من المعروف طبياً أن الجنين يتمتع بجهاز عصبي أولي، يمكنه من القيام بحركاته وهو يسبح في السائل الأمنيوتيكي (السّلىَ، أو ماء الرأس بالعامية) داخل بيت الرحم، وهو جهاز يسمح له بمتابعة نشاطه بعد الولادة، خصوصاً بعد تأكد طبيب الأطفال من سلامة وظائف هذا الجهاز خلال الفحص الأول للمولود الجديد، في الدقائق التي تلي الولادة. ويتمثل هذا الجهاز بمجموعة من ردات الفعل الحركية التلقائية أو عن طريق الإثارة، أو ما يسمى بالانعكاسات الأولية، إذ إن أي اضطراب أو خلل يستنتج على مستواها إنما ينم عن عاهة أو خطأ تكويني، أو علة وظيفية ربما لها علاقة بالولادة وطريقتها أو الظروف التي رافقتها. وأهم هذه الانعكاسات: انقباض أصابع الراحتين عند ملامسة أي جسم غريب، حركة المشي، المص… وتتلاشى هذه الحركات تدريجاً لتغيب نهائياً في مرحلة ال 4 إلى 5 أشهر، بينما الجهاز العصبي الأساسي ينمو ويتطور، أكان على المستوى الحركي، التفتح النفسي، الوعي الذهني أو نمو الحواس الخمس وتطورها.
ماذا عن النمو الحركي؟
خلال الشهرين الأولين من عمر الطفل يكون الرأس والجذع في وضعية رخوة، بينما الأطراف السفلى تكون على العكس شديدة الوتر، وتدريجاً، ومع الوقت، نلاحظ التطور العكسي بين الأطراف العليا، الجذع والرأس من ناحية والأطراف السفلى من ناحية ثانية، بحيث يتمكن الطفل من تثبيت رأسه جالساً بين 3 إلى 4 أشهر ويستطيع أن يحرك وجهه جانبياً في سن 4 أشهر.
هو يلتقط الأشياء التي توضع في قبضة يده، ثم تتطور هذه الحركة حتى سن 3 إلى 4 أشهر وفي هذه الفترة يكتشف يديه، تنمو قدرة الحركة فيهما وتتطور وعند اكتمال الستة شهور يضع الأشياء في فمه.
يكتسب الطفل وضعية الجلوس وحده وبدون مساعدة أحد في 7 إلى 8 أشهر (في حال تأخر الجلوس عن هذه الفترة، يجب مراجعة الطبيب، ربما هنالك خلل ما على مستوى الدماغ أو الجهاز العصبي ككل، أو مرض إستقلابي أو بيولوجي في بدايته). ويمكنه في هذه المرحلة أن يلعب برجليه ويأخذ إحداها بيده ويضعها في فمه (وهي مركبة: يد، قدم، فم؛ يبدأ الطفل من خلالها التعرف على جسمه). ومن ثم الزحف على بطنه بين 8 إلى 9 أشهر والحبو على أربعة أطراف يكتمل بعد نحو 9 إلى 10 أشهر، يتهيأ بعد ذلك للوقوف مستعيناً بسند (كرسي، طاولة، حائط) بين 10 إلى 12 شهراً.
يخطو الطفل خطواته الأولى بين 12 إلى 13 شهر، وفي الوقت نفسه لديه القدرة حينئذ على دفع شيء ما أمامه؛ ليس هنالك ما يلح على استعجال المشي لديه، لندعه يخطو خطواته الأولى..رويداً..رويداً.. مع ثقة بالنفس، هناك متسع من الوقت ليكتمل ذلك وفترة سنة وخمسة أشهر هي الحد الأقصى الذي يكون فيه الطفل قد اكتسب قدرة المشي بثقة وسهولة، أما إذا تجاوز الطفل عمر18 شهراً ولم يمش بعد، عندها ينبغي التوقف عند سبب التأخر (في الدرجة الأولى على مستوى الورك، حينها تجب مراجعة الطبيب أولاً للتأكد من أن الخلل في الورك، من خلال صورة شعاعية لنفي أو تأكيد وجود خلع خلقي، أو شبه خلع في الورك…. مع العلم أن هذا الخلل الوراثي يشخّص باكراً وتجري مراقبته في اليوم الأول بعد الولادة.
ويكتسب الطفل المهارات الحركية تدريجاً حتى عمر 3 سنوات، حين يتمكن من صعود السلم وحده، اللعب بالطابة، الركض والقفز على رجل واحدة.
على مستوى الساقين يمكن ملاحظة تقوس فيهما مع دوران الركبتين نحو الخارج، وتبدو أكثر وضوحاً بعد تركيز المشي، وبدرجات متفاوتة من طفل إلى آخر (لتزداد وضوحاً لدى الطفل البدين)، وتعتبر هذه الوضعية شبه طبيعية (فيزيولوجية) في هذه المرحلة من النمو في أغلب الحالات، لتأخذ الأمور وضعها الطبيعي العادي حوالي عمر 4 سنوات؛ ويستشار الطبيب في حال استمرار التقوس بعده.
