يمكنك تدبُّر أمرك بكلية واحدة. ويمكنك البقاء بلا طحال أو مرارة. يمكنك حتى العيش بدون معدة. لكنك أبدًا لن تستطيع الحياة من دون كبد، أكبر عضو داخلي في جسم الإنسان.
ما الذي تفعله الكبد بالتحديد؟
هناك خمسمائة وظيفة يقوم بها هذا العضو الحيوي. أولًا وقبل كل شيء، يؤدي هذا العضو دور الطارد، حيث يبقي الضيوف غير المرغوب فيهم خارج تيار الدم. أي شيء تقوم بامتصاصه في جهازك الهضمي لا يتم بثه مباشرة عبر الجسد، فالدم القادم من أمعائك يذهب مباشرة إلى الكبد، حيث يتم امتصاص المغذيات وتحييد السموم. فلا عجب إذن في أن ما تأكله يلعب دورًا حيويًّا جدًّا في صحة كبدك ومرضك.
حوالي ستين ألف أمريكي يموتون سنويًّا بالكبد، وتزيد معدلات الوفاة كل عام خلال السنوات الخمس الماضية. إن نسب الإصابة بسرطان الكبد وحدها زادت بمقدار ٤٪ كل عام خلال السنوات العشر الماضية. كما أن اختلالات وظائف الكبد تطل برأسها على الناس في حالات كمرض زيادة الحديد أو اكتناز الحديد. وتسببه حالات عدوى قد تؤدي إلى سرطان الكبد، أو قد يسببه تعاطي المخدرات – وتكون في الغالب جرعات زائدة متعمدة أو عفوية من عقار التيلينول. لكن أكثر أسبابه شيوعًا هي الأكل والشرب: مرض الكبد الكحولية ومرض الكبد الدهنية.
مرض الكبد الكحولية
طبقًا لسلسلة أوراق بحثية شهيرة نشرت في دورية الجمعية الطبية الأمريكية بعنوان “الأسباب الحقيقية للوفاة في الولايات المتحدة” فإن السبب الرئيسي للوفاة في الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٠ كان دخان السجائر، تبعه النمط الغذائي وقلة الحركة، إذن, فما السبب الثالث؟ إنه الكحول. إن نصف الوفيات المرتبطة بالكحول هي وفيات مفاجئة كحوادث السيارات؛ ونصفها الآخر تكون بطيئة، السبب الرئيسي فيها هو مرض الكبد الكحولية.
الإفراط في تناول الكحوليات يقود إلى تراكم الدهون في الكبد (وهو ما يعرف بالكبد الدهنية)، والتي تسبب التهابًا ينجم عنه تلف في الكبد ينتهي بفشل كبدي. وتعرف مراكز الوقاية والسيطرة الإفراط في الكحوليات بأنه تناول كأس واحدة يوميًّا بالنسبة للسيدات وكأسين يوميًّا للرجال. ويمكن دائمًا إيقاف المرض بالتوقف عن الشراب، لكن في الغالب يكون الوقت قد تأخر.
وينجم عن التناول المفرط للكحوليات الكبد الدهنية في أقل من ثلاثة أسابيع، لكنه عادة ما يتراجع خلال ما بين أربعة وستة أسابيع من التوقف عن الشراب. لكن فيما بين ٥ : ١٥٪ من الحالات يظل المرض في تقدم، وتبدأ الكبد في التلف رغم التوقف عن الشراب.
وعلى نحو مشابه، بمجرد تشخيص حالة الشخص بالالتهاب الكبدي الناجم عن الكحول، فإن معدل البقاء على قيد الحياة في ٩٠٪ من الحالات لا يزيد على ثلاث سنوات من تاريخ التوقف عن شرب الكحول. لكن ما يعادل ١٨٪ منهم يصابون بتشمع الكبد، وهو تلف غير قابل للإصلاح في الكبد.
لذا أفضل سبيل لتلافي الإصابة بالكبد الكحولية هو أن تمتنع عن شرب الكحوليات بالأساس. لكن إن فعلت، فهناك سبيل لمساعدتك على التوقف عن الشراب. فمعظم من يشربون يمكن تعافيهم من الإدمان، وهناك من الأدلة المقنعة بأن برامج من اثنتي عشرة خطوة كالمتبعة في جمعية مدمني الكحول المجهولين فعالة مع من يعانون إدمان الكحول.
