سرطان البنكرياس هو من أشد السرطانات فتكًا، فنسبة الناجين من الإصابة به بعد خمس سنوات من تشخيصه لا تتجاوز ٦٪. ولحسن الحظ وقوعه نادر إلى حد ما، فلا يزيد عدد ضحاياه على أربعين ألف أمريكي كل عام. وما يقدر ب ٢٠٪ من حالات الإصابة بسرطان البنكرياس تعود إلى التدخين. لكن هناك عوامل خطورة أخرى منها السمنة والإفراط في تناول الكحوليات. وكما سوف نرى، فإن عوامل غذائية محددة قد تلعب هي الأخرى دورًا مهمًّا في الإصابة بهذا المرض القاتل.
فمثلًا، كان مدى إسهام الدهون المتناولة عبر النظام الغذائي في زيادة فرص الإصابة بسرطان البنكرياس موضع جدل طويل, وعدم الاتساق في النتائج الخاصة بدور الدهون مرده جزئيًّا إلى أن اختلاف أنواع الدهون يرتب نتائج مختلفة، في دراسة معاهد الصحة الأمريكية سالفة الذكر كانت كبيرة بما يكفي لاكتشاف نوع الدهون المرتبط غالبًا بسرطان البنكرياس. لقد كانت الدراسة الأولى التي تتقصى دور الدهون من المصادر النباتية، مثل تلك الموجودة في الجوز، والبذور، والأفوكادو، والزيتون، وزيوت الخصراوات في مقابل الدهون الحيوانية، بما فيها اللحوم، ومنتجات الألبان، والبيض. لقد كان استهلاك الدهون من جميع المصادر الحيوانية مرتبطًا على نحو جلي بفرص الإصابة بسرطان البنكرياس، لكن الإصابة به ليست لها علاقة بتناول الدهون النباتية.
الدجاج وخطر الإصابة بسرطان البنكرياس
لقد كان هناك قلق قديم من أن الفيروسات السرطانية المسببة للبثور لدى الدجاج تنتقل إلى الناس العاديين من خلال تناول الدجاجة طازجة أو مجمدة. هذه الفيروسات معروفة بأنها تسبب السرطان في الطيور، لكن دورها في الإصابة بالسرطانات البشرية ظل مجهولًا. وبرزت هذه المخاوف من دراسات أظهرت أن أولئك الذين يتعاملون مع الدواجن ومعالجة النباتات معرضون أكثر للموت بأنواع معينة من السرطان.
أما الدراسة الأحدث فكانت على ثلاثين ألف عامل في قطاع الدواجن، وقد صممت خصيصًا لبيان إذا ما كان “التعرض للفيروسات المسببة لسرطانات الدواجن والتي تصيب هؤلاء العمال بحكم المهنة – ناهيك عن الجمهور العادي – يرتبط بزيادة الوفيات بسرطان الكبد والبنكرياس”. وقد انتهت الدراسة إلى أن من يعملون في ذبح الدجاج تزيد فرص إصابتهم تسع مرات بسرطاني البنكرياس والكبد. وبوضع هذه النتائج في سياقها، فإن عامل الخطورة الأول في الإصابة بسرطان البنكرياس هو التدخين؛ لكنك إن دخنت حتى سن الخمسين، فإن احتمالات إصابتك لا تزيد إلا بمقدار الضعف فقط.
فماذا عن أولئك الذين يأكلون الدجاج؟ إن الدراسة الأوسع التي أجريت لبحث هذا السؤال كانت دراسة التحقيق الأوروبي المستقبلي في السرطان والتغذية، والتي تتبعت ٤٧٧ ألف شخص على مدى عقد من الزمن. لقد وجد الباحثون زيادة قدرها ٧٢٪ في الإصابة بسرطان البنكرياس على كل خمسين جرامًا من الدجاج المستهلك كل يوم. وهو قدر بسيط من لحم الدجاج، أقل من أونصتين – حوالي ربع صدر دجاجة تقريبًا.
