يمر المعلم الناجح بعملية تعلم تبدأ منذ لحظة دخوله الصف للمرة الأولى ولا تنتهي أبدا، مهما كانت المدة التي أمضاها في سلك التعليم. وثمة صفات عدة للمعلم الناجح: المهارة في التواصل اللفظي وغير اللفظي، القدرة على إدارة الصف ومساحة الصف، فهم طريقة تكييف أسلوب التعليم مع حالة معينة، معرفة التخطيط لدروس عالية النوعية وشرحها. جميع هذه الصفات يمكن تعلمها وتطويرها، وسيستفيد كل منا من العمل على تطوير ناحية معينة من مهنتنا. سأتطرق في هذا الفصل لمواصفات التعليم الناجح تلك والمرتبطة بالمعلم كشخص وكناقل للمعلومات أكثر من كونه مربيا. (انظر الفصل 7 لنصائح عن التخطيط للمنهاج وشرحه).
تجدر الإشارة على الأرجح إلى أن بعض الأشخاص ولدوا ليكونوا معلمين. إذ يبدو أنهم يملكون قدرة طبيعية على شد انتباه الأولاد وإلهامهم، ونقل الأفكار أو المعارف إليهم، وضبط سلوك مجموعات من الأشخاص. يعتمد ذلك إلى حد ما على الكاريزما والثقة بالنفس وقوة الشخصية. وبالنسبة إلى هؤلاء المعلمين بالطبيعة، تأتي المهارات والمواقف المفصلة في ما يلي بشكل غريزي. غير أننا لم نولد جميعا معلمين، وعلى كل حال، فإن الرغبة بالتعلم والتطور هي الأهم وليس النقطة التي منها تنطلق تلك العملية.
المعلم كمثال أعلى
في البداية، تحتاج فكرة أن تكون مثالا أعلى إلى نوع من التعود. في بعض الأحيان، تكون مثالا أعلى ببساطة بسبب سنك أو جنسك أو مجال اختصاصك أو خلفيتك الاجتماعية أو الثقافية. فقد تكون المعلم الذكر الوحيد في المدرسة الابتدائية أو تكونين معلمة الفيزياء السوداء الوحيدة في منطقتك. ولكن فكرة المعلم كمثال أعلى تتخطى ذلك. إنها تقوم على توفير مثال دائم للسلوك المناسب والتصرفات اللائقة، وغالبا ما يكون ذلك بالنسبة إلى التلاميذ الذين يفتقدون إلى هذا المثال خارج المدرسة. بعض من أصعب تلاميذنا معتادون على الكبار الذين يتصرفون بطريقة عدوانية تفتقد إلى النضج. وسيحتاجون إلى بعض الوقت ليدركوا أنه ثمة طرق أخرى للتفاعل مع العالم.
بما أن الأولاد يقلدون ما يرونه، من الأهمية بمكان تذكر ذلك حين يغضبك تصرف أحد تلاميذك. فلو ترعرع الولد في منزل تكثر فيه الشتائم، من الطبيعي أن يحمل معه هذه اللغة إلى المدرسة. لكن إن احترمك تلاميذك، سيرغبون بمحاكاتك. وقد يحاكون سلوكك وأسلوبك في التعامل مع الناس، وقد يجتهدون في دراسة المادة التي تعلمها وينجحون فيها بامتياز لأنك ألهمتهم أن يحبوها مثلك تماما.
من أفضل الطرق لنكون مثالا أعلى لحسن السلوك أمام تلاميذنا أن نعاملهم كما نحب أن نعامل، أي بتهذيب واحترام. قد يتبادر إلى ذهنك أن التهذيب هو طريقة مباشرة نسبيا لنعتمدها باستمرار. ولكن، حين تختبر التوتر الناتج عن عدائية أو فظاظة التلاميذ المتواصلة، من السهل أن تصبح مثلهم. ذلك أنك وقبل أن تدرك، ستبدأ بإطلاق ملاحظات فظة وساخرة، وهو أمر لا تفعله أبدا على الأرجح في حياتك العادية خارج المدرسة.
صحيح أن ذلك قد يكون صعبا، ولكن إن تمكنت من اعتماد أسلوب مهذب دوما ستتمكن من تخفيف وطأة المواقف الصعبة، وإعطائهم مثالا جيدا للسلوك الحسن. حين تؤدب تلاميذا متمردين، تذكر دوما بأن باقي الصف يشاهد ويتعلم منك. إن رأى بأنك حافظت على هدوئك وتهذيبك مهما بلغ منك الغضب، سيقتنع بأن طريقتك هي الصحيحة وأن تصرف التلميذ خاطئ.
