هل سبق أن رأيت أناساً يثنون أصابعهم بالكامل للخلف، أو يجدلون أجسامهم بالكامل كما لو كانت ضفيرة؟ إن هؤلاء قد يبدون من خلال هذه السلوكيات الدلائل التقليدية للمتلازمة الحركية البالغة، والمعروفة أيضاً باسم المرونة البالغة، أو مرونة المفاصل. إن أصحاب هذه الحالة ليس لديهم بالفعل مزيد من المفاصل ولكن الروابط والعضلات حول مفاصلهم مرنة جدا مما يجعلهم قادرين على الانحناء والتمدد كالبهلوان، وهذه الحالة حالة حميدة بصفة عامة، وتتضح عادة في فترة الطفولة كما أنها وراثية في الغالب. إن ما يزيد على 20% من الأطفال الطبيعيين لديهم مثل هذه المفاصل المرنة جداً كما أنها موجودة لدى العديد من الرياضيين. ومع ذلك، فهناك بعض الأفراد تنمو لديهم هذه الحالة في مراحل متأخرة من العمر في حالة إصابة أربطتهم، أو ضعفها، أو تمددها المفرط. وأياً كان توقيت أو كيفية حدوث هذه الحالة، فإن الأفراد الذين لديهم مثل هذه المفاصل المرنة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمسامية العظام والألم.
كان الاعتقاد السائد أن المفاصل المرنة دليل على التهاب العظم المفصلي؛ وهو خلل يصيب المفاصل بالتآكل، لكن هذا الاعتقاد لم يثبت صحته بعد من خلال الأبحاث الحالية، بل الحق أن حالة مرونة المفاصل المزدوجة قد تحمى المصاب بها من التهاب العظم المفصلي – وفقاً لما توصلت إليه دراسة حديثة. وعلى الجانب الآخر، فقد تكون مرونة المفاصل المرنة تحذيراً من الإصابة بمتلازمة الإعياء المزمن، وهي حالة يُعتقد أنها ناتجة عن الإصابة بأحد الفيروسات ويحس المصاب بها بتعب بالغ، وضعف، وألم العضلات، والحمى أحياناً. وقد لوحظ زيادة الإصابة بمرونة المفاصل لدى من يعانون من متلازمة الإعياء المزمن سواء من الشباب أو كبار السن.
وهناك حالتان وراثيتان خطيرتان ترتبطان عادة بمرونة المفاصل رغم أنهما قلما يتم تشخيصهما، وهما: متلازمة إهلرز – دانلوس، ومتلازمة مارفان. ومتلازمة إهلرز – دانلوس عبارة عن خلل نادر في النسيج الضام يصيب المفاصل، والجلد، والأوعية الدموية بشكل أساسي، أما عن باقي دلائل هذه المتلازمة – والتي تتراوح بين المعتدلة والحادة – فقد تشمل ارتخاء الجلد، وسهولة الخدش والجرح، وانتقال المفاصل، والجنف، ومشكلات العينين، وتمزق الشرايين أو الأمعاء أو غيرها من الأعضاء، وهذه المتلازمة تضعف المصاب بها، بل وقد تهدد حياته أيضاً، ولكن نظراً لأن دلائلها دقيقة جداً؛ فإنه لا يتم تشخيصها لدى 90% من المصابين بها حتى تتطلب حالتهم العناية الطبية المركزة.
وقد تدل مرونة المفاصل أيضاً على متلازمة مارفان، وهي نوع آخر نادر من الاضطرابات في الأنسجة الضامة، ومن الدلائل المرئية الأخرى على متلازمة مارفان: القدم المسطحة الطويلة، والوجه الهزيل، والجنف، والأصابع الطويلة النحيفة، والقامة الطويلة.
(كانت أصابع إبراهام لنكولن طويلة ونحيفة ويقال إنه كان يعاني من هذه الحالة). وعلى الرغم من أن تلك المتلازمة تصيب الهيكل العظمى بالأساس، إلا أنها قد تسبب مشكلات في العينين أيضاً، ومشكلات في القلب وغيرها؛ فالكثيرون ممن يعانون من هذه الحالة لديهم قصر نظر شديد أو يعانون من المياه البيضاء أو الزرقاء في العينين، أو كل ذلك معاً.
غالبا ما يتجاهل الناس الدلائل الدقيقة لمتلازمة مارفان كما هو الحال بالنسبة لمتلازمة إهلرز – دانلوس مما يؤدى في بعض الأحيان لتداعيات مفجعة. وعلى سبيل المثال، فإن الكثير من شباب الرياضيين لديهم مفاصل مرنة جداً بالإضافة إلى أطراف وقامات طويلة – وهذه بالطبع خصائص تفيدهم في مجال الرياضة – لكن بعضهم قد يعاني من متلازمة مارفان دون أن يكتشفها، ويؤسفنا أن نقول إن عدداً من أولئك الرياضيين الشباب يموتون سنوياً فجأة كل عام بسبب عدم درايتهم بهذه الحالة. إن أنورسما الأورطى – وهي تمدد في أكبر الأوعية الدموية بالجسم واحتمال تمزقه – سبب أساسي في الموت المبكر الناتج عن عدم علاج متلازمة مارفان.