قد لا تلقي بالًا بعمل كليتيك، لكن اعلم أنهما تعملان على مدار الساعة، كفلتر عالي التقنية يعمل على مدار الساعة لدمك. إنهما يعالجان ما يقترب من ١٥٠ جالونًا من الدم كل أربع وعشرين ساعة لينتج عنهما ما بين جالون إلى اثنين من البول تفرزاه كل يوم.
إن كانت إحدى كليتيك لا تعمل بشكل سليم، فهذا يعني أن فضلات عملية التمثيل الغذائي سوف تتراكم في الدم وقد يؤدي هذا إلى ظهور أعراض مثل الضعف، وقصر النفس، والارتباك، واضطراب النبض. إلا أن معظم من يعانون قصورًا في وظائف الكلى لا يلحظون أية أعراض مطلقًا، فإذا فشلت كليتك تمامًا، فسيكون عليك إما وضع واحدة جديدة (زرع كلى) أو الالتزام بالغسيل الكلوي، وهي عملية تنقية الدم بطريقة صناعية. لكن المتبرعين بالكلى ليسوا متوافرين، ومأمول عمر الشخص الملتزم بالغسيل الكلوي أقل من ثلاث سنوات. فأفضل لك أن تحافظ على صحة كليتيك بالمقام الأول.
ورغم أن الفشل الكلوي قد يقع فجأة نتيجة إصابة بمادة سامة معينة، أو بالعدوى، أو بانحباس البول، فإن معظم أمراض الكلى تكون عبر فقدان تدريجي لوظائفها عبر الوقت. هناك مسح عام ذلك أن من يتمتعون بوظائف كلى طبيعية من الأمريكيين لا تجاوز نسبتهم ٤٠٪، بهبوط عن نسبة ٥٢٪ التي كانت قبل عقد. واحد من كل ثلاثة أمريكيين في سن الرابعة والستين يعانون مرض كلى مزمنًا، ذلك رغم أن ثلاثة أرباع المصابين قد لا يكونون على علم بمرضهم. إن أكثر من نصف الأمريكيين البالغين ما بين الثلاثين والرابعة والستين من العمر يتوقع لهم الإصابة بمرض كلى مزمن.
فلم إذن لا نجد ملايين الناس على أجهزة الغسيل الكلوي؟ لأن تدهور وظيفة الكلى يدمر بقية الجسم على نحو لا يبقى الناس معه أحياء ليصلوا إلى مرحلة الغسيل الكلوي، في دراسة تم فيها تتبع أكثر من ألف أمريكي على مدى عقد، وجد أن واحدًا فقط من كل عشرين يصل بالفشل الكلوي إلى مرحلته الأخيرة، فمعظم الآخرين مات فعلًا قبل هذه المرحلة، وقتلت أمراض القلب والدورة الدموية منهم أكثر مما قتلت كل الأمراض الأخرى مجتمعة. ذلك أن الكلى مهمة جدًّا لأداء جيد للقلب حتى إن من يعانون فشلًا كلويًّا ممن هم تحت الخامسة والأربعين تزيد احتمالات وفاتهم مائة مرة بأمراض القلب على أولئك الذين يتمتعون بكلى سليمة.
ماذا عن الجانب المشرق؟ الأنماط الغذائية الأصح لقلوبنا – تلك التي تقوم بالأساس على أغذية نباتية غير معالجة – هي أفضل سبيل للوقاية من أمراض الكلى وعلاجها.
تدمير الكلى بالغذاء
الكلى عضو وعائي تمامًا، أي أنها تمتلئ بالأوعية الدموية، ولذا هي ذات لون شديد الحمرة، وقد رأينا فعلًا أن الغذاء الأمريكي قد يكون سامًّا للأوعية الدموية في القلب والمخ – فما بالك فيما قد يفعله بالكلى؟
لبيان هذا، قام الباحثون في جامعة هارفارد بتتبع ألف امرأة سليمة، وتتبع غذائهن، ووظائف الكلى لديهن لأكثر من عقد بحثًا عن البروتين في بول هؤلاء النساء، فالكلى تعمل بكل جهد لكي تحتفظ بالبروتينات وغيرها من المغذيات المفيدة، وفي الوقت ذاته تنقي الدم من السميات والفضلات غير المفيدة لتخرج عبر البول، فإن وجد أن الكلى يتسرب منها بروتينات إلى البول فتلك إشارة على بدء فشل وظائفها.
