إذن, فالقمح يعبث بأمعائك، ويزيد من شهيتك، ويجعل الآخرين يسخرون من بطنك الكبير. ولكن أهو حقًّا بهذا السوء؟
تصل آثار القمح إلى المخ في صورة ببتيدات مثل الأفيون. ولكن الإكسورفينات عديدة الببتيد المسئولة عن هذه الآثار تدخل ثم تخرج، وتتبدد مع مرور الوقت. والإكسورفينات هي السبب في إعطاء مخّك تعليمات بتناول المزيد من الطعام، وزيادة استهلاك السعرات الحرارية، لتجد نفسك تبحث بيأس عن فتات المقرمشات في قاع العلبة عندما تنتهي من أكلها.
ولكن جميع هذه الآثار يمكن وقفها. فالتوقف عن تناول القمح، يمحو آثارها، فيتعافى المخ، لتستطيع مجددا مساعدة ابنك المراهق على حل المعادلات التربيعية.
ولكن آثار القمح على المخ لا تنتهي عند هذا الحد. فمن أكثر الآثار مدعاة للقلق هي الآثار التي تؤثر على أنسجة المخ نفسها – وهي لا تكتفي بالتأثير على الأفكار والسلوك”فقط”، بل يمتد أثرها ليشمل المخ، والمخيخ، وهياكل الجهاز العصبي الأخرى، وتتراوح تبعاتها بين عدم التناسق، وحتى سلس البول، ومن النوبات إلى الخرف. وعلى عكس الظواهر الإدمانية، فإن هذه الآثار لا يمكن وقفها بصورة تامة.
انتبه إلى خطواتك: القمح وصحة المخيخ
تخيل أنني عصبت عينيك وتركتك وحدك في غرفة غير مألوفة تماما وذات زوايا غريبة، والأركان والزوايا مظلمة، ومليئة بالأشياء التي وضعت عشوائيًّا بقصد عرقلتك. من المحتمل بعد سيرك خطوات قليلة أن يصطدم وجهك برف الأحذية – هذه هي معاناة مرضى حالة تعرف باسم الرنح المخيخي. ولكن هؤلاء الناس يعانون هذه الحالة بعيون مفتوحة على اتساعها.
هؤلاء هم الأشخاص الذين كثيرا ما تراهم يستخدمون العكاز أو المشايات، أو تجدهم يتعثرون بسبب شق في رصيف المشاة والذي يتسبب في كسر الساق أو الورك. هناك شيء ما أعاق قدرتهم على التنقل، ما أدى إلى فقدان سيطرتهم على التوازن والتنسيق، وهي الوظائف المرتكزة في منطقة من المخ تسمى المخيخ.
غالبية مرضى الرنح المخيخي يلجأون إلى أطباء الأعصاب، وغالبا ما تُشخّص حالتهم على أنها مجهولة السبب. وبدون معرفة سبب المرض، لا يتم وصف أي دواء. وبالتالي لا يتم العمل على إيجاد العلاج المناسب. فينصح طبيب الأعصاب ببساطة باستخدام مشاية، وإزالة الأغراض الخطيرة المحتمل التعثر بها في المنزل، وفي نهاية المطاف استخدام حفاضات الكبار بسبب سلس البول الذي يصاب به المريض لاحقا. ويعتبر الرنح المخيخي مرضا تدريجيًّا، حيث يزداد سوءا مع مرور السنوات حتى لا يصير باستطاعة المريض تمشيط شعره، أو تفريش أسنانه، أو الذهاب إلى دورة المياه وحده. وفي نهاية المطاف يصير على شخص آخر تولي مسئولية رعاية احتياجات المريض الأساسية. في هذه المرحلة، تصبح النهاية وشيكة، وهذا الضعف الشديد يتسبب في مضاعفات مثل الالتهاب الرئوي والتقرحات المُعدية.
بين ١٠٪: ٢٢.٥٪ من الأشخاص الذين يعانون مرض الداء الزلاقي يعانون خللًا في الجهاز العصبي. ومن بين جميع أشكال الرنح المخيخي التي تم تشخيصها، كانت نسبة ٢٠٪ منهم يحملون مؤشرات غير طبيعية للجلوتين في الدم. أما بالنسبة لمصابي الرنح المخيخي غير المبرر – أي ما لا يمكن تحديد سبب آخر وراء الإصابة به – فكانت نسبة قدرها ٥٠٪ من المصابين يحملون مؤشرات غير طبيعية من الجلوتين في الدم.
