يا لها من سعادة تغمرك حين يبتسم لك طفلك! ويا لها من تعاسة وإحباط عميقين ينتابانك حين يبكي. ويمكنني الإحساس بيأس الأهل من خلال أسئلتهم.
يمرّ كل طفل تقريباً بفترة صعبة يومية. ويختلف توقيتها من طفل لآخر، لكنها تبدأ عادة عند عمر الثلاثة أسابيع وتمتد إلى نحو أربعة إلى ستة أشهر. وبالنسبة إلى معظم الأطفال، تكون أكثر الأوقات صعوبة في المساء. في الواقع، حين يدوم البكاء لأكثر من ثلاث ساعات، فإن ذلك يُسمى مغصاً، لكن الظاهرة موجودة لدى كل الأطفال تقريباً؛ الفرق الوحيد هو الدرجة.
من هو هذا الوحش الصارخ؟
رغم أن درجة الحرارة التي يُظهرها طفل في الأيام الأولى من حياته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدرجة الحرارة التي سترينها في السنوات المقبلة، فإن المرحلة الصعبة الإرضاء لا تتنبأ بالمشاكل المستقبلية. وهذا وضع مؤقت رغم أنك تشعرين أحياناً أنه سيدوم إلى الأبد وحتى أكثر.
ولأن فترة البكاء هي طقس مشترك للأطفال وأهلهم، تأملت في السبب الذي دفع الطبيعة إلى تصميم هذه المرحلة في حياة العائلة الجديدة. وغالباً ما يبدأ الأطفال كأعجوبات مسالمة مثيرة للفضول. فلمَ يعطي هذا مجالاً لطقس صراخي مسائي لا يتمتع به أحد؟
أعتقد أن المرحلة الصعبة أو فترة الصراخ تهدف إلى تغيير عادات العلاقة المترسخة بعمق. فحتى بعد أعجوبة ولادة طفل جديد، فإن العديد من الأهل والعائلات يعودون إلى جداول أعمالهم ونشاطاتهم السابقة خلال بضعة أسابيع إن بقي الطفل هادئاً ومسالماً. وقد يكون من السهل متابعة قراءة ما تريدين قراءته، والذهاب حيث تودين الذهاب، وفعل ما تريدين فعله، وإبقاء كل شيء كما كان سابقاً فقط إن أذعن الطفل بسعادة.
وبدل ذلك، تجبر فترة الغضب الصعبة للطفل، العائلات على التخلي عن روتينها السابق وتطوير نشاطات جديدة تشمل هذا الفرد الجديد. فالبكاء يتطلّب الاهتمام. وبينما يتلمّس الأهل الحلول لبكاء طفلهما، يلاحظان فرداً جديداً له حاجات جديدة. بالتالي يعيران غريزياً انتباهاً أكثر له ويتحدثان إليه أكثر ويضمانها أكثر، كل هذا بسبب البكاء. في الواقع، إن المغص طقس قوي وألم وضع بعد الإنجاب تولد منه أنماط جديدة في حياة العائلة.
يمكن أن تكون عملية تعلّم كيفية تهدئة طفل يبكي، انتصاراً سعيداً للعائلة السعيدة.
إنه الوقت المناسب لسحب الكنوز السرّيّة التي اكتشفتها خلال “شهر الطفل”. كما أن مساعدة طفل يعاني مغصاً (أو شبه مغص) هي أساساً مسألة اختبار ومراقبة. وتُستعمل أساليب مختلفة مع الأولاد المختلفون. في الواقع، إن الأهل يتوقعون أن الطرق التي نجحت مع أصدقائهم، ستنجح معهم. بيد أن كل شخص هو فرد له أذواق خاصة. هذا صحيح، فمعظم الناس يفضلون الشوكولاته على الكُرُنب المسوَّق. رغم ذلك، فإن زميلي في السكن أيام الجامعة وهو شخص طبيعي، حين حان الوقت ليطلب الزواج من حبيبته، أعدّ لها الكرنب المسوّق لأنه عرف أنها ستحبه! (لا يزالان متزوجين وسعيدين في زواجهما). وتشمل عملية التهدئة العديد من الأشياء المختلفة ويبدو أن الانتباه إلى ذلك يساعد طفلك، ولو حتى قليلاً، ومن ثم هناك جمع هذه الأشياء لزيادة التأثير.
