يحدث سرطان المريء حين تنمو خلايا سرطانية في المريء، ذلك الأنبوب العضلي الذي يحمل الطعام من فمك إلى معدتك. عادة ما يظهر في البطانة الداخلية للمريء ثم يبدأ بعدها بغزو الطبقة الخارجية قبل أن ينتقل إلى عضو آخر من أعضاء الجسم، في البداية، تظهر أعراض قليلة لوجوده – هذا إن ظهرت على الإطلاق. لكن مع نمو الورم، تبدأ بالظهور صعوبات في البلع.
في كل عام، تظهر ثمانية عشر ألف حالة سرطان مريء جديدة وتقع خمس عشرة حالة وفاة. وعوامل الخطورة الأساسية فيه تشمل التدخين، وتناول الكحوليات، والارتجاع المريئي (ويسمى كذلك ارتجاع الحامض المعدي)، وفيه تتصاعد أحماض المعدة إلى داخل المريء، فتحرق البطانة الداخلية وتسبب التهابًا في المريء يقود في النهاية إلى السرطان. وبجانب تحاشي الدخان والكحول (فحتى الشرب بكمية قليلة يزيد خطر الإصابة)، فإن أهم شيء يمكنك فعله لمنع سرطان المريء هو التخلص من ارتجاع المريء – وهو ما يتحقق لك من خلال التغذية الصحية.
ارتجاع المريء وسرطان المريء
ارتجاع المريء هو أحد أكثر الاضطرابات شيوعًا في المسار الهضمي, والأعراض المعتادة تتضمن ألمًا حارقًا إضافة إلى ارتجاع لمحتويات المعدة وصولًا إلى الحلق، وهو ما يترك في فمك مذاقًا حامضًا. فبسبب ارتجاع المريء يقوم ملايين الناس بزيارة الأطباء ودخول المستشفيات كل عام ويمثل هذا النشاط الطبي الأعلى كلفة بين جميع الأمراض الهضمية في الولايات المتحدة. كما أن الالتهاب المزمن الذي يسببه الارتجاع يقود إلى حالة مريء باريت، وهي حالة تسبق الورم السرطاني وتتضمن تغيرات في بطانة المريء. ولمنع نشوء الورم السرطاني في المريء، يجب قطع هذه السلسلة من الأحداث – وهو ما يعني إيقاف ارتجاع المريء من الأساس.
وتلك مهمة غاية في الصعوبة في الولايات المتحدة، فعلى مدار ثلاثة عقود، زادت نسب الإصابة بسرطان المريء ست مرات – وهي زيادة أكبر من زيادات نسب سرطان الثدي والبروستاتا، وهي بالأساس بسبب زيادة نسب مرض ارتجاع المريء. في الولايات المتحدة، هناك على الأقل شخص واحد بين كل أربعة أشخاص (بنسبة ٢٨٪) يعاني مرة كل أسبوع على الأقل حالة حرقان صدر أو ارتجاع لحامض المعدة، مقارنة بنسبة ٥٪ فقط في آسيا. وهو ما يعني أن عوامل التغذية تلعب دورًا أساسيًّا.
على مدى العقدين الماضيين، قامت حوالي خمس وأربعين دراسة باختبار العلاقة بين الغذاء، ومريء باريت، وسرطان المريء. وكان الارتباط الأكثر ثباتًا هو ارتباط السرطان باستهلاك اللحوم عالية الدهون. يبدو لافتًا ارتباط اللحوم المختلفة مع أنواع مختلفة من السرطانات، فاللحوم الحمراء شديدة الارتباط بالسرطان داخل المريء ذاته، بينما كانت الدواجن أكثر ارتباطًا بالسرطان في المنطقة ما بين المريء والمعدة.
فكيف يحصل هذا؟ في غضون خمس دقائق من تناول الدهن، تقوم العضلة العاصرة في مقدمة المعدة – والتي تعمل كصمام يُبقي الطعام داخل المعدة – بالاسترخاء، فتسمح لأحماض المعدة بالتسلل عائدة إلى المريء. فمثلًا، في إحدى الدراسات، قام متطوعون بتناول وجبة عالية الدهون (سجق, ماكدونالدز، بيض، وساندويتش جبن) فعانوا ارتجاعًا للأحماض المعدية إلى داخل المريء على نحو لا يكون مع تناول وجبة أقل دسامة ( كعك ماكدونالدز). يعود ذلك في جزء منه إلى إطلاق هرمون يسمى كوليسيستوكينين، والذي يتحفز مع تناول اللحوم والبيض وقد يعمل هذا الهرمون على إرخاء العضلة العاصرة. ويفسر هذا زيادة احتمالات الارتجاع والالتهاب المريئي حرقان الصدر لدى من يأكلون اللحوم بمقدار الضعف مقارنة بالنباتيين.