تظهر الأمثلة أدناه معلمة تتصرف بطريقتين. لاحظ في المثال الأول كيف أن التعليقات سرعان ما تتحول إلى معركة كلامية فظة. أما في السيناريو الثاني، فتحافظ المعلمة على استرخائها، وتلطف جميع التعليقات الفظة التي يوجهها لها منير.
المعاملة بالمثل
المعلمة: منير، باشر بالعمل وتوقف عن إثارة المتاعب.
منير: لا أريد. هذا العمل سخيف ودروسك مملة.
المعلمة: كلا يا منير، بل أنت السخيف والممل، وليس العمل.
منير: لا تنعتيني بالسخيف والممل، أيتها العجوز الغبية.
المعلمة: كيف تجرؤ على قول ذلك! حسنا، أنت محتجز.
منير: حقا؟ ولكنني لن أبقى معك. أنا أكرهك.
المعلمة: وأنا أيضا. [ثم وهي تصرخ] والآن باشر بالعمل!
اعتماد مثال للسلوك الحسن
المعلمة: منير، هل لك أن تباشر بالعمل الآن لو سمحت.
منير: لا أريد. هذا العمل سخيف ودروسك مملة!
المعلمة: أنا آسفة جدا لأنك تجده كذلك. والآن أنجز العمل رجاء.
منير: كلا لن أفعل! أنت عجوز غبية.
المعلمة: حسنا، قد أكون غبية، ولكنني لست عجوزا إلى هذا الحد، أليس كذلك يا منير؟
منير: [بعد أن أربكته الإجابة تماما] ماذا؟
المعلمة: والآن، باشر بالعمل من فضلك. لديك عشر دقائق لإنهائه وأود أن أرى النتيجة.
التواصل اللفظي وغير اللفظي الفعال
حين تقف أمام الصف، فإنك تتقمص دورا أو شخصية للتواصل مع تلاميذك، تماما كما يفعل الممثل حين يقف على خشبة المسرح. ويبدأ التلاميذ بأخذ أفكار عن تصرفك، جزئيا على الأقل، انطلاقا من طريقة استخدامك لصوتك وجسدك. وحين ينقل المعلمون ثقة كبيرة بالنفس، يساعدهم ذلك على تحقيق مكانة عالية بين تلاميذهم. إذ ينظر إليهم التلاميذ باحترام ويقدرونهم ويحسنون السلوك لأجلهم بالنهاية.
في الواقع، من الأهمية بمكان أن تفكر بالنواحي الفيزيائية للتعليم، لا سيما إن لم تكن ثقتك بنفسك كبيرة بطبيعتك. تذكر بأنه لا يفترض بك بالضرورة أن تشعر بالثقة من الداخل، بل أن تنقل للتلاميذ صورة واثقة عن نفسك من خلال إشاراتك اللفظية وغير اللفظية. ذلك أنه ومنذ البداية، يبدأ الأولاد بفحص شخصيتك كمعلم (وغالبا على نحو غير واع) ليقرروا كيف سيتصرفون تجاهك.
استعمال الصوت
يمثل الصوت بالنسبة إلى المعلم أداة ينبغي عليه استعمالها كل يوم خلال عمله. ومن الحيوي أن نتعلم الاعتناء بآلاتنا الصوتية، فنحن لا نملك إلا واحدة ولا يمكننا إصلاحها إذا ما تعرضت للتلف. على الرغم من أن بعض المعلمين يتلقون تدريبا على استعمال تقنية صوتية جيدة، إلا أنه من السهل التقاط عادات سيئة مع الوقت. احرص على اتخاذ وضعية صحيحة أثناء التكلم، قف بشكل مستقيم وحافظ على استرخاء كتفيك وعنقك وذقنك. واعمل على استعمال حجابك الحاجز لإصدار الأصوات عوضا عن العضلات الموجودة في العنق وحوله. إن كنت غير واثق من صحة استعمالك لصوتك أو إن كنت تصاب بالبحة بانتظام، اطلب من مدرستك إرسالك إلى دورة تدريبية.