لحسن الحظ، لديك وطفلك خبرة بمعظم التقنيات القوية المكتسبة خلال الفترات الأكثر سهولة – ابتكار أوضاع تذكّر بالوقت الذي سبق الولادة. كما أنني سأشرح أفكاراً عملية أخرى لاحقاً من بينها “15 دقيقة من السحر” وتغذية التغييرات التي يمكن أن تُحدث تبديلاً كبيراً في تقليص البكاء.
تقنيات تقليص البكاء
الضم: ضم طفلك قريباً منك هو من أكثر الطرق فاعلية. وكلما كثرت ساعات ضمهم حتى في البداية حين لا يكونون صعبين، أصبحت الأوقات التي يبكي فيها الأطفال أقل. وحضن الأطفال يمكن أن يكون طريقة عظيمة لفعل ذلك بدون الاضطرار إلى استعمال يديك كل لحظة. وهذا الأمر لن يفسد طفلك.
بينما يبكي الأطفال، يستنشقون المزيد من الهواء، مما يكوّن المزيد من الغازات وبالتالي المزيد من الألم في البطن، مما يسبب المزيد من البكاء. وقد يكون من الصعب كسر هذه الحلقة المفرغة. يمكن أن يكون الهزّ اللطيف مهدئاً جداً (إنه يهدئ الطفل مباشرة ويبدو أنه يساعد على إطلاق الغازات). وحين تتعبين، فإن أرجحة الطفل بديل جيد للأطفال الذين يزيد عمرهم عن ثلاثة أسابيع والذين يتمتعون بطبع هادئ.
إن ضم طفلك في وضعية مستقيمة قد يساعد (يفيد ذلك حركات الغازات ويقلل حرقة فم المعدة). وغالباً ما ينفع استعمال منشفة دافئة أو قارورة ماء على البطن. بينما يكون بعض الأطفال مستيقظين، فإنهم يفضّلون الاستلقاء على معدتهم بينما يحك لهم أحد ما ظهرهم. (لتجنب حدوث متلازمة موت الأطفال الفجائي، لا تتركي طفلك ينام على بطنه. كما أن الضغط اللطيف على البطن قد يساعد. وهناك وضعية أخرى رائعة ألا وهي حمل الطفل وبطنه إلى الأسفل على امتداد ساعدك وربما مع التربيت على الظهر.
خمس عشرة دقيقة من السحر
يمكنك وضع بعض من موسيقاك المهدئة. ومع طفلك المستلقي على ظهره، فإن القدمين هما أفضل مكان للبدء بتدليك التهدئة. ويمكنك بحنان تدليك أعلى القدم بإبهاميك وأسفلها بأصابعك. وبعد ذلك باعدي بين أصابع قدميه ومرري كل إصبع بين إبهامك وسبابتك وربما شدّي قليلاً. وبعد ذلك، ارسمي دائرة حول القدم بإحدى اليدين وشدي رجله عبرها، يداً فوق يد، ومجدداً باليد الأخرى.
قد تودين وضع ساقه على إحدى راحتيك وتدليك بطة الساق وباطن الركبة. ومع جذب ساقه كلها بلطف عبر الدائرة الجزئية ليدك من القدم إلى الفخذ، مراراً وتكراراً. لقد حان الآن موعد الساق الأخرى.
يمكنك فعل الأمر نفسه لكل يد وذراع. افتحي يديه ودلكي بلطف راحة اليد وظهرها بإبهامك وأصابعك. وباعدي بين الأصابع، وقومي بشدّ كل واحد بدوره بين إبهامك وسبابتك. ومن ثم ذراعه كلها عبر دائرة يدك متجهة نحو القلب.
يمكنك إدارته على معدته وترك يديك تنزلقان بلطف على ظهره بضربات لطيفة وثابتة، بينما يكون إبهاميّك على جانبي عموده الفقري.
ليس هناك طريقة سحرية. كوني فنانة بيديك لتدليك طفلك بلطف منتبهة إلى ردّة فعله وفعلك. أنا معجب بالموسيقى الهادئة، والمناشف الدافئة، وربما زيت الأطفال أو جيل التدليك. ويمكن للشموع الموجودة على مسافة آمنة من طفلك أن تكون علاجاً ممتازاً. فهناك شيء بدائي في لهب متقطع.
