الضياء أو الضوء الطبيعي الذي نعرف هو عبارة عن إشعاع كهرومغناطيسي ينتج عن الانفجارات الحرارية النووية الدائمة في قلب الشمس والتي تُصدر حزماً ضوئية من أطوال موجات (تُحدَّد الأشعةُ الكهرومغناطيسية بأطوال موجاتها أي المسافة ما بين رأسيّ المنحنيين المتتالين للموجة) مختلفة تسافر إلينا بسرعة 300.000 كم في الثانية.
تمدّنا هذه الطاقة الضوئية الشمسية بالحرارة والضياء اللذين نحتاج إليهما للحياة، وهي تمدّنا في نفس الوقت بالأشعة فوق البنفسجية (U.V) المؤذية.
إن أثر أشعة الشمس يختلف بتباين أطوال موجاتها والتي تحدد مدى امتصاصها من قبل جزيئات مختلف الأنسجة في جسم الإنسان لا سيما أنسجة العينين والجلد التي تتأثر كثيراً بالأشعة فوق البنفسجية.
بالإضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية توجد الأشعة المرئية (بالعين البشرية) والأشعة تحت الحمراء وهي التي تمثل الحرارة وأيضاً بعض الأشعة الكونية وأشعة غاما والأشعة السينيّة وبعض الأشعة ذات الترددات العالية ولكنها بنسب ضئيلة ولا يتأثر بها الجلد عملياً.
عندما تدخل هذه الأشعة في أجوائنا الأرضية تتبدّل بعض الشيء وفق حالات عدة. فالأشعة المرئية تتبعثر بواسطة جزيئات الأوكسجين والآزوت الجوّية وتعطي اللون السماوي الذي نعرف.
عندما تصطدم هذه الأشعة بغلاف الأرض الجوي يُمتصُّ جزء منها في حين يرتدّ الجزء الآخر مع أبخرة الماء والغبار نحو الفضاء.
وبالنتيجة فإن تأثير الطاقة الشمسية فقط يصلنا عبر الغلاف الجوي.
هذه الأشعة التي تصلنا مؤلفة من:
- 5- 10% من الأشعة فوق البنفسجية
- 40% من الأشعة المرئية
- 50- 55% من الأشعة تحت الحمراء
لقد دخلت طاقة ضوء الشمس بشكل رئيسي في نشوء وتطور الحياة على الأرض.
فالأشعة المرئية ضرورية جداّ لعمليات التمثّل الضيائي والذي مكّن من نمو النباتات فوفّرت بذورها الغذاء للكائنات الحية. تُمكننّا الأشعة المرئية كذلك من الرؤية وتحفظ إيقاعات الأحياء البيولوجية المتمثلة في الليل والنهار. أما الأشعة تحت الحمراء فتوفّر الحرارة اللازمة للحياة.
الأشعة الكهرومغناطيسية
الشمس هي الطاقة الكهرومغناطيسية لأطوال موجات مختلفة. تؤثر علينا هذه الأشعة بطرق مختلفة بحسب أطوال الموجات هذه والتي تًقاس بوحدة النانومتر وهي وحدة دولية تساوي واحد على مليون من الميلليمتر.
يُمكن للضوء المرئي أن يؤثر كذلك على مزاج الإنسان.
إن غياب الضياء يُمكن أن يتسبّب في حالة من الإحباط النفسي.
في حين تساعد كميات قليلة جداً من الأشعة فوق البنفسجية على اصطناع فيتامين D في الجلد، وكل زيادة فيها تكون مسؤولة عن ضرر أكيد.
تُستعمل الأشعة فوق البنفسجية أحياناً من قبل بعض الأطباء في معالجة الأمراض الجلدية حين تستعصي المعالجات الأخرى مع مراعاة الحذر الشديد في ذلك.
الأشعة فوق البنفسجية
إن نسبة الأشعة فوق البنفسجية ضعيفة في الضياء الشمسي ولكنها تكتسي بيولوجياً أهمية خاصة. وهي تقسم وفق أطوال موجاتها إلى الفئات التالية:
- الأشعة فوق البنفسجية C 100- 290 نانومتر (UVC)
- الأشعة فوق البنفسجية B 290- 320 نانومتر (UVB)
- الأشعة فوق البنفسجية A 320 – 400 نانومتر (UVA)
تُمتصُّ الأشعة UVC في طبقة الأوزون بصورة كاملة ولا تصل إلى الأرض أبداً. في حين تصلنا الأشعة UVB بنسبة 5% فقط مقابل 95% للأشعة UVA.
إن هذه النسب المعطاة قابلة للتبدّل بحسب الوقت في الضياء اليومي والزمن من السنة (أي بحسب الفصول) وكذلك بحسب الارتفاع عن سطح البحر وعوامل أخرى.
تأثير الأشعة فوق البنفسجية
ليس للأشعة فوق البنفسجية تأثير واحد لتباين أطوال موجاتها.
تشكل أشعة UVB نسبة ضئيلة جداً من مجمل الأشعة فوق البنفسجية وتكون على أشدّها في الصيف ظهراً، وهي مسؤولة عن حوالي 90- 90% من حالات ضربة الشمس والهرم الجلدي الضيائي وسرطانات الجلد.
