التصنيفات
الغذاء والتغذية

الملفوف، الكرنب، الزهرة، القرنبيط Cabbage Cauliflower


هناك قصص قديمة تروى عن أهمية الملفوف وقدرته في التداوي والعلاج من الأمراض المختلفة. إحدى هذه القصص الشهيرة تقول إنّ أطباء الرومان القدامى كانوا يصفون الملفوف لعلاج سرطان الثدي وذلك بأن توضع عجينة مصنوعة منه على المكان المصاب.
قد يقال إنّ هذا ما هو إلاّ اعتقادات وخرافات زائلة لولا أنّ العلم الحديث بيّن أنّ في الملفوف موادّ كبريتية ثبت بالدليل القاطع أنّ لها تأثيرات مدمّرة على الخلايا السرطانية وخصوصا منها سرطان الثدي والبروستات.

ومن القصص الطريفة إنّ الرومان في ذلك الوقت ثارت ثائرتهم على جميع الأطباء عندهم واتهموهم بالغش واستغلال آلام الناس فطردوهم من روما. ومع ذلك فقد استطاعوا أن يعيشوا من غير أطباء معتمدين في حفظ صحّتهم طوال ستّة قرون على الملفوف.

والملفوف هذا هو نفس البقلة التي نعرفها اليوم والتي نجدها في أغلب الأحيان ملقاة بإهمال في زاوية من زوايا محل بيع الخضار، تتجاوزها أعين المشترين بازدراء إلى ما هو أعلى منها شأنا باعتقادهم.. وأغلى ثمنا. والصحيح أنّ الملفوف هو من أهمّ البقول وأرفعها شأنا وأغناها على الإطلاق وذلك بشهادة كبار علماء النبات والتغذية على مرّ العصور اللذين كانوا يصفونه بأرقى العبارات وأسماها وأنّ فيه من الفوائد الغذائية والطبية الدوائية ما قد يتسّع لمجلّدات، وهذا ليس مبالغا فيه حيث إنّ الطبيب القدير والفيلسوف المعروف كريزيب قد وضع كتابا كاملا يتحدث فيه عن المزايا والخصائص العلاجية للملفوف.

عائلة الملفوف

وللملفوف عائلة كبيرة ومنه أنواع عديدة، فهناك الملفوف الأخضر، ذو الأوراق الخضر المتموّجة والعريضة وهو النوع الأكثر شهرة وانتشارا.
وهناك الملفوف الأحمر الذي يشبه أخيه الأخضر في بعض النواحي إلاّ أنّه يختلف عنه في مذاقه الحاد نوعا ما، كما أنّه دائري الشكل وحجمه أصغر من الأول.
وهناك النوع المشهور بالقنبيط أو القرنبيط، وهو صنف لذيذ الطعم جدا، يستفاد منه في بلادنا في تحضير أنواع عديدة من المقالي واليخنات والكبيس والسلطات، وإن كان يفضّل تناوله نيئا للاحتفاظ بفوائده الطبية كاملة.
وهناك أنواع أخرى عديدة، وإن لم تكن معروفة كالتي ذكرنا، منها الملفوف الهليوني والكرنب، وهذا الأخير نوعان فالكرنب الساقي المعروف في سورية بالكرنب وفي العراق شلغم، يستفاد فقط من ساقه التي تغلظ فوق سطح الأرض، فهي الجزء الذي يؤكل منه.
أمّا النوع الآخر، فهو الكرنب اللّفتي الذي تؤكل منه جذوره الضّاربة في باطن الأرض.
وتتقارب وتتشابه هذه الأنواع جميعها في خصائصها ومميّزاتها النافعة، وإن كان مقدار هذا التشابه يختلف من نوع إلى آخر.

