التصنيفات
الصحة العامة

المحافظة على المرونة واللياقة البدنية

(إن اللياقة البدنية لا تقتصر على كونها أحد أكثر المفاتيح أهمية نحو جسد صحيح، بل إنها أساس النشاط الفكري الحركي المبدع. إن الأرواح الجسورة والعقول الحازمة هي التي تسكن عادة في الأجسام السليمة).

إن الحقيقة التي تقدمها لنا هذه المقولة لغرض استثمارها في حياتنا، ليست جديدة، فمضمونها راسخ في عقلنا الباطن منذ طفولتنا، منذ كنا نقفز ونتسابق ونؤدي التمارين الرياضية البسيطة في ساحات مدارسنا.

لا بد أن معلمي الرياضة البدنية وقتها، كانوا يرددون على أسماعنا فحوى هذه المفاهيم أو ما يشابهها كثيراً، لذلك نشعر أنها جزءٌ من إرثنا الفكري بصرف النظر عن طبيعة تأثيره في حياتنا.

والحاصل أو الواقع، أن الحديث عن الرياضة بعد أن كبرنا وأصبحنا أكثر حاجة إليها غالباً ما يرتبط في أذهاننا بالإرهاق والعرق وألم العضلات، وفي نفس الوقت نجد في أعماقنا قناعة لا يمكن تجاهلها بضرورة ممارسة الرياضة، والمواظبة عليها كنشاط ضروري نافع جداً لسلامة صحتنا ومظهرنا. مثل هذا الموقف غير المريح لنا يؤدي إلى ابتعادنا عما يذكرنا بها أو يسحبنا إليها، لأنها باختصار، ضرورة صعبة التنفيذ، فنرضى مرغمين بشعور التقصير في حق صحتنا ونتقبل بأسى رفقة الخمول وتبعاته.

ولكي يُغيِّر موقفنا من الرياضة، ويأخذ بأيدينا لممارستها، يقدم لنا د. فيليب ميللر نصيحته التالية: (تمرن بشكل أذكى وليس بشكل مرهق) حسبما توصل إليه في دراسته (العلم الأحدث).

فليس من الضروري في رأيه أن نتعرق لمدة ساعة في سبيل الحصول على فوائد التمرين لأن التمرين القاسي والطويل الأمد لن يحقق لنا ما نصبو إليه، فهو ليس مضيعة للوقت ومسبباً للألم فحسب بل إن التدريب على هذا النحو ليس هو الطريقة المثلى لبناء القوة أو استشعار الطاقة والأكثر من هذا هو ليس الطريقة الفضلى لحرق الدهون أيضاً.

ومن أجل أن نفهم هذا الأمر بشكل واضح، علينا أن ننظر إلى الجسم باعتباره مجموعة من الآلات التي تتميز بدرجة عالية من التكيف، لذلك حين تواجه هذه الآلات الحيوية بتحدٍ متكرر تتكيف لتصبح قادرة على مواجهة هذا التحدي بأقل قدر من الجهد. وبما أن لدى الجسم هذه المقدرة التكيفية، تؤدي التمارين الشاقة المرهقة إلى حرماننا من تحقيق الأهداف التي نسعى إليها من ممارستها.

فبمرور الوقت، تعمل التمارين المجهدة المكثفة، والتي تستمر لفترات تزيد على 45 دقيقة إلى جعل القلب والرئتين والعضلات أصغر حجماً، لأن هذا التكيف الجديد يسمح لهم بالتمدد بطاقة أقل خلال فترات التمارين المجهدة الطويلة. وبذلك يصبح الجسم أكثر كفاءة وأقل حرقاً للطاقة بدلاً من حرقه للمزيد من السعرات الحرارية، في حين أن هذه الأجهزة العضوية قد تكون قادرة على العمل لساعات باستعمال طاقة قليلة نسبياً، تنقص السعة الاحتياطية Reserve Capacity للقلب والرئة الصغيرين، وهذا يعني أنهما يصبحان أقل قدرة على الاستجابة للحاجة المفاجئة الاستثنائية للجهد.

