التصنيفات
الغذاء والتغذية

المركبات الكيميائية النباتية غير المعالجة: أقراص الطبيعة السحرية

هناك أسباب واضحة وراء انتشار النوبات القلبية والأمراض السرطانية باعتبارها أكبر الأسباب التي تودي بحياة الناس. دعونا نستعرضها.

النظام الغذائي الأمريكي: مصمم للإصابة بالسكري

يستمد الأمريكيون حاليّا ما يقرب من 25.5% من سعراتهم الحرارية من أطعمة حيوانية خالية من الألياف، و62% آخرين من نشويات معدلة ومعالجة وزيوت مستخلصة. وتمثل البطاطس نصف كمية جميع الخضراوات التي نتناولها تقريبا، ونصف هذه البطاطس نأكلها إما مقلية أو رقائق. الأكثر من ذلك أن البطاطس هي واحدة من الخضراوات الأقل قيمة غذائية.

تقترح الدراسات نفسها التي تظهر الآثار المقاومة للسرطان للخضراوات الورقية الخضراء والفاكهة والبقوليات أن النظم الغذائية التي تكثر من البطاطس ليست صحية، وترتبط ارتباطا وثيقا بسرطان القولون. ومن المحتمل أن يكون سبب تواجد هذا الارتباط هو طريقة استهلاكنا للبطاطس؛ إما مقلية أو بالزبد أو مع شكل آخر من الدهون الضارة. وعند استبعاد البطاطس، يستمد الأمريكيون 5% فقط من سعراتهم الحرارية من الفاكهة والخضراوات والبقوليات.

وقد زاد استهلاك الجبن بنسبة 180%، والجبن هو المصدر الأساسي للدهون المشبعة في نظامنا الغذائي. والأطعمة المعلبة سريعة التجهيز هي القوة المحركة لهذه الزيادة. في الحقيقة، ثلثا منتجات بلادنا من الجبن مخصصان لأطعمة معدة لأغراض تجارية؛ مثل البيتزا، والتاكو، والناتشوز ووجبات الأطعمة السريعة، وكل ما يفرد على الخبز والصوص والوجبات السريعة المعلبة.

وما بين الأطعمة المعلبة سريعة التجهيز ومطاعم الوجبات السريعة، ابتعد مجتمعنا عن تناول طعام صحي. قد يكون من الملائم أن تختار الكولا، والبرجر، والأطعمة المقلية، أو البيتزا، ولكن مثل هذه الوجبات لها ثمن باهظ، فالنتيجة هي اعتلال صحتنا أكثر، وارتفاع التكاليف الطبية بشكل ملحوظ للغاية خارج عن سيطرتنا.

إن انخفاض استهلاكنا للأطعمة النباتية غير المعدلة مسئول لحد كبير عن معدلات الوفاة المرتفعة لدينا. فأغلبنا أصبح يموت في سن مبكرة نتيجة لحماقتنا في تناول الطعام. والشعوب التي تنخفض معدلات الوفاة لديها جراء الإصابة بأمراض فتاكة تلك الشعوب التي لا يعاني أفرادها أبدا أية زيادة في الوزن تستمد أكثر من 75% من سعراتها الحرارية من مواد نباتية غير معدلة. وهذا يمثل 10% على الأقل مما يحصل عليه الشخص الأمريكي في المتوسط.

من الواضح أن المناطق الأفقر اقتصاديّا في العالم تتسم بارتفاع مشكلات الصحة العامة: سوء الصحة العامة، والفقر وسوء التغذية، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، بما في ذلك الإيدز، والأمراض الطفيلية وحتى شلل الأطفال. ولكن على الرغم من كل هذه الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة المبكرة، فإذا ما استعرضنا إحصائيات السبب والنتيجة التابعة لمنظمة الصحة العالمية لأشخاص بين الخامسة والخمسين والخامسة والسبعين، فإننا نلاحظ انخفاضا ملحوظا في معدلات الوفاة جراء الإصابة بأمراض سرطانية أو نوبات قلبية في هذه المجتمعات الفقيرة.

إن الأمراض الناجمة عن الفقر هي أكثر الأمراض المعدية، وهي توجد في المناطق التي تتسم بسوء التغذية. وتتواجد النوبات القلبية وأكثر الأمراض السرطانية شيوعا (الثدي والقولون والبروستاتا) في المجتمعات الغنية حيث ترف التغذية هي القاعدة الأساسية. وليس هناك مكان في العالم اليوم نجد فيه مجتمعا يجمع بين الثروة الاقتصادية وارتفاع معدلات تناول الأطعمة النباتية غير المعدلة.

محطات توليد الطاقة الغذائية: الأطعمة النباتية

تحتوي الأطعمة النباتية الطبيعية، رغم أنها عادة ما تكون غنية بالنشويات أيضا، على البروتينات والدهون. فمتوسط 25% من السعرات الحرارية الموجودة في الخضراوات تأتي من البروتينات. فالخس الروماني – على سبيل المثال – الغني بالبروتينات والأحماض الدهنية الأساسية، يمنحنا تلك الدهون الصحية التي تحتاج إليها أجسامنا.

كثير من الدراسات الوبائية واسعة المدى أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن الأطعمة النباتية تلعب دورا في حماية الجسم من الأمراض التي تثير – بل وتقتل – ما لا يقل عن 500000 أمريكي كل عام. فلم يعد هناك مجال للسؤال عن أهمية الفاكهة والخضراوات في نظامنا الغذائي. وكلما زادت كمية وأنواع الفاكهة والخضراوات المتناولة، قلت احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والأمراض السرطانية. ولا يزال هناك بعض الجدل حول نوع الأطعمة التي تسبب السرطانات وما إذا كانت أنواع معينة من الدهون هي المتهم الرئيسي المسبب لأنواع معينة من الأمراض السرطانية، ولكن هناك أمرا واحدا نعرفه يقينا: وهو أن الخضراوات النيئة والفاكهة الطازجة لها عوامل قوية مقاومة للسرطان. وقد أظهرت الدراسات عدة مرات العلاقة الوطيدة بين استهلاك هذه الأطعمة وانخفاض نسبة أنواع مختلفة من السرطانات، بما في ذلك سرطان الثدي، والقولون، والمستقيم، والرئة، والمعدة، والبروستاتا، والبنكرياس. ويعني ذلك أن خطر إصابتك بالسرطان ينخفض مع زيادة تناول الفاكهة والخضراوات، وكلما زدت في تناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة في وقت مبكر من حياتك، زادت حمايتك منها.