حتى من دون احتمالات السرطان، يسبب ارتجاع المريء بذاته ألمًا، ونزيفًا، وندبًا تضيق المريء وتتداخل مع البلع. لذا تنفق بلايين الدولارات كل عام على الأدوية التي تسكن حرقان الصدر والارتجاع وذلك بتقليل كمية أحماض المعدة، لكن هذه العقاقير قد تسهم في نقص في المواد المغذية وزيادة احتمالات الإصابة بالالتهاب الرئوي، والعدوى المعوية، والكسور العظمية. ولعل الطريقة المثلى للوقاية هي إبقاء الحامض في موضعه بتقليل الأطعمة التي تسمح للحمض بالتسلل إلى المريء.
إن الوقاية التي توفرها الأطعمة النباتية لا ترتكز فقط على الإقلال من أطعمة معينة، فتركيز غذائك على الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة يقلل فرص إصابتك بسرطان المريء إلى النصف. وأكثر الأطعمة قدرة على الوقاية من السرطان بمنطقة المريء والمعدة هي الخضراوات الحمراء والبرتقالية وذات الأوراق الخضراء، والتوت، والتفاح، والفواكه الحمضية، لكن جميع الأطعمة النباتية غير المعالجة لديها ميزة وجود الألياف.
الألياف والفتق الحجابي
في حين ترتبط زيادة تناول الدهون بالارتجاع، يبدو أن تناول الألياف يقلل هذا الخطر. يقلل تناول الكثير من الألياف من احتمالات الإصابة بسرطان المريء بمقدار الثلث, وذلك بالمساعدة على منع السبب الأساسي للعديد من حالات الارتجاع: الفتق في جزء من المعدة عند تجويف الصدر.
ويحدث الفتق الحجابي حين يدفع لأعلى جزء من البطن عبر الحجاب الحاجز إلى داخل التجويف الصدري. شخص واحد أو أكثر من خمسة أشخاص في الولايات المتحدة يعاني الفتق الحجابي. وعلى النقيض من ذلك، لا يكاد الفتق يعرف في المجتمعات التي تعتمد في غذائها على الأطعمة النباتية، بنسبة تصل إلى واحد في كل ألف. ويعتقد أن هذا بسبب برازهم الكبير والطري.
أولئك الذين لا يكثرون من تناول الأطعمة النباتية يكون برازهم أصغر وأكثر قساوة فيكون صعبًا في مروره إذا كنت في جهاد مستمر في دفع البراز، فإنه بمرور الوقت تدفع زيادة الضغط جزءًا من البطن إلى خارج تجويفها، بما يسمح بتدفق الحامض وصولًا إلى الحلق.
هذا الضغط الناجم عن الإجهاد في عملية الإخراج يتسبب مع الوقت في مشكلات أخرى، فكما أن الضغط على كرة يتسبب في ظهور بالون جانبي فيها، فإن الضغط الناجم عن إجهاد الإخراج يؤدي إلى تكوُّن جيب خارجي في جدار القولون، وهي حالة تعرف بداء الرتوج. كما أن زيادة الضغط قد تؤدي كذلك إلى ارتداد الدم في العروق المحيطة بالشرج، بما يتسبب في حدوث البواسير، بل يؤدي كذلك إلى ارتداد الدم في أوعية الساق مسببًا الدوالي. لكن الأغذية الغنية بالألياف يمكنها تخفيف ذلك الضغط في كلا الاتجاهين. أولئك الذين يتناولون أغذية نباتية كاملة يدفعون إخراجهم بحركات أمعاء سلسة فتبقى معدتهم حيث يجب أن تكون، وهو ما يقلل تسرب الحامض المعدي الذي يؤدي لأحد أكثر السرطانات فتكًا.
إن تناول الألياف لا يوقف الضغط فحسب. لقد تحسن البشر على تناول كميات كبيرة من الألياف، ما يزيد على مائة جرام يوميًّا. وهو ما يزيد بعشر مرات على ما يتناوله المرء في المتوسط هذه الأيام. ولأن النباتات لا تعمل بسرعة الحيوانات؛ فقد تَكَوَّنَ نمطنا الغذائي من قدر كبير من هذه الأغذية النباتية. إضافة إلى حفاظها على استقرارك، فإن للألياف القدرة على إعاقة السميات، وإبعادها. لقد صممت أجسادنا على استيعاب أي قدر من الألياف؛ ولذا فإنها تلقي بالزائد غير المرغوب فيه من المنتجات مثل الكوليسترول والإستروجين في الأمعاء، على افتراض التخلص منها في الإخراج. لكنك إن تأخذ في طعامك ما يكفي من الأغذية النباتية، المصدر الوحيد للألياف، فإن تلك المنتجات الزائدة غير المرغوب فيها يعاد امتصاصها وتقلل من قدرة جسدك على تنظيف نفسه من السميات. نسبة لا تتجاوز ٣٪ من الأمريكيين هي التي تحصل على الحد الأدنى المعياري للألياف، ما يجعل نقص الألياف من أكثر المغذيات نقصًا في الولايات المتحدة.