المشكلة: غالبية مرضى الرنح المخيخي الناجم عن جلوتين القمح لا تظهر عليهم أية علامات أو أعراض دالة على إصابتهم بمرض معوي، فليست هناك أية تحذيرات تشير إلى أن المريض مصاب بحساسية ضد الجلوتين، مثلما يحدث عند الإصابة بالداء الزلاقي.
كما يمكن للاستجابة المناعية المدمرة المسئولة عن الإسهال وتقلصات المعدة الناشئة عن الداء الزلاقي استهداف أنسجة المخ. وفي حين أنه كان يشتبه في الصلة ما بين جلوتين المخ وإعاقة الجهاز العصبي منذ فترة طويلة بداية من عام ١٩٦٦، فإن ذلك كان يعتقد رجوعه إلى نقص التغذية المصاحب لمرض الداء الزلاقي. وفي الآونة الأخيرة، أصبح من الواضح أن إصابة المخ والجهاز العصبي ناتجة عن الهجوم المناعي المباشر على الخلايا العصبية. فالأجسام الضدّية المضادة للجليادين الناجمة عن الجلوتين يمكنها إعاقة ألياف بيركنجي في المخ، وهي خلايا عصبية فريدة من نوعها موجودة في المخيخ. وأنسجة المخ مثل ألياف بيركنجي لا تتمتع بالقدرة على التجدد: فبمجرد تلف ألياف بيركنجي في المخيخ، لا يمكن استرجاعها… مطلقا.
وبالإضافة إلى فقدان التوازن والتنسيق، يمكن للرنح المخيخي الناجم عن القمح التسبب في هذه الظواهر الغريبة التي سنذكر اسمها كما تعرف في لغة علم الأعصاب وهي: الرأرأة (تذبذب المقلتين السريع اللاإرادي)، والرمع العضلي (ارتعاش العضلات اللاإرادي)، والرقاص (ارتجاف لاإرادي في الأطراف). كما كشفت إحدى الدراسات التي أجريت على ١٠٤ مرضى بالرنح المخيخي عن إصابتهم بضعف في الذاكرة والقدرات اللفظية، ما يوحي أن الدمار الناجم عن القمح قد يتطرق ليصيب أنسجة المخ، وهي محل الذكاء الأعلى والذاكرة.
والسن النموذجية لظهور أعراض الرنح المخيخي الناجم عن القمح تتراوح بين ثمانية وأربعين عاما وحتى ثلاثة وخمسين. وعند تصوير المخ بالرنين المغناطيسي، يظهر وجود ضمور في المخيخ بنسبة قدرها ٦٠٪، والذي يعكس دمارا لا رجعة فيه في الخلايا العصبية.
وعند التخلص من جلوتين القمح لا يُستعاد سوى وظائف محدودة للجهاز العصبي بسبب ضعف قدرة أنسجة المخ على التجدد. فمعظمهم يتوقف مرضهم ببساطة عن التفاقم مجددا بمجرد تخلصهم من الجلوتين.
العقبة الأولى التي تواجهك في تشخيص الرنح المخيخي الناجم عن القمح هي وجود طبيب مستعد للتشخيص في المقام الأول. وتعتبر هذه هي العقبة الأصعب، حيث إن معظم المجتمع الطبي يواصل تبني فكرة أن القمح مفيد للبشر. وإن وجدت واحدا مستعدًّا، فإن التشخيص يعتبر معقدا قليلا بمقارنته بتشخيص مرض الداء الزلاقي المعوي، خصوصا بسبب أن بعض الأجسام المضادة (أجسام جلوبيولين إيه المناعية المضادة (IgA) على وجه التحديد) لا صلة لها بأمراض المخ الناجمة عن القمح. أضف إلى ذلك مشكلة صغيرة وهي اعتراض معظم المرضى على أخذ خزعة من المخ، كما أن الأمر يتطلب طبيب أعصاب مطّلعًا لإجراء التشخيص. وقد يعتمد التشخيص على مزيج من الشك مع وجود علامات إيجابية على التوافق النسيجي للواصمات الجينية DQ ٢، بالإضافة إلى مراقبة التحسن أو الاستقرار الناتج عن التخلص من جلوتين القمح.
إن حقيقة مرض الرنح المخيخي المؤلمة هي أنك في الغالبية العظمى من الحالات، لن تعرف أنك أصبت به حتى تبدأ في التعثر، أو التخبط في الجدران، أو التبول في ملابسك. وبمجرد ظهور أعراض المرض، يكون المخيخ بالفعل قد تقلص وأُتلف. ويكون التوقف عن تناول القمح والجلوتين عند هذه النقطة غالبا هو لمجرد مساعدتك على تجنب اللجوء إلى دار للرعاية.