تدليك الأطفال: إن سبق لك وخضعتِ للتدليك، فأنت تعرفين كم أنه لمسة رائعة ومريحة. وقد كان تدليك الأطفال مؤخراً موضوع دراسات حديثة أظهرت فوائده الملحوظة. ويقول د. مارشل كلوز أنه في إحدى دراساته على الأطفال المبكري الولادة الذين تلقوا 15 دقيقة تدليك يومياً، أن وزن هؤلاء تحسّن بنسبة 50% وأظهروا تحسناً أفضل في فحوصات النمو وعادوا إلى المنزل من وحدة العناية الفائقة بوقت أبكر بستة أيام. أما بالنسبة للأطفال المكتملي النمو، فإن تدليكاً يومياً خلال مرحلة الصراخ يمكنه أن يقلّص البكاء ويحسّن النوم. إن غرائزك حول كيفية إعطاء تدليك مريح لطفلك، هي كل ما تحتاجين إليه على الأرجح. لكن إن كنت مترددة، فهناك العديد من كتب التعليمات الجيدة المتوفرة.
قد يكون التدليك مفيداً بشكل خاص إن كانت الأم مكتئبة. فلا يقل بكاء الطفل فحسب بل إن أنماط حزن وكآبة الموجات الدماغية، تنخفض بشكل كبير أيضاً. كما أن الأم تستفيد من الحصول على تدليك.
الأصوات المهدئة: يمكن لغناء التهويدات لطفلك أن يكون مهدئاً. وليس صدفة أن التهويدات تطوّرت في كل ثقافة تقريباً. كما أن ضجة المكنسة الكهربائية أو مجفف الشعر قد تكون مهدئة للعديد من الأطفال.
جولة: يبدو بعض الأطفال في أفضل حالتهم حين يخرجون في جولة في السيارة. إن كان طفلك من هذا النوع لكن لا يمكنك دوماً الخروج بالسيارة، فقد تحاولين استعمال جهاز “مهدئ الأطفال للنوم” (Sleep Tight Infant Soother) وهو جهاز طوّره أساساً طبيب أطفال أب لتقليد اهتزازات السيارة وأصواتها. وقد أظهر البحث نجاحاً ملحوظاً نظراً لتجاوب الأطفال بمعدّل أربع دقائق. واليوم، تتوفر أجهزة مماثلة لدى عدّة مصنعين. ويمكنك أن تحاولي وضع طفلك (أو مشاهدته) وهو مثبّت جيداً، على سطح مجففة ثياب (clothes dryer) تهزّ بلطف.
المص: يحتاج بعض الأطفال إلى مص شيء ليهدأوا. ونعرف أن بعض الأطفال يمتصون إبهامهم الصغير حتى قبل أن يولدوا. في الواقع، إن الأطفال يولدون وهم بحاجة إلى المص ويستمتعوا به كتجربة منفصلة عن التغذية. وتبرز هذه الحاجة بشكل أكبر لدى بعض الأطفال أكثر من سواهم. ويكون سلوك المص أكثر وضوحاً حين يكون الأطفال متعبين وسئمين ويحتاجون إلى الراحة. وقد يكون الثدي طريقة رائعة لإشباع هذه الحاجة حتى حين لا يكون الطفل جائعاً.
يستطيع الأطفال الذين يمصون إبهامهم البدء في سن مبكرة بإشباع رغبتهم الخاصة لمص إضافي. ويخلد هؤلاء الأولاد إلى النوم بصورة أسهل، وهم قادرون على العودة إلى النوم مجدداً في الليل بصورة أسهل وينامون بوقت أبكر من الأطفال الذين لا يمصون إبهامهم.