وقد وجد الباحثون أن هناك ثلاثة عناصر غذائية جاءت مرتبطة بتدهور وظائف الكلى: البروتين الحيواني، الدهن الحيواني، الكوليسترول، وثلاثتهم يوجدون في المنتجات الحيوانية، ولم يجد الباحثون أي ارتباط بين تدهور وظائف الكلى وزيادة تناول البروتين أو الدهن النباتي.
قبل مائة وخمسين عامًا، قام رودلف فيرتشو، مؤسس علم الأمراض الحديث، للمرة الأولى بوصف التدهور الدهني للكلى. هذا التصور للسمية الدهنية للكلى، أو الاعتقاد أن الدهون والكوليسترول قد تكون سامة للكلى، اعتمد كحقيقة منذ ذلك التاريخ، وفق دراسات وجدت كرات من الدهون تسد مجاري كلى خاضعة للتشريح.
العلاقة بين الكوليسترول وأمراض الكلى حصلت على زخم طبي كبير حتى إن عقاقير ستاتين المخفضة للكوليسترول أصبحت توصف لوقف تطور هذه الحالة. لكن ألن يكون من الأفضل (فضلًا عن أن يكون أكثر أمنا وأقل كلفة) معالجة السبب الحقيقي للمرض بتناول طعام أكثر صحية؟
أي نوع من البروتين أفضل للكليتين؟
في العقدين ما بين عامي ١٩٩٠ و٢٠١٠، ظلت الأسباب الرئيسية للوفاة والإعاقة ثابتة نسبيًّا، ولا تزال أمراض القلب على رأس قائمة الأمراض المهلكة للصحة والأنفس. لقد تسللت بعض الأمراض، مثل الإيدز، إلى هذه القائمة، لكن من بين الأمراض التي زادت نسب الإصابة بها على نحو كبير خلال الجيل الماضي كان مرض الكلى، فقد تضاعف عدد ضحاياه.
يلقى باللائمة في هذا على نمطنا الغذائي المغرق في سكره. فزيادة استهلاك سكر المائدة وشراب الذرة المثقل بالفركتوز يرتبط بزيادة ضغط الدم ومعدلات حمض اليوريك، وكلاهما كفيل بتدمير الكلى. كذلك هناك ارتباط بين الدهون المشبعة والمتحولة والكوليسترول الموجودين في المنتجات الحيوانية والأطعمة السريعة وتدهور وظائف الكلى، ويزيد البروتين الحيواني الحمل الحامضي للكلى، ما يحفز على إفراز الأمونيا وتعريض خلايا الكلى الحساسة للتلف. ولهذا السبب عادة ما يوصى بتقليل تناول البروتينات لمرضى الكلى للمساعدة على منع مزيد من التدهور في وظائفها.
لكن ليست كل البروتينات سواء، ومن المهم أن نفهم أنه ليست كل البروتينات تؤدي الأثر نفسه على الكلى.
إن زيادة استهلاك البروتين الحيواني تحدث أثرًا بالغًا على وظيفة الكلى بإطلاق حالة فرط التنقية، وهي زيادة هائلة في حجم العمل الذي تقوم به الكلى، وهي حالة غير ضارة حدثت بشكل عارض. نحن جميعًا نتمتع بقدرة عمل احتياطية للكلى – حتى يتمكن الناس من تدبر أمرهم بكلية واحدة إن لزم الأمر. ويعتقد أن لدى الجسم البشري القدرة على التعامل مع جرعات كبيرة متقطعة من البروتين وهي وظيفة تطورت لدى البشر منذ أيام الصيد والالتقاط. لكننا الآن نزدرد كميات كبيرة من البروتين يومًا بعد يوم، مضطرين كليتينا إلى استخدام قدراتهما الإضافية باستمرار. وبمرور الوقت، يكون هذا الإجهاد المستمر سببًا في تدهور وظيفة الكلى مع تقدم العمر، مهيئًا حتى الأشخاص الأصحاء إلى تدهور مستمر في وظيفة الكلى.