وبنو الإنسان متكيفون وراثيّا على توقع تناول أطعمة طبيعية وغير معالجة مشتقة من النباتات. والسرطان مرض ناتج عن سوء التكيف، فهو ينتج في الأساس من احتياج الجسم لمواد مهمة توجد في أنواع مختلفة من الخضراوات، كثير منها لم يكتشف بعد، تعد ضرورية في عملية التمثيل الغذائي لوظيفة حماية الجسم الطبيعية. والأطعمة طبيعية الصرف التي لا دخل للإنسان فيها معقدة للغاية؛ معقدة جدّا لدرجة أن البنية الدقيقة وغالبية المركبات التي تحتويها ليست معروفة بعد، فالطماطم على سبيل المثال، تحتوي على أكثر من عشرة آلاف مركب كيميائي نباتي مختلف.

قد لا يكون من المستحيل أبدا أن نستخلص سيمفونية العناصر الغذائية التي توجد في الخضراوات ونضعها في قرص دوائي. ولكن العناصر الغذائية المستخلصة من الأطعمة قد لا تمنحنا المستوى نفسه من الحماية من الأمراض مقارنة بالأطعمة الطبيعية، باعتبار الطبيعة “خُلقت” لذلك. فالفاكهة والخضراوات تحتويان على أنواع متعددة من العناصر الغذائية، التي تعمل في تضافر خفي، وكثير من هذه العناصر الغذائية لا يمكن عزله أو استخلاصه. والمركبات الكيميائية النباتية المشتقة من أطعمة نباتية متنوعة تعمل معا لتصبح أكثر قدرة على تطهير الجسم من الخلايا السرطانية وحمايته من السرطان، مقارنة بما يحدث عند تناولها مفردة على هيئة مركبات منفصلة.

هيئات تنادي بتناول الأطعمة النباتية غير المعدلة

بعد سنوات من دراسة الأدلة المتراكمة، جمعت ثمانٍ من أكبر منظمات الصحة قواها، ووافقت على تشجيع الشعب الأمريكي على الإكثار من تناول الأطعمة النباتية غير المعدلة وتقليل الأطعمة حيوانية المصدر، كما يتضح من إرشادات النظام الغذائي التي نشرت في مجلة جمعية القلب الأمريكية.

وإرشاداتهم مجتمعة هي خطوة هائلة في الاتجاه الصحيح. فهذه الهيئات تهدف إلى تقديم الحماية من أخطر الأمراض المزمنة في أمريكا، وتشمل أمراض القلب والأمراض السرطانية. وقد قالت الدكتورة “آبي بلوش” من قسم الأبحاث والتنمية، ورئيس جمعية السرطان الأمريكية في ذلك الوقت: “ينصب التركيز على تناول أطعمة متنوعة، أغلبها من الفاكهة والخضراوات، مع تقليل تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكر البسيط، خاصة الأطعمة الحيوانية”. ووفقا لسنوات من البحث، خلص خبراء الصحة هؤلاء إلى أن الإكثار من تناول الأطعمة حيوانية المصدر هو أحد الأسباب المؤدية لأمراض القلب، والسرطان، والسكتات الدماغية، والسكري، والسمنة… إلخ، وغيرها من أخطر الأمراض المزمنة التي تكلف 1.4 مليون من الشعب الأمريكي حياته كل عام (أكثر من ثلثي إجمالي الوفيات في الولايات المتحدة).

ثورة المركبات الكيميائية النباتية

هناك مركبات اكتشفت حديثا في البروكلي وكرنب بروكسيل تطرد السموم من الخلايا. والمركبات التي توجد في المكسرات والبقوليات تحمي الحمض النووي لخلايانا. وهناك مركبات أخرى في البنجر والفلفل، والطماطم تحارب التغيرات السرطانية في الخلايا. ويعمل البرتقال والتفاح على حماية أوعيتنا الدموية من أي تلف قد يؤدي إلى مرض القلب. فجيش الدفاع الكيميائي الطبيعي يقظ ومستعد للتخلص من أعدائنا وحمياتنا من أي أذى.

من الصعب أن يمر يوم دون أن نسمع عن دراسة جديدة تتناول الخواص الصحية للفاكهة والخضراوات والبقوليات، فالأطعمة النباتية غير المعالجة تحتوي على آلاف المركبات، أغلبها لم تكتشف بعد، أساسية للحفاظ على الصحة والوصول بالقدرات الوراثية لأعلى مستوى ممكن، فمرحبا بثورة المركبات الكيميائية النباتية!

المركبات الكيميائية النباتية أو المركبات الكيمائية المشتقة من النباتات توجد بشكل طبيعي في النباتات. وهذه العناصر الغذائية، التي بدأ العلماء للتو في اكتشافها وتسميتها، لها آثار مفيدة وهائلة على فيسيولوجيا الإنسان. ونتائج عدم تناولنا كميات كافية منها مثيرة للدهشة؛ حيث تحدث وفيات في سن مبكرة بسبب السرطان والتصلب العصيدي.

إن تناول أنواع كثيرة ومتنوعة من الأطعمة النباتية النيئة أو غير تامة الطهو (كالخضراوات المطهوة على البخار) هو الطريقة الوحيدة التي تضمن لنا أن نحصل على كمية كافية من هذه العناصر الأساسية لتعزيز الصحة. أما تناول الفيتامينات والأملاح المعدنية على هيئة مكملات غذائية، أو إضافة بعض الفيتامينات إلى الأطعمة المعالجة فلن يقينا من الإصابة بالأمراض المرتبطة باتباع نظام غذائي يحتوي على نسبة منخفضة من السعرات الحرارية أساسها أطعمة طبيعية كاملة.