يتركّز فعل هذه الأشعة في الطبقة الخارجية وتنفذ إلى الطبقة العليا من الأدمة. أما الأشعة فوق البنفسجية UVA فهي قد تشكل صيفاً من 95- 98% ولكنها لا تكون مسؤولة إلاً عن 10- 20 % من الأذى الذي يتعرض له الجلد.
تلعب هذه الأشعة دوراً هاماً في ظهور بعض التفاعلات غير الطبيعية في الجلد المُعّرض لأشعة الشمس وأكثرها شيوعاً كما نعرف الاندفاع العرقي.
أما عن الأذى الكبير الذي تُحدثه الأشعة B في الجلد فيكون بتحريض بعض التفاعلات المُدِّمرة للحموض النووية أو المادة الوراثية DNA على مستوى خلايا الجلد.
وقد تمّت البرهنة من جهة أخرى على أن تعّرض الجلد المنتظم لجرعات عالية من الأشعة A لا سيما في الاسترخاء على المقاعد الشمسية يحدث أذى في الجلد مساوٍ لما تحدثه أشعة الشمس B. كما تلعب الأشعة A دوراً رئيساً في ظهور عدد من حالات الاندفاع الجلدي في أي وقت من فصول السنة.
مصادر أخرى للأشعة فوق البنفسجية
على الرغم من أن الشمس هي المصدر الرئيسي للأشعة فوق البنفسجية الأرضية إلاّ أن هذه الأخيرة يمكن نشرها اصطناعياً بواسطة لمبات مفسفرة وأقواس اللحام وهي مصدرُ خطرٍ مهني محدق , تُستعمل لمبات الأشعة فوق البنفسجية في الطب لعلاج بعض الأمراض الجلدية لا سيما الأكزيما والتي تتمثل باحمرار وانتفاخات وحكة شديدة أحياناً في المناطق المكشوفة من الجلد على ظهر اليدين والوجه والرقبة وقد تمتد إلى المناطق المغطاة.
ويراعى الحيطة في استعمالها.
أما استعمال لمبات التانغستين والهالوجينات باستمرار فيمكن أن يشكل خطراً كامناً على الجلد محدثاً فيه حروقاً خلال وقت قصير (خلال دقائق أو ساعة على الأكثر) وتكون سبباً في هرم جلدي مثيل بالهرم الجلدي الضيائي.
وقد يتعرض الجلد جراء الاستعمال المديد لهذه اللمبات لظهور السرطان فيه.
تبدّلات الأشعة فوق البنفسجية
إن أهم عامل مؤثر على شدّة الأشعة فوق البنفسجية الأرضية هو علّو الشمس في السماء والذي يختلف باختلاف الوقت من النهار وباختلاف الفصل ومدى الارتفاع عن سطح البحر.
إن الارتفاع والغيوم ونوعية الأرض ورقعة السماء المكشوفة تؤثر جميعها على شدة الأشعة فوق البنفسجية كذلك:
- بحسب ساعات النهار
تكون الكمية العظمى من الأشعة فوق البنفسجية في الساعات الأربع التي تسبق وتلي سمت الشمس (أي عندما تكون الشمس في أعلى نقطة في السماء)، ويتوافق ذلك في منطقتنا ما بين الساعة الحادية عشرة والثالثة ظهراً في أيام الصيف وبدون غيوم في حين تكون ما بين الساعة الثانية عشرة والرابعة ظهراً في أوروبا.
80% من أشعة الشمس تنفذُ عبر الغيوم ولهذا فإن الضربة الشمسية تحت سماء مغطاة نسبياً أمر وارد جداً.
شدة الأشعة فوق البنفسجية في هذه الفترة من النهار ناتجة عن الزاوية الحاصلة ما بين الشمس وسطح الأرض حيث تكون المسافة إلى الأرض أقصرها ويكون الإشعاع أعظمياً في تموز في نصف الكرة الشمالي.
ثلث الأشعة فوق البنفسجية يصدر ما بين الساعة 12- 14 وثلاثة أرباعها ما بين الساعة العاشرة قبل الظهر والرابعة بعده.
إن نسبة الأشعة فوق البنفسجية B تتبدل بشدة أثناء النهار وهي تتأثر بالعوامل الجوية أكثر من الأشعة A والضوء المرئي.
في الصيف تزداد شدة الأشعة B وتنقص عدة مرات ما بين الساعة 10- 16 وتكون أعظمية في أوروبا على الساعة 14 (الظهيرة الشمسية).
عملياً هذا يعني أن خطر ضربة الشمس يُسّجلُ عندما تكون الشمس في السمت أي حوالي الساعة 12 في منطقتنا.
ويجب تحاشي التعرض لأشعة الشمس صيفاً ما بين الساعة 11- 15 قدر الإمكان.
وهناك قاعدة أسهل للحفظ وهي ألآّ يعرض الواحد منا نفسه للشمس دون حماية عندما يكون ظلُّ الواحد منا أقصر من قامته.
في الصباح الباكر وفي نهاية النهار يكون ظلّ القامة ممتداً وهو الوقت المناسب للتعرض لأشعة الشمس دون تخوّف.
- بحسب الفصول
التبدلات الفصلية التي تطرأ على شدة الأشعة فوق البنفسجية (لا سيما الأشعة B) هي أكثر وضوحاً في المناطق المعتدلة حيث تتراوح هذه الشدة من 1- 25 مرة بين الشتاء والصيف. في حين تميل شدة الأشعة A إلى الاستقرار ولا تتعرض للانحراف أو الانتشار أثناء مرورها في الجو المحيط.
