رغم التطور الكبير الذي حدث في هذا المجال، مازال الأطباء في صراعهم مع مرض السرطان وعلى مدى عدة قرون.
فمن الثابت ان قدماء الإغريق قد اكتشفوا مرض السرطان منذ القدم وهم الذين أطلقوا عليه هذا الاسم بعد أن اكتشفوا ان بعض أنواعه، وخاصة تلك التي تصيب الثدي، تشبه صورة حيوان السرطان… لقد بقيت تلك الصورة شبحاً مخيفاً إلى يومناً هذا..
يجب الاعتراف بأن الأدوية التقليدية المستخدمة في علاج السرطان لم تحقق النجاح المطلوب، رغم ان البعض منها قد حقق نتائج عظيمة لكنها تبقى محدودة، فبعض أنواع السرطان التي تصيب الأطفال في سن مبكرة أصبحت الآن قابلة للعلاج بشكل تام.
كما أن نسبة الإصابة ببعض أنواع السرطان مثل سرطان المعدة قد انخفضت بشكل ملحوظ، لكن مع هذا زادت نسب انتشار أنواع أخرى من السرطان إلى الحد الذي أخذت طابع الوباء فنسبة إصابة النساء بسرطان الثدي قد تصاعدت في الآونة الأخيرة بشكل واضح وخطير وذلك بسبب انتشار عادة التدخين بين النساء.
ما هو السرطان؟
يمكن القول بان السرطان مرضى جيني، ففي كل خلية من الخلايا الجسدية هنالك نواة، وفي كل نواة توجد الكروموسومات التي تحتوي على الآلاف من الجينات التي نرثها من الأجداد، تلعب الجينات (Genes) دوراً كبيراً في تحديد سماتنا الشخصية من لون الشعر إلى درجة استعدادنا للمرض.
فمن الناحية الصحية تقوم هذه الجينات ببرمجة الخلايا لتعمل بطريقة صارمة ومنظمة كي تنقسم وتتكاثر وتعيد بناءها وتشكيلاتها لإدامة حيوية الأنسجة في عموم الجسد.
لكن في حالة الإصابة بمرض السرطان تبدأ الجينات بحركة هجومية مسعورة يطلق عليها الجنيات الخبيثة التي تؤدي إلى انشطار الخلايا بشكل جنوني.
وعادة ما تنشطر الخلية إلى خليتين ثم إلى أربع فثمان وهلم جرا. أما في حالة الورم السرطاني فتتراكم الآلاف فوق الآلاف من الخلايا الخبيثة، ومع هذا تستمر وتستمر في الانشطار مما يجعل عملية السيطرة على الورم شبه مستحيلة لأن الخلايا تتسارع في تراكمها وانشطارها بشكل سريع دون توقف.
فالسرطان هو عبارة عن تكاثر خلايا عضو معين بشكل سريع ودون ضابط ويمكن ان يصيب أي عضو من أعضاء الجسم وبالتحديد الرئة، والثدي، والأمعاء، والكبد، والطرق الصفراوية والمثانة.. الخ.
حرب الخلايا
في كل خلية ” نظام الفرملة ” ويتكون من جينات تسمى بـ ” جنيات قمع الأورام الخبيثة ” (T.S.genes) وهذه هي الأجزاء الطيبة التي تقف بوجه خبث الخلايا وجيناتها، أنها قادرة على الفرملة رغم سرعة عددها الجنونية، لكن في حالة تطور السرطان يتم الضغط للنهاية على دواسة تسريع الخلايا الخبيثة مما يقلل من قدرة جينات قمع الأورام الخبيثة على إيقاف تلك السرعة، وهنا السؤال عن السر الكامن في انتصار القوة الخبيثة على الطبية وذات الكفاءة العالية بنفس الوقت؟
والجواب يكمن في دور العامل البيئي في معادلة الصراع. فبعض العوامل البيئية الضارة تعمل على إشعال فتيل انطلاقة السرطان وترجيح كفة خلاياه الخبيثة لكون جينات قمع الأورام الخبيثة ستوزع جهدها الحربي في مكافحة ومصارعة السرطان من جانب، وكذلك في مكافحة ومصارعة الظروف الخارجية من جانب آخر.
إن من أخطر العوامل البيئية وأكثرها ضرراً هو عامل التدخين الذي يسبب في إصابة بعدة أنواع من السرطان منها سرطان الرئة والفم والحنجرة والعامل الخارجي الآخر هو فيروس بـ Hepatitis B والذي يسبب الإصابة بسرطان الكبد بسرطان الكبد. كذلك يؤدي التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية للإصابة بسرطان الجلد.
الوقاية – البداية من مائدة الطعام
يعترف الأطباء بالعلاقة بين نوع الغذاء وبين الإصابة بالسرطان، وعملية الربط هذه جاءت من خلال الدراسات التجربيية التي طبقت مختبرياً على الحيوانات والتي أسفرت عن نتائج مهمة في مجال الطب الإنساني، لقد توصلت تلك الدراسات إلى وجود علاقة ذات دلالة بين إصابة الحيوانات بالسرطان وبين طبيعة الغذاء الذي قدم لها، وعندما نظر الأطباء إلى المتجمعات الإنسانية وجدوا اختلافاً في نسبة الإصابة بالسرطان بين شعوب الدول المختلفة.