لا يمكن للعلماء اختراع أقراص تحتوي على عناصر غذائية لم تكتشف بعد! فإذا لم تحتو الأقراص الدوائية على كميات كافية من كل العناصر الغذائية النباتية وغيرها من المواد الأساسية، فعلينا أن نبتلع وعاء ممتلئا بالأقراص والمساحيق. وحتى الوقت الحالي، اكتشف الباحثون أكثر من عشرة آلاف مركب كيميائي نباتي. وليس هناك أي مكمل غذائي يحتوي على القدر الكافي منها. لحسن الحظ، يمكنك أن تحصل على كل هذه العناصر الغذائية اليوم من خلال تناول كمية متنوعة من الأطعمة النباتية.

من فضلك ضع في اعتبارك أنني لست ضد تناول المكملات الغذائية. في الحقيقة أنا أنصح كثيرا من مرضاي الذي يواجهون مشكلات صحية بتناول أنواع مختلفة من المكملات الغذائية، وتناول نوع جيد من الفيتامينات المتعددة/الأملاح المعدنية المتعددة لأي شخص تقريبا. ولكنني لا أنصح بأن يتناول أغلب الناس مكملات غذائية تحتوي على فيتامين إيه، أو البيتا كاروتين، أو حمض الفوليك، نظرا لوجود مخاطر مرتبطة بالإكثار من استهلاك هذه العناصر الغذائية. الهدف هو أن نركز على أن هذه المكملات الغذائية وحدها لا يمكنها أن تضمن لك أفضل حماية، ولا يمكنها أن تجعل نظاما غذائيّا غير صحي نظاما صحيّا بمجرد تناول هذه المكملات.

لا يمكنك أن تشتري صحتك في زجاجة؛ بل يجب أن تفوز بها!

عندما يختل توازن العناصر الغذائية التي تتناولها، قد تنتج عن ذلك مشكلات صحية. على سبيل المثال، يتم وصف البيتا كاروتين باعتباره مضادّا قويّا للأكسدة وفيتامينا مقاوما للسرطان. إلا أننا اكتشفنا في السنوات الأخيرة أن البيتا كاروتين هو نوع واحد مما يقرب من خمسمائة كاروتين. والعلماء يجدون أن تناول المكملات الغذائية للبيتا كاروتين لا تخلو من المخاطر، والمكملات الغذائية هي بالطبع بديل ضعيف عن المركب الحقيقي؛ حيث تتنوع مركبات الكاروتينات التي توجد في النباتات.

السبب الذي دفع العلماء للاعتقاد أن البيتا كاروتين له هذه الخاصية القوية المقاومة للسرطان هو أن الشعوب التي ترتفع نسب البيتا كاروتين لديهم في مجرى الدم تنخفض لديهم معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية لحد كبير. وقد اكتشفنا مؤخرا أن هؤلاء الأشخاص محميون من الإصابة بالسرطان نظرا لوجود مئات الكاروتينات والمركبات الكيميائية النباتية التي توجد في الفاكهة والخضراوات التي يتناولونها؛ فالبيتا كاروتين ليس المسئول عن انخفاض حالات الإصابة بالسرطان، ولكنه كان بمثابة السمة المميزة لهذه الشعوب التي تتناول كمية كبيرة من الفاكهة والخضراوات. وللأسف، يخلط كثير من العلماء بين هذه السمة وبين أصحابها.

ومؤخرا، أظهرت دراسات واسعة النطاق أن تناول البيتا كاروتين (أو فيتامين إيه) على هيئة مكمل غذائي قد لا يكون فكرة سديدة. في التجارب الفنلندية، فشل تناول مكملات البيتا كاروتين الغذائية في منع الإصابة بسرطان الرئة، بل إنه زاد احتمالات حدوثه. وهذه الدراسة توقفت عندما اكتشف الباحثون أن معدل الوفيات جراء الإصابة بسرطان الرئة ارتفع بنسبة 28% بين المشاركين الذين حصلوا على كميات كبيرة من البيتا كاروتين وفيتامين إيه. الأكثر من ذلك أن معدلات الوفاة جراء الإصابة بأمراض القلب ارتفعت بنسبة 17% بالنسبة لمن حصلوا على مكملات غذائية مقارنة بمن لم يتناولوا هذا العقار الوهمي.

أظهرت دراسة أخرى علاقة مشابهة بين مكملات البيتا كاروتين الغذائية وزيادة احتمالات الإصابة بسرطان البروستاتا. عند هذا الحد، ونتيجة لهذه الدراسات الأوروبية، وأيضا دراسات مشابهة أجريت هنا في الولايات المتحدة، تنصح المقالات الواردة في دورية المعهد القومي للسرطان، ودورية لانسيت، ودورية نيو إنجلاند في الطب بتجنب تناول مكملات البيتا كاروتين الغذائية. وأظهر تحليل ميتا للدراسات التي أجريت في هذا الصدد عام 2007 ارتفاع معدلات الوفيات بنسبة 16% لدى الأشخاص الذين يتناولون مكملات غذائية تحتوي على فيتامين إيه وارتفاع معدلات الوفيات بنسبة 7% لدى الأشخاص الذين حصلوا على مكملات البيتا كاروتين الغذائية.

يمكننا أن نتعلم درسا من هذا البحث: فتناول كمية كبيرة من البيتا كاروتين المعزول قد يضعف امتصاص كاروتينات أخرى. وتناول البيتا كاروتين أو فيتامين إيه قد يعوق نشاط الكاروتينات المقاوم للسرطان من الزيازانثين، والألفا كاروتين، والليكوبين، واللوتين، والعديد من الكاروتينات الأخرى المهمة المشتقة من النباتات. عندما يسألني مرضاي عن الفيتامينات المتعددة التي عليهم استخدامها، فإنني أقول لهم إنني أفضل الحصول على نوع جيد من الفيتامينات التي تخلو من فيتامين إيه A أو البيتا كاروتين المنفصل.

