التصنيفات
الغذاء والتغذية

القمح وأمراض القلب

يتغذى الروبيان الذي يعتمد على التغذية الترشيحية، ولا يتعدى طوله بضعة سنتيمترات، على الطحالب المجهرية والعالقة في مياه المحيط. وفي المقابل تتغذى الأسماك المفترسة والطيور الأكبر حجما على الروبيان.

في عالم النبات، النباتات الأطول، كأشجار الكابوك في الغابات الاستوائية التي يبلغ ارتفاعها ٦١ مترًا، تتمتع بمزايا بسبب هذا الارتفاع حيث تعلو أشجار الغابة لتصل إلى أشعة الشمس اللازمة لعملية التمثيل الضوئي، وتلقي بظلالها على الأشجار والنباتات التي تعاني بالأسفل.

وينطبق قانون الأحجام الكبيرة الذي يسري في عالم البحار وعالم النبات كذلك على العالم الصغير في جسم الإنسان. ففي مجرى الدم البشري، تقوم جزيئات البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، والتي يعطيها معظم الناس اسما خطأ وهو “الكوليسترول الضار”، باتباع قواعد الأحجام نفسها التي يتبعها الروبيان والطحالب.

إن جزيئات البروتين الدهني منخفض الكثافة الكبيرة ذات حجم كبير نسبيًّا كما يوحي اسمها. على العكس من جزيئات LDL الصغيرة. داخل جسم الإنسان، تعطي جزيئات LDL الكبيرة ميزة البقاء للإنسان المضيف. نحن نتحدث عن اختلاف في الحجم على مستوى النانومتر (نانومتر)، وهو جزء من المليار من المتر. يبلغ حجم قطر جزيئات LDL الكبيرة ٢٥.٥ نانومتر أو أكبر، في حين أن حجمه في جزيئات LDL الصغيرة يكون أقل من ٢٥.٥ نانومتر. (وهذا يعني أن جزيئات LDL، الكبيرة والصغيرة، هي أصغر بآلاف المرات من خلايا الدم الحمراء في حين أنها أكبر من جزيء الكوليسترول في الدم. إن نحو عشرة آلاف جزيء LDL يمكن أن تسعها نقطة النهاية في هذه الجملة).

بالنسبة إلى جزيئات البروتين الدهني منخفض الكثافة، لا يحدد الحجم هنا أي الجزيئات هي المفترسة وأيها سيتم افتراسها، بل يحدد إذا ما كانت هذه الجزيئات ستتراكم على جدران الشرايين، مثل شرايين القلب (الشرايين التاجية)، أو العنق، أو المخ (الشريان السباتي والشرايين الدماغية) – أم لا. باختصار، يحدد حجمها إلى حد كبير إذا ما كنت ستصاب بنوبة قلبية أو سكتة دماغية في السابعة والخمسين أم إذا كنت ستظل متمتعا بعافيتك وأنت في السابعة والثمانين.

في الواقع تعتبر جزيئات LDL الصغيرة سببا شائعا جدًّا للإصابة بأمراض القلب، والتي تظهر على هيئة نوبات قلبية، وعمليات توسيع للأوعية التاجية، أو الدعامات، أو المجازات، والعديد من المظاهر الأخرى لتصلب الشريان التاجي. في تجربتي الشخصية مع آلاف من مرضى القلب، كان ما يقرب من ٩٠٪ منهم يعانون وجود جزيئات LDL الصغيرة على الأقل بدرجة متوسطة، إن لم تكن حادة.

وقد وجدت شركات صناعة الأدوية أنه من المريح والمربح تصنيف هذه الظاهرة تحت بند “ارتفاع الكوليسترول في الدم” الذي يمكن شرحه بسهولة. ولكن الكوليسترول ليست له علاقة كبيرة بمرض تصلب الشرايين، بل هو مجرد مقياس ملائم، أو أثر متبق من الوقت الذي لم يكن من الممكن فيه القيام بتوصيف وقياس مختلف البروتينات الدهنية في الدم (أي البروتينات التي تحمل الدهون) التي تسبب الإصابة، وتراكم الصفائح التصلبية العصيدية، والأزمات القلبية والسكتات الدماغية في نهاية المطاف.