في الحقيقة، يخبر الصوت التلاميذ بالكثير عن المعلم، ولديه تأثير قوي عليهم وعلى نظرتهم إليك. فجميعنا يملك نمطا أو شخصية صوتية تكشف الكثير عنا للآخرين. فكر مثلا بأصوات الشخصيات البارزة، التي يثير بعضها أعصابك، ويترك لديك شعورا سلبيا تجاه صاحبها عموما. بالمقابل، يساعد الصوت الجميل في الكلام أو الغناء على توليد شعور إيجابي تجاه صاحبه.
يعطي صوتك للآخرين أفكارا كثيرة عما تشعر به. فحين نواجه ظروفا صعبة، من شأن أصواتنا أن تخون عواطفنا، فتصبح أعلى أو تختفي تحت تأثير الضغط. ويعطي صوتك لتلاميذك إشارة واضحة عن حالتك الداخلية، فيستجيبون للإشارات المعطاة من خلال الطريقة التي تتحدث بها. ويكمن السر في ضبط النفس: إن أردت تغيير نبرة صوتك، ينبغي أن يتم ذلك بإرادتك وليس نتيجة للضغط. فبإمكانك أن تجعل صوتك يبدو هادئا حتى وإن كنت ثائرا أو سيئ المزاج.
مع أنك لا ترغب بالضرورة بأن تكون الطريقة التي تتحدث بها داخل الصف مختلفة تماما عن طبيعتها، من الأهمية بمكان فهم كيفية تأثير صوتك على قدرتك على ضبط السلوك. فالتواصل اللفظي الجيد يساعدك على بناء علاقات حسنة مع الأولاد، ويشجعهم على اعتماد سلوك أفضل كما أنه يحمي صوتك. في ما يلي بعض النصائح والمقترحات حول استعمال الصوت على نحو أكثر فاعلية.
مستوى الصوت
قد يصعب على بعض المعلمين اعتماد مستوى جيد للصوت والمحافظة عليه. مع أننا نود لو نستطيع التحدث بشكل طبيعي مع تلاميذنا، إلا أن ضغوطات الصف تجعل ذلك صعبا في أغلب الأحيان. في الواقع، إن إيجاد التوازن المناسب في مستويات صوتك مهم جدا لضبط سلوك الصف. فهو يساعدك على إظهار الاحترام لتلاميذك والقدرة على ضبط أعصابك. ناهيك عن أنه يساعدك على التدريس بطريقة يسود فيها التفاهم.
يشير الصراخ عادة إلى فقدان السيطرة على الأعصاب، وهو أمر يستمتع بعض التلاميذ برؤيته لدى معلميهم. من شأن ذلك أن يسبب أذى كبيرا للصوت من دون أن يكون له أي تأثير مباشر على سوء السلوك. أضف إلى أنه يشير إلى مقاربة تسلطية قديمة تتناقض مع المقاربات الحديثة للتربية. تذكر أيضا أن بعض الأولاد (لا سيما المنضبطون منهم الذين ترغب بتشجيعهم على التقدم) قد يشعرون بالخوف الشديد إن صرخت في وجههم.
إليك بعض المقترحات لمساعدتك على تعديل مستوى صوتك وتجنب الرغبة بالصراخ.
– تذكر أنه كلما كنت أكثر هدوءا كمعلم، احتاج تلاميذك أن يكونوا هادئين لسماعك. ولكن لا تبالغ إلى حد الهمس، لأن الهمس المفتعل قد يؤذي الصوت.
– اسع إلى اعتماد مستوى الصوت المستعمل في المحادثة، وكن واعيا على الدوام للطريقة التي تؤثر بها انفعالاتك على صوتك.
– إن شعرت بالغضب يجتاحك، توقف لبضع ثوان تتمالك فيها نفسك، قبل أن تتابع الحديث. تنفس بعمق، واخفض صوتك عمدا.
– تعلم الإلقاء كما يفعل الممثل أمام جمهوره. تخيل وكأن صوتك شيء محسوس – حجر مثلا – وألقه باتجاه الصف أو التلميذ.
– من شأن الحديث بصوت مرتفع أن يتحول إلى عادة. أصغ إلى نفسك بانتظام أثناء الحصص، وتحقق ذهنيا ما إذا كنت تتكلم بصوت مناسب.
– حين تخفض صوتك أثناء شرح الدروس، تخيل وكأنك تخفض صوت المذياع. حاول خفض صوتك إلى النصف تقريبا، وستفاجأ كم من الممكن أن تتكلم بهدوء وتبقى مسموعا مع ذلك.