وكان الاعتقاد أن السر وراء الحالة الجيدة للكلى لدى أولئك المتبعين للأنظمة الغذائية النباتية هو الاستهلاك الأقل للبروتينات. لكننا نعرف الآن أن السبب هو في اختلاف تعامل الكلى مع البروتين الحيواني والنباتي.
في غضون ساعات من تناول اللحم، تضع الكلى نفسها على نظام الفلترة السريعة، وهو ما يصح في حال العديد من البروتينات الحيوانية – البقر، الدجاج، السمك كلها ذات آثار مشابهة. لكن القدر ذاته من البروتين النباتي لا يسبب في الواقع أي إجهاد ملحوظ على عمل الكلى. تناول بعض التونة، وسوف يتصاعد معدل الفلترة في كليتك في غضون ساعات بمقدار ٣٦٪. لكن تناول ذات القدر من البروتين من خلال تناول التوفو لن يضيف أي إجهاد على الكلى.
فهل باستبدالنا البروتين النباتي بالحيواني يمكننا إبطاء تدهور وظيفة الكلى؟ نعم، فنصف دزينة من التجارب العلاجية أظهرت أن استبدال النباتي بالحيواني يقلل من معدلات الفلترة السريعة و/أو تسرب البروتين, لكن جميع هذه الدراسات كانت على مدى قصير، حيث استمرت لأقل من ثمانية أسابيع. لكن في عام ٢٠١٤ أجريت دراسة عشوائية مزدوجة التعمية بمجموعة مقارنة ودواء وهمي واستمرت لستة أشهر لبيان كيفية معالجة الكلى لبروتين الصويا في مقابل معالجتها لبروتين الألبان، وتمامًا كما ظهر من الدراسات السابقة، ساعد البروتين النباتي على توفير جهد الكلى المعتلة.
فما الذي يجعل البروتين الحيواني سببًا في إجهاد الكلى بينما لا يكون ذلك في حال البروتين النباتي؟ إنه بسبب الالتهاب الذي قد تسببه المنتجات الحيوانية. لقد اكتشف العلماء بعد أن أعطوا لعينات الدراسة دواء قويًّا مضادًّا للالتهاب مع تناولهم بروتينًا حيوانيًّا، اختفاء حالة الفلترة السريعة وتسرب البروتين في البول.
تقليل الحمل الحامضي الغذائي
سبب آخر يجعل من البروتين الحيواني خطرًا على وظيفة الكلى وهو أنه أكثر تكوينًا للأحماض؛ وذلك لأن البروتينات الحيوانية تحتوي على مستويات أعلى من الأحماض الأمينية المحتوية على الكبريت، مثل الميثونين، والذي ينتج حامض الكبريتيك حين يمتص في الجسم؛ لكن الخضر والفاكهة على الجانب الآخر، تكون القواعد، وتساعد القواعد على تحييد الأحماض في الكلى.
الحمل الحامضي في الغذاء يتحدد من خلال التوازن بين الأطعمة المحفزة للأحماض (مثل اللحوم، والبيض، والجبن) والأطعمة المحفزة للقواعد (مثل الفاكهة والخضراوات)، في تحليل عام ٢٠١٤ للأنماط الغذائية ووظائف الكلى لأكثر من اثني عشر ألف أمريكي عبر البلاد، وجد أن الحمل الحامضي الغذائي العالي يرتبط باحتمالات أعلى لتسرب البروتين في البول، وهو مؤشر على تلف الكلى.
