تعلم الطفل التحكم في جسده
يبدأ بتحريك رأسه، وتدريجيا يحرك يديه وجذعه وساقيه. وهناك الكثير من الحركات الأولى يكون بمقدوره فعلها من قبل؛ فعند الميلاد، يعرف الطفل كيف يرضع، وإن لمس شيء وجنته -إصبعك على سبيل المثال- تجديه يحاول الوصول إليه بفمه. وبعد أيام قليلة، يصبح أكثر استعدادا للقيام بدوره في عملية الرضاعة. وإن حاولت تثبيت رأسه، فإنه يغضب على الفور، ويتلوى تملصا لتحريره من قبضتك. (وربما تكون لديه هذه الفطرة لتجنب الاختناق في الغالب) ومن تلقاء نفسه، تجدينه يتبع الأشياء بعينيه، عادة في قرابة الشهر الأول، إن لم يكن قبل ذلك، بالإضافة إلى البدء في الوصول إلى الأشياء.
استخدام يديه
يمكن أن يضع بعض الأطفال أصابع الإبهام أو غيرها في الفم منذ اليوم الأول. كما يبين التصوير بالموجات فوق الصوتية خلال فترة الحمل أن الأجنة يفعلون ذلك في الأرحام. إلا أن غالبيتهم لا يستطيعون إيصال أيديهم إلى أفواههم بشكل منتظم إلى أن يكملوا شهرين أو ثلاثة أشهر. ولأن قبضتي أيديهم لا تزال كل منهما مقفلة بإحكام، فغالبا يستغرق الأمر وقتا أطول للتحكم في الإبهام بصورة منفصلة عن باقي اليد.
وبقرابة الشهر الثاني أو الثالث، يقضي الكثير من الأطفال ساعات في النظر إلى أيديهم. فيرفعونها لأعلى إلى أن يضربوا بها أنوفهم، على نحو يفاجئهم، ثم يمدونها ويبدءون من جديد. وهذه هي بداية التناسق بين العين واليد.
الوظيفة الأساسية لليدين هي الإمساك بالأشياء، ويبدو أن الطفل يعرف مسبقا ما سيقوم بتعلمه في المرحلة اللاحقة. فقبل أن يستطيع الإمساك بشيء فعليا، ينظر وكأنه يريد الإمساك به، بل ويحاول. وفي هذه المرحلة، إن وضعت شخليلة في يده، فستجدينه يمسكها ويلوح بها.
عند إكماله نصف عامه الأول تقريبا، يتعلم الطفل كيف يمسك بشيء أتى به من على بعد ذراعه، وكيف ينقل شيئا من يد إلى الأخرى. وبصورة تدريجية، تجدينه يتعامل مع الأشياء بخبرة أكبر. وبدءا من قرابة تسعة أشهر، يحب الطفل التقاط الأشياء الصغيرة بعناية وعن قصد، خاصة تلك الأشياء التي لا تريدين إعطاءه إياها (مثل القاذورات).
الأيمنية والأيسرية
يعد كون الطفل أيمن أو أيسر اليد من الموضوعات المربكة إلى حد ما. فمعظم الأطفال يستخدمون كلتا اليدين استخداما متساويا في العام الأول أو الثاني، ثم تدريجيا يصبحون أيمني أو أيسري اليد. ومن غير المعتاد أن يفضل الطفل استخدام اليد اليمنى أو اليسرى في الفترة بين الأشهر الستة والتسعة الأولى. والجدير بالذكر أن ما يقرب من 10 في المائة من كل الأشخاص أيسري اليد. وعلى الأرجح، يرجع كون المرء أيمن أو أيسر اليد إلى تكرار حدوثه في العائلات، ولذا؛ فإن بعض العائلات تشتمل على الكثير من أيسري اليد، بينما لا تشتمل عائلات أخرى على أي منهم. ولأن الأيمنية أو الأيسرية من السمات الخلقية، فإنه لمن الخطأ محاولة إجبار طفل أيسر على أن يصبح أيمن؛ لأن ذلك يربك المخ الذي تكون ليعمل بنظام مختلف. وينطبق موضوع الأيمنية والأيسرية أيضا على تفضيل استخدام الساق والعين اليمنى أو اليسرى.
التقلب والوقوع
يتفاوت العمر الذي يستطيع فيه الأطفال التقلب والجلوس والزحف والوقوف والمشي أكثر من العمر الذي يتحكمون فيه برؤوسهم وأذرعتهم. ويعتمد الكثير من ذلك على الحالة المزاجية والوزن؛ فالطفل النحيل القوي المفعم بالنشاط يتعجل بشدة تحرقا للحركة، بينما الطفل الهادئ ممتلئ الجسم لديه استعداد للانتظار إلى وقت لاحق.