فوائد الملفوف (الكرنب) و الزهرة (القرنبيط)

•    لمحاربة مرض السرطان الخطير
•    لتحفيز الرشد والنمو لدى الأطفال
•    لترميم قرحة المعدة والاثني عشر
•    لمنع تساقط الشعر
•    للتخلص من سموم الأدوية
•    لتقوية الذاكرة
•    لتقوية مناعة الجسم

المركّبات الدوائية الفعّالة

Sulfur compounds
Cysteine
Iso thiocyanates
Methionine
Sulforaphane
Lysine
Indole-3-Carbinol (I3C)
Iron
Quercetin (red cabbage)
Phosphorus
Potassium
Zinc

مكوّنات الملفوف

ما يميّز الملفوف ويضعه في خانة النباتات ذات الخصائص العلاجية الدوائية هو أنّ الملفوف كما بقية أنواع الخضار الصليبية (cruciferous vegetables) كالبروكولي والقنبيط وقرّة العين، يحتوي على موادّ كيميائية عديدة تبيّن أنّ لها قدرة كبيرة على مكافحة وعلاج مرض السرطان الخطير، وخصوصا سرطان الثدي، البروستات والقولون.
واللاّفت أنّ ما يهب الملفوف رائحته المميّزة غير المستحبة ومذاقه الحاد هو نفسه الذي يعطيه قدراته العلاجية هذه. فالكبريت الموجود في الملفوف بمقادير عالية جدا، قد تصل إلى حدود 194 مليغراما في كل مئة غرام منه، في حين أنّ أية بقلة أخرى لا تزيد نسبة الكبريت فيها عن 18 مليغراما فقط في المئة غرام، هو الذي يكسبه الرائحة والمذاق الحاد بالإضافة إلى الفائدة.

هذه المواد التي تعرف أيضا بالزيوت الخردلية (mustard oils) وأهمّها مركّبات الأيزوثيوسيانيت (Isothiocyanates) ومنها أيضا السولفورافان (Sulforaphane)، هي مواد كيميائية تنتجها النبتة لأجل حماية نفسها من الحشرات المهاجمة التي تلوذ بالفرار وفمها مليء بالمرارة. هذه المركّبات نفسها أثبتت الدراسات الكثيرة أنّ لها القدرة على الحماية من الإصابة بالأمراض السرطانية القاتلة.

وعلى نفس المثال أيضا، مركّبات الإيندول (Indoles) الموجودة في الملفوف والبروكولي وبقية الخضار الصليبية.
وكما ذكرنا آنفا فإن هذه العناصر تفرزها النبتة للدفاع عن نفسها في وجه الحشرات الغازية التي تلوذ بالفرار ما إن تتذوق مرارة طعم النبتة. وأهمّ هذه المواد الدفاعية المادّة المسمّاة إيندول -3 – كاربينول (Indole-3-carbinol) أو (I3C)، وهي مادّة فعّالة بشكل خاصّ في مكافحة سرطان الثدي فلها تأثيرات مضادّة للإستروجين (anti-estrogenic)، الهرمون الذي ارتبط اسمه بسرطان الثدي.

وقد بيّنت الأبحاث الحديثة أنّ إعطاء الإيندول -3 – كاربينول خفّض نسبة الإستروجين الضّار المسبّب للسرطان، وبالعكس من ذلك فقد رفع نسب الأنواع الأخرى من الإستروجين غير الضار إلى حدّ كبير.
وللإفادة من وجود هذه المركّبات يجب تناول الملفوف النيء على صورة سلطة والابتعاد قدر الإمكان عن سلق الملفوف الذي يذهب بأكثر من نصف هذه المركّبات الإندولية النافعة الموجودة أساسا في الملفوف الطازج.
ومن الموادّ المهمّة الأخرى التي يحتوي عليها الملفوف، الحوامض الأمينية وأهمّها السيستئين (cysteine) والميتيونين (methionine) وكذلك الليزين (Lysine)، وهذان الأخيران أيّ الميتونين والليزين هما من الحوامض الأمينية الأساسية (essential) أيّ تلك التي لا تصنّع في جسم الإنسان بل يجب أن تؤخذ عن طريق الغذاء. والملفوف على خلاف المصادر النباتية الأخرى هو من المصادر الغنية بهذه الحوامض الموجودة عادة في المصادر الحيوانية كاللحوم والدواجن والبيض.

من هنا، يجب التأكيد على تناول الملفوف كمصدر مهمّ لهذه الحوامض الأمينية الأساسية وخصوصا للنباتيين لأجل المحافظة على التوازن المطلوب للحفاظ على صحتهم وسلامتهم.
هذا مضافا إلى أنّ هذه الحوامض الأمينية تدخل الآن في تركيب أدوية عديدة كالدواء المضادّ للتسمّم بالأسيتامينوفن (البانادول) والمقصود هنا ال أن – أسيتيل – سيستئين (N-Acetyl cysteine) وهو الدواء الذي يوصف للتخلّص من الآثار السامّة للأستامينوفن على الكبد في المراكز والمستشفيات المخصّصة لمعالجة المسمومين، وهو دواء فعّال جدا لمعالجة حالات التسمم هذه.