أنها أول خطوة نحو الربط بين عادات المجتمع الغذائية ونوع السرطان في ذلك المجتمع.
ان المقترحات والتوصيات بما يخص التغذية تخضع إلى المراجعة والتغيير لكن هناك أسساً أصبحت ثابتة ومؤكدة، فمثلاً صار من المؤكد ان هناك علاقة بين الغذاء وسرطان الأمعاء والمعدة والبروتستاتا وكذلك سرطان الثدي. إن قائمة أنواع السرطان التي يسببها نوع الغذاء آخذة بالازدياد، ومن أكثر الأطعمة المشخصة في هذا المضمار اللحوم والأطعمة المشبعة بالدهون الحيوانية أو بالملح وكذلك الأطعمة المعلبة والكحول.
أن معظم المؤسسات الصحية أخذت تنبه إلى أخطار الأطعمة الدهنية ودورها في أمراض القلب والسرطان.
لذا أصبح من الضروري ان نقلل من هذه الدهون أو نتجنبها نهائياً. كما علينا أن نلجأ إلى شواء الأطعمة أو طبخها عن طريق البخار بدلاً ن قليها، يجب تجنب كل أنواع الحلويات التي تحتوي على الدهون أو تعتمد عليها في صناعتها.
ان معظم الباحثين في المجال الطبي يؤكدون على ضرر استخدام الملح بكثرة في الطعام لأنه يهيئ المعدة للإصابة بالسرطان، لذا يجب علينا ان نتجنب هذا الخطر وان نبتعد عن استخدام الملح في الطعام.
يعتقد العلماء ان ثلث حالات الإصابة بالسرطان ترتبط بأنواع الأطعمة التي نأكلها و أيضاً، تلك التي لا نأكلها.
وفقاً لتقرير نشر حديثاً في الدورية الطبية البريطانيةBritish medical Journal فإن 80 % من حالات سرطان الأمعاء وسرطان الصدر – أكثر أنواع السرطان انتشاراً – يمكن الوقاية منها عن طريق تغيير نظامنا الغذائي فقط.
إن ثلاثين عاما من الأبحاث قادت الخبراء إلى اقتراح مجموعة من الإرشادات أو القواعد العامة، إلا أن د. تميوثي كي، من ” صندوق أبحاث السرطان Imperial Cancer Research Fund، يقول: إن الطريق أمامنا لا تزال طويلة، نحن نعلم أن بعض الأطعمة توفر وقاية كبيرة من السرطان، لكننا نأمل أن جيلا جديداً من الدراسات الجارية حالياً سوف يقدم لنا معلومات أكثر تحديداً في هذا المجال، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إنقاذ المزيد من الأرواح.
السرطان يمكن ترويضه
إليك فيما يلي أسلوب بسيط للغاية تستطيع أن تنتهجه بنفسك بفعالية للتجنب مخاطر الإصابة بمرض السرطان:-
نظم حياتك واحتفظ بهدوء أعصابك
التوتر يعتبر من أهم الأسباب التي تسهم في تحريك هذا المرض… ويسبب سرعة موت الخلايا.
ومما يؤكد ذلك أن أحد علماء النفس التجريبي يقول ” يستطيع التوتر والغضب الجامح أن يولد السرطان ” إذ تبين له أن اختزان الغضب والعدوان كانا من السمات المشتركة بين ضحايا المرض الخبيث.
كما يذكر أحد الأخصائيين في الجراحة أن نسبة تكاد تبلغ 15 % من بين المرض الذي ترددوا عليه كانوا يعيشون لمدة عام أو عامين تحت ضغط حالات عنيفة من التوتر العاطفي قبل أن يظهر السرطان لديهم.
ومن ناحية أخرى، أوضح أحد الباحثين الدور الذي تلعبه الحالة الذهنية في الإصابة بالسرطان، وهو يقوم الآن بتعليم مرضاه المصابين بالسرطان كيف يستخدمون قواهم العقلية للشفاء من هذا المرض.
دع عقلك يعمل بنشاط
لقد أظهرت الدراسات مراراً أن الافتقار إلى وجود أهداف محددة في الحياة عامل من العوامل المساعدة على الإصابة بالسرطان.
يقول أحد كبار المحللين النفسيين الذي استمر لمدة عشرين عاماً يدرس حالات مرضى السرطان، إن الغالبية العظمى من الحالات كانت ترجع إلى أن البعض قد فقد هدفاً هاماً، أو صلة خلال السنوات القليلة التي تسبق فترة الإصابة بالمرض…لهذا يجب أن تضع أهدافاً لحياتك مهما كان العمر الذي بلغته ثم عليك أن تسعى لتحقيق هذه الأهداف.
فحينما لا تكون لك أهداف محددة فليس أمامك سوى أن تتطلع إلى الموت، وسوف يأتيك الموت لا محالة.
