التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

اليرقان Jaundice بسبب التهاب الكبد الوبائي A: الصفيرة أ

شكّل مرض اليرقان أو الصفيرة في العقود الماضية أحد أكثر الأمراض الانتقالية انتشاراً، وهو يعبّر عن التهاب حاد في الكبد، شديد العدوى وينمو في ظروف معيشية سيئة، تؤدي إلى نقص في القواعد الأساسية للصحة العامة، ورداءة النظافة الفردية للشخص المصاب.

يسبب الداء فيروس نوعي يؤدي إلى التهاب حاد في الكبد من فئة أ (Hepatitis A virus)، ويعرف بالعامية بمرض الصفيْرة نظراً لتلون عيون وجلد وأغشية المريض بلون أصفر ناتج عن زيادة نسبة مادة البيليروبين (hyperbilirubinemia) الموجودة عادة على مستوى محدد في الدم.

أما مصدر هذه الجرثومة فهو المياه الملوثة. وقد تحصل العدوى عن طريق الأطعمة التي تحتوي على الفيروس، من لحوم نيئة خصوصاً، دجاج، خضار وفواكه، وكذلك بواسطة الألبان والأجبان ومشتقاتها، وثمار البحر كالرخويات ومنها المحار مثلاً.

وتصل العدوى إلى المياه إما بطريقة غير مباشرة، بواسطة الأيدي الوسخة، وإما مباشرة عبر اختلاط مياه الشرب، أو الاستعمال، بمياه الصرف الصحي، حيث تتواجد الجرثومة في بول المريض وبرازه، أو لدى حاملي الجرثومة الأصحاء الذين لا يصابون بالمرض نظراً لمناعة قوية يتمتعون بها، فيطرحون الجرثومة خارجاً بواسطة هذين المصدرين.

ومن مصادر العدوى كذلك تلوث المياه الجوفية، مصدر الآبار الارتوازية والتي كثر اللجوء إليها في العقدين الأخيرين نظراً للحاجة الماسة إلى الماء، كذلك بواسطة تلوث الينابيع التي تؤمن مياه الشفة؛ ومصدر العدوى في الحالتين المياه الآسنة التي ترشح من الحفر الصحية المطمورة في باطن الأرض (خصوصاً في المناطق الجبلية حيث لا وجود للبنى التحتية للصرف الصحي).

ينتشر هذا المرض في جميع فصول السنة، لاسيما خلال فصلي الصيف والخريف، ويتواجد في معظم البلدان التي تفتقر إلى لمراقبة الصحية الدقيقة على المياه، أو التي تعاني النقص في موارد المياه الصالحة للاستعمال والشرب.

كما يتفشى اليرقان على شكل وباء، خصوصاً ضمن مناطق دول العالم الثالث (آسيا وأفريقيا..) وغيرها من البلاد التي ترزح تحت وطأة الفقر والعوز المتأتية من أوضاع صحية، اجتماعية، اقتصادية وأمنية متردية.

ويصيب هذا الداء الأشخاص من جميع الأعمار، لاسيما الأولاد وكبار السن، ويشكل الأولاد حاملو الجرثومة مصدر عدوى لمحيطهم.

وقد أثبتت دراسة كندية أجريت حديثاً، وجود مناعة قوية بعد الإصابة باليرقان بين عدد كبير من الأشخاص الذين ولدوا قبل العام 1945، حيث كان المرض متفشياً على شكل وبائي وواسع الانتشار. وتنعدم نسبة الإصابة بهذا الوباء في البلاد المتقدمة صناعياً (أميركا الشمالية، كندا، أوروبا الغربية…)؛ كما أظهرت الدراسة أن هناك نسبة عالية من الأفراد الذين حصلوا على مناعة ضد اليرقان دون ظهور علامات سريرية للإصابة بالمرض، ويعود ذلك إما إلى التعرض المتكرر لهذا المرض وبنسب غير فتاكة للجرثومة، وإما لأنهم يتمتعون بمناعة قوية تمكنهم من مقاومتة.