كما أنّ هناك دلائل عديدة تؤكّد على أهمية إضافة الميتيونين إلى أقراص الأستامينوفين للتخلّص من الآثار السمّية للأخير على خلايا الكبد.
هذا الميتيونين هو نفسه الموجود في الملفوف بشكل طبيعي; وهل هناك أسهل من تناول الملفوف لحماية الكبد وللتخلّص من آثار الأدوية والسموم هذه.

من المكوّنات المهمة الموجودة أيضا في الملفوف مادة كيميائية تبيّن أنّ لها قدرة كبيرة على حماية الغشاء المخاطي للكانال الهضمي، وترميمه عند اللزوم، وبمعنى آخر لها قوة مضادة للتقرحات المعدية، هذه المادة سمّيت بالفيتامين (Vitamin U) U.
وهذا ما يفسّر الفعالية المنسوبة لعصير الملفوف من أنّه يحمي الغشاء المخاطي للمعدة من التأثيرات المخرّبة لحامض الهيدروكلوريك. وفي هذا تفسير أيضا للوصفات التقليدية بشرب عصير الملفوف لعلاج تقرّحات المعدة والإثني عشر في عدد من البلدان الأوروبية.
مضافا لكلّ ما سبق ذكره من مركّبات كيميائية هامة فإنّ الملفوف هو من أغنى المصادر الغذائية بالفيتامينات والمعادن الضرورية لسلامة الجسم. فهو يحتوي على نسبةٍ جيدة من الفيتامينات C و E والبيتاكاروتين، أيّ طليعة الفيتامين A، وكذلك على نسبةٍ مرتفعة من الفوليك أسيد (Folic acid) وبقية مجموعة الفيتامين B، كما يعدّ من أغنى المصادر بالفيتامين K.

ويحتوي الملفوف أيضا على نسب جيدة من الأملاح المعدنية كالكلسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والحديد والزنك، ويتميّز القرنبيط باحتوائه على مقادير أكبر من الحديد (0.7 ملغ في المئة غرام) مقارنة بالملفوف العادي (0.2 ملغ / 100 غ) والفوسفور (64 ملغ / 100 غ) والبوتاسيوم (380 ملغ في المئة غرام) والزنك (0.6 ملغ / 100 غ) وهذا المقدار من الزنك هو ضعفي النسبة الموجودة في الملفوف (0.3).

وهذا الأخير أيّ الزنك هو عنصر حياتي وضروري لأجل رشد ونموّ سليمين وكذلك للبلوغ الجنسي والتكاثر. وقد يؤدّي نقص الزنك إلى مشاكل كبرى كمشاكل النموّ وقصر القامة وتأخّر البلوغ الجنسي، وهذه جميعها من المشاكل الشائعة لدى الأطفال. كما يتسبّب أيضا في نقص المناعة وزيادة نسبة الإصابة بالأمراض الجرثومية والفيروسية المعدية، وكذلك بالكثير من الأمراض الجلدية التي قد لا يعرف لها مسبّب إلاّ النقص في الزنك.
والزنك متوفّر بشكل كبير في المصادر الحيوانية إلاّ أنّه موجود أيضا في بعض المصادر النباتية كالهليون والقرنبيط والسبانخ والأفوكادو والبروكولي وقرّة العين وكذلك الحبوب كالفاصوليا والعدس والبازلاء..
ويحتوي الملفوف الأحمر على الكيرسيتين (quercetin)، المضاد القوي للمؤكسدات (antioxidant)، والذي له فوائد عدّة من ضمنها أنّه مضادّ للالتهابات ومضادّ للفيروسات ومقوّ للمناعة العامة للجسم.