لذا فالأمر لا يتعلق فقط بالكوليسترول, ولكن بالجزيئات التي تسبب تصلب الشرايين. اليوم أنا وأنت قادران بشكل مباشر على قياس وتوصيف البروتينات الدهنية، وزحزحة الكوليسترول للانضمام إلى عملية فصل فص المخ الجبهي التي عفا عليها الزمن ولم يعد أحد يتحدث عنها.

وتعتبر البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (VLDL) مجموعة جزيئات بالغة الأهمية، وهي بمثابة سلفها الأكبر. تحتوي الكبد على بروتينات مختلفة (مثل الصميم الشحمي البروتيني ب) والدهون (ومعظمها من الدهون الثلاثية) والتي تكوّن معا جزيئات VLDL، والتي سميت بهذا الاسم بسبب الدهون الوفيرة التي تجعل الجسيمات أقل كثافة من الماء (وبالتالي هي المسئولة عن الطريقة التي يطفو بها زيت الزيتون فوق الخل في تتبيلة السلطة). ثم يتم إطلاق جزيئات VLDL، وهو البروتين الدهني الأول الذي يدخل مجرى الدم.

تنبع جزيئات LDL الكبيرة والصغيرة من مصدر واحد، وهي جزيئات VLDL. ولكن سلسلة التغييرات في مجرى الدم هي التي تحدد إذا ما كان سيتم تحويل VLDL إلى جزيئات LDL كبيرة أو صغيرة. ومن المثير للاهتمام، أن مكونات النظام الغذائي لها تأثير قوي جدًّا على مصير جزيئات VLDL، وتحدد نسبة الجزيئات الكبيرة مقابل الصغيرة. قد لا تكون قادرا على اختيار أفراد عائلتك، ولكن يمكنك بسهولة أن تختار نوعية جزيئات VLDL بداخل جسدك، وبالتالي إذا ما كنت ستصاب بتصلب الشرايين أم لا.

جزيئات LDL وحياتها القصيرة المدهشة

رغم أنني أخاطر بجعل نفسي مملًّا، فاسمحوا لي بأن أخبركم بمعلومات قليلة عن هذه البروتينات الدهنية في مجرى الدم. ستفهمون الأمر بعد قراءتكم بضع فقرات. وفي النهاية، ستعرفون عن هذا الموضوع أكثر مما يعرف ٩٨٪ من الأطباء.

تعتبر البروتينات الدهنية هي “مصدر” جزيئات LDLو، VLDL، التي تدخل مجرى الدم بعد إطلاقها من الكبد، وتكون حريصة على تصنيع جزيئاتها من البروتين الدهني منخفض الكثافة. وحين يتم إطلاقها من الكبد، تكون جزيئات VLDL مكتظة بالدهون الثلاثية، حيث تنشر الطاقة في عمليات التمثيل الغذائي المتعددة. ويقوم الكبد بإنتاج جزيئات VLDLs قليلة أو كثيرة، وذلك اعتمادا على النظام الغذائي. وهذه الجزيئات تختلف في محتوى الدهون الثلاثية.

وعلى مستوى الكوليسترول العادي، ستنعكس جزيئات VLDL الزائدة على وجود مستويات أعلى من الدهون الثلاثية، وهو شذوذ شائع.

وتعتبر البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة على غير المعتاد كائنات اجتماعية ومفعمة بالحيوية، حيث تتفاعل بحرية مع البروتينات الدهنية الأخرى التي تمر من طريقها. وعندما تنتشر جزيئات VLDL الممتلئة بالدهون الثلاثية في مجرى الدم، فإنها تمنح الدهون الثلاثية إلى البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة LDL والبروتينات الدهنية عالية الكثافة (HDL) مقابل الحصول على جزيء من الكوليسترول. ثم تشارك جزيئات LDL الممتلئة بالدهون الثلاثية في تفاعل آخر (عن طريق الليباز الكبدي)؛ ما يزيل الدهون الثلاثية التي توفرها جزيئات VLDL.