أمراض الكبد غير المتصلة بالكحول
السبب الأكثر شيوعًا للإصابة بالكبد الدهنية ليس الكبد الدهنية الكحولية بل غير الكحولية. في إحدى الأفلام الوثائقية، قام مخرج الفيلم، بقصر طعامه على ماكدونالدز لمدة شهر. بالطبع ارتفع وزنه وضغط دمه والكوليسترول – لكن إنزيمات كبده كذلك ارتفعت. كان هذا إشارة على أن خلايا كبده تموت وتسربت محتوياتها في دمه. إلى أي مدى كان هذا النمط الغذائي سببًا في تضرر كبده؟ لقد بدأت كبده في التحول إلى طبق فوا جرا بشري (باتيه الكبد الدهنية).
لقد تناول النقاد ما رأوا في الفيلم بشكل عاطفي، إلا أن باحثين في السويد أخذوه على محمل الجد حتى إنهم أعادوا إجراء تجربة سوبرلوك بشكل نظامي، في هذه الدراسة، وافقت مجموعة أشخاص بين نساء ورجال على تناول وجبتين من مطاعم الوجبات السريعة يوميًّا، في البداية كان مستوى إنزيمات الكبد طبيعيًّا، لكن بعد أسبوع من هذا النمط الغذائي، جاءت نتائج وظائف الكبد ل ٧٥٪ من المتطوعين في المستوى المرضي. فإن كان لنمط غذائي غير صحي القدرة على إتلاف الكبد في أسابيع، فلا عجب أن يكون مرض الكبد الدهنية غير الكحولية هو أكثر الأسباب شيوعًا في إصابات الكبد المزمنة في الولايات المتحدة، مصيبًا سبعين مليون شخص تقريبًا. إن هذه نسبة تعادل واحدًا بين كل ثلاثة بالغين تقريبًا. وكل هؤلاء تقريبًا من أصحاب السمنة المفرطة.
وكما هي الحال في الكبد الدهنية الكحولية، تبدأ حالات الكبد الدهنية غير الكحولية في تكوين دهون في الكبد لا تظهر أية أعراض. وفي حالات نادرة جدًّا، يتطور الأمر إلى التهاب، وعبر السنوات، تتلف الكبد منتهية إلى حالة تشمع كبد، ثم إلى سرطان الكبد، ثم فشل كبدي، ثم الوفاة – تمامًا كما شهدت في منظار تلك السيدة.
إن الأطعمة السريعة فعالة جدًّا في تحفيز المرض؛ لأن الكبد الدهنية غير الكحولية ترتبط بتناول اللحوم والمشروبات الغازية. شراب علبة صودا واحدة يوميًّا يزيد على ما يبدو احتمالات الإصابة بالكبد الدهنية بمقدار ٤٥٪، في حين أن من يتناولون لحومًا تعادل أربع عشرة قطعة دجاج أو يزيد يوميًّا تتضاعف فرصهم ثلاث مرات في الإصابة به مقارنة بمن يكتفون بسبع قطع فقط أو أقل.
كانت الكبد الدهنية غير الكحولية مرتبطة فيما مضى بالدهون والسكر، لكن ليس كل الدهون تؤثر على الكبد بالطريقة ذاتها. وجد أن من يعانون التهاب الكبد الدهنية يستهلكون قدرًا أكبر من الدهون (والكوليسترول) لكن قدرًا أقل من الدهون النباتية (والألياف ومضادات الأكسدة). وهذا يفسر ارتباط النسبة الأقل بمرض الكبد الدهنية بالالتزام بنمط غذاء بيئة البحر المتوسط حيث الكثير من الخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة والفاصوليا رغم كونه نمطًا غذائيًّا غير منخفض الدهون بالضرورة.