الملفوف والقرنبيط: مقاتلان قويّان في وجه السرطان

لسنا نبالغ أبدا إذا قلنا إنّ عائلة الملفوف ومنها القرنبيط هي من أقوى الأدوية الطبيعية المكافحة لمرض السرطان. فالملفوف والقرنبيط كما بقية أنواع الخضار الصليبية يحتويان على عدد لا يستهان به من المركّبات الكيميائية الفعّالة في محاربة ومنع الإصابة بمرض السرطان الخطير، هذه المركّبات ثبت علميا أنّ لها قدرة كبيرة على الوقاية من الإصابة بأنواع معينة من السرطان كسرطان الثدي، البروستات والقولون.
من أهمّ هذه المركّبات مادّتان متوفّرتان في الملفوف والقرنبيط بشكل كبير، أولاهما مادّة السولفورافان Sulforafane التي تمنع الإصابة بمرض السرطان، وذلك بأن تفعّل الأنزيمات المحاربة له في جسم الإنسان. فعلى سبيل المثال يزيد السولفورافان من نسبة الأنزيم المسمّى Glutathione S-transferase أو (GST) في القولون، هذا الأنزيم يعمل على التخلّص من السموم والمواد المسرطنة ودفعها إلى خارج الجسم قبل أنّ تسنح لها الفرصة لمهاجمة وتخريب الخلايا المخاطية الحساسة للقولون وبدء عملية السرطان فيها..
في دراسة أجريت في جامعة هوبكنز في بالتيمور وضعت مجموعة من الحيوانات تحت تأثير مادة مسبّبة للسرطان ثمّ قسّمت هذه المجموعة إلى مجموعتان أعطيت إحداهما مادّة السولفورافان أمّا الثانية فلم تعط شيئا.
وقد أظهرت هذه الدراسة أنّ 26 بالمئة فقط من المجموعة التي أعطيت مادّة السولفورافان أصيبت بسرطان الثدي في مقابل 68% من المجموعة التي لم تعط هذا الدواء الفعّال. وهذه نسب مقنعة تماما، خصوصا إذا ما عرفنا أنّ عدد الحيوانات المخبرية في المجموعة التي لم تعط السولفورافان هو 25 من أصل 145 حيوانا أعطي بقيّتها الدواء ما شكّل حماية لما يقارب ثلاثة أرباع المجموعة الأكبر من الإصابة بسرطان الثدي.
هذا بالنسبة للسولفورافان وحده، أما المادّة الأخرى المحاربة للسرطان الموجودة في الملفوف والقرنبيط فهي مادّة الإيندول – 3 – كاربينول Indole-3-Carbinol أو باختصار I3C.

وتعمل هذه المادّة كمضادّ للأستروجين، الهورمون المثير للجدل الذي ارتبط اسمه بسرطان الثدي والبروستات; لهذا ومع أنّ تناول الملفوف والقرنبيط وكل الخضار الصليبية يقي من الإصابة بأمراض السرطان على أنواعها إلاّ إنّها فعّالة بشكل خاص في منع الإصابة بسرطان الثدي والبروستات، وكذلك القولون.
لذا، من المفيد طبعا التسلّي بأوراق الملفوف أو قضم زهرات القرنبيط نيئة أو حتى الاستفادة منها في صنع السلطات اللذيذة المقرقشة، ففي هذه الحالة تحتفظ بفوائدها كاملة في الوقاية من مرض السرطان الخطير. وبالعكس فإنّ سلق الملفوف أو القرنبيط أو تعريضه للحرارة بشكل عام يذهب بنصف محتواه من الإيندول المحارب للسرطان.
ولأجل هذا ينصح بتناوله نيئا أو طبخه بشكل سريع على البخار أو بالمايكروويف أو حتى تقليبه بسرعة مع بقية مكوّنات الطبخة كما على الطريقة الصينية التي تحفظه مقرمشا ولذيذا ونافعا أيضا، أما سلقه فهو من أسوأ الطرق للاستفادة منه.

الملفوف الأحمر: مضادّ للالتهابات وللسرطان

من المواد الكيميائية المهمة التي يحتوي عليها الملفوف الأحمر مادّة الكيرسيتين (Quercetin)، وهو من الفلافونوئيدات النافعة التي اكتسبت شهرة كبيرة، ومن فوائده أنّه مضاد للالتهابات، مضاد للفيروسات، مضاد للحساسية ومقوّ للمناعة.
من هنا، ينصح بالإكثار من تناول الملفوف في حال الإصابة بالأنفلونزا والكريب والأمراض الفيروسية الأخرى والحساسية، فله قدرة كبيرة على محاربة هذه الأمراض وتقوية المناعة وذلك بسبب محتواه من الفيتامين C والكيرسيتين والزنك وهذه جميعها لها دور مهم في تقوية مناعة الجسم ومحاربة الأمراض.