– خذ علم الصوت بالحسبان. إن كنت تدرس في غرف متعددة، حاول أن تعدل مستوى صوتك بحسب الغرفة. وعادة، تصدر الأماكن الفارغة في القاعات والصالات الصدى، فيما تكتم الصفوف المزدحمة الصوت.
– حين ترغب بالتحدث مع أحد التلاميذ حول سلوكه، اقترب منه، وتحدث إليه بهدوء بحيث لا يسمعك أحد آخر.
– في بعض الأحيان، يساعد رفع الصوت على توجيه صدمة حادة قصيرة ومفيدة في صف تكثر فيه الثرثرة أو الضجة.
– إن قرر المعلم رفع صوته عمدا، يمكن أن يتم ذلك من موقع سيطرة على النفس وليس كردة فعل غريزية ولدها الغضب.
– ضبط النفس يساعد المعلم في التقنيات الصوتية، إذ يميل الصوت إلى الخروج من عضلات الحجاب الحاجز عوضا عن التوتر الذي يشد الحنجرة.
نبرة الصوت
للنبرة أهمية كبيرة في إضفاء التشويق والحماسة على دروسك. كما أنها تساعد على إحداث جو من الاندماج مع التلاميذ لأنها تعطيهم أفكارا عن حالتك النفسية. في الواقع، ثمة أشكال عديدة للطريقة التي يمكن فيها تنويع شخصيات المعلم عبر استعمال نبرات مختلفة. فثمة عدد كبير من النبرات التي تستعمل للإشارة إلى مجموعة واسعة من الأفكار والأحاسيس وردات الفعل.
كلما عملت على استخدام نبرة صوتك، أخذت باستعمال وجهك وجسدك أثناء التدريس. فالصوت الخالي من التعبير يعطي إحساسا بعدم الاهتمام، ويترافق مع تعبير جامد وخال من الحياة في الوجه. إن تحدث المعلم من دون استعمال نبرة صوته على الإطلاق، سرعان ما سيمل التلاميذ ويبدأون بإساءة السلوك. بالمقابل، فإن النبرة المفعمة بالحياة تضيء الوجه والعينين وتحرك الجسد وتعطي إحساسا بالارتباط مع الآخرين.
بشكل عام، كلما صغر سن تلاميذك، توجب عليك استعمال نبرة صوتك على نحو أكبر. وإن كنت تدرس تلاميذا لغتهم الأساسية ليست اللغة العربية، فإن المبالغة في استعمال نبرة الصوت مع كثير من التشديد يساعدهم على فهم ما تقوله. لكن تذكر أن بعض التلاميذ الأكبر سنا أو الساخرين أو غير المهتمين بالتعلم، قد يفهمون فرط استعمال نبرة الصوت على أنه معاملة فوقية.
ثمة نبرات عدة تعتبر مفيدة جدا بالنسبة إلى المعلم، منها:
– التعجب: إن استعمال نبرة تعجب واهتمام يساعد على جذب اهتمام الصف. وقد تستعمل هذه النبرة أيضا للتعبير عن سرورك لحسن سلوك أحد الأولاد: “أوه! أنا مسرور جدا لما فعلته اليوم”.
– الحماسة: تساعد النبرة الحماسية على إضفاء شيء من الطاقة على موضوع أو نشاط معين. كما أنها تحفز الأولاد وتلهمهم للمشاركة التامة في عملية التعلم.
– الجمود: إنها نبرة تخبر الأولاد بعدم سرورك، ويمكن استعمالها مع التحديق الجامد (انظر أدناه، استعمال الجسد). إنها عبارة عن صوت بارد ومحسوب عوضا عن الصوت الغاضب.
– الخيبة: عند التعامل مع سوء السلوك، تعتبر نبرة الخيبة قيمة جدا. إن كان الصف – أو التلميذ – يحترم المعلم، فإن إحساس لقد خيبت أملي يشكل حافزا هاما للتقدم.
السرعة
تعتبر السرعة مجالا مثيرا للاهتمام فيما يتعلق باستعمال الصوت. إذ تتنوع الأساليب التي يلجأ إليها المعلمون بخصوص السرعة التي يحبون التكلم بها. ومن الأهمية بمكان تعديل السرعة وفقا للتلاميذ. فمع الأولاد الصغار، أو التلاميذ الذين تعتبر لغتهم أو مهاراتهم الإدراكية غير متطورة، ينبغي عليك التحدث ببطء ووضوح. أما مع التلاميذ الساخرين أو غير المهتمين بالتعلم فعليك جذب اهتمامهم بالشرح السريع.
