التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

انتفاخ الغدد اللمفاوية العنقية عند الأطفال

تنتسب الغدد اللمفاوية إلى الجهاز اللمفاوي في جسم الإنسان، وتنظم إلى النخاع العظمي والطحال والغدة الصعترية أو التوتة (الموجودة في الواجهة الأمامية للرقبة وتلعب هذه الغدة دوراً مهماً في المناعة عند الأطفال لتضمحل بعدها في سن معينة)؛ بالإضافة إلى اللوزتين اللتين تتمركزان في البلعوم.

تشكل هذه الغدد جميعاً القوة الدفاعية للجسم، أي المناعة، في مواجهة الجراثيم مهما كان نوعها وانتماؤها، وتنتشر على شكل عقد تتواجد على مسار الأوعية اللمفاوية والتي ترافق بدورها الأوعية الدموية على طول تفرعها وتشعبها في جسم الإنسان؛ وهي تتجمع في أمكنة العنق، الإبط، الصدر وفي أماكن كثيرة أخرى.

تنقل هذه الأوعية سائلاً شفافاً يدعى السائل اللمفاوي، ومهمته الأساس إبعاد الأجسام الغريبة المضرة للجسم عن خلاياه الأساسية مشكلة بذلك جهازه المناعي، إذ يقوم بالتقاط الجراثيم وتكريرها ومن ثم القضاء عليها قبل استفحالها والتمكن من الفتك بالجسم.

يحوي جسم الإنسان ما بين 500 و1500 وحدة من هذه الغدد التي تحتضن بدورها الملايين من الخلايا اللمفاوية المتخصصة على شكل شبكة دفاعية فائقة الدقة، منها ما يتعرف على الجراثيم، ومنها ما يخزن المعلومات ويرسلها إلى خلايا أخرى لتتهيأ بدورها لمواجهة الخطر الداهم الذي يشكله دخول الجراثيم جسم الإنسان، أكان ذلك عن طريق المجاري الهوائية العليا أو بواسطة الجهاز الهضمي أو من خلال الدم أو غيره.

الفحص الطبي ووسائل الاستقصاء والتشخيص

تتمركز الغدد اللمفاوية العنقية في أماكن محددة من العنق: على الجهة الجانبية، تحت الفك، وراء الأذن، الجهة الخلفية من الرقبة وفي أماكن أخرى بشكل متوازن على الجهتين، يساراً ويميناً، بحيث تعبر كل مجموعة عن نقطة تجمع لحماية أعضاء محددة في الرأس، ما يساعد الطبيب في مهمته عند تشخيص الأمراض، إذ يعتبر فحص الغدد اللمفاوية جزءاً لا يخلو منه الفحص السريري المتكامل حيث يستنتج انتفاخ هذه الغدد لتصبح أكبر حجماً مع حدوث تغيرات في تماسكها، شكلها، عددها وعلاقتها بالجلد المحاذي ما يؤشر إلى وجود التهاب في الجسم.

إن جس هذه الغدد المنتفخة يؤدي غالباً إلى الاستنتاج أنها صغيرة الحجم وجامدة تحت ضغط أصابع الطبيب؛ هي إصابات شائعة وبسيطة عموماً لدى الأطفال، ولكن عندما يكتشف وجود احتقانات منفردة، بأحجام متغيرة، وقياسات غير مألوفة للاحتقان (من ناحية الشكل والتماسك) فذلك يستدعي الحذر ويدفع للقيام بإجراء تشخيصي دقيق يقود إلى فحص سريري ذي ثلاثة أبعاد: موضعي: يدرس صفات الغدد المنتفخة. هل يوجد احتقان دائري حول الغدد؟ أم التصاق موضعي عميق أو سطحي؟ ما هو وضعها عند اللمس وما هي درجة تماسكها وأبعادها وموضع الجلد في المقابل؟ يكمل الفحص بالاطلاع على الأعضاء المجاورة للبحث عن الإصابة ونقطة انطلاقها الأساسية (الفم، الأسنان، اللثة، الأذنان، الأنف، العينان، الجلد وفروة الشعر)؛ كل ذلك يستكمل بالفحص العام للتقصي عن وجود: فقر دم من خلال شحوب المريض، وقلة شهية للطعام أو ارتفاع في درجة الحرارة الداخلية تترافق مع طفرة في الجلد أو تضخم في الكبد والطحال، وجس بقية مساحات الغدد اللمفاوية ومراقبة بعض العلامات الأخرى.