وعلى أية حال، ينبغي عدم ترك الطفل على طاولة بدون حماية لوقت تستغرقينه لإدارة ظهرك إليه. فلأنك لا تستطيعين التيقن من موعد أول مرة يتقلب فيها، فمن الأكثر أمانا أن تضعي يدك على وليدك عند وضعه في مكان مرتفع. وحين يستطيع التقلب بالفعل، ليس من الآمن أبدا تركه هكذا بدون حماية حتى ولو كان في منتصف سرير كبير. فمن المذهل سرعة الطفل في الوصول إلى الحافة، وهناك الكثير من الأطفال الذين يقعون من فوق سرير كبير على الأرض، وهو ما يجعل الأبوين يشعران بالذنب الشديد.
إن بكى الطفل على الفور بعد الوقوع من فوق السرير، ثم توقف عن البكاء وبدأ يستعيد لونه الطبيعي وأنشطته العادية في خلال دقائق قليلة، فالأرجح أنه لم يصب بمكروه. ولكن إن لاحظت أي تغير في السلوك في الساعات أو الأيام اللاحقة للوقوع (بأن يصبح أكثر اهتياجا أو نوما، أو يقل طعامه على سبيل المثال)، فعليك الاتصال بالطبيب ووصف الحادث له؛ وفي معظم الحالات، تكونين في حاجة إلى الاطمئنان بأن وليدك على خير ما يرام. أما إن فقد الطفل وعيه، حتى ولو لوقت قصير، فيجب الاتصال بالطبيب على الفور.
الجلوس
يتعلم معظم الأطفال الجلوس بثبات دون دعم بعد مساعدتهم في فعل ذلك في الفترة بين الشهرين السابع والتاسع. ولكن قبل أن ينجح الأطفال في التناسق الحركي المطلوب، لا بد أن يحاولوا. فعندما تمسك بأيديهم، يحاولون دفع أنفسهم لأعلى. ودائما ما تثير هذه الحماسة التساؤل التالي في عقل الأبوين: «في أي سن يمكنني إجلاس الطفل في العربة أو على مقعد مرتفع؟» بصفة عامة، ليس من المفضل إجلاس الطفل في العربة إلى أن يستطيع الجلوس بثبات -دون مساعدة- لدقائق كثيرة. ولا يعني ذلك أنك لا تستطيعين مساعدة طفلك في الجلوس على سبيل المرح، أو مثلا إجلاسه على رجليك، أو إسناده بوسادة في وضع مائل في العربة، ما دامت الرقبة والظهر في وضع مستقيم. ولكن اعلمي أن هذا الوضع ليس جيدا لفترات طويلة؛ لأن الجسم فيه لا يكون مستقيما.
يؤدي ذلك إلى التساؤل عن الجلوس على المقاعد المرتفعة. فرغم أنها حقا رائعة للسماح لطفلك بتناول الوجبات مع باقي أفراد العائلة، فإن الوقوع من فوقها من الحوادث السيئة التي يمكن أن تقع له. ولذا؛ إن كنت تريدين استخدام مقعد مرتفع لإجلاس طفلك عليه، فاقتني مقعدا عريض القاعدة، بحيث لا ينقلب بسهولة، بالإضافة إلى استخدام حزام لتثبيت طفلك به في المقعد. ولا تتركي وليدك بمفرده أبدا فوق مقعد مرتفع أو منخفض.
التلوي تملصا عند تغيير الحفاضة أو الملابس
نادرا ما يرقد الأطفال بدون حركة عندما يتم تغيير الحفاضة أو الملابس. فهذا ضد طبيعتهم تماما. ومنذ الوقت الذي يتعلمون فيه التقلب وحتى قرابة العام -حيث يمكن إلباسهم وهم واقفون- تجدينهم يجاهدون بشدة لئلا يرقدوا أو يبكوا في سخط وكأنهم لم يعرفوا قط هذا الفعل من قبل.
وللتغلب على ذلك، نقدم إليك بعض الطرق القليلة، فيمكن أن يقوم أحد الوالدين بإلهاء الطفل بفعل ضوضاء مضحكة، أو بتقديم قطعة صغيرة من البسكويت أو الكيك. كما يمكنك تقديم لعبة رائعة إليه -كصندوق موسيقى أو لعبة متحركة- أثناء وقت ارتداء الملابس فقط. ولا تنسي إلهاء طفلك بهذه الأشياء قبل إرقاده لإلباسه فورا، وليس بعد أن يبدأ في الصراخ.