ما هي أعراض اليرقان؟

تبلغ فترة الحضانة لليرقان بين ثلاثة وخمسة أسابيع، ومرحلة الشفاء منه بين 15 و30 يوماً. ومن علامات الإصابة بالصفيرة: الشعور بالتعب العام مع قلة شهية للطعام، ويمكن أن يبدأ المرض على شكل عوارض أنفلونزا خفيفة بارتفاع للحرارة (38 إلى 38.5 درجة)، يليها حالات غثيان، واستفراغ متكرر، يؤدي في بعض الحالات إلى نشفان وخصوصاً عند الأطفال والأولاد، مع آلام حادة في البطن.

تسمى هذه المرحلة من علامات المرض بمرحلة ما قبل ظهور اليرقان.

وبعد عدة أيام يظهر لون اصفرار (icterus) في العينين والجلد بخاصة، يترافق مع تغير في لون البول (يصبح غامقاً كلون الشاي)، وكذلك لون البراز (يتحول إلى لون فاتح). يشكل هذا التغير في الألوان علامات مرضية مهمة يركز عليها الطبيب للتشخيص السريري؛ كما أن تطور لوني البول والبراز وعودتهما إلى اللون الأساسي والطبيعي يؤكدان على عودة الشفاء من المرض، ويعتمد تشخيص اليرقان بيولوجياً على إجراء تحاليل مخبرية للدم والبول بشكل أساسي.

وسائل الوقاية

أما الوقاية من هذا المرض المعدي، فهي تعتمد على اتخاذ إجراءات تتمثل في الخطوات التالية:

1. العزل الصحي للمريض، منعاً لانتقال العدوى بين أفراد العائلة الواحدة أولاً، ثم بين المجموعات (المدارس، دور الحضانة..).

2. المحافظة الدائمة على نظافة الأيدي التي ينبغي غسلها بالماء والصابون، قبل تناول الطعام وعند الخروج من المرحاض، وهي قاعدة أساسية يتوجب اتباعها للوقاية من مجمل الأمراض الانتقالية المعدية.

3. العناية المستمرة والدائمة بمصادر مياه الشفة وضرورة تكريرها وتعقيمها بإضافة محلول معقم (كلور مثلاً)، أو بواسطة الغلي على نار حامية، أو تعريضها لأشعة الشمس بعد تعبئتها في قناني شفافة اللون ونظيفة، أو استعمال المياه المعدنية الجاهزة للاستهلاك في عبوات هي عادة نظيفة، معقمة ومضمونة؛ كما ينصح بعدم استعمال مكعبات الثلج أو تناول البوظة، إلا إذا كانت محضرة أو مصنعة من مياه معقمة.

4. طهي الأطعمة بطريقة جيدة، وتناولها طازجة وساخنة، والابتعاد عن تناول اللحوم النيئة، والانتباه إلى الفاكهة ذات القشور (التين مثلاً) نظراً لتناقلها بين أيد عديدة، وغلي الحليب حتى درجة الفوران في حال لم يكن مبستراً (معقماً).

5. مراقبة وسائل الصرف الصحي ومصادر تموين المياه والآبار الارتوازية، والتأكد من بعدها عن الحفر الصحية المطمورة.

6. عند إصابة أحد أفراد العائلة، وغالباً ما يكون ولداً أو طفلاً، وتجري معالجته في المنزل، ينصح باتباع احتياطات وقائية لمنع انتقال العدوى إلى بقية أفراد العائلة، وذلك عبر العزل الصحي للشخص المصاب في غرفة منفردة مع عدم استعمال سريره ولوازمه الخاصة، والقيام بفرز أدوات طعامه وتعقيمها بعد كل وجبة، ورش المحلول المطهر في دورات المياه والانتباه لعدم انتقال العدوى إلى المطبخ، من خلال خدمات المساعدة التي تقدمها الأم، بخاصة، لولدها المريض؛ لذا يتوجب تطهير الأيدي بمحلول معقم بعد الخروج من المرحاض ومسح مسكات حنفيات المياه بسائل معقم بعد غسل الأيدي بالصابون، لاتقاء نقل عدوى المرض إلى الطعام ومياه الشرب بالتحديد.

7. يتوافر ومنذ ما ينوف على العقد، لقاح فعال ضد التهاب الكبد الوبائي من فئة أ A، ويعطى من خلال حقنة في العضل وعلى دفعتين تفصل بينهما فترة ستة أشهر إلى سنة، ابتداء من العام الأول للطفل، ويؤمن هذا اللقاح مناعة عالية تصل إلى حدود 95 إلى 98 % وطويلة الأمد (عشر سنوات).