وكل هذا بسبب الخبز والفطائر التي تشتهيها بشدّة.
من رأسك إلى أخمص قدميك: القمح والاعتلال العصبي المحيطي
وبينما يرجع الرنح المخيخي إلى التفاعلات المناعية التي يتسبب فيها القمح ويصيب المخ من خلالها، فهناك مرض آخر مماثل يصيب أعصاب الساقين، والحوض، وأعضاء أخرى يعرف بالاعتلال العصبي المحيطي.
ويعتبر مرض السكري من الأسباب الشائعة وراء الإصابة بالاعتلال العصبي المحيطي. فالارتفاع المتكرر للسكر في الدم على مدى سنوات عدة يتسبب في إتلاف الأعصاب في الساقين، والذي يتسبب بدوره في تخفيف الإحساس بالأشياء (وبالتالي قد يخطو مريض السكري فوق دبوس دون أن يشعر به)، وضعف التحكم في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، والتفريغ البطيء للمعدة (خزل المعدة السكري)، وغيرها من الظواهر الأخرى لاعتلال الجهاز العصبي.
وهناك درجة مماثلة من حالة الفوضى التي تصيب الجهاز العصبي، وهي ترجع إلى التعرض إلى القمح. ويبلغ متوسط العمر الذي تظهر فيه أعراض مرض الاعتلال العصبي المحيطي الناجم عن الجلوتين هو خمسة وخمسين عامًا. وكما هي الحال مع الرنح المخيخي، فإن الغالبية العظمى من المصابين لا تظهر عليهم الأعراض المعوية التي تشير إلى الإصابة بمرض الداء الزلاقي.
وبالرغم من عجز ألياف بيركنجي في المخ عن التجدد، فإن الأعصاب الطرفية تتمتع بقدرة محدودة على ترميم نفسها بمجرد إزالة جلوتين القمح المتسبب في المشكلة، حيث لا يتحسن الاعتلال العصبي لدى الغالبية العظمى سوى بصورة جزئية. ففي إحدى الدراسات التي أجريت على خمسة وثلاثين مريضا بالاعتلال العصبي المحيطي يعانون حساسية الجلوتين، ثبت وجود الأجسام الضدّية المضادة للجليادين لديهم، وتحسنت حالة المشاركين الخمسة والعشرين مع اتباعهم نظامًا غذائيًّا خاليًا من القمح والجلوتين خلال سنة، في حين أن المشاركين في مجموعة التحكم وهم عشرة ممن لم يتخلصوا من القمح والجلوتين تدهورت حالتهم. وقد أجريت دراسات رسمية حول التوصيل العصبي كذلك، والتي أظهرت تحسن التوصيل العصبي لدى المجموعة التي خلا نظامها الغذائي من القمح والجلوتين، بينما تدهور في المجموعة المستهلكة للقمح والجلوتين.
ولأن الجهاز العصبي البشري هو شبكة معقدة من الخلايا العصبية والشبكات، فإن أعراض الاعتلال العصبي المحيطي الناجم عن التعرض لجلوتين القمح يمكن أن تظهر بعدة طرق مختلفة، وهذا يتوقف على نوعية مجموعة الأعصاب المتضررة. ويعتبر فقدان الإحساس في الساقين مع ضعف السيطرة على عضلة الساق هو العرض الأكثر شيوعا، والذي يدعى الاعتلال الحسي الحركي العصبي المحيطي. بشكل أقل شيوعا، يمكن أن يتأثر جانب واحد فقط من الجسم (أي الإصابة بالاعتلال العصبي غير المتماثل)؛ أو قد يتأثر الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو الجزء المسئول في الجهاز العصبي عن الوظائف الآلية مثل ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، والأمعاء، والسيطرة على المثانة. وإذا تأثر الجهاز العصبي اللاإرادي، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى حدوث ظواهر مثل فقدان الوعي أو الإصابة بالدوخة في أثناء الوقوف بسبب ضعف السيطرة على معدل ضغط الدم، وعدم القدرة على إفراغ المثانة أو الأمعاء، وسرعة دقات القلب غير المنتظمة.
ويعتبر اعتلال الأعصاب المحيطي، بغض النظر عن مظاهره، مرضا تدريجيًّا، وسيزداد سوءا ويتفاقم ما لم يتم التخلص من كل منتجات القمح والجلوتين.