ولذلك فإن جزيئات LDL تبدأ كبيرة في الحجم، بقطر يبلغ حجمه ٢٥.٥ نانومتر أو أكثر، ثم تتلقى الدهون الثلاثية من جزيئات VLDL في مقابل الحصول على جزيء من الكوليسترول. وبعدها تفقد الدهون الثلاثية. والنتيجة: تُستنفَد جزيئات LDL من كل من الدهون الثلاثية والكوليسترول، وبالتالي تصبح أصغر حجما بعدة نانومترات.

لا تحتاج الدهون الثلاثية الزائدة من جزيئات VLDL إلى كثير من الوقت للبدء في سلسلة من إنتاج جزيئات LDL الصغيرة. وعندما يصل مستوى الدهون الثلاثية إلى ١٣٣ ملج / دل أو أكثر، وذلك في القطع “العادي” الذي يبلغ ١٥٠ ملج / دل، تتكون جزيئات LDL الصغيرة لدى ٨٠٪ من الناس. وفي استقصاء موسع عن الأمريكيين، في سن العشرين فما فوق، اكتُشف أن مستويات الدهون الثلاثية في نسبة قدرها ٣٣٪ كانت ١٥٠ ملج / دل فأكثر- وهي نسبة أكثر من كافية لإنتاج جزيئات LDL الصغيرة؛ وترتفع هذه النسبة إلى ٤٢٪ في سن الستين فما فوق. وبالنسبة لمرضى الشريان التاجي، فإن نسبة من لديهم جزيئات LDL الصغيرة منهم تعلو على جميع الأمراض الأخرى. وحتى الآن، تعتبر جزيئات LDL الصغيرة هي النموذج الأكثر شيوعا.

هذه هي الدهون الثلاثية وجزيئات VLDL الموجودة فقط في عينة الدم المعتادة في أثناء الصيام. أما إذا قمت بتحليل عوامل زيادة الدهون الثلاثية التي عادة ما تلي الوجبات (فترة “ما بعد الأكل”)، فإنها عادة ما ترفع مستويات الدهون الثلاثية إلى ضعفين وحتى أربعة أضعاف لعدة ساعات، كما ترفع من معدل تواجد جزيئات LDL الصغيرة. ومن المحتمل أن يكون ذلك جزءًا كبيرًا من السبب في أن الدهون الثلاثية خلال فترة الصيام، أي معدلها أثناءه، تعمل بمثابة مؤشر مهم على النوبات القلبية، بالإضافة إلى ارتفاع معدل خطر الإصابة بنوبات قلبية في حالة وجود مستويات أعلى من الدهون الثلاثية في غير أوقات الصيام من خمسة أضعاف إلى سبعة عشر ضعف.

لذا تعتبر جزيئات VLDL هي نقطة انطلاق البروتين الدهني الحاسمة, والتي تبدأ سلسلة من الأحداث تؤدي في النهاية إلى تكوين جزيئات LDL الصغيرة. وكل ما يزيد من إنتاج الكبد لجزيئات VLDL و / أو يزيد من محتوى الدهون الثلاثية من جزيئات VLDL سيزيد من هذه العملية. وأي طعام يرفع من معدل الدهون الثلاثية أو جزيئات VLDL خلال عدة ساعات بعد تناول الطعام – أي خلال فترة ما بعد الأكل – سوف يؤدي بصورة متتالية كذلك إلى زيادة نسبة جزيئات LDL الصغيرة.

كيمياء التغذية: تحويل الخبز إلى دهون ثلاثية

ما السبب إذن وراء هذه العملية، التي تؤدي إلى زيادة معدل VLDL / الدهون الثلاثية التي بدورها تؤدي إلى تكوين جزيئات LDL الصغيرة التي تسبب تصلب الشرايين؟

الجواب بسيط: الكربوهيدرات. ومن هو زعيم الكربوهيدرات؟ القمح، بطبيعة الحال.

