في أثناء تسعينيات القرن العشرين، لاحظت للمرة الأولى أن حالة الكبد الدهنية أصبحت منتشرة، حيث أصبحت أرى أعدادًا متزايدة من الحالات المصابة بالكبد الدهنية، وخاصةً بين مرضاي زائدي الوزن.
بالنسبة لي، كانت هذه ظاهرة جديدة؛ فعندما كنت أتدرب كطالبة طب في بداية سبعينيات القرن العشرين كانت حالات الإصابة بالكبد الدهنية نادرة. ملاحظتي هذا المرض المكتشف حديثًا أشعرتني بقلق كبير، حيث كان بإمكاني فهم توابعه الجسيمة، بل ومن الغريب أنه لم يتحدث عنه أحد؛ بما في ذلك الدوريات الطبية. لا بأس بأن يصاب الإوز بالكبد الدهنية حتى يتسنى للناس أن يستمتعوا بتناول معجون كبد الإوز اللذيذ، ولكن ثق بي أنه لن يكون أمرًا جيدًا بالنسبة لك أن تصاب بالكبد الدهنية!
الكبد هي أهم عضو في جسدك عندما يتعلق الأمر بصحتك وطول عمرك
الكبد هي أساس الحياة! فإذا كنت تتمنى أن تعيش حياة مديدة بصحة جيدة، فعليك أن تتمتع بكبد معافاة، والكبد الدهنية هي أبعد ما تكون عن أن يوصف بالمعافاة، حيث تتكدس بالدهون الضارة التي تزداد بداخلها. فالخلايا والفراغات التي تكوِّن نسيج الكبد تصبح غارقة في الدهون الضارة التي تمنعها من القيام بوظيفتها بفاعلية.
إن الكبد السليمة هي عبارة عن مصفاة دقيقة تعمل بشكل آلي، ووظيفتها تنقية مجرى الدم حتى يعود الدم النقي الصحي إلى القلب، وإذا انسدت هذه المصفاة بفعل الدهون السامة الضارة، فلن يستطيع الدم الانسياب بسهولة عبر ممراته؛ ما يجعلها غير نقية، وهكذا يصبح الدم العائد إلى القلب مليئًا بالدهون الضارة والسموم التي يمكنها أن تدمر قلبك ونظامك المناعي.
المصفاة الموجودة في الكبد السليمة تتخلص من الأشياء التالية الموجودة في مجرى دمك وتدمرها:
– الخلايا الميتة والضارة
– الخلايا السرطانية – وهكذا تقل فرص انتشار السرطان
– الكيماويات السامة والمعادن الثقيلة التي تلوث طعامنا ومياهنا وهواءنا
– الكائنات الدقيقة كالبكتيريا والطفيليات والفطريات
– كريات الدهون (المعروفة بالكيلومكرونات)
إذا لم يتم التخلص من هذه الأشياء بسبب امتلاء كبدك بالدهون، فسيتحمل جهازك المناعي ما هو أكثر من طاقته وسوف تتقدم في العمر سريعًا.
تعد الكبد الدهنية اليوم هي السبب الأكثر شيوعًا في النتائج غير الطبيعية لتحاليل وظائف الكبد في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا، كما أن حوالي ٢٠٪ (شخص من بين كل خمسة أشخاص من إجمالي عدد السكان) في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية يعانون مرض الكبد الدهنية.
لقد تم وصف الكبد الدهنية منذ سنوات، وخاصة منذ بدأنا استخدام الأشعة بالموجات فوق الصوتية، ولكن كان ينظر لها في السابق كسبب غير شائع في الإصابة بحالة شديدة من مرض الكبد، إلا إن هذه النظرة غير صحيحة على الإطلاق! فالعواقب الحادة التي تنشأ على المدى الطويل من مرض الكبد الدهنية تتزايد ملاحظتها في عيادات علاج الكبد في أنحاء العالم.
إن الكبد الدهنية وباء خطير؛ لأنه يمكن أن يصيب الأطفال، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسمنة والسكري، كما يمكن أن يؤدي إلى التليف والفشل الكبدي. الكبد الدهنية قد تقلل عمرك عدة سنوات وسوف تنتقص كثيرًا من جودة الحياة التي تعيشها.
وقد أصبح بالإمكان الآن ملاحظة العواقب الوخيمة الناتجة عن الإصابة بالكبد الدهنية، وأصبحت مضاعفاتها تُرى بشكل متزايد في عيادات علاج الكبد. وسوف تصبح الكبد الدهنية أكثر الأسباب شيوعًا لتفاقم مرض الكبد والحاجة إلى زراعة كبد.
