عندما كنت في مرحلة التخرج، مات والد صديقي فجأة بنوبة قلبية؛ ولم أنس كم كنت مصدوما عندما علمت أن شخصا مثله كان يبدو نشيطا بوضوح وبصحة ممتازة في يوم من الأيام ويموت في اليوم التالي، تاركا وراءه زوجة مدمرة وعائلة فتية. بدأت أقلق بشأن صحة والدي؛ فعندما كان يأتي متأخرا إلى المنـزل من عمله، كنت أخاف أيضا من أن يعاني من نوبة قلبية. وقد كان لهذه التجربة أثر بالغ في، وساهمت في إثارة اهتمامي بمرض القلب.
لكن تعلمت بسرعة أن كلية الطب قدمت القليل من المعلومات عن الوقاية من أمراض القلب؛ فخلال تدريبـي، سألت أحد أصدقاء العائلة المقربين الذي كان طبيبا خبيرا في أمراض القلب عن كيفية الوقاية من النوبات القلبية، لكن جوابه لم يبعث في الكثير من الأمل: “اختر الوالدين الصحيحين”.
لقد شعرت بالخيبة والإحباط من هذه الإجابة، لكن في الوقت نفسه كانت الحقيقة بأن النوبات القلبية الباكرة التي تسري في العائلات هي منتهى معرفتنا بالوقاية القلبية. كما عرفنا أن الرجال بعد عمر الخمسين سنة أكثر استعدادا من الرجال الأصغر سنا للإصابة بالنوبة القلبية والسكتة. في الواقع، لم نفكر كثيرا بالنساء في ما يتعلق بمرض القلب، لأننا اعتقدنا خطأ بأن النساء منيعات نوعا ما تجاه النوبة القلبية! وكما هو الأمر في الوقاية، ليس لدينا تقريبا نصيحة مثبتة نقدمها إلى الناس الذين لديهم تاريخ مرض قلبي باكر في أسرهم. وقد بدأت خلال تدريبـي نتائج الدراسات الباكرة على عوامل خطر أمراض القلب تظهر إلى النور.
لقد أتى الدليل الأول على أن النظام الغذائي ونمط الحياة يمكن أن يكونا من العوامل المسببة بالإصابة بمرض القلب من الدراسة المشهورة الآن، وهي دراسة القلب في فرامينغهام، فهي دراسة مديدة جرت على نمط الحياة والصحة عند نحو 5000 رجل وامرأة يقيمون في بلدة فرامينغهام بماساتشوسيتس. وقد أعطت هذه الدراسة، بالتعاون مع الخدمات الصحية العامة في العام 1948، كنـزا كبيرا من المعلومات عن عوامل خطر النوبات القلبية والسكتات. وقد علمتنا معطيات فرامينغهام العلاقة الهامة بين أمراض القلب والكوليسترول، فضلا عن العلاقة بين أمراض القلب والتدخين. وكانت دراسة فرامينغهام إحدى التجارب الأولى لتضمين النساء، وقد قدمت بعض الإضاءة الأولى على الفوارق في طريقة معاناة الرجال والنساء من أمراض القلب. في الحقيقة، يرجع الفضل إلى دراسة فرامينغهام في طرح مصطلح عوامل الخطر.
لكن – وللأسف – جرت غربلة الكثير من هذه المعلومات أمام العامة؛ ففي مسح لضحايا النوبة القلبية عام 1997 ممن كان لديهم ارتفاع في ضغط الدم، لم يعرف 85٪ منهم أن فرط ضغط الدم يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية. كما أن 26٪ من الضحايا المدخنين لم يعرفوا أن التدخين هو عامل خطر رئيسي للإصابة بالنوبة القلبية والسكتة. ويخبرنا ذلك بأن عشرات الملايين من الناس هم في عتمة بشأن ما يجعلهم في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية، إذ إنهم لا يعرفون ما هي خطوات التغيير في نمط الحياة التي يمكنهم القيام بها لإنقاص الخطر، كما قد لا يفهمون عوامل الخطر لديهم بما يكفي للتعاون مع نصائح أطبائهم. وللوقوف على مصادر المزيد من المعلومات عن دراسة فرامينغهام، انظر المصادر في نهاية الكتاب.
