النفس البشرية معجزة من معجزات الخالق عز وجل، ذكرها في كتابه «وفي أنفسكم أفلا
تبصرون»، ولكن البشر لم يستطيعوا الكشف عن أسرارها وسمّوا الاضطرابات التي تجري
فيها بالأمراض النفسية غير العضوية، ومن أعقد هذه الاضطرابات غير العضوية اضطراب
التوحُّد.
عندما نعرف مشكلة الطفل التوحُّدي وكيفية تأثير هذه الاضطرابات على حياته فإن ذلك
يسهِّل علينا التعامل معه مما يجعله فرداً فعالاً في مجتمعه، فإذا كنت تعمل أو تعيش
مع أطفال توحُّديين فإنك تعلم أن هناك كثيراً من السلوكيات السلبية التي تودّ
تعديلها، ومن أهم هذه السلوكيات السلبية سلوك إيذاء الذات.
فسلوك إيذاء الذات هو الذي يوصف بالسلوك المؤذي الذي ينتج عنه ضرر للجسم ويحدث هذا
السلوك عندما يكون الأطفال غير مشغولين بعمل ما وقد يحدث ذلك في المراكز والمؤسسات
التي يقل فيها عدد العاملين مما يستدعي ترك هؤلاء الأطفال يتدربون أمورهم بأنفسهم.
ولذلك كان من الضروري على القائمين بتدريب هؤلاء الطلاب أن يعملوا على تنظيم يوم
الطفل وذلك بمنحه العديد من الأعمال التي يشغل بها وقته وكذلك الذين يتعرّضون
للتجاهل والإهمال والمعاملة السيئة، فمن السهل عليهم إبراز هذا السلوك رغم أن هذا
السلوك قد بدأ في الأصل بسبب ملل الطفل، لذلك فإن أفضل الطرق لمنع هذا السلوك هو
الاهتمام الشخصي والحث الأسري.
وقد يحدث سلوك إيذاء الذات لسبب بسيط جداً، بل تافه كضجيج مفاجئ من صوت معيّن أو قد
يتضمن موقفاً عدوانياً من قِبل طفل آخر. وهنا تجب معالجة ذلك بفصلهما وحتى في حالة
وجود هؤلاء الأطفال التوحُّديين مع ذويهم في منازلهم فإنهم يقومون بإيذاء أنفسهم
كعض أيديهم أو ضرب الرأس أو خدش الوجه، وهذا قد يمثل صعوبة بالنسبة للأم التي تعيش
مع هذا الطفل، حيث يصعب عليها ضبطه نظراً لكبر حجمه وقد يكون تجنُّب هذه المتاعب من
وجهة نظر الأم هو الطريقة الوحيدة التي تستطيع تطبيقهامعه.
ولكن من وجهة نظري، ومن خلال خبرتي في مركز دبي للتوحُّد، أرى أن هذه الطريقة قد
تقود الطفل إلى صعوبات. كذلك نجد أن أسلوب المعالجة لذي يتم فيه استخدام خبرات
جسدية مثل مقاومة أو تثبيط السلوك يُعتبر من وجهة نظر الطفل جزءاً متمماً لسلوك
إيذاء ذاته. وأن الحل المثالي هو إيجاد عمل ممتع بديل وإبداء أقل قدر من الاهتمام
لسلوك إيذاء الذات، بالإضافة إلى الثقة التي تمثل عاملاً مهماً في النجاح.
وقد يستخدم سلوك إيذاء الذات للهروب من المهمة أو الموقف أو الدفاع في مواجهة
التغيرات وقد يستخدم أيضاً في المواقف التي تتطلب مهمات صعبة أو مستوى منخفضاً من
الانتباه، وقد يكون هذا السلوك مؤقتاً وخاصة في فترات الإحساس بعدم السعادة كحالة
طفلة توحُّدية تركت عند صديقة تحبها أثناء سفر والديها خلال فترة السفر.
بدأت الطفلة في غرز أصابعها بالدبابيس، وكانت بحاجة إلى زيادة في الرعاية والعطف
وخاصة انها لا تستعمل الكلمات ولا تستطيع الفهم الكافي لمعرفة متى يعود والداها.
فقد يحتاج الوالدان أو من يعمل مع الطفل هنا إلى صبر زائد ومعلومات مفصلة عن الطفل
لاكتشاف سبب التعاسة. وعادة ما تُوصف المسكنات والأدوية المهدئة للطفل ولكن ذلك
يساهم في التقليل من مستوى النشاط العام لديه من دون أن يكون هناك أي تأثير خاص على
السلوك