حاول بالتالي استعمال سرعات متنوعة أثناء الحصة لكي تضفي شيئا من التشويق على عملية التعلم. إنها مسألة توازن: أبق الأولاد مهتمين، ولكن احرص في الوقت نفسه على أن يفهم الجميع ما تقوله. وفي ما يلي بعض الأفكار عن كيفية تأثير السرعة أو البطء، إيجابيا أو سلبيا، على ضبط السلوك والتعليم.
من شأن الشرح البطيء أن:
– يهدئ التلميذ.
– يخفف من حدة التوتر.
– يهدئ صفا صاخبا أو مفرط الحماس.
– يساعد على فهم أعمق للدرس.
ولكن من شأنه أيضا أن:
– يسبب الملل.
– يشجع التلاميذ على فقدان التركيز.
– يبدو وكأنه معاملة فوقية.
– يجعل المعلم يبدو فخورا بنفسه.
من شأن الشرح السريع أن:
– يحفز صفا غير مهتم بالتعلم.
– ينبه ولدا كسولا.
– يضفي طاقة وزخما على الدرس.
– يضفي تشويقا على مجال ممل من المنهاج.
ولكن من شأنه أيضا أن:
– يعيق الفهم السليم.
– يشعر بعض الأولاد بالإجهاد.
– يجعل المعلم يبدو مستعجلا.
– ينهك المعلم.
مدة كلام المعلم
بالحديث عن استعمال الصوت، من المهم التفكير بالمدة التي ينبغي عليك التكلم فيها. فمن المعروف عن المعلمين أنهم يحبون سماع أصواتهم. أنا شخصيا قد أكون ممن يتكلمون مع تلاميذهم كثيرا ولمدة طويلة، ولكن حين يطول حديثك لأكثر من خمس أو عشر دقائق، من المحتمل جدا أن يمل بعض التلاميذ على الأقل من صوتك، ويبدأوا بإساءة التصرف. لذا حاول قدر الإمكان تخصيص أقل وقت ممكن لكلام المعلم وأكبر وقت ممكن للتعلم الناشط.
إن الإصغاء لشخص يتكلم هو نشاط سلبي جدا. لذا حين تضطر للتحدث لفترات طويلة، حاول إيجاد طرق للحفاظ على اهتمام التلاميذ. أدخل في حديثك تمارين تتطلب من الأولاد القيام بشيء فعلي. يمكنك أن تطلب منهم مثلا:
– تدوين ملاحظات.
– انتقاء الكلمات الأساسية.
– وضع رسوم بيانية.
– تحليل وسيلة بصرية.
– الإجابة عن أسئلة.
– مساعدتك في إعطاء بعض الإيضاحات.
استعمال الجسد
ثمة مجموعة واسعة من الإشارات اللفظية وغير اللفظية التي يستخدمها المعلمون، وتملك تأثيرا على سلوك التلاميذ، بالطبع نحن نستخدم بعض هذه الإشارات بشكل واع لمساعدتنا على ضبط الصف. إلا أننا نستعمل أيضا كثيرا من الإشارات اللاواعية في الوقت نفسه، منها ما ينم عن قلة ثقة بالنفس أو عن شعور بالتوتر. الطريقة التي يفهم بها تلاميذنا هذه الإشارات تساعدنا أو تعيقنا في عملية ضبط السلوك، ففي معظم الوقت يفكر التلاميذ بكيفية التصرف استنادا إلى قراءتهم اللاواعية لما تقوله بجسدك، وكما هو الحال مع الصوت، يكمن السر في وعيك للإشارات التي ترسلها والسيطرة عليها قدر الإمكان.
قد يغريك استعمال التعليمات والإشارات المحكية بشكل أساسي للتعبير عن رغباتك وتعليماتك للصف. إلا أنني سأورد في ما يلي بعض الأسباب الوجيهة التي تجعل الإشارات غير اللفظية أكثر فائدة وقوة من غيرها.
– تعطي انطباعا قويا بالسيطرة على الصف: “أستطيع أن أجعلكم تقومون بما أريد من دون التفوه بأية كلمة على ما يبدو”.
– لا تستلزم مجهودا يذكر من المعلم ولا تسبب ضغطا على صوته.
– يمكن استعمالها مع أفراد من دون تنبيه بقية الصف لما يجري، وبالتالي منع التلميذ المشاغب من تشتيت انتباه رفاقه.