يقلق العديد من الأهل أن أولادهم لا يقلعون عن مص إبهامهم في سن مناسبة. في الحقيقة، إن القسم الأكبر من الأطفال يتوقفون عن مص إبهامهم بشكل تلقائي بينما يلتهون بتعلّم مهارات جديدة ويقل انجذابهم إلى المص أو شعورهم بالراحة من خلاله، عادة قبل خطواتهم الأولى (إلا إن دخلوا في معارك مص إبهام مع الوالدين). إن لم يتوقف طفلك تلقائياً عن مص إبهامه حين يكون بدأ بالمشي، فهناك طرق لطيفة لتشجيعه على التوقف. وحالياً، تحتاجين إلى التركيز على طريقة طفلك الطبيعية للحصول على الانجذاب والراحة التي يحتاج إليها بشكل أكثر استقلالية وصحة. ووفقاً لجمعية أطباء الأسنان الأمريكية، لا يسبب مص الإبهام مشاكل دائمة مع الأسنان أو خط الفك إلا إن استمرت بعد تجاوز الطفل عمر أربع أو خمس سنوات.
“المصاصة” هي بديل شائع آخر لتهدئة الأطفال الذين يلتذّون بالمص اللاغذائي، ويمكنها أن تقلل خطر متلازمة الموت الفجائي للأطفال. بيد أن براهين واضحة تشير إلى وجود رابط بين استعمال المصاصة ومشاكل الرضاعة من الثدي، رغم أنه ليس واضحاً بشكل دائم ما الذي سبّب ماذا. فمشاكل الرضاعة قد تؤدي إلى الاستعمال الزائد للمصاصة والعكس صحيح. في الحقيقة، إن أردتِ الإرضاع وتقديم المصاصة أيضاً، فأنصحك بالتأخر بإعطاء المصاصة على الأقل بضعة أسابيع حتى تصبح الرضاعة سهلة الدفق على الأم والطفل. كما أنصح بالأمر نفسه لمساعدة طفلك في إيجاد إبهامه. وهذا يترك الكثير من الوقت قبل بدء مرحلة البكاء الذروي.
إضافة إلى مشاكل الإرضاع من الثدي الممكنة (بما فيها إرباك الحلمة، والفطم المبكّر، والتهابات الثدي، وعودة الخصوبة المبكرة)، يمكن أن يتعرض الأطفال في الحضانة والذين يستعملون المصاصة إلى نسبة أكبر من التهابات الأذن لاحقاً في السنة الأولى. وفي الأشهر المبكرة، يمكن أن تأتي المصاصة في فترة غير مناسبة. فما زال الأطفال يمسكون الأشياء ويوجهونها إلى أفواههم. وبسبب عجز الأطفال عن معالجة هذه الأزمة بأنفسهم، فإنهم يبكون لدفع الكبار إلى فعل ذلك.
تفضّل الأكاديمية الأمريكية لطبّ أسنان الأطفال المصاصة على الإبهام بقوة بغية إشباع حاجات المص لدى الأطفال (لأن بإمكان الأهل التحكّم في المصاصة بصورة أسهل). برأيي لا بأس بالمصاصة والإبهام لمعظم الأطفال. بيد أنه يجب عدم استعمال الزجاجات كمصاصات (فقد يؤدي ذلك إلى تأخر ظهور الأسنان). كما يجب ألا تُستعمل المصاصة لقول “اهدأ!” بدون كلمات أو كبديل لملاحظة الأطفال أو حاجاتهم.
حين يمتصّ الأطفال الثدي، أو الأصابع، أو الإبهام، أو المصاصات بين الوجبات، فبإمكانهم ابتكار عطلتهم الصغيرة التي تذكّرهم ببعض لحظاتهم المفضلة – تناول الطعام بين يديّ الأم أو الثبات الهادئ قبل ولادتهم حتى. يا لها من هدية لطيفة أن نسمح لهم بابتكار هذا السحر بأنفسهم!
الغذاء
إنّ ما نطعمه لأطفالنا، وكيفية إطعامهم قد يُحدث فرقاً كبيراً. لفترة ما، كان الحليب الصناعي علاجاً شائعاً للمغص عبر الانتقال من نوع إلى آخر إلى أن يتوقف البكاء. ولكن النتائج كانت مخيبة، مما أدى إلى مفهوم عدم فائدة تغيير الغذاء. مؤخراً، تعلمنا الأفضل.
كيف نطعم الطفل. إن استغرق الإرضاع من الزجاجة أقل من 20 دقيقة، فقد يكون ثقب الحلمة واسعاً جداً. والرضاعة بسرعة بالإضافة إلى ابتلاع الهواء المتزايد قد يؤديان إلى المزيد من البكاء. جرّبي نوعاً مختلفاً من الحلمة، أو نموذجاً مختلفاً في الإطار نفسه.
