نظرًا لتعرض الجسم للسموم بشكل مستمر – بشكل أو بآخر – يحاول الجسم طوال الوقت التخلص من هذه السموم. ويعد الكبد أكبر عضو يعمل على طرد السموم من الجسم؛ فكل مادة سامة تتعرض لها – سواء من خلال الطعام الذي تتناوله أو الهواء الذي تتنفسه أو اختراقه لجلدك – سوف تصل إلى الكبد.
وعلى الرغم من أن الكبد تتلقى الكثير من العون من غيرها من أعضاء الجسم وأجهزته، فإنها المسئول الوحيد عن تحويل السموم إلى شكل يسهل على غيرها من الأعضاء إخراجه.
تتعاون جميع الأجهزة التي تعمل على إزالة السموم من الجسم مع بعضها، فجميعها يرتبط ببعضه ويعتمد على بعضه؛ لذا لا يمكنك تخليص الكبد من السموم دون أن تؤثر على غيرها من أجزاء الجسم، على سبيل المثال.
إذا ثقل كاهل أحد الأجهزة التي تعمل على طرد السموم من الجسم أو تعب لسبب أو لآخر، فسوف يحمل ذلك باقي الأجهزة مزيدًا من العبء. ولنستعرض الآن هذه الأجهزة واحدًا تلو الآخر.
تركيب الكبد
تعد الكبد أكبر عضو في الجسم وتزن حوالي 1.36 كيلوجرام، وتقع في الجانب العلوي الأيمن من تجويف المعدة، وتتكون الكبد من فصين أساسيين: الفص الأيمن والفص الأيسر، وآخرين صغيرين، وهما الفص الذيلى والفص المربع. وتفصل الفصين الأيمن والأيسر أنسجة ليفية تسمى الرباط المنجلي.
يحتوي السطح السفلى للكبد على بوابة تعرف ببوابة الكبد. ومن خلال هذه البوابة تدخل الأوعية الدموية والشرايين والأعصاب والأوعية الليمفاوية للكبد وتخرج منها. أما قنوات الكبد فهي التي تنقل العصارة الصفراوية إلى خارج الكبد. وتجتمع قناتا الكبد اليمنى اليسرى لتكوِّنا معًا قناة الكبد المشتركة. وتتحد هذه القناة مع قناة المرارة عن طريق المرارة لتكوِّنا قناة الصفراء المشتركة، وتدخل الصفراء من خلال هذه القناة إلى الأمعاء الدقيقة.
وتقسم جدران الأنسجة الضامة الكبد إلى فصوص سداسية الشكل يحتوي كل ركن منها على أبواب ثلاثية؛ حيث توجد ثلاثة أوعية. وتخرج أوتار الكبد من الوعاء الرئيسي لكل فص مثل أسلاك عجلة الدراجة، وتتكون هذا الأوتار من خلايا الكبد. وتوجد بين صفوف خلايا الكبد تلك مسافات تعرف بالمسافات الجيبية (أوعية دموية صغيرة). وتبنى هذه الأوعية الدموية خلايا خاصة كخلايا تخزين الدهون والخلايا المبطنة للأوعية الدموية والخلايا التي تعلو منطقة السرة وخلايا كوبفر “ساركومة وعائية كبدية”.
تعد خلايا كوبفر نوعًا مثيرًا من خلايا الجهاز المناعي. وتعمل هذه الخلايا مثل الباك مان، والذي يتمتع بالقدرة على ابتلاع والتهام وتدمير السموم. وهذه الخلايا متحركة؛ فهي تتحرك داخل الأوعية الدموية الصغيرة وتلتهم الخلايا الميتة والخلايا السرطانية والبكتيريا والطفيليات والخمائر والفيروسات والمواد الكيماوية الصناعية وغيرها من الأجسام الغريبة. وبالتالي، كلما زادت كفاءة خلايا كوبفر، قلت السموم التي تصل لمجرى الدم، ومنها إلى باقي أنسجة الجسم.