بعد الفحص العام للمريض، يعمد الطبيب إلى إجراء حصيلة للفحص الطبي بعد أن يسال أهل الطفل عن السوابق المرضية العائلية والشخصية، وهل توجد التهابات متكررة في دائرة الأنف، الأذن والبلعوم يتعرض لها الطفل بشكل حاد أو مزمن وعن اللقاحات التي حصل عليها، بالإضافة إلى وجود حيوانات أليفة في المنزل.

بعد التأكد من كل ذلك، يتجه التشخيص إلى الاستعانة بتحاليل مخبرية للدم (كريات حمراء وبيضاء، صفائح..) مع البحث عن أشكال غير طبيعية للخلية الأم أو خلايا وحيدة النواة، والفحوصات الأخرى التي تساعد على التقصي، مع الاستعانة بالصور الشعاعية (الرئتان خصوصاً)؛ ويقوم الطبيب في بعض الحالات بأخذ خزعة عند وجود حاجة لذلك في حال عدم التوازن في انتفاخ الغدد من الناحيتين، تمركز عنقي للانتفاخ في الجهة السفلى وما فوق الترقوة، ما يقود حتما إلى هذا الإجراء، أو اللجوء إلى عملية البزل بواسطة الإبرة بهدف شفط عينة من السائل داخل الغدة ودراستها تحت المجهر، لا سيما في حالة عدم تغير الانتفاخ واضمحلاله خلال فترة تتراوح بين 4 إلى 6 أسابيع.

أسباب اختلال هذه الغدد وإصابتها

• تعتبر أكثر الإصابات شيوعاً في انتفاخ الغدد اللمفاوية، تلك التي تكون سبباً للإنتان في دائرة الأنف والأذن والحنجرة، أو الأمراض التي يتعرض لها الفم واللثة والأسنان، وأكثر الجراثيم المسببة هي من نوع بكتيري من فصيلة المكورة العقدية أو المكورة السبحية، أو ربما إنتان ناتج عن الإصابة بمرض التدرن الرئوي أو السل، أو إحدى العصيات الأخرى من فئة المتفطرة أو يترافق ذلك مع احتقان في الغدد اللمفاوية؛ أو غيرها أقل احتمالاً، كمرض خدش القطط.

• أما الفيروسات التي تؤدي إلى هذا الاختلال من المحتمل أن تكون من فئة تكاثر الخلية وحيدة النواة، وهي نوع من الكريات البيضاء الموجودة عادة في الدم وتلعب دوراً في الدفاع المناعي للجسم ضد الجراثيم، هذا التكاثر يؤدي إلى مرض معروف يدعى بكثرة الوحيدات العدوائية أو الخمجية أو داء التقبيل، وسببه جرثومة تصيب المراهقين غالباً، نظراً لأن الجرثومة الموجودة في لعاب حاملها تنتقل إلى الشخص الآخر بواسطة التقيبل.

• كما يسجل انتفاخ هذه الغدد في إصابات فيروسية أخرى منها: الحصبة الألمانية، الإيدز والفيروس ذو الخلايا الضخمة.

• ومن الأسباب الطفيلية نذكر التوكسوبلاسما التي تنتقل عن طريق القطة كذلك، وإصابتها خطيرة على المرأة الحامل، وبخاصة في الفصل الثاني من الحمل حيث يمكن أن تؤدي إلى تشوهات لدى الجنين وعلى مستوى عدة أعضاء (القلب، الدماغ، العيون..).

• ومن أسباب التورم الخبيث نذكر: اللوكيميا أو ابيضاض الدم والورم اللمفي ومرض هودجكن، وتورم سرطاني ثانوي نتيجة الإصابة بنوع آخر من السرطان، وأسباب أخرى نادرة تصيب الجسم كله أو أجهزة منه.