نوجه اليوم كل الشكر للمعلومات الصادرة عن دراسة فرامينغهام والاستقصاءات اللاحقة، فقد أصبح لدينا فهم أفضل وأعمق للمشاكل الجسدية وعوامل نمط الحياة التي تجعل الناس في خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات. لقد وضعت استبيانا لمساعدتك على معرفة أين تقف من حيث عوامل الخطر لديك؛ فإذا كنت في خطر، سيمكنك أسلوبي الوقائي من
دراسة القلب في فرامينغهام
في كل مرة أخبر فيها مرضاي بضرورة التوقف عن التدخين أو ممارسة التمارين أكثر أو إنقاص الكوليسترول السيئ، أشعر بامتنان كبير لدراسة فرامينغهام؛ فمن دون هذه الدراسة، لم يكن لدى أطباء القلب الوقائيين الكثير من النصائح التي يقدمونها؛ فقبل دراسة فرامينغهام، لم نكن نعرف إلا القليل عن العوامل الخطيرة المسببة لمرض القلب، كما أن الكثير مما كنا نعرفه كان خاطئا، إذ إننا لم نكن نملك – على سبيل المثال – دليلا على أن ارتفاع ضغط الدم يجعل الشخص في خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة. كما أن التدخين لم يكن يعد خطيرا حتى عام 1960.
بالعودة إلى العام 1948، كانت الدراسة القلبية في فرامينغهام أول دراسة مديدة لصحة القلب والأوعية، فقد تابعت نحو 5000 شخص يعيشون في بلدة فرامينغهام في ماساتشوسيتس. وكان أول عمل أجري هو فحص طبي شامل لجميع المساهمين مع مقابلتهم للاستقصاء عن عاداتهم الصحية وتاريخ عائلاتهم الطبي. هل تدخنون؟ ماذا تأكلون؟ كم تمارسون التمارين؟ هل تتناولون الكحول؟ هل لديكم أفراد مقربون في العائلة يعانون من مرض القلب؟
بعد المقابلة الأولية، راقب الباحثون صحة الأشخاص المتطوعين لعدة عقود، وهذا ما أعطى الباحثين الفرصة للربط بين صحة المتطوعين والمعطيات التي جمعوها في بداية الدراسة؛ فقد كانوا قادرين – على سبيل المثال – على رؤية ما إذا كان المدخنون في خطر الإصابة بالنوبات القلبية أكثر من غير المدخنين. واستطاعوا معرفة ما إذا كان ارتفاع ضغط الدم أكثر شيوعا لدى مفرطي الوزن (السمان). لقد كان هذا عملا جادا ومرهقا، لكنه أدى في نهاية المطاف إلى ذخيرة من المعلومات المنقذة للحياة.
لقد تركت دراسة فرامينغهام لدي انطباعا كبيرا كطبيب شاب؛ فأنا أتذكر بوجه خاص الدكتور وليام كاستيلي الذي تسلم الأمر كمدير لفرامينغهام عام 1979، وبقي يشغل هذا المنصب حتى العام 1995. وهو يستحق رصيدا هائلا، ليس بسبب أبحاثه، بل بسبب سفره عبر البلد ناشرا الرسالة الوقائية بطريقة ممتعة أيضا. لقد قرأت الكثير من محاضراته بقدر ما استطعت في الثمانينيات من القرن الماضي، فزادت اهتمامي بالوقاية القلبية. لقد كانت دراسته الإيجابية أنه من الممكن الوقاية من النوبات القلبية والسكتات عبر تحسين أرقام الكوليسترول السيئ من خلال الأدوية وتغيير نمط الحياة. ونحن لم نكن نملك كل الوسائل التي نملكها اليوم، لكنها كانت قفزة ممتازة بدأت في الاتجاه الصحيح.