ومن جهة أخرى فإن هذا النمط من التمارين، بدلاً من أن يؤدي إلى إنقاص الدهون المترسبة في الجسم، فإنه يعمل على زيادة إنتاج الجسم للدهون وتخزينها.

ويؤكد د. ميللر على أن هذا الأمر رغم أنه (يبدو مفارقة صارخة، لكنه حقيقي)، فالجسم يعمل وفقاً لما يُدرّب عليه.

والتمرين لفترات طويلة يدرب الجسم على تخزين الدهون!! كيف؟!

عندما تجهد نفسك، يحرق جسمك في البداية الكاربوهيدرات لإمداد عضلاتك بالطاقة، ولكن بعد نحو 15 دقيقة من النشاط المرهق، تنضب هذه الطاقة، عندئذ يضطر الجسم إلى البحث عن مخازن الطاقة لديه فيحوّل الدهون إلى وقود خلال فترة التمرين.

ومن عجائب طبيعة الجسم، أنه رغم أن حرق الدهون قد يكون هدفك، لكن جسمك قد لا يرى ذلك هدفاً جيداً له، فالجسم مبرمج على اكتناز الدهن كحصن ضد المجاعة. ومهما كان مخزون الدهن لديك فعندما يضطر الجسم إلى الولوج في مخازن الطاقة هذه (الدهون المخزنة)، يدق جرس الإنذار معتقداً أن المجاعة قد تكون وشيكة.

إذن بما أن التمرين لفترات طويلة وبشكل يومي، يدفع الجسم لأن يُصعِّد من إنتاج الدهون وتخزينها تعويضاً عن مقدار الدهن المحروق أثناء التمرين المُجهد المتكرر كما يذكر د. ميلر في دراسته، قد يتبادر إلى أذهاننا أوزان عدائي المسافات الطويلة (الماراثون)، إنهم نحيفون جداً رغم أنهم يمارسون الجري لمسافات طويلة مجهدة فكيف يكون تعليل ذلك؟

ترى الدراسة، أن هؤلاء الأشخاص نحيلون جداً بالفعل، لكن أجسامهم لا تتمتع ببنية عضلية كما ينبغي أن يكون عليه الجسم الصحيح. فأولاً، إن أجسامهم تعمل بكفاءة – كما علمنا – على استبدال جميع الدهون التي يحرقونها، أما ثانياً، فإنه بعد 45 دقيقة من التمرين القاسي، يبدأ الجسم فعلياً بتفكيك نسيجه العضلي كمصدر للطاقة بدلاً من الدهون.

ولذلك مع أن عدائي المسافات الطويلة يبدون نحيلين جداً، لكنهم في الوقت نفسه يمتلكون نسبة مئوية من الدهون تعتبر كبيرة قياساً بأجسامهم النحيلة بشكل عام، وقياساً بالنسبة المئوية المنخفضة من العضل الصرف في أجسامهم، مقارنة مع الأشخاص الذين يمارسون التدريب على فترات.

التدريب على فترات

يعزز التدريب على فترات حرق السعرات الحرارية والدهن في الجسم، وهو وسيلة فعالة في زيادة القوة والقدرة الهوائية للقلب والرئتين بفترة زمنية لا تتجاوز 20-30 دقيقة يومياً.

التزم عند ممارسة تمارينك بالتناوب بين دفعات قصيرة من الجهد المكثف وفترات قصيرة من الراحة. وبذلك، يتكيف جسمك مع هذا التحدي. فالتدريب على فترات يدفع الجسم إلى التكيف بطريقة مفيدة أكثر بكثير. فبدلاً من أن يتسبب في جعل الأعضاء أصغر حجماً وأكثر كفاءة، يُحدِث التدريب على فترات قدرة في القلب والرئتين على العمل بجهد أكثر وبقدرة أكبر.