زيادة الكوليسترول تكون كذلك سببًا في الإصابة بالكبد الدهنية غير الكحولية. الكوليسترول الغذائي الموجودة في البيض واللحوم والألبان تتأكسد ثم تبدأ سلسلة تفاعلات تنتج عنها زيادة في دهون الكبد. حين يرتفع جدًّا مستوى الكوليسترول في الكبد، يتبلور كحبوب الحلوى وينتج عن ذلك الالتهاب الكبدي. تشبه هذه العملية تسبب كريستالات حمض اليوريك في مرض النقرس (كما سترى في الفصل العاشر). إن كرات الدم البيضاء تحاول محاصرة حبيبات الكوليسترول لكنها تموت في هذه العملية، مخلفة عناصر التهابية. وهذا قد يفسر تحول الحالات الحميدة للكبد الدهنية إلى حالات التهاب خطرة.
لاستكشاف العلاقة بين النمط الغذائي ومرض الكبد الخطير، تم إخضاع تسعة آلاف أمريكي تقريبًا للدراسة طيلة ثلاثة عشر عامًا. لقد وجد الباحثون أن أهم نتائج دراستهم أن ارتفاع مستوى الكوليسترول كان مؤشرًا قويًّا على الإصابة بتشمع الكبد وسرطانها. أولئك الذين يستهلكون كمية الكوليسترول الموجودة في إيج ماكمافينز أو يزيد كل يوم يضاعفون احتمالات نقلهم الطارئ للمستشفى أو الموت.
أفضل طريقة لتلافي حالة الكبد الدهنية غير الكحولية، المسبب الأكبر لأمراض الكبد، هي تلافي المزيد من السعرات، والكوليستول، والدهون المشبعة، والسكر.
الالتهاب الكبدي الفيروسي
من الأسباب الشائعة الأخرى لمرض التهاب الكبد الفيروسي، والذي يحدثه واحد من خمسة فيروسات مختلفة: أ A، ب B، ج C، د D، هـ E. وطريقة نقله ونسبة وقوعه تختلف من فيروس لآخر، فالتهاب فيروس أ ينتشر بالأساس من خلال الطعام أو الماء الملوث ببراز حامل للفيروس، والوقاية منه ممكنة بالأمصال، وتحاشي تناول المحار البحري النيئ أو قليل الطهو، والتأكد قدر الاستطاعة من أن كل من يتعامل مع طعامك غسل يديه بعد تغيير الحفاضات أو استخدام الحمام.
وفي حين يتربط فيروس أ بالطعام، فإن فيروس بي مرتبط بالدم وينقل عبر ممارسة العلاقة الحميمة. وكحال فيروس أ، هناك مصل فعال لفيروس ب يجب أن يطعم به كل طفل. أما فيروس د، فالإصابة به تحصل فقط لشخص مصاب فعلًا بفيروس ب ومن ثم منعه يأتي بالوقاية أولًا من فيروس ب؛ ولذا فسبيل الوقاية منه هو التطعيم بالمصل وتحاشي المخدرات المحقونة بالأوردة والممارسة غير الآمنة للعلاقات الحميمة.
للأسف، لا يتوافر حاليًّا مصل مضاد لفيروس ج، أخطر فيروسات الكبد. إن التعرض له يؤدي إلى إصابة مزمنة يمكنها، بمرور السنوات، أن تؤدي إلى تشمع الكبد وفشلها. والإصابة بفيروس ج هي السبب الرئيسي الآن لعمليات زرع الكبد.
ينتقل فيروس ج عبر الدم، ومن خلال الاستعمال المشترك للإبر أكثر من حالات نقل الدم، فالدم المنقول الآن يفحص أولًا بحثًا عن الفيروس. لكن الاستعمال المشترك لأدوات العناية الشخصية التي قد تكون ملوثة ببعض من دماء الآخرين، مثل فرش الأسنان وشفرات الحلاقة، قد تمثل خطرًا.
ورغم ورود حالة عدوى بفيروس ج لامرأة تشاركت مع زميلة لها مصابة بالفيروس استخدام مقطع لحم، إلا أن الفيروس لا يوجد في اللحوم بحد ذاتها، حيث إن البشر وقرود الشمبانزي هي الحيوانات الوحيدة القابلة للإصابة به.
نفس الأمر ينطبق على فيروس هـ.
الوقاية من فيروس هـ بالغذاء
كما يبين أحد رؤساء قسم معمل الالتهاب الكبدي الفيروسي بوكالة مراكز التحكم والوقاية من الأمراض في ورقة علمية بعنوان: “كثير من اللحم، كثير من المرض: تغيير التصور الوبائي لفيروس هـ،” من أن فيروس هـ يعتبر الآن مرضًا حيواني المنشأ، حيث إنه قادر على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان، وربما كانت الخنازير المصدر الرئيسي للأوبئة الفيروسية.