إن الأنماط الغذائية النباتية القديمة كانت تتألف من نباتات؛ ولذا فإنها كانت تفرز في الكلى من القواعد أكثر مما تفرزه من الأحماض. لقد تطور البشر على تناول هذه الأطعمة القاعدية الطابع على مدى ملايين السنين. لكن أنماطنا الغذائية الأحدث تنتج الأحماض بكثرة، وهذا التحول من الأغذية المكونة للقواعد تلك المكونة للأحماض يفسر الزيادة الهائلة في أمراض الكلى. ويعتقد أن الأغذية المكونة للأحماض تؤثر على الكلى من خلال إتلافها للأنابيب الدقيقة الصغيرة التي تكون البول داخل الكلى، ولمعالجة الزيادة الحمضية في غذائك تقوم الكلى بإنتاج الأمونيا، وهي قاعدية يمكنها معادلة الحامض، ومواجهة الحامض بضده ينفع على المدى القصير، لكن على المدى البعيد، قد يكون للأمونيا المتراكمة أثر سام على الكلى. والتدهور في وظيفة الكلى قد يكون ناجمًا عن إفراط في إفراز الأمونيا تراكم مع الوقت. قد تبدأ كليتاك في التدهور وأنت في العشرينات، وببلوغك سن الثمانين، تكون كفاءتهما قد تراجعت إلى النصف. والحمض الأيضي المزمن الذي يعزى إلى كثرة أكل اللحوم ربما يفسر سر الحالة الرائعة التي تكون عليها الكلى لدى أولئك المتبعين للأنظمة الغذائية النباتية وكذلك يفسر سر نجاح هذه الأنظمة في علاج الفشل الكلوي المزمن. ففي الظروف العادية، يقوم النمط الغذائي النباتي بتقعيد الكلى، بينما يساعد النمط غير النباتي على زيادة الحمضية فيها، وهذا يثبت كذلك حتى مع النباتيين الذين يتناولون بدائل للحوم المعالجة مثل البرجر النباتي.
إن لم يكن لدى الناس استعداد لخفض استهلاكهم للحوم فيجب عليهم أن يُقبلوا على مزيد من الفاكهة والخضراوات لتحقيق التوازن مع هذا الحمل الحامضي. “لكن” بحسب كلام أحد أطباء الكلى، “الناس يجدون صعوبة في الإكثار من تناول الفاكهة والخضراوات ويستعيضون عن ذلك بالمكملات الغذائية”.
فما الذي جربه الباحثون؟ أعطوا الناس حبوب صودا الخبز (أو بيكربونات الصوديوم). بدلًا من معالجة السبب الرئيسي لارتفاع الحامضية (استهلاك الكثير جدًّا من المنتجات الحيوانية والإقلال من الخضر والفواكه) وفضلوا معالجة النتائج. هل المشكلة في كثرة الحامض؟ إليك إذن مادة قاعدية لمعادلتها. بإمكان بيكربونات الصوديوم أن تعالج بفاعلية زيادة الحمل الحامضي، لكن، وكما هو واضح، تحتوي بيكربونات الصوديوم على الصوديوم، والذي قد يؤدي هو نفسه، على المدى البعيد، إلى تلف الكلى.
للأسف، هذا المنهج السطحي في معالجة المشكلة هو الشائع في الوسط الطبي. هل تعاني زيادة كبيرة في مستوى الكوليسترول نتيجة نمط غذائي متخم بالدهون المشبعة والكوليسترول؟ حسنًا، خذ حبة ستاتين لتثبيط الإنزيم المفرز للكوليسترول. نظامك الغذائي شديد الإقبال على الأطعمة المكونة للأحماض؟ بإمكانك تناول بعض حبوب صودا الخبز لمعادلة هذه الحامضية.
هؤلاء الباحثون أنفسهم حاولوا كذلك زيادة مدخول الناس من الخضر والفاكهة بدلًا من تناول حبوب الصودا فوجدوا أنها توفر قدرًا مشابهًا من الحماية، مع ميزة إضافية وهي خفض ضغط الدم. إن عنوان التعليق المصاحب للدراسة في المجلة الطبية كان يقول: “مفتاح وقف تطور أمراض الكلى المزمنة ربما يكون في متجر التسوق وليس في الصيدلية”.