على مدى سنوات، استعصت هذه الحقيقة البسيطة على علماء التغذية. فعلى كل حال، تتكون الدهون الغذائية، التي يخشاها الجميع ويلقون باللوم عليها، من الدهون الثلاثية. ولذلك فمن المنطقي أن زيادة تناول الأطعمة الدهنية، كاللحوم الدهنية والزبد، تؤدي إلى زيادة مستويات الدهون الثلاثية في الدم. وقد تم إثبات صحة ذلك – ولكن بشكل عابر وبدرجة قليلة فقط.

وفي الآونة الأخيرة، صار من الواضح أنه في حين أن زيادة كمية الدهون تؤدي في الواقع إلى تعزيز نسبة الدهون الثلاثية في الكبد والدم، فإنها تقوم كذلك بإيقاف إنتاج الجسم للدهون الثلاثية. وبسبب أن الجسم قادر على إنتاج كميات كبيرة من الدهون الثلاثية والتي تطغى بسهولة على الكمية المتواضعة التي يتم استهلاكها في أثناء تناول الطعام، يكون الأثر الصافي لتناول نسبة عالية من الدهون هو تغيير ضئيل أو معدوم في مستويات الدهون الثلاثية.

وعلى الجهة الأخرى، فإن الكربوهيدرات لا تحتوي تقريبا على أية دهون ثلاثية. فشريحتان من خبز الحبوب الكاملة، أو خبز البصل، أو المعجنات المختمرة تحتويان على نسبة لا تذكر من الدهون الثلاثية. ولكن الكربوهيدرات لديها قدرة فريدة على تحفيز الأنسولين، الذي يؤدي بدوره إلى تركيب الأحماض الدهنية في الكبد، وهي العملية التي تملأ مجرى الدم بالدهون الثلاثية. يمكن للكربوهيدرات رفع نسبة الدهون الثلاثية إلى مئات أو حتى آلاف من الملليجرامات لكل ديسيلتر، وذلك اعتمادا على القابلية الوراثية للتأثر.

ويكون الجسد ذا كفاءة عالية في إنتاج الدهون الثلاثية التي يستمر معدلها في الارتفاع، على سبيل المثال، ٣٠٠ ملج / دل، أو ٥٠٠ ملج / دل، وحتى ١٠٠٠ ملج / دل أو أكثر، لأربع وعشرين ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع لمدة سنوات، وذلك شريطة استمرار تدفق الكربوهيدرات.

في الواقع، فإن الاكتشاف الأخير لعملية تكون الدهون من جديد، أي كيمياء الكبد التي تحول السكريات إلى الدهون الثلاثية، قد أحدث ثورة في الطريقة التي يرى بها خبراء التغذية المواد الغذائية وتأثيرها على البروتينات الدهنية والتمثيل الغذائي. ويعتبر ارتفاع مستويات الأنسولين في مجرى الدم إحدى الظواهر الرئيسية المطلوبة للبدء في هذا التسلسل الأيضي. يؤدي ارتفاع مستويات الأنسولين إلى تحفيز آلية تكون الدهون في الكبد من جديد، وتحويل الكربوهيدرات إلى الدهون الثلاثية، والتي يتم تعبئتها في جزيئات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة VLDL.

أما اليوم، فإن ما يقرب من نصف جميع السعرات الحرارية التي يستهلكها معظم الأمريكيين تأتي من الكربوهيدرات, بل وستسجل فترة أوائل القرن الحادي والعشرين في التاريخ على أنها عصر استهلاك الكربوهيدرات. فهذا النمط الغذائي يعني أن تكوُّن الدهون من جديد يمكن أن يستفحل إلى درجة اختراق الدهون الزائدة المتكونة للكبد. وهذا هو السبب وراء شيوع مرضيْ الكبد الدهنية غير الكحولي (NAFLD)، والتغير الدهني غير الكحولي (NAS)، إلى الحد الذي قام أطباء الجهاز الهضمي بسببه بمنحهما اختصارات تريحهم. ويؤدي كل من NAFLD و NAS إلى تليف الكبد، وهو مرض لا رجعة فيه على غرار المرض الذي يعانيه مدمنو الكحول، وبالتالي أضيف إلى اسم المرض لفظة غير الكحولي للتفرقة بينهما.