تأثير الحبوب الكاملة على المخ
أعتقد أننا جميعا نتفق على ما يلي: إن وظائف المخ “العليا”، مثل التفكير، والتعلّم، والذاكرة، يجب أن تكون محظورة على الآخرين. فعقولنا كيانات شخصية جدًّا، وهي التي تمثّل محصلة ماهيتك وخبراتك. فمن ذا الذي يريد أن يتوصل جار متطفل، أو عامل في مجال التسويق إلى نطاق عقولنا؟ وفي حين أن فكرة التخاطر تعتبر رائعة عند تأملها، فإنه من المخيف حقًّا اعتقادك أن أي شخص يمكنه قراءة أفكارك.
القمح لا يترك شيئا سليما وراءه، لا المخيخ، ولا قشرة المخ. وفي حين أنه لا يمكنه قراءة أفكارك، إلا أنه يمكن أن يؤثر على ما يدور بداخله بكل تأكيد.
إن تأثير القمح على المخ هو أكثر من مجرد تأثير على المزاج، أو الطاقة، أو النوم. فمن الممكن حدوث تلف فعلي في المخ، كما رأينا في مرض الرنح المخيخي. ولكن حتى القشرة المخية، وهي مركز الذاكرة والتفكير الأسمى، والمخزن الخاص والفريد للهوية، والشخصية، والذكريات، و”المادة الرمادية” بداخل المخ، يمكن أيضا أن تشارك في معركة المناعة ضد القمح، ما يسفر عن التهاب أو مرض في المخ.
يُظهر مرض الاعتلال الدماغي الناجم عن الجلوتين نفسه على هيئة صداع نصفي وأعراض السكتة الدماغية مثل: فقدان السيطرة على ذراع أو ساق، وصعوبات في الكلام، أو صعوبات بصرية. وعند تصوير المخ بالرنين المغناطيسي، تظهر أدلة واضحة على الضرر المحيط بالأوعية الدموية في أنسجة المخ. كما تتشابه أعراض اختلال التوازن والتنسيق في مرض الاعتلال الدماغي الناجم عن الجلوتين الأعراض نفسها التي تحدث في مرض الرنح المخيخي.
في إحدى دراسات مستشفى مايو كلينيك الباعثة على القلق على وجه الخصوص، والتي أجريت على ثلاثة عشر مريضا شخصوا مؤخرا بالداء الزلاقي، وُجد أنهم يعانون الخرف كذلك. ومن بين هؤلاء المرضى الثلاثة عشر، فشل إجراء أخذ خزعة من الفص الأمامي (نعم، خزعة من المخ) أو فحص المخ بعد الوفاة في تحديد أية أمراض أخرى أبعد من تلك المرتبطة بالتعرض لجلوتين القمح. وقبل الوفاة أو أخذ الخزعة، كانت أكثر الأعراض شيوعا هي فقدان الذاكرة، وعدم القدرة على القيام بعمليات حسابية بسيطة، والارتباك، والتغير في الشخصية. ومن أصل ثلاثة عشر مريضا، لقى تسعة حتفهم بسبب التدهور التدريجي في وظائف المخ. أجل: خرف مميت بسبب القمح.
نسبة مرضى الخرف الذين يمكنهم إلقاء اللوم على القمح في تدهور المخ والذاكرة ؟ لم تتم الإجابة عن هذا السؤال على نحو مُرضٍ. ومع ذلك، قام فريق بحث بريطاني بالتقصي الفعّال عن هذا السؤال، فوجد حتى الآن إحدى وستين حالة مشخصة بالاعتلال الدماغي، بما في ذلك الخرف، بسبب جلوتين القمح.
وبالتالي يرتبط القمح بالخرف واختلال وظائف المخ، الأمر الذي يؤدي إلى الاستجابة المناعية التي تؤثر على الذاكرة والمخ. إن مجال البحث في العلاقة بين القمح والجلوتين، وبين تلف المخ لا يزال في المرحلة التمهيدية، فلا تزال هناك العديد من الأسئلة التي لم نجد لها إجابات بعد، ولكن ما نعرفه بالفعل مقلق جدًّا. وإنني لأرتعب بمجرد التفكير فيما قد نكتشفه في المستقبل.
كما يمكن لحساسية الجلوتين أن تُظهِر نفسها على هيئة نوبات. والنوبات التي تنشأ كرد فعل على القمح تميل إلى أن تصيب الشباب، وغالبا المراهقين. وعادة ما تكون النوبات فصية صدغية – أي يكون منشؤها في الفص الصدغي بالمخ، تحت الأذنين تماما. والأشخاص الذين يعانون نوبات الفص الصدغي يعانون هلاوس شمّية ومذاقية، وحساسية عاطفية في غير محلها مثل الخوف الشديد دون سبب، والسلوكيات المتكررة مثل مصمصة الشفاه أو حركات اليد. وإحدى المتلازمات الغريبة من نوبات الفص الصدغي التي لا تستجيب لأدوية النوبات، والناجمة عن ترسب الكالسيوم في جزء من الفص الصدغي يسمى قرن آمون (المسئول عن تشكيل ذكريات جديدة), قد ارتبطت بمرض الداء الزلاقي وحساسية الجلوتين (أي وجود أجسام مضادة للجلوتين مع واصمات HLA دون وجود مرض معوي).