والتطور الحركي لدى الطفل واكتسابه من ثم المهارات، لا يرتبطان حصراً بنمو الدماغ والجهاز العصبي، بل هما على علاقة وثيقة بعدة عوامل منها: النظام الغذائي السليم والموائم (لاسيما المواد الدهنية التي يتطلبها الدماغ للنمو ومنها الحوامض الدهنية والأوميغا 3)، إلى جانب معطيات الحياة من الكساء والنظافة السليمة، إلى البيئة المحيطة التي تؤمن له الإحساس بالعاطفة والأمان التي يوفرها الأهل، يضاف إلى ذلك مقومات الإثارة الضرورية لوعيه وتفتحه على المحيط. لذا فإن احترام حقه بنمو حركته والنشاطات المرتبطة بوتيرة مراحل نموه الجسدي، هي ضرورية كذلك لنمو الحركة لديه. من هنا تبدو الأهمية بأن تقدم له الألعاب المناسبة لمهاراته المكتسبة والتي تسمح له بتنميتها مع سعيه الدائم لاكتشافات جديدة.
التعبير الجسدي والوعي
مع تطور نمو الطفل الجسدي والحركي، ونوعية الغذاء المناسب لنمو دماغه وجهازه العصبي عموماً، نأنس ونطمئن لتفتحه على العالم الخارجي الذي يهتم به ويرعاه، مقدماً له كل ما هو ضروري ليتجاوب مع هذه الحياة الجديدة خارج بيت الرحم.
• عند الولادة وحتى سن 3 أشهر: يكون نظر الطفل محدوداً، ثم يستطيع المتابعة بالنظرات في حدود أربعين يوماً، هو حساس على سماع الأصوات الحادة، وعلى صوت أمه خصوصاً، في شهره الثاني يبتسم ابتسامته الأولى للوجوه التي اعتاد رؤيتها، بالدرجة الأولى الأم وبقية أفراد العائلة (الأب، الأخ، الأخت). ينام من 18 إلى 21 ساعة في اليوم. عندما يوضع على بطنه يمكنه رفع رأسه ليتكئ على ساعديه
• بين 4 و6 شهور: يتملك الطفل قدرة الرؤية جيداً، يكتشف الأشياء بفمه، يستطيع إبقاء رأسه جالساً، يمكنه القعود مع مساعدة ويغير من وضعية ا لاستلقاء على الظهر إلى الانبطاح على البطن، يكتشف يديه ويباشر بأخذ الأشياء.
• بين 7 إلى 9 أشهر: هو ينام أقل (16 إلى 18 ساعة) ويزداد نشاطاً وحيوية، ينقل الأشياء من يد إلى أخرى، يهوى الضرب على سطح الماء خلال الحمام، يمكنه الجلوس في كرسيه العالي من أجل الطعام، هو يتطور نحو وضعية الجلوس بدون سند أو مساعدة، يجتاز مرحلة «البرم» إلى الحبو.
• بين 10 و15 شهراً: يقف وحده، يلتفت عند مناداته باسمه ويؤكد ذاتيته، يقبض على القنينة بيده، يضعها في فمه ويرفعها عند إفراغها من الحليب، يبدأ بهواية البناء وإعادة التركيب للألعاب ويأنس للعبة «الغميضة».
تطور اللغة والكلمات
• حوالى سن 4 أشهر يصدر الطفل عدة أصوات (أغ ر، أ ر ر) عندما نكلمه.
• 6 أشهر: ينغم كلمات، يزقزق.. مع إعادة الصوت لعدة مرات.
• 9 أشهر: يثرثر، ينغم ويعبر بواسطة مقاطع كلمات (بابا… دادادا…).
• 12 شهراً: يقول ثلاث كلمات، يومئ برأسه إلى الأعلى ليقول كلمة «لأ»، ويصدر قريباً كلمة بابا أو ماما.
• 15 شهر: باستطاعة الطفل قول خمس كلمات.
• 21 شهراً هو جدير أن يطلب الأكل أو الشراب.
• سنتان: يؤلف عدة جُمل من كلمتين أو ثلاث ويستعمل الضمير «أنا»، وهنا تبدأ مرحلة إثبات الشخصية.. والعناد.