أما إذا اقتربنا من خط الاستواء حيث يغلب على الشمس وضعية السمت ظهراً في أي وقت في السنة فلا تكون تبدلات الأشعة فوق البنفسجية ذات أهمية لأن شدة الإشعاع تبقى مرتفعة طيلة السنة وهذا ما أدى إلى ظهور اسمرار البشرة في هذه المناطق من العالم.
- بحسب الارتفاع
تزداد مخاطر ضربة الشمس الناجمة عن الأشعة فوق البنفسجية بنسبة 4% كلما ارتفعنا 300 متراً عن سطح البحر ويرجع ذلك بالطبع إلى قصر المسافة التي تقطعها تلك الأشعة لبلوغ المناطق الجبلية أو المرتفعة عموماً.
في خط الاستواء تكون هذه المسافة أقصرها وبالتالي تكون شدتها أعظمية في المناطق المرتفعة منها.
- بحسب الغيوم
لا تحدّ الغيوم من شدة الأشعة فوق البنفسجية إلاّ قليلاً.
ويمكن أن يتعرض الواحد منا لحروق في يوم غائم حتى في الفصول الرطبة نسبياً.
وتفسير ذلك هو أن الماء المُحتبس في الغيوم يكون أكثر قدرة على امتصاص الحرارة منه على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية.
كما أن بعض الغيوم المتفرقة في سماء صافية لا يحدّ من وصول الأشعة فوق البنفسجية B إلاً بشكل ضئيل جداً. في حين يمكن لطبقة غيوم خفيفة ولكن ممتدة أن تقلّل من مخاطر ضربة الشمس بنسبة 50% تقريباً وأن طبقة كثيفة من الغيوم قد تبعد عن المخاطر بمقدار 90% ولكنها تبقى ممكنة الحدوث بنسبة 10% لا سيما عند ذوي البشرة الفاتحة الحساسة.
إن ضربات الشمس ممكنة إذن في جو غائم حتى ولو كان الجو رطباً وثقيلاً.
كما يلعب التلوث الجوي دوراً مماثلاً للغيوم.
عندما تكون السماء صافية يصلنا ثلثا الأشعة فوق البنفسجية B مباشرة ولا تقف الغيوم أو التلوث عائقاً في ذلك.
- الرياح
تعطي الرياح انطباعاً مخادعاً بالانتعاش على سطح الجلد يهون معه تحمل أشعة الشمس ولكن لا ينقص من شدة الأشعة فوق البنفسجية B ووطأتها، لذلك من الممكن جداً التعرض لضربة شمس تحت ريح قوية ويزداد هذا الخطر في الأيام الغائمة حيث يتلاشى الحذر ولا يشعر المرء بطول الوقت خارج المنزل.
- النوافذ الزجاجية
أغلب النوافذ الزجاجية المستعملة توقف الأشعة فوق البنفسجية B ولكنها لا توقف الأشعة A. فالنوافذ تضعف إلى حد كبير خطر الإصابة بالحروقات الشمسية لكنها لاتمنع حدوث بعض التفاعلات الجلدية بتأثير هذه الأخيرة.
- الانعكاس الضيائي
تعكس بعض السطوح الأشعة فوق البنفسجية وتزيد من نفوذيتها في الجلد مما يزيد من خطر الإصابة بضربة شمس.
فالعشب على سبيل المثال لا يعكس أكثر من 3% من الأشعة B في حين ترتفع هذه إلى 25% على شطآن الرمل الأبيض.
عندما تكون الشمس عالية لا تعكس المياه الهادئة الأشعة B في حين تعكس المياه الجارية والبحار المائجة حتى 20% منها.
هذا يعني عملياً أن الجلد يحترق حتى لو كان الواحد منا تحت مظلة واقية أو فوق سطح باخرة أو مركب بشكل أسرع من تواجدنا في حديقة.
ويزداد هذا الخطر الداهم للحروق بفعل انتثار الأشعة في الجو المحيط، وُيمكن للثلج (تقول الأبحاث أن التزلّج على مسحوق جليدي حديث يؤدي إلى إسمرار في البشرة بشكل أسرع من ممارسة ذلك على ثلوج قديمة ومبتلّة، حيث تنعكس حوالي 90% من الأشعة B التي تسبب اسمراراً وحروقاً في البشرة) كذلك أن يعكس حتى 85% من الأشعة B، وإذا ما تضافر ذلك مع عامل الارتفاع وما يشعر به المرء من انتعاش مخادع للريح ظهرت حروق خطيرة للغاية غالباً ما يتعرض لها من يمارسون هواية التزلج أو تسلّق الجبال الشاهقة.
- الحرارة
لا تؤثر حرارة الهواء المحيط (في الدرجة صفر مئوية أو 30 مئوية) أو ماء السباحة على شدة الأشعة فوق البنفسجية B.
- الانتثار أو التبعثر في الجو المحيط
تتعرض الأشعة فوق البنفسجية أثناء اجتيازها الغلاف الجوي إلى تصادمات عدة مع جزيئات الهواء (كما يحدث في تصادم كرات البلياردو) فترِدُ إلينا وفق زوايا مختلفة. الضوء المرئي والحرارة هما الأقل تأثراً بعملية التصادم هذه. ولهذا السبب يتعرض المرء لأذى الأشعة فوق البنفسجية B سواء كان الجو صافياً أو غائماً، حتى لو كان تحت شجرة أو تحت مظلة.