من الرائع أن حالة الكبد الدهنية تستجيب بشكل جيد جدًّا للعلاج الصحيح ويمكن التعافي منها.
المسألة تكمن في اكتشافها مبكرًا قبل فوات الأوان!
الكبد الدهنية تحتوي على كمية كبيرة من الدهون، ويتم استبدال كتل الدهون الضارة بأجزاء الأنسجة الصحية العادية للكبد، فتبدأ الدهون في اجتياح الكبد وفي اختراق المناطق السليمة فيه تدريجيًّا، وهكذا تقل أنسجة الكبد السليمة تدريجيًّا. هذا الاجتياح الذي تقوم به الدهون في الكبد يتشابه مع الطريقة التي تجتاح بها الخلايا السرطانية الكبد، والكبد الدهنية عادة ما تتضخم وتنتفخ بهذه الدهون ويكون لها مظهر أصفر دهني. وأكثر أنواع الدهون (الشحميات) التي تنمو في الكبد شيوعًا هي مواد دهنية ثلاثية.
الكبد الدهنية معروفة في الدوائر الطبية ب “مرض الكبد الدهنية غير الكحولي”. وهذا المصطلح يشمل حالة التهاب ” الكبد الدهنية البسيط”، كما أنه يشمل الحالة الأشد احتقانًا المعروفة باسم “التهاب الكبد الدهنية غير الكحولي”.
من المثير للاهتمام أن نعرف أن التهاب الكبد الدهنية غير الكحولي يسبب التلف نفسه للكبد الذي يسببه الإفراط في تناول المشروبات الكحولية، وقد تم التأكد من ذلك من خلال تحليل عينة من الكبد، والكميات المتزايدة من الدهون داخل خلايا الكبد تتسبب في التهاب الكبد؛ وهو ما يحدث من خلال الإجهاد التأكسدي لخلايا الكبد، فالتهاب الكبد الدهنية غير الكحولي هو شكل من أشكال الكبد الدهنية أكثر سوءًا من التهاب ” الكبد الدهنية البسيط”، حيث إنه في حالة التهاب الكبد الدهنية غير الكحولي يكون الالتهاب أكبر، وهذا قد يتطور إلى ندبات شديدة بالكبد تعرف بالتليف.
في الماضي كان من الشائع تشخيص المرضى بالإصابة بالتليف غير معروف السبب؛ وهو ما يسمى “التليف مجهول السبب”؛ لأن سبب الإصابة بالمرض الكبدي غامض أو خفي.
وقد أصبحنا ندرك الآن أن العديد من حالات هذا المرض الكبدي الغامض سببها أحد الأشكال الشرسة من مرض الكبد الدهنية المعروف بالتهاب الكبد الدهنية غير الكحولي. للأسف لم يتم اكتشاف هذه الحالات التي تعاني الكبد الدهنية في الوقت المناسب حتى يمكن علاجها، ولهذا فمن المهم أن يتم فحص وظائف كبدك من خلال إجراء تحليل دم بسيط كل ١٢ شهرًا. فعلى أية حال، نحن نتحدث عن أهم عضو في جسمك!
ما مدى انتشار مرض الكبد الدهنية؟
يتنتشر مرض الكبد الدهنية في المناطق التي يسهل فيها الحصول على الأغذية المصنعة الغنية بالكربوهيدرات، وتزداد الوجبات السريعة بشكل متزايد وتتباطأ قدرتنا على التعامل معها بشكل كبير!
هناك ضرورة ملحة لجمع وتوثيق معلومات أكثر دقة عن مدى انتشار مرض الكبد الدهنية.
لا توجد معلومات واقعية عن مدى انتشار الإصابة بالكبد الدهنية بين البالغين؛ لأنه لم يتم إجراء دراسات استطلاعية عن الأمر، وتقدر نسبة المصابين به من ١٥ – ٣٣٪ من البالغين، وهي نسبة ضخمة.
والكبد الدهنية يمكن أن تصيب الأشخاص من كل الأعمار، وليست نادرة الحدوث بين المراهقين والأطفال، والنسبة الحقيقية لمدى انتشار الكبد الدهنية بين الأطفال غير معروفة؛ حيث إن الدراسات السكانية قدرت نسبة المصابين بالكبد الدهنية من ٢.٦ – ٩.٦٪ من الأطفال، وتزيد هذه النسبة إلى ٣٨ – ٥٣٪ بين الأطفال الذين يعانون السمنة. وحالات الإصابة بالكبد الدهنية بين الأطفال يمكن أن تتطور حتى يصابوا بالسكري و/أو بالتليف الكبدي؛ وهو أمر مؤسف جدًّا؛ لأنه من السهل تجنبه. إن قوائم الطعام والوجبات المنشورة في هذا الكتاب مناسبة للأطفال الذين يعانون زيادة في الوزن و/أو تم تشخيصهم بالإصابة بالكبد الدهنية.
خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، كان الالتهاب الكبدي ج الوباء الكبدي محط أنظار الأطباء والمتخصصين في الأوبئة والباحثين، ورغم أن الالتهاب الكبدي ج يستمر في التزايد والتسبب في الكثير من الدمار، فإن الأنظار انتقلت إلى وباء الكبد الدهنية الأكثر انتشارًا وخطورة
هل كبدك قنبلة موقوتة؟
الكبد الدهنية يمكنها التسبب في:
– تدمير صحتك
– زيادة وزنك
– إعاقتك عن إنقاص الوزن
– إصابتك بمرض السكري
– الإصابة بالتليف والفشل الكبدي
خلال الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية من ممارستي مهنة الطب، رأيت مرضى يبرَأون من أمراض تعرف بالأمراض “العضال” والعديد من المشكلات الصحية الشائعة والمزمنة عندما قاموا بالتركيز على تحسين وظائف الكبد. وللأسف، رأيت أيضًا مرضى يفقدون كبدهم بسبب إصابتهم بالفشل الكبدي، والحقيقة أن في أغلب الحالات لا يصاب الناس بالأمراض الخطيرة بين ليلة وضحاها، بل يصدر جسدك إشارات تحذيرية وأعراضًا لاحتمالية الإصابة بمشكلة صحية، والمشكلة أن أغلب الناس لا يعرفون كيف يفسرون أو يرصدون هذه الإشارات في وقت مبكر بشكل كاف حتى يمكن اتخاذ إجراءات بشأنها. الأمر الذي يمثل أهمية بالغة هو أنك يجب ألا تنتظر حتى يفوت الأوان!
لحسن الحظ، فالكبد، من بين كل أعضاء الجسد، هي الأكثر قدرة على إصلاح نفسها وصيانتها، ولكن عليك استخدام الأدوات المناسبة – سأكرر وأقول: لا يفوت الأوان أبدًا على المحاولة.
هل تتخيل أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه مرض الكبد الدهنية والفشل الكبدي يمثلان شأنًا صحيًّا ضخمًا يشغل الكثير كالسرطان وأمراض القلب ومرض السكري؟
علاوة على ذلك، فالكبد الدهنية، إن لم تتم معالجتها، كثيرًا ما تكون سببًا للإصابة بالسرطان ومرض القلب والسكري.
إن مرض الكبد مرض وبائي حديث الانتشار، والتثقيف والمعرفة هما أكثر الأدوات تأثيرًا تحت أيدينا اليوم حتى نمنع الإصابة به؛ حيث ينتشر مرض تدهُّن الكبد غير الكحولي بين ١٥ – ٣٣٪ من البالغين الأستراليين. وفي عام ٢٠٠٩، قدرت نسبة المصابين بمرض تدهُّن الكبد غير الكحولي بين الأطفال في عمر التعليم ب ٦٪، بحيث يمكن أن يؤدي إلى إصابتهم بالسكري ومرض الكبد بل والفشل الكبدي.
في أستراليا، يدخل حوالي ٢ – ٤٪ جميع المستشفيات بسبب معاناتهم الأعراض الجانبية للأدوية، وتزيد هذه النسبة إلى ٣٠٪ بين المرضى الذين تبلغ أعمارهم ٧٥ عامًا فما فوق، وفي مقال نُشر في عام ١٩٩٨ في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، تم اكتشاف أن أكثر من ١٠٦٠٠٠ مواطن أمريكي يموتون كل عام جراء تناول أدوية موصوفة طبيًّا، كما يعاني مليونا أمريكي تفاعلات دوائية شديدة، لمجرد تناولهم أدوية وصفها لهم الأطباء! الحقيقة أن العقاقير الطبية هي أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بتليف الكبد والفشل الكبدي! تلك التفاعلات الدوائية الضارة تجعل العقاقير الطبية هي السبب الرئيسي الرابع للوفاة في أمريكا!
لا عجب أن الناس أصبحوا يتجهون نحو الطب الغذائي، والذي لا يعد أكثر أمانًا فحسب، بل وأكثر فاعلية على المدى الطويل.