الزحف والحبو
يمكن أن يبدأ الزحف -عندما يبدأ وليدك في جر نفسه على الأرض- في أي وقت فيما بين ستة أشهر وعام. وعادة ما يبدأ الحبو على اليدين والركبتين بعد ذلك بشهور قليلة. وفي بعض الأحيان، لا يزحف أو يحبو بعض الأطفال الطبيعيين تماما؛ فيظلون جالسين إلى أن يتعلموا الوقوف.
وهناك عشرات الطرق المختلفة التي يتخذها الأطفال عند الزحف والحبو، وربما يغيرون أيضا أسلوبهم عندما يزدادون خبرة. فأحدهم قد يتعلم في البداية الزحف للخلف، والآخر يزحف جانبيا -مثل السلطعون. وعلى الرغم من أن أحدهم يزحف على يديه وأصابع قدميه مع استقامة الساقين، نجد آخر يزحف على يديه وركبيه، وثالثا على ركبة واحدة وقدم واحدة. والطفل الذي يتعلم الزحف السريع ربما يتأخر في المشي، والطفل الذي يزحف بتثاقل -أو لم يتعلم الزحف على الإطلاق- يكون لديه سبب معقول لتعلم المشي مبكرا.
الوقوف
يقف الأطفال في العادة في الربع الأخير من العام الأول، بيد أن الأطفال الطموحين المتقدمين في النمو ربما يتمكنون من الوقوف مبكرا في الشهر السابع. وفي بعض الأحيان، نرى أطفالا لا يقفون حتى بعد العام الأول، رغم أنهم يبدون أصحاء وسريعي البديهة في أشياء أخرى. وربما يكون بعضهم ممتلئي الجسم هادئين، والبعض الآخر بطيء في تحقيق التناسق بأرجلهم. ودائما -تقريبا- ما ينتهي الحال بهؤلاء الأطفال على خير ما يرام؛ ولكن من المطمئن أن يفحصهم الطبيب، ويؤكد أنهم أصحاء وسريعو البديهة، ويستجيبون إلى مختلف المنبهات بطرق أخرى.
هناك عدد كبير من الصغار يضعون أنفسهم في موقف صعب عندما يتعلمون الوقوف في البداية؛ لأنهم لا يعرفون كيفية الجلوس مرة أخرى. فيقف هذا الكائن المسكين إلى أن يشعر بعدم التحكم والإرهاق، مما يؤدي بالوالدين إلى الإشفاق عليه وإحلاله من سياج قفص اللعب، وإجلاسه. ولكنه بعد لحظات ينسى شعوره بالتعب، ويدفع نفسه للوقوف على قدميه مرة أخرى. ولكنه هذه المرة، يبكي في خلال دقائق معدودة، وأفضل ما يمكن أن يفعله الأبوان هو إعطاؤه أشياء تثير انتباهه على نحو خاص حتى يلعب بها أثناء جلوسه، أو التمشية به في عربته لمسافة أطول من المعتاد، مع التخفيف من حدة قلقلهم بالتفكير في أنه سوف يتعلم كيفية الجلوس في خلال أسبوع. وبالفعل يحاول الطفل الجلوس بمفرده في أحد الأيام، وبعناية شديدة يسمح لنفسه بالنزول إلى أسفل، إلى حيث تستطيع ذراعه الوصول، وبعد لحظات تردد طويلة يرتطم لأسفل. فيجد أنه لم يكن سقوطا من على ارتفاع كبير، وأن مقعده مبطن جيدا.
بمرور الأسابيع، يتعلم الطفل التحرك في أرجاء المكان بالتشبث بشيء بيديه الاثنتين في البداية، ثم بيد واحدة؛ ويطلق على ذلك التجوال. وبنهاية الأمر، يتمتع الطفل بالتوازن الذي يكفل له ترك يده تماما لثوان عدة، في غمرة انشغاله وعدم إدراكه هذا الفعل الجريء الذي قام به لتوه. وبذلك يكون مستعدا للمشي.
المشي
يمشي الصغار بمفردهم عندما يكونون مستعدين؛ إذ إن هناك الكثير من العوامل التي لها دور في عملية المشي. وعلى الأرجح، تلعب الوراثة الدور الأكبر، ويليها الطموح والجرأة وثقل الوزن وبراعة الطفل في الوصول إلى الأماكن بالزحف. ولكن الطفل الذي بدأ لتوه في المشي، ربما لا يحاول المشي مرة أخرى لمدة شهر أو أكثر، إذا ما أصيب بمرض أرقده في الفراش لمدة أسبوعين. أما الطفل الذي ما يلبث أن يتعلم حتى يقع، فربما يرفض ترك يديه تارة أخرى لأسابيع عديدة.