– مع الوقت، تتحول هذه الإشارات إلى إشارات غير لفظية مختصرة يمكن استعمالها للتحدث مع الصف.
من شأن الجسد ككل أن يؤدي دورا في التواصل مع التلاميذ، من الوجه وحتى القدمين. وستجد في ما يلي نصائح عن استعمال مختلف أجزاء الجسد بشكل فعال. لقد خصصت جزءا مستقلا لكيفية استغلال مساحة الصف على النحو الأفضل.
العينان والحاجبان
عند مخاطبتك للصف، حافظ على حركة عينيك، متحققا من أن كل الوجوه تتطلع إليك، وإلا فانتظر. تذكر: لا تتكلم أبدا حتى تحصل على انتباه الجميع. فباستعمال عينيك لتفحص الصف خلال دروسك، يمكنك ضبط حادثة سوء سلوك قبل حصولها، والقضاء عليها في مهدها.
تشكل النظرة المميتة إشارة غير لفظية في غاية الفاعلية. فهي تشير إلى أنك تعرف ما تريد (أو على الأقل تدعي ذلك) وأنك تعرف ما سيحدث إن لم تحصل على ما تريد (انظر الفصل 1). إن تمكنت من التوصل إلى هذه الحالة الذهنية أو على الأقل إعطاء الانطباع بذلك، ستنقل عيناك حالتك الذهنية المميتة.
يصعب وصف النظرة المميتة، ولكن حين تتقنها ستدرك ذلك. فهي تخبر التلاميذ أن عليهم تنفيذ ما تريده وإلا فالعواقب ستكون وخيمة، ومن الأفضل لهم تجنبها. ولكن احرص على عدم استعمال هذه النظرة خارج جدران المدرسة في حياتك العادية أو تجربتها مع العائلة أو الأصدقاء أو في الشارع أو الباصات.
ورفع الحاجبين هو طريقة جيدة للتعبير عن المفاجأة أو عدم الموافقة. وبإمكان بعض المعلمين المحظوظين أن يرفعوا حاجبا واحدا لقول: “اعذرني، ولكن ماذا تعتقد نفسك فاعلا؟” وسرعان ما سيعتاد تلاميذك على الإشارات غير اللفظية التي ترسلها بعينيك. وحين يكون الصف غير منتبه للشرح، حاول تحويل عينيك عنه والنظر إلى السقف. فإن كان المعلم ينظر إلى الصف باستمرار، فإن هذه النظرة تقول بوضوح: “أنا أنتظر”.
الوجه
يمضي التلاميذ وقتا طويلا في النظر إلى وجه المعلم. وإن وجدوه يتحرك باستمرار، مبتسما ومسترخيا، ولكن متنبها على الدوام، سيعتبرون أنك تمسك بزمام الأمور. وبما أن الوجه يكشف أي توتر أو شعور دفاعي، ابذل مجهودا واعيا لإبقاء تعابيرك باردة وهادئة.
اليدان
اليدان هما أداتان معبرتان جدا. يمكننا التكلم بهما مع تلاميذنا تماما كما نفعل بصوتنا. المعلم الذي يستخدم يديه كجزء طبيعي من عملية التعليم يميل إلى جذب الأولاد أكثر من غيره. ثمة كثير من الإشارات اليدوية التي يمكن أن تستعملها مع الوقت لإخبار التلاميذ بما تريده بسرعة ومن دون الحاجة إلى التكلم. لكن تجنب الإشارة بسبابتك إلى التلميذ الذي يسيء التصرف، فمن شأن ذلك أن يولد ردة فعل سلبية؛ كما أنه يشير إلى المذنب بطريقة عدائية.
ثمة مجموعة كبيرة من الإشارات اليدوية التي يمكنك استخدامها:
– وضع إصبعك على شفتيك طلبا للصمت.
– التربيت على الأذن لتطلب من الأولاد الإصغاء.
– الطقطقة للفت نظر أحد التلاميذ.
– وضع يدك على طاولة تلميذ يسيء السلوك.
– مد اليد إلى الأمام ورفع الكف لقول “توقف”.
– مد اليد إلى الأمام والكف إلى الأسفل لطلب الهدوء.