تعد الكبد عضوًا مهمًّا في الجسم؛ فهي تقوم بما لا يقل عن 500 وظيفة في الجسم، كما أنها تولد كميات كبيرة من الطاقة في الجسم، وهذا هو السر الذي يجعل مرضى الكبد يشعرون بالحر الشديد أو يكون إفراز العرق لديهم غزيرًا. وتعد الكبد العضو الوحيد الذي يدخل إليه نوعان مختلفان من الدم؛ فهي تحصل على دم غنى بالأكسجين يأتيها من القلب والرئتين من خلال شريان الكبد وآخر غير محمل بالأكسجين ولكنه غنى بالعناصر الغذائية، والذي تأتيها من الأمعاء عن طريق الوريد البابي. وهكذا تكون أولى محطات توقف الدم القادم من الجهاز الهضمي هي الكبد. وكلما زادت السموم التي توجد في الجهاز الهضمي زادت كمية السموم التي تدخل للكبد. وإذا ما تجمعت كمية كبيرة من السموم في الكبد، يمكنها بعد ذلك التسرب إلى مجرى الدم وإلى باقي أعضاء الجسم.
ما وظائف الكبد الأساسية؟
• أيض المواد الكربوهيدراتية والبروتينة والدهنية
تعمل الكبد على تحويل الجلوكوز إلى جليكوجين لتخزينه بداخلها. وعندما تنخفض نسبة السكر في الدم – الأمر الذي يحدث بين الوجبات – تتم إعادة الجليكوجين مرة أخرى إلى جلوكوز لرفع نسبة السكر في الدم، كما أن الكبد تنتج عوامل تحمل الجلوكوز من الكروم وغيرها من العناصر الغذائية، ويعمل هذا مع الأنسولين على تنظيم نسبة السكر في الدم. لذلك يجب أن يحرص مرضى السكر – ممن يرغبون في التحكم في نسبة السكر في الدم – على الحفاظ على الكبد في حالة صحية جيدة.
كما يتم تصنيع أغلب ثلاثى الجليسريد والكولسترول بداخل الكبد، وبالتالي تتوقف نسبة هذه الدهون في مجرى الدم على وظائف الكبد بشكل كبير.
• أيض الهرمونات
يتم تكسير أغلب الهرمونات داخل الكبد؛ حيث يتم إفراز الهرمونات – كـ هرمون الأستروجين -في الصفراء وتدخل إلى الأمعاء الدقيقة لتخرج من الجسم. فإذا ما تعبت الكبد تظهر أعراض زيادة نسبة الأستروجين في الجسم مثل الآلام التي تسبق الدورة الشهرية وآلام الطمث وتورم وانتفاخ الثدي. وقد يؤدى عدم تكسير هرمون الأندورجين “الهرمون الذكوري” بشكل جيد لظهور بعض الأعراض مثل حب الشباب وتساقط شعر الرأس ونمو الشعر بشكل متزايد في الجسم لدى السيدات. أما عندما لا تؤدى الأمعاء وظائفها كما ينبغي لن تخرج هذه الهرمونات من الجسم كما ينبغي، وبالتالي يتم إعادة امتصاصها في الأمعاء وسريانها مرة أخرى في مجرى الدم؛ الأمر الذي يؤدى لارتفاع نسبة السكر في الدم.
يتحول هرمون الغدة الدرقية في صورته الثايرونين رباعي اليود Tetra-Iodo-Thyronine T4 إلى صورته النشطة أو الثيروكسين ثلاثي اليود Tri-Iodo-Thyronine T3 في الكبد، كما يتم تصنيع الهرمونات الجنسية Sex Hormone Binding Globuli – SHBG في الكبد، وهي التي تحمل الهرمونات الجنسية كالأستروجين والتستوستيرون في مجرى الدم.
• وظائف الهضم
تفرز الكبد من 600 إلى 1000 ميللي لتر من العصارة الصفراوية كل يوم. وتعد هذه العصارة أساسية لهضم الدهون، نظرًا لأنها تقوم باستحلاب الدهون: أي تقوم بتكسير كرات الدهون إلى أجزاء أصغر حتى يتمكن الجسم من امتصاصها.
وتعد العصارة الصفراوية الطريق الأساسي لإخراج عدد من المواد من بينها:
– الكولسترول وغيره من الدهون
– بِيليروبين (الذي ينتج من تكسير الهيموجلوبين)
– الهرمونات القابلة للذوبان في الدهون
– السموم التي تعمل الكبد على تكسيرها
بمجرد إفراز هذه المواد إلى الأمعاء قد يتم امتصاصها من قبل الألياف التي يحصل الجسم عليها من الأطعمة التي يتناولها وتخرج عن طريق الأمعاء، وإذا لم يحصل الجسم على كمية مناسبة من الألياف، قد تتم إعادة امتصاص هذه السموم والكولسترول مرة أخرى وسريانها في مجرى الدم.