إن البط والإوز لديهما القدرة كذلك على ملء كبديهما بالدهون، وهو نوع من التكيف يسمح لهما بالسفر لمسافات طويلة دون تقوّت، حيث يعتمدان على دهون الكبد المخزنة للحصول على الطاقة خلال الهجرة السنوية. بالنسبة إلى الطيور، يعتبر ذلك جزءا من التكيف التطوري. ويستفيد المزارعون من كبد الإوز والبط المليئة بالدهون: فإطعام الطيور كربوهيدرات الحبوب، يؤدي إلى إنتاج معجون كبد الفوا جرا الدهنية الذي تقوم بفرده على مقرمشات القمح الكامل. ولكن بالنسبة للبشر، فالكبد الدهنية هي نتيجة ضارة لا فسيولوجية للنصائح المنتشرة بتناول المزيد من الكربوهيدرات. وبالتأكيد لن ترغب في أن تكون لديك كبد تشبه كبد الفوا جرا في معدتك، إلا إذا كنت تتناول طعامك مع آكل للحوم البشر.

هذا الأمر يبدو معقولا تماما: الكربوهيدرات هي الأطعمة التي تشجع على تخزين الدهون، وهي وسيلة للاحتفاظ بالطعام الذي تم تناوله في أوقات الوفرة. لو كنت إنسانا بدائيًّا، متخمًا بعد التهامك ثورًا قمت للتو باصطياده مع بعض التوت البري والفواكه، لقمت بتخزين السعرات الحرارية الزائدة في حالة فشلك في اللحاق بثور آخر أو فريسة أخرى في الأيام أو حتى الأسابيع المقبلة. إن الأنسولين يساعد على تخزين الطاقة الزائدة على شكل دهون، محولا إياها إلى دهون تملأ الكبد وتتسرب إلى مجرى الدم، حيث تخزن الطاقة التي يمكن استخلاصها عند فشل هذه العملية. ولكن في عصرنا الحديث الأكثر وفرة، فإن تدفق السعرات الحرارية، ولا سيما من الكربوهيدرات كالحبوب، لا يتوقف أبدا، إنها تتدفق إلى ما لا نهاية. ففي هذه الأيام، كل يوم هو يوم من الوفرة.

ويتفاقم الوضع عند تراكم الدهون الحشوية الزائدة. تعمل الدهون الحشوية كمخزن للدهون الثلاثية، والذي يؤدي إلى تدفق الدهون الثلاثية بصورة مستمرة داخل الخلايا الدهنية وخارجها، وهي الدهون الثلاثية التي تدخل مجرى الدم. وهذا يؤدي إلى تعرض الكبد إلى ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية في الدم، ما يؤدي إلى إنتاج المزيد من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة VLDL.

يوفر السكري حقل تجارب مريحًا لآثار الطعام الغني بالكربوهيدرات، مثل اتباع نظام غذائي غني “بالحبوب الصحية الكاملة”. يُربَّى معظم البالغين مرضى سكري (النوع الثاني) على الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات؛ ينخفض معدل السكريات المرتفعة في الدم والسكري نفسه في كثير من الحالات، إن لم يكن في معظمها، عن طريق الحد من الكربوهيدرات.

ويرتبط مرض السكري مع خاصية ” الثالوث الدهني” الذي يتكون من بروتينات HDL المنخفضة، والدهون الثلاثية المرتفعة، وجزيئات بروتينات LDL الصغيرة، وهو النمط نفسه الذي ينتج عن الاستهلاك المفرط للكربوهيدرات.