وبالنسبة إلى الأطفال الذين يرضعون حليب الثدي، تتغيّر كثافة الحليب خلال عملية الإرضاع. يكون مقدّم الحليب (foremilk) في البداية كثيفاً ولكن قليل الدهون والسعرات الحرارية. أما مؤخر الحليب (hindmilk) الذي يأتي في نهاية إفراغ كل ثدي فأكثر غنًى وتهدئةً على الأرجح. أحياناً، يمكنك تخفيف المغص عبر السماح لطفلك بالانتهاء من الثدي الأول قبل عرض الثاني عليه. إذا بقي الطفل منزعجاً أو أكثر من الرضاعة، قد يمنحه الحليب من ثدي واحد (بقدر ما يرغب فيه) في فترة ساعتين أو ثلاث ساعات المزيد من مؤخر الحليب (hindmilk).
ماذا نطعم الطفل. وفقاً لدراسة نُشرت في عدد كانون الأول/ديسمبر 2000 من مجلة طبّ الأطفال، إن الأطفال المصابين بالمغص يبكون ساعة أقل من المتوقع يومياً عند تحويل طعامهم من تركيبة حليب البقر إلى تركيبة منقوصة الأرج حيث يُحلل البروتين بالماء (أي يتفكك إلى عناصر صغيرة أقل حساسيةً). لم يصب حوالى 40 بالمئة من الأطفال بالمغص بعد أسبوع من تناولهم التركيبة المنقوصة الأرج (28 بالمئة من هؤلاء الذين لم يبدلوا تركيبة الحليب تجاوزوا المشكلة بعد أسبوع كما هو متوقع). يحتاج بعض الأطفال إلى الوقت للنمو ليتمكنوا من هضم بعض البروتينات.
إن أصيب الطفل الذي يتغذى من حليب الثدي بالمغص، أحياناً يتجاوز حالة المغص بسرعة أكبر إنْ أزالت الأم مؤقتاً المكسرات، فول الصويا، حليب البقر وربما البيض أو السمك من نظامها الغذائي إلى أن ينضج جهاز الطفل المصاب بالمغص.
هناك قصص عديدة عن الأغذية التي يجب أن تتجنبها الأم التي تُرضِع. أسمع كثيراً عن الامتناع عن تناول البروكولي، الملفوف، الفاصولياء وغيرها من الأغذية المنتجة للغازات. لم أجد أي دراسة حول استهلاك هذه الأغذية وأقنعتني بتزايد في الغازات أو بكاء الأطفال. إنه أمر منطقي بالنسبة إليّ. تأتي الغازات التي نحصل عليها من الفاصولياء من الجزء غير المهضوم الذي يبقى في المعى. إنّ الجزء الذي يدخل مجرى دم الأم ثم ينتقل إلى حليب الثدي ليس الجزء الذي يسبب الغازات.
إلا أن المنبهات مثل الكافيين والمركبات المتعلقة بالكافيين (مثل تلك الموجودة في الشوكولاته، للأسف) قد تساهم في بكاء الطفل. حتى لو لم تبدُ كمشكلة قبل بدء مرحلة البكاء، قد يكون الوقت الآن مناسباً لإزالة هذه الأغذية لبضعة أسابيع.
كما أن أغذية أخرى في نظامك الغذائي قد تهيّج الطفل. مجدداً، سيرشدك الاختبار والمراقبة. وعلى الرغم من ذلك، إنّ الأطفال الذين يواجهون مشكلة بسبب نوع معين من الغذاء في نظام الأم الغذائي هم على الأرجح الذين يواجهون مشكلة أكبر مع تركيبة الحليب.
مع أنني أظن أن مرحلة الانزعاج تحدث جزئياً لجمْع شمل العائلة كوحدة متكاملة، إلا أنه من الجيد أخذ استراحة. يمكن التناوب بين أفراد العائلة. ويمكن أن تفوّضي شخصاً آخر لمنحك وزوجك استراحة. إنّ وقت الاستراحة جزء مهم في ديناميكية العائلة. ستتمكنين من الانتباه أكثر لطفلك عندما تشعرين بالحيوية.