وقد بدأ هذا التحول الفكري في عام ٢٠٠٣، حين ربط باحثون في اليابان بين فيروس هـ وتناول كبد الخنزير المشوية، فبعد فحص أكباد خنازير في متاجر البقالة اليابانية، انتهى الباحثون إلى أن حوالي ٢٪ من اللحم المفحوص مصاب بالفيروس. وفي الولايات المتحدة، لم يكن الأمر بأقل سوءًا: فنسبة ١١٪ من أكباد الخنازير التي تباع في المحال هي مصابة بفيروس هـ.
ماذا عن لحم الخنزير العادي؟
أيضًا يحمل اللحم العادي الفيروس. يعتقد الخبراء أن كثيرًا من الأمريكيين تعرضوا لهذا الفيروس، وذلك لارتفاع نسبة الأجسام المضادة للفيروس في أجسام المتبرعين بالدم في أمريكا. وهذا التعرض ربما يكون نتيجة تناول هؤلاء لحم خنزير مقددًا مصابًا بالفيروس.
إذن هل أكثر الناس موتا بالكبد هم من البلدان التي يشيع فيها لحم الخنزير المقدد؟ يبدو ذلك، فالعلاقة بين نصيب الفرد القومي من استهلاك لحم الخنزير المقدد ووفيات أمراض الكبد تتطابق تقريبًا مع علاقة استهلاك الفرد من الكحول ونسب وفيات الكبد. كل شريحة من لحم الخنزير المقدد تأتي مرتبطة بتناول علبتي بيرة قد تزيد من معدل وفيات أمراض الكبد في البلاد كلها.
ألا تموت الفيروسات بالطهو؟ هذا ما يحدث عادة، لكن المشكلة في التلوث المزدوج عبر الأيدي أو أسطح المطبخ في أثناء التعامل مع اللحم وهو لا يزال نيئًا. وبمجرد وضع اللحم في الفرن، تموت جميع المعديات الغذائية من خلال طهو الطعام بدرجة حرارة داخلية مناسبة، مع تأكيدنا على كلمة مناسبة. لذا قام الباحثون في معهد الصحة الوطني بتعريض فيروس هـ لمستويات مختلفة من الحرارة ووجدوا أنه يبقى حيًّا في مستوى درجة الطهو الخفيفة. فإن قمت بطهو اللحم المقدد، فعليك باستخدام ترمومتر والتأكد من اتباع الإجراءات الصحيحة ومنها غسل أسطح المطبخ بمحلول تبييض.
رغم أن معظم من يصابون بفيروس هـ يتعافون بشكل كامل، فإنه قد يصبح قاتلًا للمرأة الحامل: احتمالات الوفاة في الثلث الأخير من فترة الحمل تصل إلى ٣٠٪. فإذا كنتِ امرأة حاملًا، فكوني حذرة أرجوك من إعداد اللحم المقدد. وإن كان في المنزل من يقوم بالأعمال المنزلية فعليهم التأكد من نظافة أياديهم تمامًا بعد استخدام الحمام.
حماية الكبد على الإفطار
لقد وجد أن لأطعمة نباتية معينة القدرة على حماية الكبد، فمثلًا، بداية يومك بطبق من الشوفان والقهوة (وهو الأمر المثير) قد تساعد على حماية وظائف كبدك.
الشوفان
في العديد من الدراسات السكانية، وجد أن استهلاك الحبوب الكاملة العناصر يرتبط بتراجع نسب الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، لكن من الصعب الوقوف على ما إن كان تناول الحبوب الكاملة مجرد دليل على نمط حياتي صحي بشكل عام أم لا، فمثلًا، من يأكلون الحبوب الكاملة، مثل الشوفان، والقمح الكامل، والأرز البني، غالبًا ما يكونون كذلك أكثر ممارسة للرياضة، أقل تدخينًا، أكثر استهلاكًا للفاكهة والخضراوات والألياف الغذائية من أولئك الذين يفضلون إفطارًا من فرووت لوبس مثلًا. لا عجب إذن أن المجموعة الأولى هي أقل تعرضًا للأمراض. لحسن الحظ بقدرة الباحثين على التحكم بهذه العوامل، يمكن مقارنة غير المدخنين فقط بغير المدخنين بعادات غذائية مشابهة وبعض الرياضة. وحين تم ذلك، ظهر أن الحبوب الكاملة لا تزال قادرة على الحماية.
