التعب تعريفه صعب و غامض، فقد يكون ردة فعل جسدية سليمة و طبيعية لحاجة الجسم الى الراحة و الهدوء، و قد يكون التعب إنذار خطر و مؤشر لبداية أنهيار جسدي او حالة مرضية.
التعب الجيد
يحتاج كل عمل و نشاط إنساني الى تشغيل عضلات الجسم و تحريكها وفق نوع العمل و قوة النشاط. و المجهود الجسدي يحتاج كي يستطيع الانسان القيام به الى قوة. هذه القوة يوفرها استهلاك محروقات الجسد التي تستلزم استغلال اوكسجين الجسم وفق حدة العمل و المجهود العضلي الذي يبذل من أجل ذلك، فإذا ما تخطى هذا العمل درجة معينة (وهذه تختلف من شخص الى آخر حسب بنية الجسم) يبدأ التعب بالظهور. وعلينا الا ننسى ان للعمل الفكري تأثيره المباشر على عضلات الجسد، و تبعاً لهذه البديهيات فكل من يقوم بعمل لا يتوافق مع قدراته الجسدية سيضطر الى استنزاف كل امكانياته العضلية و احيانا يحاول تجاوزها فيصاب بإرهاق مستمر و تعب دائم، ولا تتمكن الدورة الدموية بسبب الضعف العام بالجسد من خدمة العضلات العاملة بقوة وفق قدراتها و طاقاتها. هذا النوع من التعب اطلق عليه الاطباء ” التعب الجيد ” لأنه يأتي كدعوة من الجسم الى الراحة و الاسترخاء بعد العمل المضني لإعادة تكوين قواه.
التعب السيء
اما التعب السيء ليس سوا الارهاق الجسدي الذي يتولد إما عن سبب مادي بحت او عن نشاط فكري او عن راحة طويلة احياناً. فيتطور هذا الارهاق ليصل الى درجة عالية يؤخذ فيها مظهراً مرضياً حاداً يستوجب تدخل الطبيب. و للإرهاق مظاهر كثيرة منها النوم السيء، الانحطاط التام الفكري و الجسدي عند الاستيقاظ من النوم.
و اذا كان التعب الجيد يعكس تشنجات جسدية فإن التعب السيء يقلب صاحبه رأساً على عقب فهو يقلب مزاجه و يوتر اعصابه و يثير طباعه و غرائزه، و يصبح في حالة عصبية دقيقة يصعب معها حصر الآلام في نقطة معينة، ويصبح كل شيء يؤلم و يثير. وقد يكون الارهاق ظاهرة تسبق بعض الامراض و تلعب دور المنذر لقدومها.
إنذارات الإرهاق
قد يأتي الارهاق قبل الانفلونزا، التهاب الرئتين، التهاب الكبد، الامراض القلبية، و عوارض الاوردة الدموية التي تكون إجمالاً مصدر إرهاق شديد و للسرطان تعبه و إرهاقه.
وبوجه عام ما من مرض إلا و يسبقه او يرافقه تعب شديد و إرهاق كبير. حتى الامراض النفسية لها تعبها القاتل.
و اول ما يجب اللجوء اليه عند الاحساس بإرهاق تام، هو القيام بالتحاليل المخبرية العامة و ذلك بغية التأكد ان نسب الكالسيوم، البوتاسيوم، و السكريات في الجسم هي درجة طبيعية، إذ ان كل نقص فيها يسبب إرهاقاً شديداً، و في حال سلبية هذه التحاليل يجب البحث عن الدوافع المرضية الفعلية.
السكر والتعب
كل لتر من البلازما في جسد الانسان يحتاج الى غرام واحد من السكر يومياً. ولا يجوز ان تزيد هذه النسبة او تنقص، و اثناء شرب السوائل السكرية ترتفع نسبة السكريات في الدم لمدة ثلاث ساعات تقريباً ثم تبدأ هذه النسبة بالانخفاض تدريجياً للعودة الى الوضع الطبيعي و هذا ما يسبب التعب خلال الفترة اللاحقة لتناول السكريات بكثرة.