كما يحتوي الملفوف الأحمر على مادة كيميائية دوائية أخرى من مجموعة الفلافونوئيدات بل لعلّها أشهرها على الإطلاق، هذه المادّة هي البروأنثوسياندين (Proanthocyanidine) وهي نفسها موجودة في العنب وأنواع التوتيّات كالتوت الأسود والتوت البري (Cranberries) وتوت العليق.
والبروأنثوسياندين مضادّ قويّ للأكسدة بل قد يكون أقوى مضادات الأكسدة التي اكتشفت حتى الآن، وهو أيضا مضادّ للالتهابات (anti inflammatory) ومقوّ لجدران العروق; والأهمّ أنّ البروأنثوسياندين اشتهر بشكل واسع وكبير على أنّه محارب قويّ لمرض السرطان الخطير وقد أجريت عليه دراسات وأبحاث كثيرة تشير وتؤكّد على قدراته وقوّته في محاربة مرض السرطان.
من هنا، ينصح بالإفادة من المصادر الغنية بالبروأنثوسياندين ومنها الملفوف الأحمر بشكل يومي لتقوية مناعة الجسم، وللحصول على جرعات كبيرة من مضادّات الأكسدة (antioxidants) المهمّة للحفاظ على خلايا الجسم ووظائفه، والأهم من كلّ ذلك للوقاية من الابتلاء بمرض السرطان وخصوصا أنّ الدراسات المخبرية قد أثبتت أنّ له قدرة كبيرة على وقف نموّ الخلايا السرطانية في الرئة والقولون والثدي.

عصير الملفوف: مرمّم لقرحة المعدة

اشتهر عصير الملفوف في الطب القديم على أنّه من أفضل الأدوية المضادّة لتقرّح المعدة والإثني عشر، والمرمّمة لهما إن وجدا. ولهذا الشأن كان عصير الملفوف يوصف لكلّ من يعاني من مشاكل وآلام المعدة، وما زالت هذه الوصفة سارية حتى اليوم في عدد غير قليل من الدول الأوروبية وأميركا.
وهذا لم يكن له من دليل إلاّ الفعالية والقدرة على تخفيف حدّة وشدّة المرض والتي كان يؤكّد عليها المرضى أنفسهم.
أمّا اليوم، فقد اكتشفت مادة في الملفوف، هذه المادّة لها قدرة كبيرة على حماية الأغشية المخاطية للمعدة وللإثني عشر بل وترميمهما أيضا إذا استلزم الأمر، وقد سمّيت هذه المادّة بالفيتامين U (vitamin U) أو العامل المضاد للتقرّح anti-ulcer factor.
وحاليا هناك أدوية موجودة في الصيدليات ومراكز بيع الأدوية في الدول الأوروبية مستخلصة من الملفوف على شكل أقراص (Tablet) أو عصارة (extract) يستفاد منها في علاج القرحة وآلام المعدة بشكل عام. أمّا في المنزل فقد يؤدّي عصير الملفوف نفس الفائدة المرجوّة في تخفيف حدّة آلام القرحة شرط أن يؤخذ القليل منه قبل كلّ وجبة طعام، أيّ ثلاث مرات في اليوم كأيّ دواء مضادّ للقرحة. ويحتفظ عصير الملفوف بفعاليته هذه لمدة 24 ساعة إذا حفظ مبرّدا في البراد.

الملفوف والقرنبيط: لتحفيز الرشد والنموّ لدى الأطفال

إنّ أهمّ ما يميّز الملفوف والقرنبيط احتواؤهما على نسبةٍ مرتفعة من الحوامض الأمينية الأساسية أهمّها السيستئين (Cysteine) والميثيونين (methionine) والليزين (Lysine). وتؤمّن هذه الحوامض عادة عن طريق المصادر الحيوانية كاللحوم على أنواعها والبيض والحليب، أمّا المصادر النباتية فهي فقيرة بها إلاّ ما ندر. والملفوف هو من شواذ القاعدة هنا حيث يحتوي على مقادير جيدة من هذه الحوامض الأمينية الضرورية بشكل خاصّ للشباب المراهقين وللأطفال في طور النمو.
لأجل هذا ينصح بالاستفادة من الملفوف بشكل يومي لكلّ من هو في حاجة إلى تحفيز الرشد والنموّ كالمراهقين والرياضيين الذين يهدفون لبناء عضلاتهم. فالملفوف هو من الأغذية المهمّة الغنية بتلك الحوامض الأمينية البنّاءة للجسم والمحفّزة للنموّ، ولا ضير من تناوله بشكل يوميّ على خلاف المصادر البروتينيّة الأخرى الغنية عادة بالدهون المشبّعة، ونقصد هنا اللحوم والبيض و.. الخ.