بالإضافة إلى ذلك فإن التدريب على فترات يؤدي إلى تعزيز حرق الدهون بدلاً من تخزينها، وذلك لأن الفترة الوجيزة من التدريب على دفعات متبادلة بين الجهد والراحة، تستدعي استعمال الكاربوهيدرات المتوفرة في العضل لإنتاج الطاقة بدلاً من الولوج إلى مخازن الدهون. ويعني ذلك أنك ستحرق مقداراً من الدهون خلال التدريب أقل مما تحرقه إذا تمرنت لفترة طويلة. ولكنك ستتجنب بذلك غريزة البقاء التي يمتلكها جسمك والتي تدفعه إلى صيانة الدهون والمحافظة عليها.

كما أنك ستحصل على هدفك في حرق الدهون من كون التدريب على فترات يُصعِّد الاستقلاب الحارق للدهون في الساعات التالية للتمرين، فبدلاً من تخزين المزيد من الدهون ستستمر في حرق الدهون والسعرات الحرارية بمعدل مرتفع خلال ما يقرب 16 ساعة بعد فترة التدريب المتناوب.

وحديثاً أيضاً، أظهرت الدراسات أن الذين يمارسون التدريب على فترات متناوبة بين الشدة والراحة يحرقون الدهون أكثر من الذين يلجؤون إلى التدريب المعتدل الشدة (المتواصل) حيث إنهم يحرقون سعرات حرارية أكثر منهم بنسبة تسعة أضعاف تقريباً.

كيف نتدرب على فترات

إنّ لعبة التنس وكرة المضرب وغيرها من الألعاب المشابهة نموذجية لتأدية التدريب على فترات، لأن مثل هذه الأنشطة الرياضية تناوب في طبيعة ممارستها بين دفعات النشاط القصيرة وفترات الراحة كما أن تمارين المشي والجري وركوب الدراجة يمكن بسهولة تكييفها مع التدريب على فترات.

ابدأ بالإحماء بسرعة معتدلة لمدة خمس دقائق، وذلك لجر الدم إلى القلب والعضلات ولإحماء المفاصل، وعندما تشعر بالدفء وبتسرع طفيف في ضربات قلبك وتنفسك تكون جاهزاً للبدء بالتمرين.

اختر النشاط الذي تفضله وتمرّن عليه بالتناوب، أي أنك سوف تسير أو تهرول أو تسبح أو تقود الدراجة أياً كان النشاط الذي اخترته، المهم أنك سوف تؤديه بأسرع ما تستطيع ولكن لفترة قصيرة لا تتعدى الدقيقتين، ثم تتوقف عن هذه السرعة وتستريح لمدة دقيقة أو دقيقتين. وينبغي أن تمثل فترات الراحة 40-50 بالمائة من الإجهاد الأقصى الممكن أي أنك تحتاج إلى الإبطاء بما يكفي لالتقاط أنفاسك مع المحافظة على الحركة ومع نهاية فترات الراحة ينبغي أن تكون جاهزاً لإسراع آخر.

ناوب بين فترات الإسراع والراحة لمدة 20 دقيقة وسينتهي تمرينك قبل أن تتصبب عرقاً. وبهذا سوف لن تنظر إلى تأدية التدريب كعمل ضروري مرهق وسيساعدك على ذلك ما تتصف به معدات اللياقة المتنوعة من خيار البرمجة على التدريب على فترات والذي يغيّر بشكل أوتوماتيكي السرعة أو المقاومة أو ميلان الجهاز لغرض زيادة أو إنقاص الشدة خلال التمرين.

عندما تتمرن يومياً لمدة 20 دقيقة تحتفظ بلياقتك البدنية وتعزز الاستقلاب الحارق للدهون لديك.

ويمكن لأي شخص مهما كان مستواه من اللياقة أو القوة، أن يمارس بكفاءة التدريب على فترات لأن مستوى الإجهاد نسبـي تماماً.

فما دمت تدفع نفسك قريباً من الإجهاد الأقصى لديك خلال فترات الإسراع فحتماً ستجني الفوائد التي تتمرن من أجل تحقيقها. وبهذا الأسلوب الجديد الفعال ستغير نظرتك إلى تأدية التمارين ولن تنظر إليها بعد الآن كعبء ثقيل لا بد منه.