القهوة والتعب
يقال ان بين القهوة و التعب عداوة دائمة، فما صحة هذا الوقت ؟
العكس هو الصحيح، فعلاقة القهوة بالتعب قائمة و متينة و هي لا تقل ضرراً عن المشروبات الكحولية. و يعود ذلك الى ان استهلاك القهوة بكميات كبيرة قادرة على تخدير التعب و إحتواء حقيقة الإحساس به. ولكن في أول فرصة تسنح، ينفجر التعب إرهاقاً حاداً قد يصل بصاحبه الى حافة الانهيار العصبي التام. إذ أن التعب مدخل للراحة و تعبير عن حاجة الجسم لها، وكل تمويه لحقيقة الجسد سيظهر لاحقاً و بشكل عنيف.
التعب والنوم
الجسم بحاجة الى النوم للقضاء على التعب، ولكن قد لا يجلب النوم الراحة المنشودة فيفقد ضرورته و لذته. المعروف أن الانسان يعيش احلامه اما إذا تحولت هذه الاحلام الى وسيلة لإعادة تكوين و إستعراض خلافات النهار المؤلمة و الشاقة، يكون الانسان هو من يحرق تلقائياً لذة النوم عنده و يحوّلها الى تعب شاق و ذلك بنقله اعمال اليوم الى داخل فراشه. فيصعب النوم و يصبح بحالة من الهياج العصبي و التوتر النفسي، وكل علاج يجب ان يتوجه الى السبب الذي غالباً ما يكون إما خلافات عائلية او خلافات في مكان العمل او شخصية. فالتعب هنا يلعب دور الدليل على وجود مشاكل يومية و نفسية. الضجيج يسبب نوعاً من الإثارة العصبية المستمرة و بدرجة عالية، و خاصة في المدن.
علاج التعب
العقاقير المعالجة لا تعد و لا تحصى، و الصيدليات غنية بها، وهي على شكل مهدئات و مقويات و منشطات و مضادات للتعب والارهاق، كالكالسيوم و البوتاسيوم و مئات غيرها، ولكن بعضها تحمل سمّاً للجسم، لذا لا يجوز اعتمادها دون استشارة الطبيب. فمثلاً، نقص الكالسيوم في الدم يزول بالطعام العادي الذي يوفر النسبة الناقصة منه، وفي الحالات المستعصية يلجأ البعض الى المخدر و الكحول ولهذا مفعول السكريات نفسه على التعب بل يولد تعباً قوياً جداً بعد زوال مفعوله.
و لتدارك التعب و علاج الارهاق، ثمة بعض النصائح التي قد تكون ضرورية و التي قد تخفف من وقوع التعب و الارهاق ولكنها لا تزيلهما:
- تناول وجبة الصباح و التركيز فيها على المواد المغذية المقوية للجسم، مثل البيض، الاجبان، و الزبدة.
- تجنب ابتلاع الملينات لأنها تخفض نسبة الفيتامينات (أ / د)، المغنيسيوم، و الحوامض الامينية من الجسم مما يسبب التعب و الارهاق.
- إذا كنت تتبع حمية فاختر الغذاء المحتوي على بروتينات بكثرة مع قليل من الدهنيات و السكريات.
- تجنب كثرة استخدام القهوة و الامتناع عن الكحول.
- المحافظة على نشاط الجسم بالرياضة و المشي لأنهما يساعدان على تنقية الصدر و تعبئة الجسم بالهواء النقي.
- لا ترهق جسدك فوق طاقته العملية.
- من الافضل التحكم بالعمل اليومي بدلاً من تحكمه بنا.
- التخطيط العملي للنشاطات اليومية مع اعتماد فترات راحة بين فترة و اخرى فهي من ضروريات الحياة العصرية.