كما إنّ الملفوف هو أيضا غنيّ بالكالسيوم والفوسفور الضروريين في هذه المرحلة لأجل بناء عظام وأسنان سليمة وقوية.

الملفوف والقرنبيط: لمنع تساقط الشعر

إنّ غنى الملفوف بالحوامض الأمينية ومنها الميثيونين (methionine) والسيستئين (cysteine) مضافا إلى غناه بمجموعة الفيتامين B وبالأملاح المعدنية الضرورية كالكلسيوم والفوسفور والزنك تجعله في مقدّمة الأطعمة المقوّية والمحفّزة لنمو شعر الرأس والمانعة لتساقطه. وحاليا هناك أدوية متوفّرة في الصيدليات على صورة أقراص توصف خصيصا لمنع تساقط الشعر وتقصّفه، والأدوية هذه مركّبة من نفس الحوامض الأمينية الموجودة في الملفوف أيّ الميثيونين والسيستئين إضافة إلى الفيتامينات B5 و B6 والزنك والنحاس.
هذه العناصر كلّها متوفّرة في الملفوف بنسب جيّدة ما يجعل منه غذاء ممتازا ومقوّيا للشعر ومانعا لتقصّفه وتساقطه وخصوصا إذا ما أكل بشكل يومي وذلك بإضافته إلى السلطات المتنوّعة أو بالتسلّي بقرمشة أوراقه الغضّة من حين إلى آخر، وكذلك القرنبيط الأخ الأقرب للملفوف والذي يمكن الاستفادة منه نيئا بنفس الطريقة التي ذكرنا للملفوف. والقرنبيط أغنى من الملفوف بالأملاح المعدنية كالفوسفور والبوتاسيوم والحديد والزنك والمغنيزيوم والمنغنيز، فهو يحتوي على 0.7 ملغ من الحديد في كل مئة غرام منه مقارنة بالملفوف الذي يحتوي على 0.2 ملغ فقط، كما يحتوي على 0.6 ملغ من الزنك في المئة غرام منه مقارنة ب 0.3 ملغ في الملفوف.

إنّ تساقط الشعر هو واحد من عوارض نقص الحديد والزنك في الجسم لذا فإنّ تناول القرنبيط والملفوف كما المصادر الأخرى الغنية بالحديد والزنك هو من أهمّ الوسائل المتّبعة لمنع تساقط الشعر.

ويعتبر الكبد والمكسّرات وفول الصويا والعدس والبازلاء والفاصولياء وسمكة الأنشوفة والسردين من أغنى المصادر الغذائية بالزنك الضروري للوقاية من بعض مشاكل الجلد ولمنع تساقط الشعر. أما الملفوف والقرنبيط فهما أيضا من المصادر الغنية بالزنك وخصوصا الأخير، إلاّ أنّ ما يميّزهما فعلا هو أنّهما في المتناول دائما ويمكن الاستفادة منهما بعدة طرق على شكل سلطة أو تسالي لذيذة مقرمشة كالقرنبيط النيئ المملّح، فهو بالتأكيد من ألذّ التسالي وأنفعها على الإطلاق.