لذا فإن مساهمة الدهون الغذائية في إنتاج VLDL تكون متواضعة، بينما تكون مساهمة الكربوهيدرات أكبر من ذلك بكثير؛ وهذا هو السبب في أن الأنظمة الغذائية قليلة الدسم والغنية “بالحبوب الكاملة صحية” أصبحت معروفة بزيادة مستويات الدهون الثلاثية، وهي حقيقة كانت عادة ما يتم اعتبارها غير ضارة من قبل أنصار هذه الوجبات الغذائية (إن مغامرتي الشخصية مع انخفاض الدسم قبل سنوات عديدة، والتي قيدت فيها تناول جميع الدهون، من الحيوانات وغير ذلك، إلى أقل من ١٠٪ من السعرات الحرارية – وهو نظام غذائي صارم جدًّا، كحمية “أورنيش” وغيرها – أدت إلى ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية إلى ٣٥٠ ملج / دل بسبب “الحبوب الكاملة الصحية” الوفيرة التي استعضت بها عن خفض نسبة الدهون واللحوم). الأنظمة الغذائية قليلة الدهون ترفع من نسبة الدهون الثلاثية إلى ١٥٠، ٢٠٠، أو ٣٠٠ ملج / دل. أما بالنسبة لمن لديهم حساسية وراثية ويعانون استقلاب الدهون الثلاثية، فيمكن للأنظمة الغذائية قليلة الدهون رفع نسبة الدهون الثلاثية إلى آلاف الملليجرامات لكل ديسيلتر، وهي نسبة كافية للتسبب بأمراض الكبد الدهنية NAFLD و NAS، فضلا عن الضرر الذي يلحق بالبنكرياس.

إن النظام الغذائي منخفض الدهون ليس نظاما معتدلا. فاستهلاك كربوهيدرات الحبوب الكاملة بوفرة، الذي ينتج حتما بسبب انخفاض السعرات الحرارية من الدهون، يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، وارتفاع الأنسولين، وزيادة ترسب الدهون الحشوية، وزيادة البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة VLDL، والدهون الثلاثية، وكلها تؤدي بصورة متعاقبة إلى ارتفاع نسبة جزيئات LDL الصغيرة.

إذا كانت الكربوهيدرات كالقمح تؤدي إلى تغييرات تسلسلية كاملة بدءا ببروتينات VLDL / فالدهون الثلاثية / فجزيئات LDL صغيرة، فإن على الكربوهيدرات القيام بعكس ذلك، لا سيما الحد من الكربوهيدرات الغذائية السائدة: أي القمح.

العلاقة بين تناول الكربوهيدرات وجزيئات LDL الصغيرة

يعتبر الدكتور “رونالد كراوس” وزملاؤه بجامعة كاليفورنيا في بيركلي هم أول من ربط بين تناول الكربوهيدرات وجزيئات LDL الصغيرة. في سلسلة من الدراسات، أثبتوا أنه عند ارتفاع نسبة الكربوهيدرات في النظام الغذائي من ٢٠٪ إلى ٦٥٪ مع انخفاض نسبة الدهون، ترتفع نسبة جزيئات LDL الصغيرة بصورة غير مسبوقة, حتى إن الأشخاص الذين تبلغ نسبة جزيئات LDL الصغيرة لديهم صفرًا٪ في البداية، تزداد إمكانية إنتاج أجسادهم لها عند زيادة نسبة الكربوهيدرات في نظامهم الغذائي. على العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون وفرة جزيئات LDL الصغيرة في أجسادهم، يظهرون انخفاضا ملحوظا (ما يقرب من ٢٥٪) عند تخفيض نسبة الكربوهيدرات وزيادة نسبة الدهون خلال عدة أسابيع فقط.

