقرحي خفيفة عادة، وغالباً ما يتم علاج الحالة بتفحص العادات اليومية وتغييرها. ويستوجب ذلك تجنب الأطعمة التي يبدو بأنها تسبب تفاقم العوارض والتحكم بالتوتر وتغير الأدوية والملحقات اليومية أو الحد منها. ويرى البعض بأن تناول وجبات صغيرة ولكن أكثر عدداً والتخفيف من استهلاك الدهون يساهم في تحسن الحالة.
أما في حال عدم نجاح هذه التدابير، قد يصف الطبيب علاجاً بالأدوية. وهو يصف هنا كثيراً من الأدوية المستعملة لعلاج القرحة، وحتى المضادات الحيوية أحياناً. والجدير بالذكر أنّ حوالي نصف المصابين بعسر الهضم غير التقرحي يحملون بكتيريا H. pylori وهم غير مصابين بالقرحة، بالرغم من وجود البكتيريا التي تسببها أحياناً. بيد أنّ القضاء على البكتيريا قد لا يزيل العوارض.
وتشتمل وسائل العلاج الأخرى على:
مسكنات الألم: من شأن الأدوية التي توقف الألم أو الشعور به، بما فيها مضادات الاكتئاب، أن تساعد على إبطال تحسس الأعصاب الهضمية. وغالباً ما تنجح مضادات الاكتئاب مع مرض تهيج الأمعاء، وهي حالة يظن الباحثون بأنها قد تقترن بعسر الهضم غير التقرحي. مع ذلك، لا تزال الدراسات ضرورية لإثبات فاعلية العلاج بمضادات الاكتئاب.
مضادات التشنج: وتتضمن الدواءين الموصوفين ديسيكلومين (Bentyl) وإيوسيامين Levsin. وهما فعالين غالباً في إيقاف التشنجات العضلية في القناة الهضمية، ولكنهما غير واعدين كثيراً في علاج عسر الهضم غير التقرّحي.
العلاج السلوكي: إن ظنّ الطبيب بأنّ الحالة ناجمة عن التوتر أو عن اضطراب نفسي، قد يوصي المريض برؤية طبيب أو عالم نفسي أو مستشار تمريض. إذ بمقدور هؤلاء المختصين أن يساعدونه على إيجاد طرق للسيطرة على التوتر أو التعامل مع قضايا حياتية أخرى قد يكون لها دور في إحداث العوارض.
المصدر: مايو كلينيك