• تخزين الفيتامينات والأملاح المعدنية
يتم تخزين فيتامين A و B12 وK وE في الكبد، فضلاً عن تخزين النحاس والحديد هناك. ويمكن تخزين كمية كبيرة من هذه العناصر وحفظها في الكبد لأشهر عديدة، كما أن الكبد تعمل على تحويل فيتامين D إلى صورته النشطة اللازمة لأيض الكالسيوم.
• طرد السموم خارج الجسم
الكبد قادرة على إزالة العديد من المواد السامة التي تدخل للجسم؛ فهي تغير تركيبتها وتجعلها أقل سمية أو أسهل في إخراجها. فالإنزيمات التي توجد داخل الكبد قادرة على تكسير أو أيض المخدرات والمواد الكيماوية والهرمونات والمبيدات الحشرية وغيرها من المواد السامة، كما أن أغلب المواد الكيماوية التي تدخل للجسم قابلة للذوبان في الدهون أو محبة للشحم؛ وهذا يعنى أنه يمكن تخزينها في الأنسجة الدهنية كأنسجة المخ والأغشية المبطنة للخلايا ومخازن تخزين الدهون في الجسم. وتعمل الكبد على تحويل هذه المواد السامة لمواد كيماوية قابلة للذوبان في الماء حتى يتم خروجها مع السوائل التي تخرج من الجسم، كالبول والعصارة الصفراوية والعرق.
المرحلة الأولى في طرد السموم خارج الجسم
تتم المرحلة الأولى عن طريق مجموعة من الإنزيمات تعرف بـ cytochrome P 450s. ووظيفة هذه الإنزيمات القيام بالتحويلات الكيميائية الحيوية؛ وهي تحويل المواد الكيماوية الغريبة والهرمونات والأحماض الدهنية لصيغة أكثر فاعلية. ويتحقق ذلك من خلال عدد من ردود الأفعال الكيماوية التي تشمل الأكسدة والاختزال والتحليل بالماء ونزع الهالوجين والهدرجة.
وتتأثر هذه الإنزيمات بوجه عام بالنظام الغذائي والعوامل البيئية وأسلوب المعيشة، ومن هنا تختلف قدرة الناس على القيام بتحويل الكيمياء الحيوية للسموم.
تولد هذه العمليات الكثير من الجذور الحرة القادرة على إتلاف خلايا الكبد، ويحدث هذا لأن الناتج النهائي للمرحلة الأولى من طرد السموم خارج الجسم (المركبات التفاعلية الوسيطة) عادة ما تكون أكثر ضررًا من المركبات الأساسية. وتعد المركبات التفاعلية الوسيطة قادرة على إتلاف الكثير من أعضاء الجسم؛ فهي مثل الجذور الحرة، والتي تؤدى لإتلاف الخلايا والشريط الوراثي DNA، كما أنها تضعف الجهاز المناعي.
ويعنى هذا أنه يجب أن تكون هناك العديد من مضادات الأكسدة في خلايا الكبد وذلك للتخلص من هذه الجذور الحرة، ويعد هذا الأمر ضروريًّا حتى تعمل المرحلة الثانية من طرد السموم خارج الجسم بفاعلية، وحتى لا تظل هذه المواد الكيماوية معلقة في خلايا الكبد لفترة طويلة.
المرحلة الثانية
تتضمن هذه المرحلة ردود الأفعال المزدوجة التي تضاف فيها مادة أخرى إلى المادة السامة للحد من ضررها. وتشمل هذه العمليات الأمور التالية:
• إضافة الجلوتاثيون
• إضافة الكبريت
• إضافة المثيلين
• إضافة الأستيل
• إضافة الجليسين
• إضافة الأحماض الأمينية
تجعل هذه العملية المادة السامة أكثر قدرة على الذوبان في الماء، وبالتالي يسهل خروجها خارج الجسم. ومن اللازم وجود كمية كبيرة من الأحماض الأمينية، كالتورين والسيستين، للقيام بالمرحلة الثانية للتخلص من السموم وطردها خارج الجسم، كما أنه يتحتم وجود كمية مناسبة أيضًا من الجليسين والجلوتامين والكولين والإينوزيتول. وتستفيد إنزيمات المرحلة الثانية من كميات كبيرة من الجلوتاثيون؛ وهو أقوى مضاد للأكسدة وأكبر حام للكبد في الجسم.