حصوات الكلى
الإقبال على الطعام النباتي لمعادلة حامضية بولك يساعد أيضًا على منع تكوُّن حصى الكلى ومعالجته – تلك الكتل المعدنية الصلبة التي تتكون في كليتيك حين يرتفع تركيز مواد معينة تكوُّن الحصوات، تبدأ الحصوات في التبلور، وفي النهاية تنمو هذه البلورات في حجمها لتصل إلى حجم حصاة صخرية تسد مسار البول مسببة ألمًا شديدًا يمتد من أحد جانبي الظهر من الأسفل وحتى منبت الفخذ. قد تمر حصوات الكلى بشكل طبيعي (ومؤلم في غالب الأحوال)، لكن بعضها يكون كبيرًا لدرجة تستدعي إزالتها جراحيًّا.
لقد تزايدت نسب الإصابة بحصوات الكلى بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية وحتى في الأعوام الخمسة عشر الماضية. تقريبًا هناك واحد بين كل أحد عشر أمريكيًّا مصابًا بحصوات الكلى، مقارنة بنسبة واحد بين كل عشرين قبل عقدين من الآن. فما أسباب هذه الزيادة المضطردة؟ أول خيوط الإجابة عن هذا السؤال تردنا من عام ١٩٧٩ حين أورد العلماء أن ثمة علاقة بين نسب الإصابة بحصى الكلى منذ الخمسينيات وزيادة استهلاك البروتين الحيواني. لكن كما في جميع دراسات الملاحظة، لا يمكن للباحثين إثبات علاقة بين سبب ونتيجة، فقرروا أن يجروا تجربة تدخلية: طلبوا من المشاركين إضافة المزيد من البروتين الحيواني في طعامهم اليومي، ما يعادل علبة من سمك التونة، وخلال يومين من إضافة التونة إلى الطعام، ارتفعت مستويات المواد المكونة للحصوات – الكالسيوم، الأكسالات، حمض اليوريك – على نحو درامي لترتفع احتمالات الإصابة بالحصوات إلى ٢٥٠٪.
لاحظ أن النظام الغذائي التجريبي “العالي” البروتين الحيواني كان قد صمم لوضع متوسط جديد لما يتناوله الأمريكي من بروتين حيواني، ٥٣ ما يعني أن بالإمكان تقليص حجم الإصابة بالحصوات بتقليل ما يتناول الناس من لحوم.
وبحلول السبعينيات، توافر ما يكفي من أدلة لكي يبدأ الباحثون في طرح سؤال إذا ما كان على من يعانون بشكل متكرر وجود حصوات الكلى التوقف كليًّا عن تناول اللحوم. لكن لم تنشر أية دراسة عن نسب إصابة النباتيين بحصى الكلى حتى عام ٢٠١٤. حيث وجد الباحثون بجامعة أوكسفورد أن الذين لم يأكلوا اللحم مطلقًا تقل جدًّا احتمالات إصابتهم بحصوات الكلى، أما أولئك الذين أكلوا اللحم، فكلما زاد ما يأكلونه، زاد حجم خطر إصابتهم.
فهل هناك لحم أسوأ من غيره؟ ينصح الذين تتكون لديهم حصوات الكلى بالإقلال من تناول اللحوم الحمراء، لكن ماذا عن الدجاج والأسماك؟ لم نعرف عنها شيئًا حتى قارنت دراسة عام ٢٠١٤ بين سمك السلمون والقد وبين صدور الدجاج والبرجر، ووجد أن الدجاج ربما يكون أقل ضررًا من غيره من اللحوم فيما يتعلق بخطر تكون حصوات الكلى، لكنهم انتهوا إلى قول: “يحسن بمن يكثر معهم تكون الحصوات الإقلال قدر الإمكان من البروتين الحيواني”.