إن الحصول على جرعة كبيرة من عنصر غذائي واحد، رغم تواجده في الطبيعة مع العديد من المركبات الأخرى قد يزيد الوضع سوءا. فنحن البشر؛ وخاصة الأطباء، مشهورون بالتدخل في عمل الطبيعة، اعتقادا منا أننا نعرف أكثر. قد نكون كذلك في بعض الأحيان، ولكننا في أغلب الأحيان لا نعرف. وفي وقت لاحق، بعدما يكون الوقت قد تأخر، ندرك أننا جعلنا الوضع أكثر سوءا في الحقيقة.

رغم أننا لا نزال بحاجة لعقود طويلة لنفهم كيفية تعزيز الأطعمة الكاملة بالصحة، يجب أن نتقبل حقيقة أن الأطعمة التي توجد في الطبيعة تناسب الاحتياجات البيولوجية للكائنات الحية.

بعبارة أخرى، يمنحنا أي نظام غذائي غني بالفاكهة والخضراوات وغيرها من الأطعمة النباتية الطبيعية التي تمدنا بالغالبية العظمى من السعرات الحرارية، حماية فعالة ضد الأمراض، فالمركبات الكيميائية النباتية بشكلها الطبيعي تكفي لأن تثبط نشاط الخلايا السرطانية. على سبيل المثال، ذكرت دراسة نشرت في دورية المعهد القومي للسرطان أن الرجال الذين تناولوا ثلاث أو أربع وجبات من الخضراوات الكرنبية أسبوعيّا، انخفضت احتمالات إصابتهم بسرطان البروستاتا بنسبة 41% مقارنة بالرجال الذين تناولوا كمية أقل من وجبة واحدة في الأسبوع. والخضراوات الكرنبية مثل البروكلي والكرنب، غنية بالإيزوثيوسيانات؛ التي تنشط الإنزيمات الموجودة في كل الخلايا التي تخلص الجسم من الخلايا السرطانية. وتناول العديد من الخضراوات الأخرى يقلل خطر الإصابة أكثر. والخضراوات الخضراء، والبصل، والكرات تحتوي أيضا على عناصر غذائية نباتية ومركبات عضوية تثبط التغيرات الخلوية غير الطبيعية التي تؤدي لظهور السرطان، فتنوع الأطعمة النباتية الكاملة هو السبيل الوحيد الحقيقي لمقاومة السرطان.

الوقاية من السرطان أسهل من علاجه

إن عملية تكون الخلايا السرطانية تتضمن تراكم الطفرات أو حدوث تلف على الحمض النووي الريبوزي (التركيبة الجينية للخلية) على مدار من عشرين إلى أربعين عاما. ويجب أن تبدأ في حماية نفسك من اليوم، لا بعد أن تكتشف إصابتك بالسرطان. فحماية نفسك من السرطان أسهل بكثير من علاجه. والمؤسف أن كثيرا من الناس يحاولون حفر بئر بعد اشتعال منازلهم.

إن عملية التحول الخلوي عملية طويلة للغاية، ونحن نعرف أن الكثير من الجروح التي تسبق الورم (شاذة ولكنها ليست سرطانية بعد) تختفي بشكل تلقائي. فالدراسات التي أجريت على بني الإنسان والحيوانات تظهر أن العناصر الغذائية المشتقة من النباتات لها القدرة على منع حدوث – بل ومقاومة – أي تلف للحمض النووي قد يؤدي لاحقا إلى سرطان. ولحسن الحظ، فإن لدينا القدرة على قمع تطور السرطان في مراحله الأولى من خلال ما نختار أن نتناوله. والقدرة على إصلاح هذه الخلايا التالفة جزئيّا والتخلص منها تتوقف على تعرضها للمركبات الكيميائية النباتية.

عندما نتناول كمية كافية ومتنوعة من المركبات الكيميائية النباتية لكي نصل بأجهزتنا المناعية المعنية بمقاومة السرطان لأعلى مستوياته، فإننا نعزز قدرتنا على إصلاح أي تلف في الحمض النووي، ونخلص الجسم من العوامل المسببة للسرطان، ونقاوم الأمراض بشكل عام. وهذه المواد نفسها تفعل أيضا آليات أخرى تحسن صحة الجهاز المناعي وتحسن دفاعنا ضد الفيروسات والبكتيريا، ما يجعل أجسامنا مقاومة للأمراض بشكل عام.

الأطعمة النباتية في مقابل الأطعمة الحيوانية

إذن، أصبحت تعرف الآن أنه ليس الإسراف وحده في تناول الدهون هو ما يسبب الأمراض. وأن تناول أطعمة تحتوي على سعرات حرارية فارغة وحده هو ما يسبب الأمراض. ليس استهلاك كمية كبيرة من الأطعمة الحيوانية وحدة كمنتجات الألبان واللحوم والدجاج والأسماك هو ما يؤدي إلى الوفاة المبكرة في أمريكا. صحيح أن هذه العوامل مهمة، ولكن الأهم هو ما تفتقده نظمنا الغذائية بعدم تناولنا القدر الكافي من المنتجات. لنلق نظرة على بعض الأسباب التي تجعل الأطعمة النباتية أساسية لصحة البشر وحمايتهم من الأمراض.

لكي نوضح كثافة العناصر الغذائية للخضراوات الورقية، هيا نقارن كثافة العناصر الغذائية لشريحة من اللحم مع كثافة العناصر الغذائية للبروكلي وغيره من الخضراوات الورقية.

والآن، أي الأطعمة تحتوي على قدر أكبر من البروتين؛ البروكلي أم شريحة من اللحم؟ أنت مخطئ إذا ظننت أن شريحة اللحم تحتوي على قدر أكبر من البروتين.