يجب أن يكون هناك تناسق بين المرحلة الأولى والثانية.
إذا تعرضنا لكميات كبيرة من السموم أو إذا نقص مركب (co-factors) (وهو مركب كيميائي غير بروتيني مربوط ببروتين، وهو ما يعد لازمًا لنشاط البروتين الحيوي – هذه البروتينات في الغالب عبارة عن إنزيمات؛ ويمكن اعتبار مركبات co-factors “جزيئات مساعدة” تساعد في التحولات الكيميائية الحيوية) اللازم لتخليص الجسم من السموم، ينتج عن ذلك تراكم السموم داخل الجسم؛ وهذا يعنى سريان كميات كبيرة من السموم في مجرى الدم. ومع مرور الوقت، قد يؤدى ذلك لزيادة تحفيز الجهاز المناعي وإنهاكه، وقد ينتج عن ذلك الإصابة بالحساسية وأمراض المناعة الذاتية وتكرر الإصابة ببعض هذه الأمراض.
تحاليل قدرة وظائف الكبد على طرد السموم من الجسم
يعد تحليل وظائف الكبد نوعًا من تحاليل الدم القياسية يطلبه أي طبيب لقياس نسبة الإنزيمات التي يفرزها الكبد في الدم، فضلاً عن نسبة البيليروبين والبروتينات الموجودة في الدم. وللأسف، لا يعد هذا التحليل دقيقًا للغاية ولا يوضح أي شىء سوى إصابة الكبد بمرض معين، كما أن نتيجة تحليل وظائف الكبد قد تكون طبيعية على الرغم من وجود خلل واضح في قيام الكبد بوظائفها.
هناك العديد من التحاليل الدقيقة التي تجرى لتقييم قدرة الكبد على طرد السموم خارج الجسم وتعرف هذه التحاليل باسم Comprehensive Detoxification Profile أو Functional Liver Detoxification Profile. وتتضمن هذه التحاليل اختبار الكبد بكمية آمنة من الكافيين والباراسيتامول والأسبرين يتم تناولها عن طريق الفم، وبعد ذلك ويتم أخذ عينات من البول واللعاب في أوقات معينة، ثم يتم إرسالها إلى المعمل الذي يقيس نسبة انخفاض هذه العقاقير في الدم.
وتحدد هذه التحاليل قدرة الكبد على طرد السموم وإزالة المواد الكيماوية والعقاقير خارج الجسم، وهي تقيِّم المرحلة الأولى والثانية على وجه الخصوص من سبل تخليص الجسم من السموم الموجودة فيه بواسطة الكبد. وقد يطلب هذه التحاليل الطبيب العام أو طبيب العلاج بالأساليب الطبيعية أو إخصائي التغذية، ويمكنك إجراؤها في منزلك، ثم ترسل النتائج للمعمل لتقييمها.
فوائد هذه التحاليل
تتعرض أجسامنا لمواد كيماوية من البيئة المحيطة، كما ينتج الجسم سمومًا طوال الوقت. وتعكس هذه التحاليل مدى تعرضنا للسموم وقدرة الجسم على التعامل معها.
فإذا كان هناك أي خلل في المرحلة الأولى والثانية من طرد السموم خارج الجسم، تتراكم الجذور الحرة وتتسبب في تلف الأنسجة، وعادة ما تتسم المرحلة الأولى بالكفاءة أو النشاط، في حين أن المرحلة الثانية تتسم بالكسل. وتوضح هذه التحاليل ما إذا كان ذلك يحدث داخل جسمك أم لا.
إن نقص العديد من الفيتامينات أو الأملاح المعدنية أو الأحماض الأمينية قد يبطئ خطوات معينة من المرحلة الأولى أو الثانية من طرد السموم خارج الجسم. وتمكنك هذه التحاليل من معرفة انخفاض نسبة أي عنصر غذائي من نظامك الغذائي، وكيف يؤثر ذلك على قدرات الكبد على تخليص الجسم من السموم.