الأوزون وسرطان الجلد
الأوزون هو غاز ينتجه الجزء العلوي من الغلاف الجوي عن طريق تفاعل كيميائي ما بين الأوكسجين والأشعة فوق البنفسجية C.
عندما يمتصّ الأوزون جزءاً من الأشعة فوق البنفسجية B يتحول مجدداً إلى أوكسجين وهو ما نتنفسه.
إن عملية إنتاج الأوزون هذه وتفككه هي مبدئياً في توازن لأن امتصاص كل الأشعة فوق البنفسجية C وجزءاً من الأشعة B يمنع القسط الأكبر من الأشعة الضارة بالحياة من الوصول إلى مرابعنا الأرضية.
ولو طرأ تبدل ما على هذا التوازن يوماً وبدأت تصلنا هذه الأشعة فإن عدداً كبيراً من المتعضيّات وحيدات الخلية والتي لها دور حيوي في صنع أغذيتنا كالبلانكتون سوف ينقرض ويُقضى بالتالي على كل حياة على وجه الأرض بشكل سلسلي مخيف.
كلنا يعلم أن بعض المواد الكيميائية كبعض الغازات لا سيما الكلور والفلور الصُنْعييّن والمستعملين في البّخاخات وغاز الفريون في أجهزة التبريد تخرق طبقة الأوزون وتوقف حيث تخرق من فعالية هذه الطبقة الوقائية للحياة على الأرض.
عندما اكتشف العلماء عام 1974 هذه الظاهرة في الأجواء العليا توصلوا إلى الاستنتاج بأن شدة الأشعة فوق البنفسجية سوف تزداد بالضرورة في أجواء الكرة الأرضية، وقد سجّلوا عدة اختراقات سمّوها ثقوباً في طبقة الأوزون.
يُعتبر المتجمدّ الجنوبي الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة في الربيع بسبب شدة البرودة في هذا الوقت من السنة مما يساعد على كبح نشاط الأوزون.
أما ” الثقوب ” الملاحظة في طبقة الأوزون فوق المناطق الأخرى من العالم وفي أوقات أخرى من السنة فهي أقل أهمية.
وفي حال عدم أخذ التدابير الجدّية، للحّد من التلوث الكيميائي فإن هذه الظاهرة سوف تصبح في المستقبل مصدر قلق فعلي للإنسانية.
أُتخذّت بعض التدابير بهذا الخصوص ولكن التطبيق لا يرقى إلى المستوى المطلوب من المسؤولية. وعلى الرغم من تمّزق أو اهتراء طبقة الأوزون هذه لم يثبت حتى الآن حدوث ارتفاع في نسبة الأشعة فوق البنفسجية B بصورة مقلقة. أما عن ارتفاع حالات سرطان الجلد المسجّلة خلال نصف القرن الماضي فهي ليست بسبب الزيادة في نسبة الأشعة B بل هي على علاقة بطريقة حياتنا المعاصرة من نشاطات الإنسان في الهواء الطلق ثم لا ننسى التطور التقني الذي بات يسمح بالتشخيص المبكر في أيامنا.
كيف تؤثر الأشعة فوق البنفسجية على الجلد
يُعتبر الجلد بأبعاده أهم أعضاء جسم الإنسان، يزن حوالي 4 كغ ومساحته بحدود مترين مربع ويحتوي واحد سنتيمتر مربع منه على 15 غدة دهنية ومئة غدة عرقية و250 مستقبل عصبي ومليون وعاء دموي وأربع ملايين من الأعصاب وحوالي 20- 200 شعرة.
يساعد الجلد في الحفاظ على درجة حرارة الجسد ثابتة ويقي من التجفاف ويحمي جزئياً من العوامل البيئية الضارة لا سيما البكتريا والفيروسات والأوساخ والغبار وأشعة الشمس.
يكتسي الجلد كذلك أهمية جمالية إلى جانب كونه خط دفاع أول أمام الأجسام الدخيلة ويمكن أن يقضي على أولى الخلايا السرطانية في بعض الحالات.
للجلد بنية معقدة من عدة طبقات لكل واحدة وظيفة خاصة بها:
- الطبقة القرنية المقاومة: وهي طبقة الحماية الخارجية، تتجدد باستمرار، قليلة النفوذية وذات PH حامضي.
- الطبقة الخارجية الواقية: وهي بمثابة ” جدار من الآجر ” من الخلايا الحية التي تعمل على تجديد الطبقة القرنية، تتراوح ثخانتها ما بين 0.04 – 1.5 ميلليمتر بحسب موضعها (رقيقة على الجفون والثديين وثخينة على راحة اليدين).
- الأدمة: وهي الطبقة الداعمة والمغذية وتحتوي على الأعصاب الحسّية والأوعية الدموية التي تمدّ الجلد بالمغذيات وبالأوكسجين، وعلى خلايا ” ميركل ” المسؤولة عن حساسية اللمس وفعل النواقل العصبية.
- الطبقة الداخلية: وهي الطبقة التي تعزل الجلد عن باقي الجسد وتحتوي بشكل رئيسي على النسيج الضام والمادة الدهنية.