إن معظم حصوات الكلى تتكون من الكالسيوم والأكسالات، ولسنوات عدة، اعتقد الأطباء أنه ما دامت الحصوات تتكون من الكالسيوم، فيجدر بهم توجيه مرضاهم إلى التقليل من الكالسيوم. وكما يحصل كثيرًا في الطب، تنطلق الممارسة الطبية دون بصيرة وبلا سند تجريبي، وقد تغير هذا المسلك بعد دراسة فارقة، نشرت في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن، والتي قارنت بين النمط الغذائي قليل الكالسيوم بآخر مقل في البروتين الحيواني والصوديوم. بعد خمس سنوات، وجدوا أن التقليل من الملح واللحم أكثر فاعلية بمقدار الضعف من الوصفة التقليدية التي تقوم عادة بتقليل الكالسيوم، فانخفضت نسبة الإصابة إلى النصف.
فماذا عن خفض نسبة الأكسالات، والتي تتركز في بعض أنواع الخضراوات؟ انتهت دراسة حديثة إلى أنه ما من زيادة في مخاطر الإصابة بالحصوات مع تناول الكثير من الخضراوات. بل إن الإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة يرتبط بانخفاض احتمالات تكون الحصوات بغض النظر عن عوامل الخطورة المعروفة الأخرى، بمعنى أن هناك فوائد إضافية في الإكثار من الأطعمة النباتية تفوق مجرد الحد من الأطعمة الحيوانية.
سبب آخر للتقليل من البروتين الحيواني هو الحد من تراكم حمض اليوريك، والذي يمكنه تكوين بلورات تكون نواة لحصوات كالسيوم أو قد تتحول إلى حصوات بحد ذاتها. بالطبع تعتبر حصوات حمض اليوريك ثاني أكثر أنواع حصوات الكلى شيوعًا؛ ولذا يكون منطقيًّا التقليل من نسب الإصابة بها بالتقليل من فرص تراكم حمض اليوريك، ويمكن تحقيق ذلك بإحدى طريقتين: إما بالعقاقير أو بتقليل تناول اللحوم. الأدوية التي تمنع تراكم حمض اليوريك مثل ألوبورينول قد تكون فعالة، لكنَّ لها آثارًا جانبية خطرة. بينما يؤدي الإقلال من تناول اللحوم إلى خفض احتمالات تبلر حمض اليوريك بنسبة تصل إلى ٩٠٪ في غضون خمسة أيام.
الخلاصة: حين يكون البول قاعديًّا، تقل احتمالات تكون الحصوات؛ ولذا يكون التقليل من اللحوم والإكثار من الخضراوات والفاكهة واقيًا تمامًا. النمط الغذائي الأمريكي المعتاد يأتي ببول حامضي. لكن حين يلتزم الناس بنظام غذائي نباتي، يمكن رفع قاعدية البول إلى ما يقارب النسبة الطبيعية في أقل من أسبوع.
لكن ليست كل الأطعمة النباتية قاعدية التأثير وليست كل الأطعمة الحيوانية حامضية التأثير بذات القدر. إن درجة تقييم حامضية الكلى تأخذ بعين الاعتبار كلًّا من الحمل الحامضي للأطعمة ومقادير ما يتناولونه منها لكي يمكنهم تعديل الأنظمة الغذائية بشكل يمنع تكون الحصوات والأمراض ذات الصلة بزيادة الحامضية، كالنقرس. إن أكثر الأطعمة إنتاجًا للحامضية كان السمك، بما في ذلك سمك التونة، يتبعه اللحم المقدد، ثم الدواجن، والجبن، ولحم البقر. البيض أكثر حامضية من لحم البقر إلا أن الناس يميلون إلى الإقلال من تناولهما في الموقف الواحد. بعض الحبوب أقل تكوينًا للأحماض من غيرها، مثل الخبر والأرز، لكن الباستا بخلاف ذلك، والفاصوليا تقلل الحامضية على نحو كبير، لكن ليس بقدر الفاكهة، ثم تأتي الخضراوات على رأس قائمة الأطعمة القاعدية.
التغييرات الغذائية فعالة جدًّا، فهي لا تساعد فحسب على منع تكون الحصوات، بل تشفي منها أحيانًا دون عقاقير أو جراحة، فبالإمكان تفتيت حصوات حمض اليوريك تمامًا بالجمع بين تناول الخضراوات والفاكهة والتقليل من تناول البروتينات الحيوانية والملح، وشرب عشرة أكواب من السوائل يوميًّا.