عش حياة بدينة نشطة، ولا شك أن أي باحث في السرطان، سوف يوافق على فكرة أن نقص الأكسجين في خلايا الجسم يسبب الإصابة بالسرطان.
ويعتبر التمرين الشديد أفضل الوسائل لتزويد خلايا الجسم بالأكسجين وأنه يسهم في تحسين الحالة العقلية.
تناول تلك الأطعمة التي ثبت أنها مانعة للسرطان وتجنب تلك التي تؤدي إلى الإصابة
فقد ثبت أن الفيتامينات خاصة المضادة للتأكسد التي تحمي الجسم من تدمير خلاياه وأنسجته من قبل “الأجزاء الحرة” والأملاح المعدنية والإنزيمات المختلفة والهرمونات ذات تأثير فعال ضد الإصابة بالسرطان، لهذا فأنت في حاجة إلى نظام ثابت متوازن للتغذية من هذه المواد لكي توفر لك الصحة وتضمن لك أقل قدر من مخاطر الإصابة بالمرض الفتاك.
لكن من المضلل أن نقول أن جميع أنواع السرطان هي من سبب واحد وأنه لخطأ فادح تبسط الأمر إلى حد الفصل بين السرطان ونوعية الطعام. ومن المتفق عليه أن لنوعية الغذاء الشخصي دور مهم في التسبب في السرطان.
تعليمات من أجل نوعية الطعام للوقاية من السرطان
• الإقلال من استهلاك الدهون قدر الإمكان.
• الإكثار من الخضار الطازجة والفواكه وخاصة الفواكه الصفراء الحاوية على الكاروتين (فيتامين A).
• البحث عن طرق بديلة لتحضير الطعام تحتاج إلى كميات قليلة من الدهون مثل السلق، الشوي.
• المحافظة على الوزن المثالي وذلك بالإقلال من الطعام بشكل عام والسكاكر والدهون بشكل خاص.
• الابتعاد عن تناول الكحول.
• ممارسة الرياضة المناسبة لكل عمر من الأعمار.
• الإكثار من تناول البقوليات والخضار الحاوية على الألياف النباتية.
• الإقلال من استعمال ملح الطعام ما أمكن.
• تناول لحوم الأسماك.
• عدم التدخين والإقلاع عنه.
الروح المعنوية العالية: علاج ذاتي
الدلائل كلها تشير إلى الإيمان وقوة الإرادة والاتجاه العقلي والنفسي الإيجابي كوسائل مهمة في محاربة المرض.
هنالك الكثير من الأبحاث الحديثة حول الاعتقاد أن معرفة الشخص أنه مصاب بالسرطان والبقاء بروح معنوية عالية له تأثير كبير في نتائج المرض.
درست في جامعة كاليفورنيا 80 حالة لسيدات مصابات بسرطان الثدي ممن تلقين نفس العلاج والدعم النفسي، غير إن نصفهن تلقين أيضا في تقنيات الاسترخاء، حيث تم تدريبهن على تصور أن قابليات الجسم الدفاعية ستتغلب على الخلايا السرطانية، وبدأت هؤلاء النسوة بالتمتع بنمط حياتي أفضل من اللواتي تلقين العلاج مشفوعاً بدعم نفسي فقط.
وعند دراسة خلايا الدم البيضاء في الدم، وجد أن هذه الخلايا في السيدات اللواتي مارسن الاسترخاء تختلف تماماً عن المجموعة التي لم تتلق تدريباً في الاسترخاء، بينت هذه النتائج ان الاسترخاء والتصور الإرشادي قد يؤديان إلى تغيير محسوس في القابليات الدفاعية للجهاز المناعي للجسم.
وهذه نتائج مشجعة جداً ومدهشة في الوقت نفسه. وقد وجدت الدراسة الأخيرة ان النساء اللاتي يشعرن بالإحباط وأنهن مسلوبات الإرادة بالنسبة إلى الحالة المرضية التي يعشنها تكون فرصتهن ضعيفة في التغلب على المرض والبقاء على قيد الحياة.
أن النظرة السلبية قد يكون لها تأثير حاسم في الجهاز المناعي من خلال إفراز هرمونات الجهد النفسي الذي قد يكون لها تأثير سيئ في الصحة العامة.
كما أن المريض الذي يشعر بالإحباط قد لا يكون لديه الدافع للحصول على أفضل ما يتوفر في علاج.
لقد بنيت الأبحاث إن الحياة المليئة بالمواقف الصعبة والإجهاد النفسي تؤثر في معدل النجاة من الإصابة.
وقد سبق للروح المعنوية العالية أن درست في مضامير مرضية أخرى يتبين ان النظرة الإيجابية قد حسنت حالة مرضى القلب، وعلى رغم الاختلاف الواضح بين نوعي المرض، إلا أن الذين يتمتعون بروح معنوية عالية من مرضى القلب غالباً ما تقل لديهم المضاعفات خلال الستة أشهر بعد العلاج.
فالروح المعنوية العالية تساعد كثيراً على مقارعة المرض والتخلص منه.