ضع في اعتبارك أن أغلب السعرات الحرارية الموجودة في اللحوم مستمدة من الدهون، أما الخضراوات الورقية فهي بروتين في الأساس (كل السعرات الحرارية يجب أن تستمد من الدهون أو النشويات أو البروتينات).

الخضراوات تقوي الجسم للغاية

أكبر الحيوانات؛ كالفيل والغوريلا ووحيد القرن وفرس النهر والزرافة، جميعها تتناول خضراوات ورقية في الأساس، فكيف تحصل على البروتين الذي يجعلها قوية لهذه الدرجة؟ من الواضح أن الخضراوات الورقية تحتوي على كمية كبيرة من البروتين. في الحقيقة، كل البروتينات الموجودة على الأرض تكونت بفعل ضوء الشمس على النباتات الخضراء. فالبقرة لا تأكل بقرة أخرى لتحصل على البروتين الذي تحتاج إليه عضلاتها، أو ما نسميه شرائح اللحم. والبروتين لم يتكون من فراغ، ولكن الأبقار تتناول الحشائش. ولا نقصد هنا أن نقول إن البروتينات مشكلة كبيرة أو نوع خاص من العناصر الغذائية لها مكانتها الكبيرة. ولكنني أثير هذه النقطة لأن أغلب الناس يعتقدون أن المنتجات الحيوانية ضرورية لنظام غذائي يتضمن القدر الكافي من البروتين. ولكنني أوضح مدى سهولة تناول المزيد من البروتينات وفي الوقت نفسه تجنب الآثار الخطيرة المعززة للسرطان، الناجمة عن الإسراف في تناول المنتجات الحيوانية. وتناول المزيد من البروتينات النباتية هو أيضا السبيل لإنقاص الوزن بطريقة آمنة وناجحة.

والآن، أيهما يحتوي على نسبة أعلى من فيتامين إي أو سي؛ البروكلي أم شريحة لحم؟ أنا واثق أنك على علم أن شريحة اللحم لا تحتوي على فيتامين سي أو إي. كما أنها تفتقد تماما الألياف، والفولات، وفيتامين إيه، والبيتا كاروتين، واللوتين، والليكوبين، وفيتامين كيه، والفلافيونات، ومئات المركبات الكيميائية الأخرى التي لها خواص وقائية. ولكن اللحم يحتوي على فيتامينات وأملاح معدنية معينة، ولكننا حتى عندما نفكر في العناصر الغذائية الموجودة بشريحة لحم، فإننا نجد البروكلي يحتوي على مزيد منها. وبالنسبة لكثير من العناصر الغذائية المهمة، يحتوي البروكلي على عشرة أضعاف العناصر الغذائية الموجودة في شريحة لحم. الاستثناء الوحيد هو فيتامين ب12؛ الذي لا يوجد في الأطعمة النباتية.

عندما تفكر في الألياف، والمركبات الكيميائية النباتية، وغيرها من العناصر الغذائية المهمة، تفوز الخضراوات الورقية بالجائزة لاحتوائها على أعلى نسبة من العناصر الغذائية من بين جميع الأطعمة. وسوف نعطي الخضراوات الورقية درجة 100، ونحكم على كل الأطعمة وفقا لهذا المعيار.

سر العمر المديد

من المثير للدهشة أن هناك طعاما واحدا أظهرت الأبحاث العلمية أن له علاقة إيجابية قوية مع إطالة العمر في بني الإنسان. ففي رأيك ما هذا الطعام؟

الإجابة هي الخضراوات الورقية النيئة، التي عادة ما نستخدمها في إعداد السلطة. فالخضراوات الورقية مثل الخس الروماني، وكرنب الكالي والملفوف والسلق والسبانخ تحتوي على أعلى نسبة من العناصر الغذائية مقارنة بجميع الأطعمة الأخرى.

أغلب الخضراوات تحتوي على عناصر غذائية أعلى لكل سعر حراري مقارنة بأي طعام آخر، كما أنها غنية بكل الأحماض الأمينية الأساسية. على سبيل المثال، نجد أن الخس الروماني – الذي يستمد 18% من سعراته الحرارية من الدهون وحوالي 50% من سعراته الحرارية من البروتين – يمثل محطة توليد طاقة غنية بمئات العناصر الغذائية النباتية المقاومة للسرطان، والتي تحمينا من العديد من الأمراض الفتاكة؛ فالتمتع بالصحة، وامتلاك جسد مقاوم للأمراض ليس حظّا، ولكنه شيء مكتسب.

في استعراض ل 206 دراسات أجريت على مختلف الشعوب، أظهر تناول الخضراوات النيئة أقوى خواص وقائية مقاومة لسرطان من بين الأطعمة المفيدة. إلا أن شخصا واحدا بين مائة شخص أمريكي يحصل على السعرات الحرارية الكافية من الخضراوات لكي يعزز هذا الدفاع.

أنا أطلب من مرضاي أن يضعوا لافتة كبيرة على الثلاجات لديهم تقول؛ السلطة هي الطبق الرئيسي. وكلمة سلطة تعني أي خضراوات تؤكل نيئة أو غير مطهية؛ مما يجعل طبقا من المكرونة الباردة في زيت زيتون مع قليل من الخضراوات لا يعد طبق سلطة. أنا أشجع مرضاي على تناول طبقين كبيرين من السلطة يوميّا، بهدف تناول ثمرة خس روماني كاملة، أو أي نوع آخر من الخس الأخضر. أنا أقترح أن تصنع لافتة وتضعها على ثلاجتك الآن، ثم عد لمواصلة القراءة. إذا كنت تنوي أن تفعل ذلك في وقت لاحق، فقد تغفل عن ذلك.

السلطة الخضراء تحتوي على أقل من 100 سعر حراري لكل 500 جرام

هل لاحظت أن 100 سعر حراري من البروكلي تزن حوالي 336 جراما من الطعام، وأن 100 سعر حراري من لحم الخاصرة تزن 28 جراما من الطعام؟ أما مع الخضراوات الورقية، فيمكنك أن تملأ بطنك، وتشعر بالتخمة، دون أن تتناول سعرات حرارية عالية. على الصعيد الآخر، نجد المنتجات الحيوانية غنية بالسعرات الحرارية، ونسبة منخفضة نسبيّا من العناصر الغذائية؛ خاصة العناصر الغذائية المهمة المقاومة للسرطان.