استمر العمل الهام في فرامينغهام؛ ففي عام 1971 جند الباحثون 5124 طفلا وأزواج المتطوعين الأصليين لدراسة مؤثرة أخرى، دراسة ذرية فرامينغهام، وهي ما ألقى الضوء على دور عوامل الخطر الوراثية. لقد قامت مجموعة أخرى من الباحثين بدراسة الأصناف الفرعية المختلفة للكوليسترول السيئ LDLوالجيد HDL بالاعتماد على فهمنا لحصول التصلب العصيدي.
الحد من هذا الخطر. لكن هناك نقطة هامة لم أستطع التركيز عليها بدرجة كافية، فعوامل الخطر الواضحة تخبر بنصف القصة فقط، والكثير من النوبات القلبية تحصل لدى أشخاص ليس لديهم عوامل الخطر التقليدية أو لديهم القليل منها، وهذا ما يجعلني انفعاليا جدا حول الإلحاح على أولئك الذين يفكرون بأنك لست في خطر للاستفادة من مزايا الاختبارات الطبية الجديدة غير الباضعة؛ فبإجراء هذه الاختبارات المتقدمة، ستحصل على صورة أكثر اكتمالا بكثير عن حالة الصحة القلبية الوعائية لديك.
النساء والهرمونات ومرض القلب
رغم أن النساء لا يصبن بمرض القلب، إلا أنهن يملن إلى الإصابة به في المرحلة اللاحقة من الحياة أكثر من الرجال، بسبب التأثيرات الوقائية للإستروجين الطبيعي بدرجة كبيرة. وما دامت النساء يمررن بفترات طمثية منتظمة، فهن يتمتعن بمستوى هام – لكن غير مطلق – من الوقاية. ويرتبط الإستروجين المنتج بشكل طبيعي بنقص مستويات الكوليسترول السيئ والتريغليسيريد وارتفاع مستوى الكوليسترول الجيد. وعندما ينقص إنتاج الإستروجين عند المرأة في أواخر العقد الرابع من العمر وحتى أوائل العقد الخامس، تبدأ بفقد الخاصية الهرمونية المفيدة لديها.
كان الخبراء على مدى عقود ينصحون النساء بالمعالجة الهرمونية المعيضة (HRT) لحماية قلوبهن، فضلا عن تفريج أعراض سن اليأس وتقوية العظام. وقد بدت خصائص الإستروجين الواقية للقلب واعدة جدا، بحيث إن نحو نصف الطبيبات بعد سن اليأس جميعهن لجأن إلى المعالجة الهرمونية المعيضة، بمعدل أكبر من عامة الناس استنادا إلى دراسة أجريت عام 1997.
لكن تلك الآمال أحبطت عام 2002، عندما أدت نتائج أولية لبرنامج تعزيز الصحة عند النساء (برنامج بحثي على مدى 15 سنة) إلى انعطاف مثير في التفكير بشأن المعالجة الهرمونية المعيضة؛ فبالمقارنة مع النساء اللواتي لم يستعملن هذه المعالجة، أظهرت النساء اللواتي تناولن عقار البريمبرو (توليفة من الإستروجين والبروجسترون) زيادة مجفلة في نسبة 29٪ من الوفيات الناجمة عن مرض القلب، فضلا عن زيادة بنسبة 22٪ في الداء القلبي الوعائي إجمالا. ولقد صدمت هذه النتائج المجتمع الصحي، وأدت إلى قدر كبير من التشوش والغضب عند عامة الناس.