القرنية طبقة سطحية ثخينة غير فاعلة تساعد على الوقاية من التجفاف وتحمي الطبقة التي تليها من التخّرشات الخفيفة لا سيما ما تسببّه الأشعة فوق البفنسجية وتعمل كذلك على صدّ الدخيل ” المعتدي “، (لا تخترق هذه الأشعة أكثر من عشر الميلليمتر ويكون أثرها بليغاً حيث يرّق الجلد).
تحتوي الطبقة الخارجية (ما بعد القرنية باتجاه الداخل) على خلايا نشطة مولّدة للقرنية في حين تحتوي في قاعدتها على الخلايا المنتجة للقتامين ونجد كذلك خلايا لانغرهانس المهمة في الدفاع عن الجلد ضد الإصابات والأورام نظراً لغياب الأوعية الدموية في المكان.
لهذه الخلايا المتخصصّة جميعها نواة مركزية تحتوي على المادة الوراثية DNA، وكل أذى يصيب هذه المادة يعتبر مؤثراً على شيخوخة الجلد وإصابته بالسرطان.
الأشعة فوق البنفسجية هي التي تسبب عموماً هذا الأذى وقد يستفحل الأمر جراء التعرض للمواد الكيميائية ودخان التبغ واحد منها.
أما الأدمة فهي عبارة عن شبكة من الألياف الضامة والأوعية الدموية واللمفاوية والجُريْبات الشعرية والنهايات العصبية والغدد العرقية والجذور الشعرية وعضلاتها التي تحركها.
تشكل مادة الكولاجين وكذلك الايلاستين شبكة الألياف الداعمة لهذه الطبقة العميقة وتعطي للجلد مرونته، شكله ومتانته.
يشكل الكولاجين 70- 90% من الوزن الجاف للأدمة في حين تشكل الألياف المرنة 2- 3% ” تسبُح ” كل هذه البنيات وموادها في مادة أولية قوامها الماء الذي تنحل فيه شوارد وجزيئات كالبروتينات ومتعددات السكاكر المخاطية 4 وهي التي تعمل على ترطيب الجلد طبيعياً ولئم جروحه بفعل الخلايا المناعية الموجودة هي الأخرى في الأدمة.
أما الطبقة الداخلية فتتألف من النسيج الضام الرخو والمواد الدهنية ويكون تطورها رهن عوامل تغذوية وهورمونية.
تنحصر وظيفة هذه الطبقة بشكل رئيسي بدور مفْصل الاتصال بباقي الجسد وهو خط الدفاع الأخير للجلد.
إن طبقة الأدمة أثخن بـ 10- 40 مرة من سائر طبقات الجلد وبحسب المناطق التي تحتلها.
الأشعة فوق البنفسجية والجلد
إن حوالي 5% من الأشعة فوق البنفسجية التي تصل الجلد ترتدّ بالانعكاس في حين يتغلغل 95% في الأنسجة حيث تمتصه جزيئات مختلف طبقاته كالقرنية والطبقة الخارجية فالأدمة.
القسم الأكبر من الأشعة فوق البنفسجية B (وهو قصير طول الموجة) يدخل القرنية والطبقة الخارجية ويعبث بالمادة الوراثية DNA في نوى الخلايا ويتعّرض للقتامين، في حين يصل معظم الأشعة فوق البنفسجية A (وطول موجاتها أكبر) إلى الأدمة حيث يمتصها خضاب الدم أو الهيموغلوبين.
للأشعة فوق البنفسجية تأثيرات عديدة على الجلد بسبب امتصاصها من قبل الجزيئات الصبغية وأهما بالطبع الـ DNA أي المادة الوراثية في نوى الخلايا والتي تتعرض بنيتها الأساسية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية وأهمها المؤدية إلى تشكيل الثنائيات الجزيئية البيريميدية التي تعمل على تقطيع أو تكسير الـ DNA.
عندما لا يتم إيقاف أو احتواء هذه التفاعلات بسرعة تبدأ بتخريب الخلايا وتوقف عملها وتحدّ من انقساماتها في كامل الطبقة الداخلية وقد يساهم ذلك في نشوء خلايا طافرة.
ولكنْ لحسن الحظ يستطيع الجلد إصلاح ما يتلف من خلاياه (أنزيمياً) خلال ساعات أو أيام غير أنه يخلّف في المكان بقايا خلوية تهيء لهدم الجلد وتتجه أحياناً إلى تطور سرطان الجلد بتكاثر الخلايا الطافرة (تأثير متأخر).
التخريب أو الآثار المدمرة الظاهرية
يشكل امتصاص الأشعة فوق البنفسجية من قبل الخلايا الصبغية (لا سيما الأشعة فوق البنفسجية B على الـ DNA) والآثار المترتبة عن الخلايا التي لم يتم إصلاحها، السبب الرئيسي في ظهور آثار مدمرة خاصة في حالات ضربة الشمس التي تعمل على هرم الجلد مبكراً وقد تتعداه إلى انتشار سرطان الجلد.
تغلب هذه الآثار المدمرة الظاهرية على طبقة الجلد الخارجية.
عندما يتعرض الـ DNA في نوى الخلايا الجلدية للأذى فإننا أمام ثلاث احتمالات:
– الاحتمال الأرجح هو أن يتم إصلاح الخلايا ذاتياً عن طريق سلسلة من الأنزيمات الماهرة والمعقدة التركيب والآلية والتي تحرر مواد يُستفادُ منها في ترميم ” الجدران ” الجزيئية المصابة وغالباً ما يترك ندبات على السطح الخارجي للجلد. ضربة الشمس إذن هي التي تثير مثل هذه العمليات الترميمية في طبقات الجلد أو لاتنجح في ذلك وتؤدي إلى التهابه.