منع زيادة المتناول من الفسفور
دخول الكثير جدًّا من الفسفور إلى دمك يزيد مخاطر الإصابة بالفشل الكلوي، وقصور القلب، والأزمات القلبية، والموت المبكر, فزيادة الفسفور تدمر كذلك الأوعية الدموية وتسرع معدل الهرم وضعف كثافة العظم. إن المستويات العالية من الفسفور تقوم بحد ذاتها كعامل خطورة مستقل بين عوامل الخطورة المؤدية إلى الموت.
يوجد الفسفور في العديد من الأطعمة النباتية والحيوانية، ومعظم الأمريكيين يستهلكون ضعف حاجة أجسادهم من الفسفور، لكن المشكلة ليست في مقدار ما تتناول بل في مقدار ما تمتص، وبالتحول إلى نظام غذائي نباتي ، يمكنك خفض مستوى الفسفور في الدم على نحو كبير حتى لو بقي استهلاكك من المعادن على حاله. ذلك أن الفسفور في الأطعمة الحيوانية يأتي في صورة مركب هو الفوسفات، والذي يمتص في الدم بسهولة أكبر من امتصاص الفيتات، وهو صورة الفسفور في الأطعمة النباتية. الحديد، وهو معدن حيوي آخر قد تحصل منه على ما يفوق الحاجة، فجسدك أفضل كثيرًا في قدرته على إيقاف امتصاصه لما يفوق حاجته من الحديد نباتي المصدر، لكنه ليس بذات الكفاءة في إيقاف الحديد اللحمي أو الدموي المصدر من التسلل عبر جدار أمعائك.
إلا أن أسوأ أنواع الفسفور، هو ذلك الذي يأتي كإضافات للطعام. إن مركبات الفسفور تضاف إلى مشروبات الكولا وإلى اللحوم بغية تحسين اللون. (من دون إضافة الفوسفات، لن يكون مشروب كوكاكولا على حاله من السمرة الشديدة) أقل من نصف الفوسفور النباتي وحوالي ثلاثة أرباع الفسفور الحيواني المصدر يدخل في تيار الدم، لكن الفوسفات المضاف يمكن أن تصل نسبة امتصاصه إلى ١٠٠٪.
إن الفوسفات المضاف يمثل أهمية كبرى على وجه الخصوص في صناعة اللحوم. غالبًا ما يحقن لحم الدجاج بالفوسفات لتحسين اللون، لإضافة وزن من المياه (وذلك لزيادة الربحية)، وكذلك لتقليل “التطهير” وهي العبارة التي تستخدم لوصف تسرب السوائل من الطير مع التقدم في السن. مشكلة الفوسفات المضاف أنه قد يضاعف مستويات الفوسفات في اللحم. وقد وصف الفوسفات المضاف “كخطر غادر وحقيقي” بالنسبة لمرضى الكلى، ذلك أنها تقضي على قدرتهم على إفرازه، لكن بحسب ما نعرف عن آثار زيادة الفوسفات، فإنه يعد خطرًا على الجميع.
في الولايات المتحدة هناك أحد عشر نوعًا مختلفًا من أملاح الفوسفات يسمح بحقنها في اللحوم والدواجن النيئة، وهو إجراء تم منعه في أوروبا منذ زمن بعيد. ذلك أن الفوسفات الذي يوجد في اللحوم والأطعمة المحفوظة يعتبر “سمومًا وعائية” يمكنها إتلاف الوظائف الوريدية في غضون ساعات من تناول وجبة كثيفة الفوسفات. وبالنسبة إلى اللحوم؛ فهناك مخاوف إضافية، حيث إن إضافة الفوسفات تزيد من نمو البكتيريا المسممة للطعام وهي بكتيريا العطيفة القولونية في الدواجن مليون مرة.