وحتى المغص القوي لا يدوم إلى الأبد! بعد مرور ستة أسابيع على ولادة طفلك، يبدأ بالتحسن ببطء ولكن بالتأكيد سيختفي بحلول الأسبوع الثاني عشر. في حال عدم تحسنه عند هذا المعدل، خذي بعين الاعتبار الأسباب الأخرى للبكاء مثل الجزر المعدي حيث ترتفع المواد الموجودة في المعدة وتحرق بطانة المريء.
في مرحلة الطفولة، يبصق الأطفال كثيراً. بما أن المصرّة غالباً ما تكون رخوة عند أعلى المعدة، يبصق العديد من الأطفال الحليب من أفواههم أو أنوفهم. وفي حالة الأطفال الأصحاء الذين ينمون جيداً، غالباً ما يبصقون الحليب بدلاً من حمض المعدة ولا يمكن فعل شيء حيال ذلك (باستثناء الغسيل).
إلا أن الحمض يجعل بطانة المريء لدى بعض الأطفال حساسة، حمراء ومتورمة. وقد يقوسون ظهورهم من شدة الألم. ويمكن أن يدخل الحمض إلى الرئتين مهيّجاً بطاناتهما الحساسة. قد لا يكسب هؤلاء الأطفال الوزن جيداً أو قد يبكون كثيراً من الانزعاج. قد يصاب البعض بسعال مزمن، أزيز أو ذات الرئة بشكل متكرر. ويتوقف البعض منهم عن التنفس (انقطاع النفس) في محاولة لحماية الرئتين. يحتاج كل هؤلاء الأطفال إلى العلاج والراحة من الجزْر.
خلال مرحلة الصراخ، مهما كان السبب، ستترسخ آفاق جديدة في العلاقة فيما تنتبهين إلى استجابات طفلك الدقيقة وتعملان معاً لتدعما بعضكما بعضاً.
الوقاية من الأكزيما
غالباً ما تحدث الأكزيما التي تبدأ في الأسابيع الأولى من الحياة بسبب ردّ فعل تجاه البروتين في حليب البقر. إنّ الانتقال من تركيبة حليب البقر إلى تركيبة تتحلمأ (hydrolyze) أو إزالة حليب البقر من نظام الأم الغذائي يمكن أن يعكس الحالة في أغلب الأحيان. قد تغيرين تركيبة الحليب مجدداً عندما تصبح معدة الطفل أكثر نضجاً. يتجاوز الأطفال معظم الحالات الأرجية تجاه الحليب خاصة إن رصدتِ الأعراض باكراً ومنحتهم بعض الوقت.
هل إنني أقوم بما يجب القيام به؟
يقلق العديد من الأهل حيال أطفالهم الذين لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء. إنه أحد الأسباب الشائعة التي تجعل الأمهات يتوقفنَ عن الإرضاع في هذه المرحلة.
غالباً ما تشعر الأمهات المُرضعات بالقلق بسبب عجزهن عن رؤية أو قياس كمية الغذاء التي يحتاج إليها الأطفال. يتطلب الأمر الثقة. يولد الأطفال مع آلية متطورة تحثهم على الرضاعة إلى أن يشبعون وعلى التوقف عند اكتمال جميع حاجاتهم الغذائية. وتنمو مع الأمهات آلية متطورة لإفراز كمية الحليب التي يحتاج إليها الأطفال.
تنبثق مظاهر القلق بسبب تعاظم النمو في الوقت الذي تبدأ فيه مرحلة البكاء. أولاً، يزداد شعور الطفل بالجوع مما يحث الأم على إفراز المزيد من الحليب ولكن غالباً ما يكون هناك فترة فاصلة قصيرة. من الطبيعي أن يختل توازن العرض والطلب ليومين أو ثلاثة. وتشعر الأم غريزياً بأن الطفل يحتاج إلى أكثر مما تؤمنه له. مع تعاظم النمو، يصبح الطفل أكثر قوةً ونشاطاً عند الرضاعة. يستطيع رضاعة المزيد في فترة قصيرة. ولكن من وجهة نظر الأم، تشعر غريزياً بأن طفلها يحتاج إلى المزيد، يمضي الطفل وقتاً أقل على صدرها ويبكي في معظم الأحيان. لا عجب أن إحساساً بالانزعاج يظهر إنْ لم تُحذّر بتوقّع هذا الاحتمال.