بعبارة أخرى، تبدو الأدلة متواترة على أن من يأكلون الشوفان أقل عرضة للأمراض، لكن هذا لا يعني أنك إن بدأت أكل الشوفان فسوف تتراجع احتمالات مرضك. لإثبات ذلك نحن بحاجة إلى إجراء تجربة تدخلية: نغير النمط الغذائي للناس ونرى ما سيحدث. سيكون على الباحثين تقسيم الناس عشوائيًّا إلى مجموعتين؛ إحداهما تتناول الشوفان والأخرى تتناول شبيهًا مزيفًا – طعامًا قريب الشكل والمذاق بالشوفان. ولا يعرف أحد من المشاركين أو الباحثين أي الطعامين شوفان إلى أن تنتهي الدراسة, وهذه الطريقة السليمة مزدوجة التعمية يسهل استخدامها في اختبار العقاقير، حيث إنك تعطي الناس حبة سكر شبيهة بالدواء محل الاختبار؛ لكن كما سبق أن ناقشنا، ليس من السهل صنع طعام شبيه.
لكن في عام ٢٠١٣، نشر باحثون أول تجربة عشوائية مزدوجة التعمية بمجموعة مقارنة وطعام شبيه على أثر الشوفان في أصحاب الوزن الزائد رجالًا ونساء. وقد وجدوا تراجعًا في نسب الالتهاب الكبدي في المجموعة التي تناولت الشوفان الحقيقي، لكن ربما كان ذلك لأنهم فقدوا من وزنهم أكثر من أفراد مجموعة المقارنة (أولئك الذين تناولوا شبيه الشوفان). حوالي ٩٠٪ من أولئك الذين تناولوا الشوفان الحقيقي فقدوا الكثير من الوزن، مقارنة بمجموعة المقارنة التي لم يفقد أفرادها وزنًا، في المتوسط، فلعل فائدة الحبوب الكاملة للكبد فائدة غير مباشرة. لقد أكدت دراسة متابعة في عام ٢٠١٤ الأثر الواقي للحبوب الكاملة عند مرضى الكبد الدهنية غير الكحولية لتقليل مخاطر الالتهاب الكبدي، في هذه الدراسة، ظهر أن تناول الحبوب المنقحة ارتبط بزيادة احتمالات المرض. فتخلص فورًا من خبزك المصنوع من الدقيق المنقح، وتناول رغيف القمح الكامل.
القهوة
في عام ١٩٨٦، خلصت مجموعة باحثين نرويجيين إلى نتيجة غير متوقعة: استهلاك الكحول يرتبط بالالتهاب الكبدي (لا عجب)، لكن تناول القهوة جاء مقترنًا بتراجع الالتهاب الكبدي. تأكدت هذه النتيجة في عدة دراسات أجريت في بلدان أخرى من العالم، ففي الولايات المتحدة، أجريت دراسة على أناس أشد عرضة للإصابة بأمراض الكبد – مثلًا، أصحاب وزن مفرط أو تناول للكحوليات. من تناول كوبين من القهوة يوميًّا قلت مخاطر إصابتهم بتطورات في الكبد إلى النصف مقارنة بأولئك الذين شربوا أقل من كوب واحد يوميًّا.
فماذا عن سرطان الكبد، أحد أسوأ التطورات لحالات الالتهاب الكبدي؟ وهو الآن ثالث أنواع السرطانات فتكًا، وهو ارتفاع مفاجئ في النسب بسبب الزيادة في حالات الإصابة بفيروس ج والكبد الدهنية غير الكحولية.