إن تلك الجزيئات الكيميائية المتحررة الآنفة الذكر تتعرض للكولاجين والايلاستين في الأدمة وتساهم في هرم الجلد المبكر.
– الاحتمال الثاني وهو أنه عندما يتعرض الجلد لأذىً خطير لا تتمكّنُ الخلايا من ترميم نفسها فتموت، وهذا ما يحدث بالفعل إثر ضربة شمس قوية على الشاطىء مثلاً ويتقشر الجلد بالنتيجة.
– الاحتمال الأخير والأكثر خطورة هو المتمثل بعدم قدرة الـ DNA المصاب على إصلاح نفسه مما يؤدي إلى نشوء طفرات خلوية يؤدي تراكمها التدريجي في مستوى الطبقة القاعدية للبشرة إلى تطور سرطان جلدي.
كيف تؤثر الأشعة فوق البنفسجية على الجلد
يمكن للأشعة فوق البنفسجية B أن تلحق الضرر بالـــــ AND.
(المادة الوراثية في نواة الخلية).
إن معظم الإصلاحات الخلوية تنشأ آنياً وذاتياً ولكنها تحرر مواد كيميائية يمكن أن تساهم في ترهل الجلد ألضيائي وحتى في نشوء السرطان.
الجلد عضو معقد
يتألف الجلد من عدة طبقات تمارس كل واحدة منها وظيفة نوعية، يوجد في قاعدة البشرة خلايا متخصصة تدعى مولدات الميلانين (القتامين) وهي تنتج صبغة الميلانين التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتؤدي إلى اسمرار الجلد.
ضربة الشمس والهرم الجلدي
عندما تُمتصُّ الأشعة فوق البنفسجية في الخلايا الصبغية تتعرض هذه الأخيرة إلى أضرار تثير سلسلة من التفاعلات تحت ما يسمى بضربة الشمس، والجلد قادر على إصلاح هذه الأضرار.
يعتقد بعض الباحثين أن هذه السلسلة من التفاعلات تبدأ عندما تصيب الأشعة فوق البنفسجية الـ DNA في نوى الخلايا مما يحرّض على تحرير هورمونات تولّد الألم أولاً والحرارة والاحمرار والتورّم في الساعات التي تلي التعرّض المطوّل لأشعة الشمس.
الأشعة فوق البنفسجية B هي الأشد تخريباً للـ DNA لا سيما في مستوى الطبقة الخارجية (تحت الطبقة المتقرنة)، وبقدر ما يكون التعرض شديداً تزداد الخطورة، ولكنّ آثار التخريب تختلف من جلد إلى آخر / فالبشرة الغامقة أقل تأثراً من البشرة البيضاء.
الاسمرار (البرونزاج)
يؤدي التعرض للأشعة فوق البنفسجية إلى تفاعلين على مستوى الجلد. فبالإضافة إلى الضرر الحاصل للـ DNA فإن حساسية الجلد لهذه الأشعة تتناقص فيما بعد.
الاسمرار هو فعل أصبغة القتامين السمراء التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية في مستوى الطبقة الخارجية تتحرر هذه الأصبغة في الحويصلات أو الُجريْبات الصبغية من قبل الخلايا الُمولّدة لها في الطبقة القاعدية بعد ساعات من التعرض لأشعة الشمس (من 6- 12 ساعة) وتغزر في بشرة الوجه عموماً.
يمتدّ هذا ” الصباغ ” إلى الحويصلات المحيطة ويَتراكم مشكلاً طبقة واقية حول النواة الخلوية ويمتد جزئياً إلى الحويصلات السطحية والتي تبلغ تدريجياً مستوى الجلد الخارجي في الحالة العادية وتُطرح.
إن هذه الآلية تزيد من حماية الجلد من 2- 4 مرات في حال التعرض لأشعة الشمس في مرات لاحقة، وتستمر هذه الحماية حتى تٌطرح الخلايا الجلدية السطحية. ومن الهراء الاعتقاد بوجود اسمرار (أو برونزاج) شمسي غير ضار، والاسمرار الوحيد الذي لا يؤذي هو الآتي بالولادة.
إن البشرة السوداء تقي صاحبها أذى هذه الأشعة من 10- 15 مرة، والبشرة السمراء تفوق البشرة البيضاء (بالوقاية) خمس مرات.
ثخانة الجلد المعرض لأشعة الشمس
تؤدي أشعة الشمس أيضاً إلى ثخانة الجلد ويمتد ذلك لأسابيع بل أشهر.
هذه الظاهرة لها علاقة بالضرر الناجم عن تعرض نوى الخلايا إلى فعل تخريب الـ DNA في مستوى الطبقة القاعدية.
عندما يتم إصلاح عطب الـ DNA تبدأ خلايا الطبقة القاعدية بالانقسام بسرعة أكبر مما يؤدي إلى ثخانة الطبقة الخارجية وكذلك الطبقة التي تعلوها بالطبقة القرنية الواقية.