يمكن أن يكون ضخ حليب الثدي حلاً عظيماً لبعض العائلات، خاصةً إذا احتاجت الأم إلى الابتعاد عن طفلها. قد يساعد الضخ على زيادة مخزون الحليب. كما أن تحضير المزيد من حليب الثدي يمكن أن يزيل الضغط. إن مراقبة ارتفاع كمية الحليب التي يتم ضخها تُطمئن العديد من الأمهات. ولكن بالنسبة للأخريات اللواتي يستطعنَ ضخ بضع نقاط فقط، قد تؤدي هذه الكميات الضئيلة إلى شعورهن بالقلق. إنّ ضخ كمية قليلة من الحليب لا تعني أن الطفل لا يحظى بما يكفي من الغذاء. إنّ الأطفال الأصحاء أكثر كفّيّةً من أي ضخ للحليب من الثدي.
أنتِ وطفلك مصمّمان للنجاح خلال مرحلة الرضاعة من حليب الثدي. من الطبيعي أن يخسر الأطفال بعض الوزن بعيد الولادة قبل أن تفرز الأم الحليب. لا بأس بخسارة حوالى 10 بالمئة من الوزن عند الولادة. مع أن ذلك قد ينبه إلى الخطر في البداية، ولكن إن استعاد طفلك وزنه الطبيعي في غضون أسبوعين من الرضاعة، فعلى الأرجح أنك تدرين مخزوناً جيداً من الحليب. كما أنه من المُطمئن جداً أن يشعر طفلك بالاكتفاء بعيد البدء بالرضاعة ويبدو مكتفياً بعد انتهائك من إرضاعه (باستثناء فترة يومين إلى ثلاثة أيام من تعاظم النمو). إنّ تغيير ستة حفاضات أو أكثر يومياً هو دليل ملموس على مخزون الحليب الجيد. إذا ما زلت قلقة، اتصلي بمستشار الألبان لمعرفة كيفية زيادة مخزون الحليب أو معرفة عدم حاجتك إلى ذلك.
قد يكون من الجيد أن توقظ الأم طفلها لإرضاعه للمرة الأخيرة قبل خلودها إلى النوم، خاصةً إن كان وقت نومها ثابتاً. إنّ العمل على هذا البرنامج، يمكن أن يساعد الطفل على ترسيخ أوقات الرضاعة والنوم التي تتماشى مع باقي أفراد العائلة. يمنحك ذلك بعض الساعات الإضافية من النوم في الليل. وإنْ كنت تفضلين تعليم طفلك على النوم بمفرده، ضعيه في السرير عندما يكون نعساً، ولكن ليس نائماً تماماً.
وبالنسبة إلى أي شيء آخر يحدث عند تناول الغذاء، فأيّ شخص يأكل يحتاج إلى ممارسة بعض النشاطات الجسدية المناسبة للاستفادة من هذا الغذاء.
تمارين الأطفال
إن التلفاز، وأشرطة الفيديو، وألعاب الفيديو، والحواسيب، وأولويات المدرسة تجتمع معاً لتجعل من جيل الأطفال الجديد الأكثر تطلباً للجلوس في تاريخ البشرية. إنّ مساعدة طفلك على اتخاذ عادة يومية للعب بنشاط ومتعة هي من أفضل الهدايا التي يمكن أن تقدميها له. وليس من المبكّر أبداً البدء بذلك!
إنّ لبرنامج التمارين المعدّ للصغار نتائج فعالة جداً. والأطفال الذين ضمهم البرنامج هم خدّج صغار يبلغ وزنهم قرابة الباوندين ونصف وقد وُلدوا قبل موعدهم المحدد بثلاثة أشهر. عادةً، يمضي الأطفال النهار ممددين وقد يخسرون قوة عظامهم أسبوعاً بعد أسبوع إلى أن ينموا بما يكفي ليبدأوا بالتحرّك بأنفسهم. في هذه الدراسة المميزة المنشورة في عدد تموز/يوليو 2003 من مجلة طبّ الأطفال، أُدخل نصف عدد الأطفال في برنامج للتمارين: يتم تحريك أطرافهم في حركة رياضية خفيفة لخمس دقائق يومياً خلال خمسة أيام في الأسبوع. وتم مقارنة هؤلاء الأطفال بمجموعة أخرى من الأطفال الذين اختبروا التمسيد والاحتكاك للكمية ذاتها من الوقت (هل يؤثر اللمس الشخصي على قوة العظام؟). في أربعة أسابيع فقط، تمتع الأطفال في مجموعة التمارين بعظام أقوى من نظرائهم غير النشطين.