ما الذي سيحدث إذا حاولت أن تتبع النظام الغذائي الخاص بالغوريلا، التي تحصل على 80% من نظامها الغذائي من الخضراوات الورقية، و15% تقريبا من الفاكهة؟ إذا كنت أنثى؛ التي تحتاج لحوالي 1600 سعر حراري يوميّا، وحاولت أن تحصلي على هذه السعرات الحرارية من الخضراوات الورقية، سوف تحتاجين لتناول أكثر من 6.5 كيلوجرام من الخضراوات الورقية. وهذا يصنع طبقا ضخما للغاية من السلطة! ونظرا لأن معدتك لا تتحمل سوى لتر واحد من الطعام (أو أكثر بقليل من ربع جالون)، فستواجهين مشكلة في تناول كل هذا القدر.

بالطبع ستحصل على كثير من البروتينات من نظام غذائي كهذا. في الحقيقة، عندما تحصل على 2.2 كيلوجرام من الخضراوات الورقية، سوف تتجاوز الحصة اليومية المسموح بها من البروتينات، وستحصل على كميات كبيرة من العناصر الغذائية الأخرى. ولكن مشكلة النظام الغذائي الخاص بالغوريلا هي أنك ستصاب بنقص الطاقة الحرارية، وسوف تصبح نحيفا للغاية. صدق ذلك أو لا، ولكنني لا أتوقع أن تتناول ما تأكله الغوريلا بالضبط. ولكن المغزى هنا هو أنك كلما أكثرت من تناول الخضراوات الورقية الصحية (سواء النيئة أو المطهوة)، أصبحت أكثر صحة، ونحافة.

وزن الطعام ومحاولة تناول كميات أقل أمر غير مُجْدٍ

لقد قارنت في جزء سابق بين تناول 100 سعر حراري من الخضراوات الورقية و100 سعر حراري من اللحم. ولكنني لم أقارنها حسب الوزن أو حجم الحصة، كما تجري العادة.

لقد قارنت نسبا متساوية من السعرات الحرارية لأنه لا معنى لمقارنة الأطعمة وفقا لوزنها أو حجم الحصة منها. دعني أقدم لك مثالا لأشرح السبب في ذلك. خذ ملعقة صغيرة من الزبد السائح، التي تستمد 100% من سعراتها الحرارية من الدهون. إذا أخذت هذه الملعقة الصغيرة من الزبد ووضعتها في كوب من الماء الساخن، يمكنني القول إنها خالية من الدهون بنسبة 98% وفقا لوزنها. ولكن تبقى 100% من سعراتها الحرارية دهون. فليس المهم كمية الماء أو وزنه، أليس كذلك؟

في الحقيقة، إذا كان وزن الطعام مهمّا، فمن السهل أن تنقص وزنك، كل ما علينا هو احتساء مزيد من الماء. وسوف يحفز الماء مستقبلات الوزن في الجهاز الهضمي وبالتالي تقل شهيتنا. ولكن مع الأسف، ليست هذه هي الطريقة التي تحكم عمل منظم الشهية في أجسامنا؛ وهو مركز المخ الموجود في منطقة الوِطاء الذي يتحكم فيما نتناوله من طعام. إن الكتلة، والسعرات الحرارية والقدر الكافي من السعرات الحرارية وليس وزن الطعام، هو ما يوقف منظم الشهية لدينا. ونظرا لأن الأطعمة الأمريكية غنية بالسعرات الحرارية، فإننا جميعا نحاول اتباع حمية من خلال تناول كميات أقل من الأطعمة منخفضة العناصر الغذائية. وهذا لا يجعلنا نعاني الجوع فقط، ولكنه يجعل الحال تنتهي بنا برغبة أكبر في تناول مزيد من الطعام نظرا لنقص العناصر الغذائية الذي نعانيه.

إننا يجب أن نحصل على نسبة معينة من السعرات الحرارية يوميّا لكي نشعر بالشبع؛ لذلك فإنني أطلب منك الآن أن تعيد النظر فيما تعتبره الحجم المعتاد للوجبة. ولكي تتمتع بجسم سليم معافى وقوام رشيق ونحيف، يجب أن تتناول كميات كبيرة من الأطعمة الخضراء. وعندما تفكر في أي طعام نباتي أخضر، تذكر أن تتناول كمية كبيرة وفقا للمعايير المعيارية. فتناول كميات كبيرة من هذه الأطعمة الصحية للغاية هو سبيلك لإنقاص الوزن بكفاءة وفاعلية.

العناصر الغذائية في وزن محدد “الخداع”

تخفي نسب العناصر الغذائية في الوزن كم الأطعمة المعالجة التي تفتقر إلى العناصر الغذائية، وتجعل الأطعمة حيوانية المصدر تبدو كأنها غير مليئة بالدهون لهذا الحد. هل يمكن أن يكون هذا السبب هو ما جعل القائمين على صناعة الطعام ووزارة الصحة الأمريكية يختارون هذه الطريقة؟ هل يمكن أن تكون مؤامرة لكيلا يدرك المستهلكون ما يتناولونه بحق؟
على سبيل المثال، شطيرة اللحم التي تقدمها سلسلة مطاعم البرجر مع قطعتين من الجبن لا يمكن أن تكون طعاما منخفض الدهون. فإذا ما حسبنا نسبة الدهون من خلال الوزن، وضمنا الكاتشب والخبز، يمكننا أن نقول بدقة إنها تحتوي على 18% فقط من الدهون (أكثر من 80% خالية من الدهون). ولكننا إذا حسبنا نسبة السعرات الحرارية فسنجدها 54% دهونا، وشطيرة البرجر وحدها تحتوي على 68% دهونا. وتم الترويج للشطائر التي يقدمها ماكدونالدز ماكلين ديلوكس في أوائل التسعينات باعتبارها خالية من الدهون بنسبة 91% مستخدمين خدعة الأرقام نفسها، رغم أن 49 بالمائة من سعراتها الحرارية في حقيقة الأمر تتمثل في الدهون.