الجسد: الوقفة
تنقل وقفتك الكثير إلى الصف، شأنها شأن وضعية جسدك عموما. اسع لأن تبدو واثقا من نفسك، استقم وحافظ على استرخاء جسدك، واستعمل وضعيات مختلفة للإشارة إلى رغباتك. على سبيل المثال، حين تقف مكتوف الذراعين وأنت تنتظر بدء الدرس فأنت تعني بأنك لن تبدأ ما لم ينفذ الصف ما تريده. أما الوقوف مع وضع اليدين على الخصر فهي إشارة أكثر حزما إن كان الصف يسيء التصرف.
الجسد: الحركات والسكنات
للحركة في بعض الأحيان وقع أكبر من الكلمة. وغالبا ما يطور المعلمون مجموعة كاملة من الحركات المختلفة للتواصل مع تلاميذهم. فقد تنظر بتركيز إلى ساعتك للإشارة إلى أن الصف يضيع وقته. وقد تدون اسم تلميذ خلال حادثة سوء سلوك، وغالبا ما يدفعهم ذلك إلى التوقف لمعرفة ما تفعله ولماذا.
والامتناع عن فعل أي شيء على الإطلاق يرسل إشارة غير لفظية لا تقل قوة عن الحركة. على سبيل المثال، قد تقف ببساطة وتمتنع عن مباشرة العمل إلى أن يتعاون التلاميذ معك. فهذه الطريقة ترسل إشارة واضحة جدا عن توقعاتك ونواياك.
الجسد: المستويات
إن وقوف المعلم دوما على نحو مستقيم، بحيث يعلو التلاميذ، ينقل إليهم رسالة سريعة عن تفوقه عليهم. صحيح أنك تسعى لأن تكون في موقع السيطرة، ولكن هذا لا يعني الإيحاء لهم بأنك تفوقهم أهمية. فتنويع مستويات الجسد يظهر للتلاميذ بأنك شديد الثقة بنفسك وبقدرتك على الإمساك بزمام الأمور. كما يوحي لهم بأنك تحترمهم بما يكفي للنزول إلى مستواهم فعليا ومجازيا على السواء.
في الواقع، إن تغيير مستوى طولك بالمقارنة مع التلميذ، يرسل مجموعة منوعة من الإشارات. فالانحناء قرب التلميذ يقلل من إحساسه بنفوذك أو بالخوف منك. كما يساعد على التواصل بشكل أكثر فاعلية بينك وبينه، بحيث يبقى هذا التفاعل محصورا بكما.
أما حين تضع نفسك في موقع أدنى من موقع التلاميذ (كالجلوس على الأرض مثلا) فمن شأنه أن يوفر عنصر المفاجأة المفيد أحيانا. كذلك، أرى أن الجلوس أو حتى الوقوف أحيانا على الطاولة يوفر تحولا مثيرا للاهتمام في زاوية النظر.
الجسد: المظهر
مع أنه ليس من الصحيح الاعتراف بذلك، إلا أنه لا مهرب من أن يطلق التلاميذ بعض الأحكام عنك استنادا إلى مظهرك. وباستثناء الجراحة التجميلية، لا يمكن فعل الكثير إزاء مظهرك العام. وعلى كل حال، ليست المسألة عائدة إلى كونك جميل المظهر أو قبيحا، بدينا أو نحيفا، بل إلى الطريقة التي تعبر فيها عن نفسك من خلال مظهرك.
فالمظهر الجاد يعطي انطباعا جيدا لأنه يوحي بأنك تأخذ نفسك وعملك على محمل الجد. بالمقابل، ينجح بعض المعلمين، على الرغم من مظهرهم غير التقليدي، بسبب قوة شخصياتهم. في بعض المدارس، تساعد الملابس الجادة على تعزيز المظهر السلطوي، فيما يستفيد البعض الآخر من الملابس غير الرسمية المبتكرة.
المعلم في الصف
إن الطريقة التي تستعمل فيها مجال التعليم تنقل رسالة غير لفظية معقدة عن أسلوبك، وعما إذا كنت ممسكا بزمام الأمور. فحين ينتابنا شعور دفاعي، من المغري أن نتراجع إلى إحدى زوايا الصف، ربما بقرب اللوح، لنشعر أننا في مكان آمن. ولكن لسوء الحظ، يضع المتمردون من التلاميذ خططهم لتعكير جو الدرس في الصف الأخير من المقاعد. وإن بقيت في المقدمة، لن تتمكن من وضع حد لهم. إليك بعض الاقتراحات حول استعمال المساحة المتوفرة لك لإعطاء إشارات غير لفظية إيجابية.
– قف بفخر: مهما شعرت بالسوء، احرص على عدم إظهار مشاعرك. وحتى إن كان الصف يشاغب، قف بفخر ولا تفقد ثقتك بنفسك.