نحتاج إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتعلّم المزيد عن مقدار ونوع التمارين المناسبة للأطفال، ولكن القليل من النشاط الجسدي للصغار يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً. ليس من المبكّر أبداً جعل التمارين عادةً يومية لأطفالنا.
تذكري عندما كان طفلك يتحرك في أحشائك في فترة الحمل. ما زال طفلك بحاجة إلى النشاط وإلى شيء يضغط عليه. تنصح التوصيات الأخيرة الأولاد بممارسة نشاط مناسب لأعمارهم لمدة ثلاثين دقيقة على الأقل كل يوم طيلة مرحلة الطفولة، وما أن يسقط حبل السرّة، يصبح “وقت التمدد على البطن” أفضل تمرين. من الجيد ممارسة هذا النشاط على مراحل، عشر دقائق لكل مرحلة.
هناك طرق للاستمتاع بالتمرين. مثلاً، إنّ وضع يدك خلف قدميه كي يضغط عليها يمكن أن يمنحه شعوراً بالقوة. ويمكن أن يؤدي لفّ منشفة صغيرة ووضعها تحت صدره إلى رفع رأسه كي يرى بشكل أفضل ويفعل المزيد. كذلك، حاولي التمدد على بطنك أمامه كي تنظرا إلى بعضكما البعض وتستمتعان بوقتكما. أو استخدمي مرآة مثل تلك الموجودة في النادي. غالباً ما تكون الموسيقى مساعدة في هذا الأمر وأحياناً يكون وقت التمدد على البطن على السرير أكثر متعةً من التمدد على الأرض من أجل الحيطة والحذر. وقد يكون أفضل تمرين هو التمدد عليكِ ليتمكن من الدفع والركل تجاهك تماماً مثل الأيام الخوالي.
هل هذه ابتسامة حقيقية أو مجرد غازات؟
خلال أوج مرحلة الإزعاج، يبدأ معظم الأطفال باختبار ابتسامة حقيقية مليئة بالفرح. نرى من جديد التوازن العائلي.
في هذا الوقت، يبدأ الطفل بإظهار نوعٍ من التآلف الاجتماعي. في هذه المرحلة، يندهش بيديه فيحدق إليهما فيما يديرهما ببطء. ولكن يبقى الوجه البشري أكثر إذهالاً من أي شيء آخر. والأمر ينطبق بشكل خاص على وجهيْ الوالدين.
يمكن أن يتعرف الطفل على والديه إذا شاهدهما في شريط الفيديو كما يستطيع تحديد ما إذا كان الصوت والصورة غير متناغمين. ويميل الطفل إلى التجاوب بشكل مختلف عندما يرى أمه (يكون مرتاحاً وهادئاً) وعندما يرى والده (يكون مرحاً ولعوباً). (عندما يرى الغرباء، ينتقل من حالة المرح إلى الضجر). وتختلف ردة فعله إنْ ابتسمتِ أو تجهمتِ.
لقد تعلّم طفلك كيف يسترعي انتباهك عبر القرقرة وحركات جسمه. والآن يستطيع مكافأتك بابتسامة رائعة عندما تسعدينه. يمكنك تمييز هذه الابتسامات لأن الوجنتين ترتفعان (تدعى ابتسامة دوشين) أو يُفتح الفم (ابتسامة مفتوحة الفم)؛ وفي لحظات المرح، يُفتح الفم وتعلو الوجنتان.
قد لا تكون الابتسامات متكررة ولكن ما إنْ ترين طفلك يبتسم لك، سيحثك ذلك على تعلّم كل الطرق لجعله يبتسم من جديد. وسينشغل طفلك بتعلّم كيفية جعلك تبتسمين.
نعم، هذه هي مرحلة الانزعاج ولكنها أيضاً مرحلة بزوغ أيام السرور.