تجدر الإشارة إلى وجوب التمتع بالهدوء، الظهور ببشاشة الوجه، تملك الصبر وإعطاء الوقت الكافي للطفل لمساعدته وتقديم التسهيلات له، لترويضه على اكتساب مهارات اللغة، لذا ومهما كان الطفل صغيراً ينبغي توجيه الكلام إليه، لأن الطفل الذي يكبر في بيئة غنية بالتعبير يمكنه تعلم الكلام طبيعياً. من هنا العمل على إفساح المجال له لكي يستوعب ومن ثم يجيب، وعندما يكون في فترة الترنيم هو يحلو له ترداد عباراته الخاصة، كما من المفيد أن نوفر له جوا مثيراً للفضول عندما نتكلم معه بصوت خافت أو الوشوشة، الدغدغة، المداعبة، الغنج والدلال، التحدث معه عما يعمل، أو ماذا نعمل معه، القيام بالغناء له، أو سرد قصص مشوقة وتكرارها لعدة مرات وخصوصاً عندما يطلب هو ذلك وعدم إعطاء الاهتمام الزائد عندما يتلفظ بكلمات خطأ ولكن إعادة لفظ الكلمات كما صدرت منه.
تطور الحواس الخمس
1. السمع: من المعروف طبياً أن الجنين يسمع وهو داخل بيت الرحم. عند الولادة نراه يلتفت نحو أي صوت يسمعه، ولكن دون أن يميز بين مختلف مصادر الأصوات، ليتمكن من ذلك في الشهر الثالث. يكتمل نمو حاسة السمع في حدود الشهر السادس؛ هو حساس على وتيرة الموسيقى.
2. الشّم: تشكل حاسة الشم عاملاً مهماً في حياة الجنين، هو يشم رائحة أُمه من خلال السائل الأمنيوتيكي (السّلىَ) الذي يسبح فيه، من هنا نستنتج أهمية تعلق الطفل بأمه منذ الولادة من خلال هذه الحاسة، حتى أن أية قطعة ثياب عليها رائحة الأم يمكن أن تهدئ من روعه خلال غيابها، هو يعرفها من خلال رائحة جلدها ويتمرس على ذلك بواسطة الرضاعة من الثدي.
3. الذوق: هو يتذوق أربع نكهات أساسية: الحلو، الحامض، المالح والمر. له ذوقه الخاص فيما بعد، نراه يبتسم للطعم الحلو أو المالح، يعبس ويتجهم للحامض… ويبكي للمر..!.
4. النظر: تقدر نسبة النظر عند الولادة ب 10 % والرؤية الواضحة لديه ممكنة على بُعد 30 إلى 50 سنتيمتراً، جفونه تنفتح وتغلق بطريقة متواصلة في حدود 8 إلى 10 أيام، ليبدأ الطفل بعدها تركيز نظره على الأشياء القريبة، نحو الشهر يتابع المولود الجديد بنظره الأشياء ذات الحجم الكبير والقريبة منه، لتزداد من ثم في عمر الشهرين ويلفت انتباهه وجوه الأشخاص فيركز عليها ويبتسم.
نحو 3 إلى 4 أشهر تصبح الرؤية لديه أكثر وضوحاً وحتى مسافة 80 سنتيمتر.
الرؤية بالعينين الاثنتين تحصل بين 4 إلى 6 شهور. وعند بلوغ الطفل 6 أشهر يكتمل نمو العينين، بعد ذلك تكتمل حدة البصر عند السنتين.
ومن عاهات النظر الموجبة للانتباه باكراً عند الأطفال، نذكر منها الأكثر شيوعاً: حالات الحوَلْ متعددة الأشكال، منها ما هو بسيط لا يشكل خطراً على نظر الطفل، ومنها ما هو مرض حاد ينبغي عدم إهماله، إذ تبدو واضحة عندما يبدأ الطفل القراءة، ما يضطره للانحناء يمنة أو يسرى ليتمكن من الرؤية، ما يوجب مراجعة الطبيب الأخصائي للعيون لكيلا يصل الطفل إلى مرحلة فقدان النظر.
ونذكر من العاهات الأخرى: حالة قُصر البصر ومد النظر، وهي حالات موجودة بكثرة في عصرنا الذي نعيش، لذا يتوجب كشفها باكراً والوقاية من مضاعفاتها على صحة الطفل ومدى مستوى تحصيله الدراسي. ومن المعتمد حالياً إجراء فحص طبي للعيون ابتداءً من عمر ثلاث سنوات، حتى لو كان الطفل خاليا من أي خلل في النظر أو لا يشكو من أية علامة تشير إلى العين؛ كما تمكن التقنيات الحديثة من استعمال النظارات الطبية لدى الأطفال الرضع. ويلعب الطب الوقائي المدرسي دوراً مهماً في اكتشاف هذه العاهات، ويقوم بإعلام الأهل بها حيث يخضع التلاميذ سنوياً لهذا الفحص بدءاً من عمر 5 سنوات.
5. اللمس: تشكل حاسة اللمس المنظم النفسي للكائن الحي، وهي الحاسة التي ينطلق منها الإحساس بنمو وحدة الأنا.
يعتبر اللمس إحدى أوائل تجارب الجنين والمولود الجديد من خلال التقارب من جسم لجسم بعلاقته بأُمه (خصوصاً لدى الرضاعة من الثدي) لتكتمل حاسة اللمس لديه تدريجاً، من خلال نفسه حيث يكتشف جسمه أولاً، ومن ثم مع المحيط.