تزيد هذه الطبقات الإضافية لا شك من حماية الجلد فيما بعد من 5- 10 مرات لا سيما في مستوى الخلايا القاعدية التي يسهل عطبها وهي فعّالة أكثر من الاسمرار الذي يرافقها لا سيما عند ذوي البشرة البيضاء.
إن الاسمرار المقرون بثخانة الجلد يزيد من حمايته من 10- 40 مرة أكثر من الاسمرار لوحده ولكن (للأسف) على حساب تشوّه جلدي قد يكون دائماً.
الأشخاص الأكثر تأثراً بالأشعة فوق البنفسجية
الأشخاص الأكثر تأثراً بالأشعة فوق البنفسجية هم ذوو البشرة البيضاء وعلى الخصوص الُمَرقّطة بالبقع الحمراء (أصحاب الشعر الأحمر) وقد لا يحدث عندهم اسمرار بالمرة لعدم وجود كمية كافية من القتامين في الجلد.
إن عملية الاسمرار أو عدمه مسجّلةٌ أصلاً في المورثات وهي خصوصية كل بشرة، ونعتبر وجود ستة أنواع من بشرة الإنسان تجاه ظاهرة الاسمرار هذه. لمعرفة نوع البشرة الذي يخصّك لاحظ جيداً عندما تتعرض لأشعة الشمس لأول مرة في يوم صيفي ظهراً:
- النوع الأول: تحترق البشرة بدون اسمرار.
- النوع الثاني: تحترق غالباً ويحدث الاسمرار أحياناً.
- النوع الثالث: نادراً ما تحترق البشرة، ويحدث الاسمرار دوماً.
- النوع الرابع: نادراً ما تحترق البشرة ويكون لون البشرة زيتونياً.
- النوع الخامس: لا تحترق البشرة إلا نادراً جداً وتصبح البشرة غامقة.
- النوع السادس: لا تحترق البشرة وتكون البشرة سوداء.
الأشخاص من 1/2/3 غالباً ما يتعرضون أكثر من غيرهم لآثار الأشعة الضارة على المدى البعيد (هرم جلدي، سرطان الجلد)، في حين لا توجد مشكلة قائمة بالنسبة للأشخاص من الأنواع 4/5/6 إلاّ أن جميع الأنواع تتأثر بظاهرة ” شيخوخة ” الجلد.
الهرم الجلدي
يأخذ هرم الجلد أشكالاً رئيسية.
الشكل الأول مُبرمج وراثياً ويتمثل في الشيخوخة أي الهرم البيولوجي الطبيعي.
والشكل الثاني هو هرم الخلايا بتأثير العوامل الضارة على المدى الطويل لأشعة الشمس وذلك كلٍ حسب نوعية بشرته وما يزاول من عمل.
ويمكن تقدير آثار هرم الجلد الضيائي بمقارنة مظهره على مستوى جلد الوركين أو في مستوى جلد المؤخرة أو الوجه.
إن المناطق المغطاة عادة بالثياب تكون ناعمة وبلا لطخ حمراء أو زهرية وبلا تجاعيد أيضاً غير أن الثياب الخفيفة الهفهافة لا تمنع ذلك..
أما بشرة الوجه فهي الأكثر تعرضاً لا سيما لدى الأشخاص من ذوي البشرة البيضاء الواضحة، وتكون بشرة المسنّين جافة عموماً وتميل للاصفرار مع بقع بنية اللون. الفرق ما بين الجلد المغطىّ والجلد المعرّض هو ما يحدد مدى الهرم الضيائي بفعل أشعة الشمس.
أسباب الهرم الجلدي الضيائي
يحدث الهرم الجلدي الضيائي بنتيجة الأذى الذي يتعرض له الجلد بفعل الأشعة فوق البنفسجية المتراكمة على مر السنين لا سيما الأشعة B.
يمكن للأشعة A أن تسبب ذلك أيضاً وبصورة أعمق لدى من يعرّضون أنفسهم لما يسمى بحمّامات الشمس أو عندما يستعملون دهوناً جلدية لا توقف الأشعة B تماماً.
عندما لا يستطيع الجلد إصلاح الـ DNA الخلوي بصورة كاملة في الطبقة الخارجية والأدمة فإن بنية هاتين الأخيرتين تتدهور وتطرأ عليهما تحولات لا رجعة عنها.
بالإضافة إلى أن المواد الكيميائية المحررة خلال ضربة أشعة الشمس تؤذي الأدمة على وجه الخصوص ويمكنها أن تضر بالكولاجين والألياف المرنة التي تشكل الدعامة الرئيسة للجلد في مساعدته على تجنّب التجاعيد (الكولاجين هو المغراء باللغة العربية).
وقد تتأثر هذه الألياف مباشرة بالأشعة فوق البنفسجية. كل هذا يعني أن الجلد ينحو تدريجياً مع العمر نحو التجفاف والخشونة والثخانة وظهور التجاعيد. يمكن للشمس كذلك أن تحرض حدوث تبدلات في مستوى الخلايا الصبغية وإعاقة عملها مثيرة ظهور طبقة بنيّة اللون تصبح صفراء أحياناً.
وأخيراً فإن طبقة الجلد الخارجية قد ترقّ ويسهل عطبها بتقدم العمر وهناك عوامل أخرى تساعد على هرم الجلد الضيائي لا سيما التدخين (والتلوث البيئي عموماً).