الملفوف والقرنبيط: للتخلّص من سموم الأدوية

من المعروف بالطبع دور الحوامض الأمينية الضرورية المختلفة كالميثيونين والسيستئين وكذلك الليزين (Lysine) الموجودة في الملفوف والقرنبيط في تحفيز الرشد والنموّ، النموّ الجسدي والعضلي وكذلك نمو الشعر والأظافر، فالحوامض الأمينية هذه هي جزء رئيسي مكوّن للبروتين الضروري لنمو الجسم كاملا. أما ما هو غير معروف لدى غالبية الناس فهو مقدرة بعض هذه الحوامض الأمينية كالميتيونين (methionine) والسيستئين (cysteine) على التخلّص من بعض السموم وأهمها سموم الأدوية فهذه الحوامض هي أساس لعدد من الأدوية المضادة للتسمّم وهي تستخدم غالبا لهذا الشأن. فالدواء المعروف أنّ أسيتيل سيستئين (N-Acetylcysteine) هو أحد مركّبات السيستئين المشهورة في مجال الطب والدواء ويستفاد منه بوفرة في مراكز معالجة المسمومين كمضادّ للتسمّم بالأستامينوفن Acetamenophen وهو ما يسمّى أيضا باراسيتامول (Paracetamol) في بعض الدول الأوروبية وهو نفسه ما تعرفه غالبية الناس بالبانادول (Panadol).
وهو دواء مسكّن ومخفّض للحرارة، آمن (safe) إلى حدّ كبير، إلاّ أنّ الإسراف في تعاطيه بجرعات عالية يؤدّي إلى ضرر خلايا الكبد كما أنّ تناول جرعة واحدة زائدة منه بهدف الانتحار مثلا قد يؤدّي إلى فشل ذريع في وظائف الكبد ويمكن أنّ يتسبب بالوفاة في غضون ساعات.
وال NAC أو N-Acetylcysteine هو الدواء الفعّال المستعمل عادة لمعالجة حالات التسمّم هذه فهو يعمل على زيادة مخزون الكبد من الغلوتاتيون (glutathione) المفعّل للأنزيمات العاملة على التخلّص من سموم الأدوية، والمضاد القوي للأكسدة.
هذه الأنزيمات المسمّاة بأنزيمات الغلوتاتيون أس – ترانسفراز (Glutathione S-transferases) أو ببساطة (GSTs) لها دور مهم وأساس في عملية التخلّص من سموم بعض المركّبات الدوائية المدمّرة لخلايا الكبد، وخصوصا الأستامينوفن، وهو الدواء الأكثر استفادة على الإطلاق كمسكنّ للألم ومخفّض للحرارة.
أما الميتيونين، الحامض الأميني الآخر الموجود في الملفوف والقرنبيط فهو أيضا دواء فعّال كمضادّ للتسمّم بالأستامينوفن (antidote)، وهناك من يؤكد من العلماء على أهمية إضافته إلى أقراص ومركبات الأستامينوفن للحدّ من آثاره المضرّة بالكبد.
صحيح أنّ نسبة السيستئين والميتيوفين الموجودة في الملفوف والقرنبيط هي أقلّ بكثير من نسبتهما في المركّبات الدوائية المستفادة في الطب لمعالجة حالات التسمّم هذه، إلاّ أنّ هذا لا ينكر فوائدهما الكبيرة كمضادين قويين للمؤكسدات وحاميين لخلايا الكبد (hepatoprotective)، وأيضا كدواءين مؤثّرين في دفع السموم كلّها من الجسم، وبشكل خاص سموم الأدوية.

القرنبيط: مقوّ للذاكرة

من منا لم يسمع مقولة أنّ الجوز واللوز والمكسّرات عموما تقوّي الذاكرة؟ من منا لم يسمع بالتين المجفّف والمشمش والفاكهة المجفّفة بشكل عام كمصدر مهم لمجموعة الفيتامين B وللفوسفور الضروريين لتقوية الذاكرة والإدراك؟.
إلا أنّ ما لا يدركه الغالبية العظمى من الناس هو أنّ القرنبيط هو واحد من أهمّ الأغذية المقوّية للذاكرة.. كيف هذا؟. ولماذا؟
يحتوي القرنبيط على ثروة من الأملاح المعدنية الأساسية تكاد تقارب نسبتها في أغنى مصادرها. ففيه نسبة عالية من الفوسفور المغذّي للدماغ (64 ملغ في الحصّة الواحدة) وكذلك الحديد (0.7 ملغ في الحصّة) والزنك (0.6 ملغ) إضافة إلى نسبة جيدة من مجموعة فيتامينات B المركّبة (B3، B2، B1، B9، B6، B5 أو حمض الفوليك)، وهذه جميعها ضرورية لحفظ الذاكرة وتحفيز الإدراك. من أهمّ علائم نقص هذه الفيتامينات قصور الذاكرة وضعف التركيز وصعوبة التعلّم والنسيان بشكل عام. وتلعب مجموعة فيتامينات B المركّبة دورا رئيسيا في إنتاج الطاقة الخلوية للجسم، وبشكل خاص في خلايا الدماغ.