كما أن الدكتور “جيف فوليك” وزملاؤه في جامعة كونيتيكت نشروا عددا من الدراسات تبين أثر البروتين الدهني على انخفاض الكربوهيدرات. وفي إحدى الدراسات، أدى التخلص من الكربوهيدرات، بما في ذلك منتجات دقيق القمح، والمشروبات الغازية الغنية بالسكر، والأطعمة المصنوعة من نشا الذرة أو دقيق الذرة، والبطاطا، والأرز، إلى تقلص نسبة الكربوهيدرات إلى ١٠٪ من مجموع السعرات الحرارية. كما تم توجيه الخاضعين إلى التجربة إلى استهلاك لحوم البقر، والدواجن والأسماك، والبيض، والجبن، والمكسرات، والبذور، والخضراوات منخفضة الكربوهيدرات، وصلصات السلطة بدون قيود. وخلال اثني عشر أسبوعا، انخفضت جزيئات LDL الصغيرة بنسبة ٢٦٪.

بالنسبة لجزيئات LDL الصغيرة، فإنه من شبه المستحيل استنباط آثار من القمح مقابل الكربوهيدرات الأخرى، كالحلوى، والمشروبات الغازية، ورقائق البطاطس؛ لأن كل هذه الأطعمة تتسبب في تكوين جزيئات LDL الصغيرة بدرجات متفاوتة. ومع ذلك، يمكننا التنبؤ دون اجتراء بأن الأطعمة التي تزيد من نسبة السكر في الدم ترفع من نسبة الأنسولين بدرجة أكبر، ويلي ذلك تحفيز تكون الدهون في الكبد من جديد بدرجة أكبر مع زيادة ترسيب الدهون الحشوية، ويتبع ذلك ارتفاع نسبة كوليسترول VLDL / الدهون الثلاثية وجزيئات LDL الصغيرة. والقمح، بطبيعة الحال، يتناسب مع هذا الوصف تماما، حيث يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم بدرجة أكبر من بقية الأطعمة الأخرى تقريبا.

ووفقا لذلك، فإن تخفيف القمح أو التخلص منه يتسبب في انخفاض كبير وغير متوقع في نسبة جزيئات LDL الصغيرة، شريطة أن يتم استبدال الخضراوات، والبروتينات، والدهون بالسعرات الحرارية المفقودة.

لا تنخدع بالإضافات الأخرى التي تُظهر منتجات القمح وكأنها منتجات صحية

ماذا عن الجانب الشرير من القمح؟ إنه غذاء تم تقديمه إلينا على أنه المنقذ في معركتنا ضد أمراض القلب، ولكن الأبحاث الأحدث تظهر نتائج عكسية تماما.

وبالرغم من أن شركة وندر بريد تحمل عبارة تدّعي “بناء أجسام قوية باثنتي عشرة طريقة”، فإن أصناف الخبز ومنتجات القمح الأخرى العديدة التي تحمل عبارة “صحية للقلب” تأتي متخفية وراء مجموعة متنوعة من الأقنعة. ولكن سواء كانت حبوبا نابتة غير معالجة، أو عجينا مخمرا، أو عضويًّا، “سعره مناسب”، “مخبوزا يدويًّا”، أو “مخبوزا في البيت”، فهو لا يزال قمحا. إنه لا يزال مزيجا من بروتينات الجلوتين، والجلوتينين، والأميلوبكتين والتي تطلق آثار القمح الفريدة من الالتهابات، ونشاط الإكسورفينات العصبي، وارتفاع مستويات السكر في الدم.

لا تنخدع بالإضافات الأخرى التي تُظهر منتجات القمح وكأنها منتجات صحية. قد يكون “غنيًّا بالفيتامينات” كفيتامينات بي الاصطناعية، لكنه ما زال قمحا. يمكن أن يكون خبزا من الحبوب الكاملة العضوية غير المعالجة مع إضافة أوميجا ٣ من زيت الكتان، لكنه ما زال قمحا. ويمكنه مساعدتك على عملية التبرز بحيث تخرج من دورة المياه راضيا، لكنه ما زال قمحا.