– عين أرضك: حاول التنقل في مساحة التعليم قدر ما تسمح لك طاقتك. يمكن القيام بذلك في الوقت الذي يقوم فيه التلاميذ بعمل أو نشاط معين، وكذلك أثناء شرح الدرس. فمن شأن ذلك أن:
– يساعد على تحديد ذلك المجال على أنه مجالك، ويظهر أنك تملك السيطرة على المجال كله.
– يبقي تلاميذك على أهبة الاستعداد لأنهم لا يعرفون متى قد تقترب منهم من الخلف.
– يضمن لك الاقتراب من كل تلميذ أثناء الدرس.
– يساعدك على رؤية الصف والتلاميذ من مختلف الزوايا.
– اقترب من المشاغبين: حين نخطط للمشاكل، آخر ما نريده هو انكشاف أمرنا. لذا، احرص على الاقتراب من الأولاد المشاغبين في صفك بحيث تجهض أية مشاكل قبل وقوعها. وما من داع عادة لقول شيء، فالتلميذ لا يرتاح إلى العبث مع المعلم الذي يقف قربه.
– اصدمهم: من المفيد أحيانا تغيير شكل مساحة الصف فجأة. فقد يعني ذلك إعادة ترتيب الصف من مجموعات من المقاعد إلى صفوف؛ تنظيف الطاولات والطلب من الأولاد الجلوس على الأرض؛ أو حتى تغيير اتجاه الطاولات بالكامل ووضعها بالاتجاه المعاكس. فتغيير مجال الصف يساعد التلاميذ على النظر لما يجري في الغرفة من زاوية جديدة.
النواحي السيكولوجية للتعليم
بالطبع، لا ينحصر التعليم في النواحي الفيزيائية للتواصل اللفظي وغير اللفظي. ثمة أيضا مقاربات سيكولوجية مختلفة يمكنك استعمالها لمساعدتك على ضبط السلوك. ويقوم ذلك على بقاء المعلم في إطار ذهني إيجابي بقدر ما يقوم على السيطرة على الصف. في الحالات المثالية، ينبغي أن تشعر بالهدوء والاسترخاء وبالتنبه في الوقت نفسه. إليك بعض المقترحات حول كيفية التوصل إلى هذه الحالة الذهنية.
– دعهم يتحزرون باستمرار: مع أنني أكدت سابقا على أهمية الثبات مع التلاميذ، إلا أنه من غير المجدي أن يكون التلاميذ قادرين على توقع جميع ردات فعلك طيلة الوقت. بوسعك أحيانا – أحيانا وحسب – إدخال تغيير مفاجئ على أسلوبك التعليمي. فربما كنت هادئا وحازما عادة، ولكن أرهم فجأة جانبا آخر من شخصيتك، أكثر صخبا وحدة.
– كن متقلبا: كذلك، بإمكانك أحيانا، عند الضرورة، أن تغير طريقتك بأكملها على نحو فجائي. على سبيل المثال، كنت تشرح درسا وتمضي حصة جيدة فعلا حين يقرر جهاد إفساد الأمر عبر التسبب بالفوضى. قد يكون من المفيد عندها أن تلتفت نحوه قائلا بحدة: “كيف تجرؤ على إفساد هذه الحصة الرائعة!” ثم تستعيد هدوءك ولطفك مجددا.
– أقنع نفسك: إن كنت تستطيع إقناع نفسك فعلا أنك تتحكم بزمام الأمور، فافعل وستبدو كذلك. إن كنت تعرف حقا من أين تأتي (كن مدركا) وما تريده بالضبط (كن محددا) تكون قد ربحت المعركة السيكولوجية.
– حافظ على مسافة سيكولوجية: على الرغم من صعوبة الأمر، تعلم الحفاظ على مسافة سيكولوجية من سوء السلوك الذي تواجهه. تجنب التورط عاطفيا في حوادث سوء السلوك وهذا ما سيساعدك على البقاء على مسافة مما يجري والإحساس بالسيطرة على الوضع.
– لا تأخذ الأمور على نحو شخصي: عوضا عن اعتبار سوء التصرف إساءة ضدك، من الأجدى النظر إليه بتعاطف. تذكر أن الأولاد الذين يسيئون التصرف يعانون من مشاكل خاصة. في النهاية، مهما كان صفك مشاغبا، فليست تلك نهاية العالم.
تأليف سو كولي