وتأتينا الأخبار السارة من مراجعة عام ٢٠١٣ لأفضل الدراسات التي أجريت إلى الآن والتي انتهت إلى أن من يشرب أكبر قدر من القهوة تقل احتمالات إصابته بالكبد إلى النصف مقارنة بأقل الناس شربًا للقهوة. ووجدت دراسة لاحقة أن تناول أربعة أكواب أو أكثر من القهوة كل يوم يخفض احتمالات وفاة المدخنين بحالة كبد مزمنة. بالطبع سيساعدك جدًّا أن تقلع أصلًا عن التدخين؛ فالتدخين يضاعف عشر مرات احتمالات موت المصابين بفيروس ج بالسرطان. كذلك المفرطون في الكحوليات الذين يتناولون أكثر من أربعة أكواب من القهوة يوميًّا تقل فرصهم في الإصابة بالالتهاب الكبدي – لكن ليس بدرجة من لا يشربون الكحوليات مطلقا.
سرطان الكبد من أعلى أنواع السرطانات قابلية للوقاية، من خلال التطعيم ضد فيروس ب، والحذر من العدوى بفيروس ج، وتقليل استهلاك الكحوليات. إن هذه العوامل الثلاثة كفيلة بمحو ٩٠٪ من حالات سرطان الكبد في العالم. ويبقى غير جلي إن كان للقهوة دور إضافي يمكن أن تلعبه، لكن هذا الدور يبقى محدودًا مقارنة بمنع تلف الكبد من الأساس.
لكن ماذا لو كنت مصابًا فعلًا بفيروس ج أو كنت مصابًا بالكبد الدهنية غير الكحولية ونسبته بين الأمريكيين البالغين واحد من كل ثلاثة؟ إلى وقت قريب نسبيًّا لم تكن هناك تجارب قد أجريت لإثبات فاعلية القهوة. لكن في عام ٢٠١٣، نشر الباحثون دراسة وفيها قسم أربعون مريضًا بفيروس ج إلى مجموعتين: الأولى جعلت تتناول أربعة أكواب من القهوة كل اليوم وعلى مدار شهر، بينما المجموعة الثانية لم تشرب قهوة على الإطلاق. وبعد ثلاثين يومًا، تم تبادل المهام بين المجموعتين. بالطبع لا يمكن اعتبار فترة شهرين كافية للتحقق من تغير في نتائج السرطان، لكن خلال هذه المدة، ظهر للباحثين أن تناول القهوة يقلل من معدل تلف المادة الوراثية، وزيادة معدلات التخلص من الخلايا المصابة بالفيروس، وإبطاء عملية تلف الكبد. وهذه النتائج تبين لنا دور القهوة في إبطاء معدل تقدم المرض.
في مقال بدورية كاستروينترولوجي بعنوان “هل حان الوقت لكتابة القهوة كوصفة طبية؟” عرضت المزايا والعيوب. يصر البعض على تحديد المكون الفعال في حبوب القهوة أولا، فبالنهاية هناك أكثر من ألف مكون مختلف موجود في القهوة. يجب إجراء المزيد من الدراسات لبيان هذا، لكن في الأثناء، يعد التناول المعتدل للقهوة غير المحلاة عاملًا مساعدًا للعلاج الطبي المقرر للأشخاص الأكثر عرضة لتلف الكبد، مثل أولئك المصابين بالكبد الدهنية غير الكحولية. لكن اعلم أن التناول اليومي للمشروبات المحتوية على الكافيين قد يؤدي إلى نوع من الإدمان عليها، والأعراض الانسحابية للكافيين مثل الصداع والإرهاق وصعوبة التركيز والتقلبات المزاجية. والمفارقة أن العادة الإدمانية التي تكون عليها القهوة غالبًا يبدو أنها شيء طيب. إذا كانت منافعها للكبد مؤكدة، فإن التناول اليومي للقهوة سيتحول بالنهاية إلى ميزة.
الخلاصة
مع مرض الكبد، وكما هي الحال دائمًا، الوقاية أفضل؛ فجميع حالات الكبد الأشد خطورة – سرطان الكبد، الفشل الكبدي، التشمع – تبدأ بحالة التهاب كبدي. وهذا الالتهاب تسببه عدوى أو تراكم للدهون. والوقاية من الفيروسات الكبدية ممكنة بالإجراءات الوقائية الطبيعية. لا تلجأ إلى حقن المخدرات، احصل على المصل المناسب، حافظ على أمان ممارساتك الجسدية. يمكن كذلك الوقاية من دهون الكبد بالإجراءات المنطقية: تجنب الكحوليات، والسعرات الحرارية، والكوليسترول، والدهون المشبعة، والسكر.