أعتقد أنك الآن بتّ تفهم مقصدي. أنا أؤكد هذه النقطة؛ حيث تكشف عن حيلة مستخدمة في صناعة المواد الغذائية: وهي إضافة عبارة مكونات “صحية للقلب” إلى الأطعمة – لنسمها بالكعك، أو المقرمشات، أو الخبز “الصحي للقلب”. الألياف، على سبيل المثال، تحمل بالفعل فوائد صحية متواضعة. وكذلك الحال بالنسبة إلى حمض اللينولينيك في بذور الكتان وزيت بذور الكتان. ولكن ليس هناك مكون “صحي للقلب” سيمحو الآثار الصحية الضارة للقمح. فالخبز “الصحي للقلب” الغني بالألياف وأحماض أوميجا ٣ الدهنية سيظلان يؤديان إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، والتسكّر، وترسب الدهون الحشوية، وتكوين جزيئات LDL الصغيرة، وإفراز الإكسورفينات، والاستجابات الالتهابية.

إذا لم يكن بإمكانك التخلي عن القمح، فغادر المطبخ

إن الأطعمة التي تزيد من نسبة السكر في الدم بدرجة أشد تؤدي إلى إنتاج الكبد للبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة. وارتفاع نسبة هذه البروتينات، من خلال تفاعلها مع جزيئات LDL، تسهل من تشكيل جزيئات LDL الصغيرة التي تستمر في مجرى الدم لفترات أطول. يشجع ارتفاع مستوى السكر في الدم على تسكّر جزيئات LDL، وخاصة المؤكسدة منها بالفعل.

إن جزيئات LDL المعمرة، وعمليات الأكسدة، والتسكّر… كلها تضاعف الاحتمال المتزايد لتشكيل ونمو الصفائح التصلبية العصيدية في الشرايين. من الرأس المدبّر، أو الزعيم، أو الرئيس الكامن وراء تكوين البروتينات الشحمية الوضيعة الكثافة، وجزيئات LDL الصغيرة، والتسكّر؟ إنه القمح، بطبيعة الحال.

هناك جانب مضيء لظلام القمح المهيمن: إذا كان استهلاك القمح يتسبب في زيادة ملحوظة في نسبة جزيئات LDL الصغيرة وجميع الظواهر المرتبطة بها، فإن القضاء على القمح يجب أن يبطل ذلك – وفي الواقع، هذا هو ما يحدث.

يمكن أن يؤدي التخلص من منتجات القمح إلى انخفاض هائل في جزيئات LDL الصغيرة، وذلك شريطة اتباعك نظامًا غذائيًّا صحيًّا وعدم استعاضتك عن السعرات الحرارية المفقودة من القمح بغيرها من الأطعمة التي تحتوي على السكر أو التي تتحول بسهولة إلى سكر بعد استهلاكها.

فكّر في الأمر بهذه الطريقة: كل ما يثير ارتفاعا في نسبة السكر في الدم يقوم بالتوازي كذلك بإثارة ارتفاع في نسبة جزيئات LDL الصغيرة. وكل ما يحافظ على نسبة السكر في الدم من الارتفاع، كالبروتينات، والدهون، والحد من استهلاك الكربوهيدرات مثل القمح، يخفض من نسبة جزيئات LDL الصغيرة.

لاحظ أن الرؤية المكتسبة عند النظر إليها باعتبارها جزيئات LDL، بدلا من كوليسترول LDL، تقودنا إلى استنتاجات حول الحمية التي تتناقض بشكل صارخ مع النصيحة التقليدية بشأن صحة القلب. في الواقع، إن الوهم الشائع بحساب نسبة كوليسترول LDL أدى إلى دعم استمرار وهمٍ آخر، وهو الفوائد الصحية لتقليل الدهون مع زيادة استهلاك “الحبوب الكاملة الصحية”. وفي كل حين، عندما ينظر إليها برؤية أعمق مكتسبة من أساليب مثل تحليل البروتين الدهني، نجد أن هذه النصيحة حققت عكس الغرض منها.