ويجب هنا التذكير بواحد من هذه المجموعة، الكولين (Choline) الموجود بوفرة في الملفوف والقرنبيط، وخصوصا في الأخير. والكولين هو ما يحتاجه الدماغ بشكل خاص فما إن يصل إلى الدماغ حتى يتحول إلى أستيل كولين (acetyl choline) وهو الناقل العصبي المسؤول عن إرسال المعلومات من خلية عصبية إلى أخرى في الدماغ. ويؤدّي انخفاض مستوى الأستيل كولين إلى ضعف الذاكرة، وقد يؤدّي أحيانا إلى النسيان التام.
والكولين (choline) ضروري أيضا لأجل تكوين وحفظ السفنغوميلين (sphingomyelin) وكلاهما يدخل في تكوين غشاء الخلية العصبية، هذا الغشاء الذي يحمي الخلية العصبية ويؤمّن انتقال المعلومات من خلية إلى أخرى بسرعة ودقة.
والكولين موجود بوفرة في كبد العجل والملفوف والقرنبيط والبيض والفستق السوداني ومشتقات الصويا.
من هنا، ينصح بالإكثار من تناول هذه الأغذية لطلاب المدارس والجامعات، وللأطفال الذين هم في مرحلة التطوّر الدماغي الحركي، وكذلك يوصى للأمهات الحوامل بالإكثار من تناول الأغذية الغنية بالكولين في فترة الحمل فهو يساعد على نمو الدماغ لدى الجنين بشكل سليم ومتوازن.

كيف تحصل على أفضل النتائج؟

● كل الملفوف والقرنبيط نيئا
للاستفادة من خواصّ الملفوف والقرنبيط المضادّة للسرطان ينصح بالإكثار من تناولهما بشكلهما النيئ إمّا بإضافتهما إلى السلطات المتنوعة والفتّوش أو بالتلذّذ بقرمشتهما كتسالي لذيذة وصحّية في آن معا.. وأنا من خلال تجربتي أجد أنّ الكثيرين، وخصوصا الأطفال، يحبّذون التسلّي بأوراق الملفوف وبزهرة القرنبيط المقرمشة أكثر من أيّ شيء آخر.
لماذا يفضّل تناول الملفوف والقرنبيط النيئ؟ السبب هو أنّ طبخهما وتعريضهما للحرارة يذهب بأكثر من نصف محتواهما من الإيندول (Indole) المحارب للسرطان، وهذا ما لا نريده طبعا..
أما إذا أردت الاستفادة منهما في الطبخ فيجب أن يتم ذلك على البخار أو في المايكروويف وبسرعة، أمّا السلق فهو أسوأ الطرق لطبخ الملفوف والقرنبيط على الإطلاق حيث يذوب نصف محتواه تقريبا من الإيندول في ماء السلق.

● لوّن طعامك وتلذّذ به
لكي تستفيد من خواصّ الملفوف والقرنبيط الشافية بشكل يوميّ من دون التعرّض للملل والنفور، يمكنك عزيزي القارئ أن تملأ برادك بأنواع متعددة من هذه الخضروات النافعة، فيمكنك يوما أن تضيف الملفوف الأحمر إلى سلطتك المفضلة أو أن تستعمل زهرات القرنبيط المقرمشة واللذيذة لإضفاء النكهة المميّزة لصحن الفتوش مثلا، وفي يوم آخر يمكنك الاكتفاء بقرمشة زهرات القرنبيط وحدها; وعلى سبيل التغيير يمكنك الاستفادة من أنواع الملفوف الأخرى كالملفوف الصغير Brussels sprouts أو أيّ نوع آخر متوفّر في منطقتك.

● احفظه بالبراد واستفد منه يوميا
عند شرائك الملفوف والقرنبيط يجب اختيارها طازجة مقرمشة والابتعاد عن ذات الأوراق الخارجية الذابلة، أمّا بالنسبة للقرنبيط فيجب الابتعاد عن تلك الحاوية لأماكن مهترئة أو بنية اللون بين زهيراتها بل يجب أن يكون لونها لؤلؤيا موحّدا.
وفي هذه الحالة يمكن الاستفادة من رأس الملفوف أو القرنبيط بشكل يوميّ وذلك بوضعه في المكان المخصّص للخضار في البراد حيث يمكن حفظه لمدة أسبوع أو عشرة أيام بشكل جيد، وأخذ المقدار المراد الاستفادة منه وإعادة تغليفه ووضعه في البراد طوال هذه المدة.