لقد عبر الباحثون عن دهشتهم من أن استهلاك الدواجن – وليس اللحوم الحمراء – هو الأكثر اقترانًا بالسرطان. وعندما كانت النتائج متقاربة في حال سرطان الدم والليمفوما، أقر الفريق البحثي ذاته بأنه في حين تلعب العقاقير المحفزة للنمو التي تعطى للدجاج والديك الرومي دوراً، فإن للفيروسات السرطانية التي توجد في الدواجن دورًا كذلك مهمًّا.
السبب في ارتباط الإسبستوس بالسرطان كان بالمقارنة سهلًا حيث إن الإسبستوس يتسبب بشكل خاص في نوع غير عادي من السرطان (ورم الظهارة المتوسطة)، والذي لم يكن معروفًا قبل انتشار استخدام الإسبستوس. لكن لأن سرطان البنكرياس الذي قد يصاب به المرء من تناول الدجاج هو ذاته الذي يصاب به المرء جراء التدخين، فهناك صعوبة أكبر في بيان العلاقة السببية. هناك أمراض تتفرد بها اللحوم، مثل التي وصفت حديثًا بمرض فرشاة السلامي الذي يصيب على وجه الخصوص العاملين بدوام كامل في كحت العفن الأبيض الذي ينمو بشكل طبيعي على قوالب السلامي. لكن معظم الأمراض التي تسببها صناعات اللحوم هي عامة في مجملها؛ ولذا على الرغم من الرابط الواضح بين التعرض للدواجن والإصابة بسرطان البنكرياس، لا تتوقع أن تجد حظراً للإسبستوس قريبًا في المطاعم.
معالجة سرطان البنكرياس بالكركم
سرطان البنكرياس من أشد أنواع السرطان عدوانية، فبلا علاج، يموت ضحاياه في غضون شهرين أو أربعة من تاريخ التشخيص. وللأسف لا يستجيب للعلاج الكيماوي اكثر من ۱۰٪ من المرضى، مع تأثيرات جانبية في منتهى العنف.
والكركمين، تلك الصبغة الصفراء الموجودة في بابل الكركم، يبدو أنها قادرة على إيقاف التغيرات السابقة على الإصابة بسرطان القولون وكذلك أثبتت، معمليا، قدرته في مواجهة خلايا سرطان الرئة، وتحققت نتائج قريبة مع خلايا سرطان البنكرياس. فلم لا نجرب الكركمين في علاج مرضى سرطان البنكرياس؟
في دراسة موّلها المعهد الوطني للسرطان وأجريت في مركز الدكتور أندرسون للسرطان، منح مرضى في مراحل متقدمة من سرطان البنكرياس جرعات كبيرة من الكركمين، ومن بين واحد وعشرين مريضا استطاع الباحثون تقييمهم، استجاب اثنان بشكل إيجابي للعلاج. أحدهما انخفض حجم ورمه بنسبة 73%، لكن ظهر مكانه ورم جدید مقاوم للكركمين.
لكن المريض الآخر أظهر تحسنا ثابتاً على مدى ثمانية عشر شهرا. ولم ترتفع مؤشرات السرطان ثانية إلا خلال ثلاثة أسابيع علق فيها العلاج. صحيح أن اثنين من أصل واحد وعشرين مريضا استجابا للعلاج، لكنها تقريبا نسبة نجاح العلاج الكيماوي، مع عدم وجود أي آثار جانبية. وعليه فإني أنصح بالكركمين لمرضى سرطان البنكرياس بغض النظر عن العلاجات الأخرى التي يتناولونها، لكن الوقاية مع هذا المصير المؤلم هي الأولى، فإلى أن نعرف المزيد، أفضل ما يمكننا فعله هو تجنب التدخين، والكحوليات، والسمنة، والتقليل من المنتجات الحيوانية، والحبوب المنقحة، والسكريات والإكثار من الفاصوليا والعدس والبازلاء والفاكهة المجففة.