لكن – كما يظهر – لم تنته قصة المعالجة الهرمونية المعيضة؛ فقد أعادت دراسة أجريت في أبريل 2006 ونشرت في مجلة الطب الباطني العام تقييم الدراسات السابقة عن المعالجة الهرمونية المعيضة ومرض القلب، ووجدت أن النساء اللواتي بدأن هذه المعالجة في فترة قريبة من سن اليأس نقص خطر مرض القلب لديهن بنسبة 32٪ بالمقارنة مع أولئك اللواتي لم يستعملنها. ويبدو الآن أن العمر الذي تبدأ فيه النساء المعالجة الهرمونية المعيضة يؤدي إلى فرق حقيقي في النتائج؛ فالنساء الشابات (قبل 10 سنوات من سن اليأس أو قبل عمر 60 سنة) اللواتي استعملن المعالجة الهرمونية المعيضة أظهرن تراجعا ملحوظا في النوبات القلبية وفي الوفيات الناجمة عنها، بالمقارنة مع النساء اللواتي لم يستعملن هذه المعالجة أو استعملن البلاسبو (الحبة الموهمة). أما النساء الكبيرات على المعالجة الهرمونية المعيضة (10 سنوات أو أكثر من سن اليأس أو بعد عمر 60 سنة) فقد أظهرن خطرا زائدا للإصابة بنوبة قلبية في السنة الأولى للبدء بالمعالجة الهرمونية المعيضة، لكن الخطر لديهن نقص بعد سنتين من بدء المعالجة. ولا يزال هناك خطر زائد للإصابة بسرطان الثدي عند النساء اللواتي يستعملن المعالجة الهرمونية المعيضة، لكن ربما مع نقص خطر الإصابة بسرطان القولون.
أتمنى أن أقدم إجابة معيارية واحدة لإسداء نصيحة لجميع النساء بشأن اللجوء إلى المعالجة الهرمونية المعيضة، لكن ذلك هو حالة لا يستقيم معها دواء بمقاس واحد يناسب الجميع. والإجابة الحقيقية هي أن كل امرأة تحتاج إلى تقييم عوامل الخطر الخاصة بها بالنسبة إلى مرض القلب مع طبيبها للتحقق مما إذا كانت مناسبة لها أم لا.
لا يخبرنا العمر الزمني وحده بكامل القصة، وأود أن أشدد على أنه عندما تكون في العقد السادس أو السابع من عمرك لا يعني ذلك أن صحة قلبك تتدهور؛ فقد قمت حديثا بمراجعة التفريسة القلبية لمريض بعمر 74 سنة يتمرن يوميا ويتبع نظاما غذائيا صحيا، ولم أجد لويحات متكلسة مطلقا في شرايينه التاجية، وهذا يعني أن خطر إصابته بنوبة قلبية كان منخفضا للغاية. ويبدو أنه قد اختار فعلا والديه المناسبين، لكن ذلك لا يزال غير مسؤول تماما عن صحته الجيدة، ولا بد من إضافة رصيد جديد إلى نمط حياته الصحي للقلب أيضا.
في اليوم نفسه، راجعت تفريسة لامرأة بعمر 58 سنة كانت زائدة الوزن وقليلة الحركة، فكانت شرايينها مليئة باللويحات المتكلسة التي جعلتها معرضة بشكل خطير للإصابة بنوبة قلبية أكثر من مريضي الذكر المسن. وما أود الإشارة إليه هو أنك قد تكون ذا شرايين صحيحة وأنت في عمر متقدم إذا اتبعت الخيارات الصحيحة لنمط الحياة واتخذت الخطوات الكفيلة بإنقاص عوامل الخطر التي هي في استطاعتك.
ما هو هام فعلا هو العمر الفيزيولوجي لشرايينك، فكما نعجب بالأذهان المتقدة للكثير من الأشخاص المسنين، نرى أنهم قد يظهرون شرايين شابة رغم تقدمهم في العمر. وفي الكثير من المجتمعات غير الغربية، حيث لا يكون الطعام معالجا بشدة ويكون التمرين جزءا من الحياة اليومية، تبدو شرايين المسنين نظيفة والنوبات القلبية والسكتات نادرة.
تأليف الدكتور آرثر أغاتستون