بالمثل، فإن اللبن الذي يوصف بأنه منخفض الدسم بنسبة 2%، لا تنخفض فيه نسبة الدهون 2%. فخمسة وثلاثون بالمائة من سعراته الحرارية تتمثل في الدهون. بل إنه من الممكن أن يصفوه بأنه خالي الدسم بنسبة 98% (بالوزن) لمجرد ما يحتويه من الماء. واللبن منخفض الدسم ليس منتجا منخفض الدسم على الإطلاق، تماما مثل منتجات الألبان منخفضة الدسم وغيرها من الأطعمة حيوانية المصدر، وذلك عندما تعيد حساب الدهون الموجودة فيها بناء على ما تحتويه من سعرات حرارية. إنها مجرد خدعة مؤسفة يتم تضليل الأمريكيين بها. بالمناسبة، 49% من السعرات الحرارية الموجودة في اللبن كامل الدسم تأتي من الدهون.

وزارة الزراعة الأمريكية واللحوم والألبان والجبن بأنواعه

إن استخدام الوزن بدلا من السعرات الحرارية في جداول تحليل القيمة الغذائية أصبح خدعة لإخفاء كيف تبدو القيمة الغذائية لكثير من الأطعمة غير منطقية على الإطلاق. وقد كان دور وزارة الزراعة الأمريكية يتمثل في الأساس في تعزيز صناعة منتجات الوزارة الحيوانية. ومنذ أكثر من خمسين عاما مضت، بدأت وزارة الزراعة في الترويج لما يسمى مجموعات الأطعمة الأساسية الأربعة؛ حيث تأتي اللحوم ومنتجات الألبان في المركز الأول، وتحتلان مكانين في القائمة. ونظرا لتمويل صناعة اللحوم ومنتجات الألبان، ودعم علماء التغذية لتقاضيهم رواتب من القائمين على صناعة اللحوم ومنتجات الألبان، تجاهل هذا الترويج العلم.

من الممكن وصف هذا البرنامج بشكل أدق بأنه “الأساطير الأربعة المتعلقة بالطعام”. وقد درس هذا البرنامج في كل فصل في أمريكا، وأمطرنا بوابل من الملصقات التي تروج لنظام غذائي مليء بالبروتين الحيواني والدهون والكوليسترول. وقد كانت نتيجة هذا البرنامج هائلة؛ في أكثر من جانب. فقد بدأ الأمريكيون في تناول المزيد والمزيد من الأطعمة الحيوانية. وأطلقت الحملة شرارة بدء أسرع وباء سرطاني في التاريخ، كما ارتفعت معدلات الإصابة بالنوبات القلبية لمستويات غير مسبوقة.

منذ سنوات وسنوات، قاومت وزارة الزراعة الأمريكية تقليل نسبة الكوليسترول والدهون الموصى بتناولها الموجودة في النظام الغذائي، على الرغم من وجود دليل غير قابل للشك أن الأمريكيين يقدِمون على الانتحار باختيارهم هذه الأطعمة. إلا أن الضغوط الكبيرة التي مارسها رجال السياسة، وأصحاب السلطة والمال سدت الطريق أمام إحداث أي تغيير.

إن الترويج لتحليل القيمة الغذائية للأطعمة من خلال وزنها بدلا من سعراتها الحرارية أصبحت طريقة رائعة للإبقاء على السعرات الحرارية الزائدة والكوليسترول والدهون المشبعة في النظام الغذائي؛ وهي إستراتيجية لإنشاء أمة تعاني وباء السمنة، وأمراض القلب والسرطان. وأي عدو أجنبي خارجي يرغب في تدمير أمريكا لم يكن ليبتكر طريقة أكثر كفاءة وتضليلا من هذه الطريقة. كم هو مثير للسخرية أن هذا البرنامج صممته حكومتنا، وأنفقت عليه مبالغ طائلة، ودافعت عنه باعتباره يخدم الصالح العام.

في ظل إتاحة كل البيانات العلمية اليوم، بما في ذلك دراسات استقصائية عن الصحة البشرية والنظام الغذائي، قد تعتقد أن الناس يعرفون أي الأطعمة يستحسن تناولها والسبب في ذلك. إلا أن أغلب الناس لا يزالون حائرين بشأن النظام الغذائي وقيمته الغذائية. فما السبب في ذلك؟

جزء من المشكلة هو أن أغلبنا يتسم بالبطء في إحداث التغييرات؛ خاصة عندما تتضمن عادات شخصية وتقاليد أسرية. وأغلب الناس لا يرحبون بالتغيير، لأنهم يرتاحون أكثر لما ألفوه، ويتمسكون بالمعلومات التي طالما تمسكوا بها حتى لو كانت غير صحيحة. وعلى الرغم من الزيادة الهائلة في كم المعلومات الغذائية، فإن أغلبه متناقض، ما أدى إلى مزيد من الحيرة.

تنفق الحكومة أكثر من 20 مليار دولار على دعم الأسعار التي تفيد صناعات الألبان ولحوم الأبقار والعجول. وتعطى هذه الأموال إلى المزارعين لكي يتظاهروا بتقليل تكاليف المحاصيل المستخدمة في إطعام الأبقار، وبالتالي مساعدتنا على تقليل الأسعار التي ندفعها للأطعمة المصنوعة من منتجات الألبان، والدواجن، واللحوم. أما الفاكهة والخضراوات التي تزرع في الأساس للاستهلاك الآدمي، فقد استثنتها وزارة الزراعة الأمريكية تحديدا من دعمها.