ومن المتوقع أن نسبة قدرها ١٪ إلى ٥.٥٪ من مرضى الداء الزلاقي يتم تشخيصها بالنوبات المرضية. وتتحسن نوبات الفص الصدغي الناجمة عن جلوتين القمح عند التخلص منه. وأظهرت إحدى الدراسات أن مرضى الصرع الذين يعانون النوبات الأكثر خطورة وشيوعا (الصرع الكبير) كانت احتمال معاناتهم حساسية الجلوتين في شكل زيادة معدل الأجسام الضدّية المضادة للجلوتين دون الإصابة بالداء الزلاقي هو الضعف (١٩.٦٪ مقارنة ب ١٠.٦٪).
يا لها من فكرة مرعبة! القمح لديه القدرة على الوصول إلى المخ والتسبب في تغيرات في الفكر، والسلوك، والبنية، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى إثارة النوبات.
أهو القمح أم الجلوتين؟
الجلوتين هو مكون في القمح تأكد ارتباطه بظواهر مناعية مدمرة، سواء كانت على هيئة مرض الداء الزلاقي، أو الرنح المخيخي، أو الخرف. ومع ذلك، فإن العديد من آثار القمح على الصحة، والتي تشمل المخ والجهاز العصبي، لا علاقة لها برد الفعل المناعي الناجم عن الجلوتين. فعلى سبيل المثال، إن خصائص القمح الإدمانية، التي تظهر على هيئة هوس هائل بتناول منتجاته، والتي يمكن منعها باستخدام العقاقير ضد المواد الأفيونية، لا تعود بصورة مباشرة إلى الجلوتين، بل للإكسورفينات، وهي منتج منحلّ عن الجلوتين. في حين أنه لم يتم تحديد العنصر المسئول في القمح عن الانحرافات السلوكية لدى مرضى الفصام والأطفال مرضى التوحد أو مرضى قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD، إلا أنه من المرجح أن هذه الظواهر تعود كذلك إلى إكسورفينات القمح، لا الاستجابة المناعية الناجمة عن الجلوتين. وعلى الرغم من أنه عادة ما يمكن تشخيص حساسية الجلوتين عن طريق اختبارات الأجسام المضادة، إلا أنه لا يوجد في الوقت الحاضر مؤشر قابل للقياس لتحديد آثار الإكسورفينات.
يمكننا إضافة الآثار غير الناجمة عن الجلوتين إلى الآثار الناجمة عنه. إن التأثير النفسي لإكسورفينات القمح على الشهية والدوافع، أي آثار الجلوكوز-الأنسولين، وآثار القمح التي ربما لم يتم وصفها بعد – يمكن أن تحدث بمعزل عن آثار القمح على المناعة، أو معها. فمريض الداء الزلاقي المعوي الذي لم يتم تشخيصه قد يعاني اشتهاءً غريبًا للطعام الذي يضر بأمعائه الصغيرة، كما أنه قد تظهر عليه أعراض السكري عند استهلاك القمح، بالإضافة إلى تقلبات مزاجية عنيفة. أما غير المصاب بالداء الزلاقي، فقد يتسبب القمح في تراكم الدهون الحشوية لديه، بالإضافة إلى اعتلال جهازه العصبي. قد لا يستطيع أشخاص آخرون السيطرة على شعورهم الدائم بالإرهاق، ومعاناتهم زيادة الوزن، والسكري، وفي الوقت نفسه لا تظهر آثار مناعية ناجمة عن جلوتين القمح على جهازهم الهضمي أو العصبي. إن مجموعة العواقب الصحية المترتبة على استهلاك القمح هي أمر مثير للعجب حقًّا.
إن آثار القمح على الجهاز العصبي, بطرقها شديدة التفاوت, يمكن أن تعقّد عملية “التشخيص”. فعلى الرغم من أن الآثار المناعية المحتملة يمكن قياسها بإجراء اختبارات الأجسام المضادة في الدم، فإن الآثار غير المناعية لا يمكن كشفها عن طريق أي فحص للدم, وبالتالي فهي أكثر صعوبة في التحديد والقياس.
لقد بدأ العالم للتو في استيعاب العلاقة بين “المخ والقمح”. وكلما زاد استيعابه، صار الوضع أكثر سوءًا.