الجدير بالذكر أن معظم الأطفال يتعلمون المشي فيما بين اثني عشر شهرا وخمسة عشر شهرا. وهناك أطفال يبدءون المشي مبكرا، في الشهر التاسع، بينما يبدأ البعض في مرحلة متأخرة، في الشهر الثامن عشر. وفي الأطفال الأصحاء، لا يتعلق عمر المشي كثيرا بالإنجازات التنموية الأخرى. فالطفل الذي بدأ المشي متأخرا ليس أبطأ على الأرجح من قرين له بدأ المشي مبكرا، فيما يتعلق بالناحية الفكرية. فعندما تستعد عضلات الطفل وأعصابه وشخصيته للمشي، لن تستطيعي إيقافه. إن الأدوات التي يطلق عليها «مشايات» لا تفيد الأطفال في تعلم المشي في مرحلة مبكرة، كما أنها خطيرة.
رأي طبيب
أتذكر أمّاً أوقعت نفسها في ورطة عن طريق جعل طفلها يمشي بالإمساك بيديه الاثنتين من خلفه، قبل أن يكون قادرا على فعل ذلك بنفسه بمدة طويلة. ولأنه كان في غاية السعادة بمشيه معلقا بها، فقد كان يطلب ذلك طوال اليوم. غني عن البيان بالطبع كم شعرت بالتعب والملل قبل أن يشعر هو بهما بفترة طويلة.
تقوس الساقين، والتقارب والتباعد بين مقدمتي القدمين
ربما يقلق آباء الأطفال الذين تعلموا المشي مبكرا من أن المشي في هذا الوقت ليس جيدا لسيقانهم. على الرغم من ذلك، فإن معظم البنى الجسمية للأطفال قادرة على تحمل أي شيء يستعد الأطفال لفعله بأنفسهم. وفي بعض الأحيان، يصاب الأطفال بتقوس الساقين أو بالتواء الرجلين نحو الباطن -بحيث تتدانى الركبتان- في الشهور الأولى بعد تعلم المشي، ويحدث ذلك مع الأطفال الذين تعلموا المشي في مرحلة مبكرة أو متأخرة على حد سواء. وتتباعد مقدمتا القدمين عند معظم الأطفال إلى حد ما عندما يبدءون المشي، ثم تدريجيا يعيدون مقدمتي القدمين للداخل. وربما يبدأ أحد الأطفال المشي بقدمين متجهتين للجانبين، مثل تشارلي تشابلن، وينتهي به الأمر موجها مقدمتي قدميه للخارج، ولكن على نحو معتدل. والطفل الطبيعي هو من يبدأ المشي موجها مقدمتي قدميه للخارج على نحو معتدل، وينتهي به الأمر بقدمين شبه متوازيتين. أما الطفل الذي يبدأ المشي بقدمين شبه متوازيتين، فهو أكثر ميلا للاستقرار على التقارب بين مقدمتي قدميه. وغالبا ما يكون التقارب بين مقدمتي القدمين وتقوس الساقين من الحالات التي يلازم بعضها بعضا.
تعتمد استقامة الساقين والكاحلين والقدمين على عوامل متعددة، بما فيها نمط النمو الفطري للطفل. فيبدو أن بعض الأطفال يميلون إلى التواء الرجلين نحو الباطن وانحناء الكاحلين إلى الداخل. ولعل الطفل ثقيل الوزن أكثر ميلا لحدوث ذلك، بيد أن هناك أطفالا آخرين -خاصة النشيطين والرياضيين- يولدون فيما يبدو بميل نحو تقوس الساقين وتقارب مقدمتي القدمين. وربما يكون من العوامل الأخرى الوضع الذي يجعل الطفل ساقيه وقدميه تتخذانه. على سبيل المثال، ربما ترى قدما أصبحت مقوسة للداخل من عند الكاحل؛ لأن الطفل دائما ما يجلس طاويا قدمه أسفل منه.
يفحص الأطباء الوركين والركبتين والكاحلين والقدمين بصورة منتظمة؛ وإن رأوا أن الطفل قد بدأ الإصابة بأي من ضعف الكاحلين أو التواء الرجلين نحو الباطن أو تقوس الساقين أو تقارب مقدمتي القدمين، فربما يوصون باتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية، إلا أن معظم هذه الحالات تشفى من تلقاء نفسها مع الوقت.