نحن ندفع من جيبنا الخاص مليارات الدولارات للضرائب لكي تدعم إنتاج أطعمة باهظة الثمن تصيبنا بالأمراض، ثم ندفع من جيبنا الخاص مرة أخرى فواتير علاج باهظة للغاية، لأن شعبنا الذي يعاني زيادة في الوزن يستهلك الكثير من هذه الأطعمة الغنية المسببة للأمراض. والأموال التي نسددها للضرائب تستخدم في الحقيقة لتصيب مجتمعنا بالأمراض وتبقي تكاليف تأميننا الطبي عالية.

الهرم الغذائي الذي سيحولك إلى مومياء

الهرم الغذائي لوزارة الزراعة الأمريكية ظل كذلك حتى 2005، وذلك عندما استبدل به مايبيراميد. ويتضمن مايبيراميد 12 مستوى لتناول الطعام؛ ابتداء من 1000 سعر حراري في اليوم، إلى 3200 سعر حراري في اليوم، وهو مصمم لمساعدة المستهلكين على تحقيق التوازن الصحيح للسعرات الحرارية.

وتوصيات مايبيراميد بالحصول على 2000 سعر حراري يوميّا هي:

– 168 جراما من الحبوب يومي
– 5 وجبات من الخضراوات أو 2.5 كوب يومي
– 4 وجبات من الفاكهة، أو 2 كوب يومي
– 6 ملاعق صغيرة من الزيت يومي
– 3 أكواب من الحليب يومي
– 154 جراما من اللحم والبقوليات يومي

منذ طفولتنا المبكرة، ونصائح التغذية غير الصحيحة تمطرنا. ولسوء الحظ لا تزال هذه الإشاعات مستمرة حتى يومنا هذا. وحتى بعد عقود من البحث العلمي التي تفند توصياته، لا تزال أحدث توصيات وزارة الزراعة المتمثلة في هرمي الخاص تمثل تحسنا بسيطا. فبينما ازدادت الحصة الموصى بها من الفاكهة والخضراوات، وازدادت التوصية بممارسة التمارين الرياضية، فإنها لا تزال توصي بالأخطاء الغذائية القاتلة التي اعتادها الناس.

أجاز الهرم الغذائي تناول حصة من الأطعمة الحيوانية التي تسبب الأمراض التي تقتلنا: كنوبات القلب والسرطان.
كما تصنف الأطعمة في مجموعات بطرق غير منطقية، فاللحوم والبقوليات موضوعة في مجموعة واحدة، لأن كلّا منها يعتبر أطعمة غنية بالبروتين. ولم يتم ذكر المكسرات والبذور من الأساس. ورغم ثبوت أن المكسرات والبذور والبقوليات تقلل نسب الكوليسترول وخطر الإصابة بأمراض القلب، يرتبط تناول اللحوم بارتفاع خطر الإصابة بها.

إن مايبيراميد سوف يقود الناس للاعتقاد أنه يجب تناول اللبن بصفة يومية. وتضمين اللبن باعتباره مجموعة مستقلة بذاته يتضمن أنه جزء أساسي من أي نظام غذائي صحي – وهو أمر أبعد ما يكون عن الصحة – خاصة مع وجود علاقة وثيقة بين اللبن والإصابة بسرطان البروستاتا. ويقدم الهرم مساعدة صغيرة لمن يرغبون حقّا في تقليل المخاطر الصحية التي تواجههم.

هذا التمرين معني بالملاءمة السياسية، ولا علاقة له بعلم التغذية. هل من الممكن أن تستمر وزارة الزراعة الأمريكية في التأثير بشكل غير ملائم بفعل الضغوط السياسية المفروضة على صناعة الطعام؟ أي هرم أساسه العلم والعلم فقط، من الطبيعي أن يضع الخضراوات في قاعدة الهرم!

بعد سنوات عديدة من نصح شعبنا بزيادة استهلاك المنتجات الغذائية، لا يزال نصف الأمريكيين لا يتناولون ثلاث وجبات من الخضراوات يوميّا. وهذا الإجمالي يتضمن أطعمة تسبب نوبات قلبية؛ وهي تلك الأطعمة المقلية في دهون متحولة: كالبطاطس الفرنسية ورقائق البطاطس. وفي أي يوم عادي، لا تمر أية فاكهة مهما كانت على أفواه نصف الشعب الأمريكي.

عام 2010، وضع المعهد القومي للسرطان ميزانية تصل إلى أربعة ملايين دولار لتعزيز فوائد الخضراوات والفاكهة. ولكن قارن بين هذه الميزانية وبين 1.2 مليار دولار التي تنفقها سلاسل ماكدونالدز في سوق الولايات المتحدة. إن السبب الأساسي لكل الأمراض التي تصيب الشعب الأمريكي اليوم هي بسبب النظام الغذائي الذي يفتقر إلى أهم العناصر الغذائية.

بناء على النظرة الشاملة لبيانات الأبحاث المأخوذة من كل دول العالم على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، نصيحتي لك هي أن تجعل نظامك الغذائي يحتوي على أكثر من 90% من سعراته الحرارية يكون مصدرها أطعمة نباتية غير معدلة. وتوافر هذه النسبة العالية من الأطعمة النباتية الغنية بالعناصر الغذائية في النظام الغذائي يجعلنا نتنبأ بالوقاية من السرطان، ونوبات القلب والسكري وزيادة وزن الجسم. ويجب أن تمثل الفاكهة والخضراوات والبقوليات قاعدة هرمك الغذائي، وإلا فستقع في مشكلة في وقت لاحق من حياتك.

إن الأمراض التي تؤثر – وتقتل في النهاية – كل الأمريكيين تقريبا من الممكن تجنبها. يمكنك أن تعيش حياتك بجودة عالية، خالية من الأمراض، وتتمتع في الوقت نفسه بالنشاط والصحة. يمكنك أن تموت في سلام ميتة طبيعية في سن متقدمة، كما تقتضي نواميس الطبيعة.

ولكي تحقق نتائج ملموسة في الوقاية من الأمراض ومقاومتها، وتتمتع بوزن صحي على الدوام، يجب أن تحرص على مراعاة جودة العناصر الغذائية لنظامك الغذائي.