من السهل تجنب الفسفور في الأطعمة المعالجة – فقط بامتناعك عن شراء أي شيء يحوي في محتوياته المكتوبة كلمة “فوسفات”، مثل البيروفوسفات وفوسفات الصوديوم. في اللحم، يصعب على نحو خاص تحديد كمية الفوسفات؛ لأن المنتجين غير مطالبين بالإفصاح عن المواد المضافة للمنتجات، وإضافة الفوسفات قد تسجل على علامة العبوة “كنكهات” أو “مرق” وقد لا تسجل على الإطلاق. اللحوم بطبيعة الحال تحتوي على الفوسفات القابل للامتصاص؛ وإضافة المزيد منه لا تؤدي إلا لزيادة إصابات الكلى، ويبدو أن الكلى أكثر سوءًا: في استبيان لمراكز التسوق وجد أن ٩٠٪ من الدجاج يحتوي على إضافات فوسفاتية.
هل يمكن لنمط غذائي أن يقي سرطان الكلى؟
في كل عام تُشَخَّص أربعة وستون ألف حالة سرطان كلى في أمريكا، وحوالي أربعة عشر ألفا يموتون به. حوالي ٤٪ من هذه الحالات وراثي، لكن ماذا عن البقية؟
ما دام تدخين التبغ هو عامل الخطورة الوحيد المقبول في إصابات سرطان الكلى. فثمة فئة من المسرطنات توجد في دخان السجائر تسمى نيتروسامينز شديدة الخطورة حتى إن خطورتها قد تمتد للمدخن السلبي، وخطر التبغ لا ينتهي بانتهاء السيجارة، فبقايا الدخان تعلق على الأسطح والجدران. فحوالي ٨٠٪ من مادة النيتروسامينز الناجمة عن دخان السجائر تظل في الغرفة، حتى في وجود سبل التهوية الطبيعية؛ ولذا عليك أن تختار من الفنادق غرفها التي يحظر فيها التدخين. تلك المادة هي السبب الذي يجعل من تدخينك في الغرف المغلقة خطرًا على غيرك، حتى لو لم يكن معك أحد حينها، وفي ذلك قال حديثًا أحد كبار العلماء من حركة السيطرة على التدخين: “إن مسرطنات بهذه القوة لو كانت في أي منتج استهلاكي آخر مخصص للاستخدام الآدمي، لكانت قد حرمت على الفور”.
عدا في شيء واحد: اللحوم
هل تعلم أن قطعة هوت دوج واحدة تحوي من النيتروسامينز (والنيتروساميدز، والتي تشبه مسرطنات دخان السجائر) مثلما يوجد في أربع سيجارات حتى إن هذه المسرطنات توجد في اللحوم الطازجة، بما في ذلك البقر والدواجن ولحم الخنزير؟ وربما يفسر هذا زيادة معدلات الإصابة بسرطان الكلى على مدى العقود الخمسة الماضية رغم انخفاض معدلات التدخين. إن الكلى مكلفة بمسئولية هائلة وهي فلترة دمك وتنقيته طوال اليوم وكل يوم، وهو عمل كبير على عضوين بحجم قبضة اليد، والكليتان شديدتا التحمل والجلد، لكنهما ليسا عصيتين على التلف، وحين تبدآن رحلة الهلاك، يبدأ الجسم كذلك في الانهيار، فالمواد السامة التي تقوم الكلى الصحية في العادة باستخراجها تبدأ في تجاوزها والتراكم في مجرى الدم.
لكي تحافظ على كليتيك قويتين ودمك نظيفًا، عليك أن تفكر مليًّا فيما تأكل. النمط الغذائي الأمريكي المعتاد والذي تغلب عليه اللحوم يمكنه تدمير كليتيك ببطء مع كل وجبة، حيث يدفعهما إلى وضعية الفلترة السريعة، ولك أن تتخيل إلى أي حد يمكن لمحرك سيارتك أن يصمد إن أنت أبقيته دائمًا قريبًا من الخط الأحمر؟ لقد أثبت الطب أن بمقدورك خفض العبء الوظيفي لكليتيك (ومعه الحمل الحمضي) بالتحول إلى نظام غذائي نباتي.