الوقاية من هرم الجلد الضيائي
يُمكن الوقاية نظرياً من هرم الجلد الضيائي، كأن نحمي الوجه باستمرار ونحافظ بذلك على مظهره الفتي نسبياً بدون تجاعيد ” أخدودية “.. وذلك بأن نبدأ برنامجاً وقائياً بصورة مبكرة.
يُقدّر الأخصائيون أن 50% من التعرض الكلي للأشعة فوق البنفسجية يحدث حتى سن الثامنة عشرة وفي الثلاثين ترتفع هذه النسبة إلى 75% (أي ما يوافق مرحلتي الطفولة والشباب). فإذا ما تمت الوقاية منذ الطفولة فإن ذلك سوف يحسن من مظهر الجلّد بصورة ملموسة. أما عن البالغين فيمكنهم الحدّ من هرم الجلد الضيائي بالحماية. ويبدو أن ظاهرة هرم الجلد هذه قدر بيولوجي كذلك حتى لو أخذنا الاحتياطات الضرورية كافة.
تشير الأبحاث تباعاً إلى أنه حتى لو تنقّلنا لفترة وجيزة تحت الشمس (لنشر الغسيل مثلاً أو جلبه) يتعرض الجلد للأذى. هذا يعني أن الوقاية التامة من الهرم الجلدي الضيائي تستدعي مساعٍ تتعدى جهود الوقاية من أشعة الشمس مباشرة.
ولكنّ اتباع الاحتياطات الوقائية بصرامة يعمل بلا شك على الحد نسبياً من استعمال هذه الظاهرة بسرعة وهي مفيدة دوماً إذا تم تطبيقها مبكراً في حياة الفرد.
يمكن استعمال بعض المراهم المُرطّبة بشكل اعتيادي لا سيما المراهم الحاوية على عوامل حماية ضد أشعة الشمس فوق البنفسجية على الخصوص.
آثار الأشعة فوق البنفسجية على العيون
إن امتصاص الأشعة فوق البنفسجية التي تقلّ أطوال موجاتها عن 300 نانومتر في الطبقات الخارجية للعين (قرنية، ملتحمة) يمكن أن يثير مشاكل خطرة كالتهاب الملتحمة بعد 4- 8 ساعات من التعرض للأشعة وقد يستمر طيلة أيام.
كما قد يؤدي التعرض المطوّل للأشعة فوق البنفسجية إلى فقدان البصر جزئياً كما حدث لبعض مُتسلّقي الجبال الشاهقة.
ويٌعتبر ذوو العيون الزرقاء أكثر حساسية من غيرهم.
إن الأشعة البنفسجية للشمس تُسرّع كذلك من حدوث الإصابة بداء الساد أو ما يُعرف بالماء الأبيض في العين والذي يسبب العمى لدى ما يزيد على عشرين مليون شخص في العالم وأشعة الشمس مسؤولة عن حوالي 20% منهم.
كيف تحمي جلدك
الحذر من أشعة الشمس
أفضل وقاية من أشعة الشمس المؤذية هو لزوم داخل البيوت أو العمل في مكان مغطى في فترة منتصف النهار والمشي في الآفياء خارجاً وتحاشي الألبسة التي تتكشف عن الجلد كثيراً.
ومن المستحسن استعمال بعض المراهم الجيدة والاحتماء بالمظلات أو القبعّات في الظهيرة حيث تكون الأشعة فوق البنفسجية B على أشدّها.
ويراعى الحذر نفسه في حالات هبوب الرياح أيضاً تحت سماء صافية وحتى غائمة.
نوعية الملابس
لقد بات ظهور تقليعات الصيف على الشواطىء والتخلّي عن المظلاّت أو القبعات يعرض الجلد لأضرار جسيمة. يستحسن في السباحة ارتداء الألبسة الخاصة بحماية الجلد المبلل أو الجاف وهي متوفرة تجارياً.
الكريمات الشمسية
هي على العموم كريمات بيضاء تحتوي على الزنك في تركيبها وأوكسيد التيتان.
تشكل هذه المحضّرات فيلماً رقيقاً شفافاً على الجلد يعكس أشعة الشمس الواردة. ولحماية أفضل يُدَلّك الجلد قبل التعرض لأشعة الشمس ويُجدّد كل ساعة أثناءه.
توجد الكريمات الشمسية وفق ثلاثة محضرات على الأغلب:
- كريمات تحتوي على مواد كيميائية عضوية تمتصّ الأشعة فوق البنفسجية.
- كريمات تحتوي على بودرة غير نشطة تعكس الأشعة فوق البنفسجية.
- كريمات مختلطة تجمع ما بين الأولى والثانية وهي تقي من الأشعة B وبصورة أقل الأشعة A هذا النوع من المحضرات هو أفضلها أما النوع الأول فهو أقلّها فعالية ويغزو الأسواق عموماً.
درجات وقاية الكريمات الشمسية
درجة حماية الكريمات الشمسية تجاه الأشعة فوق البنفسجية لا تظهر إلاّ بعد تجربتها. الكريم الفعّال هو الذي يمتصه الجلد بصعوبة وهو الأغلى ثمناً بالتأكيد، وأفضلها هو الذي يتراوح مؤشر حمايته للجلد ما بين 15- 25.
يوجد اليوم مجموعة واسعة من الكريمات المرطّبة للجلد تتّسم بفائدة كبيرة لأنها تحمي حتى في حالات عدم التعرض لأشعة الشمس وتؤخر من شيخوخة الجلد البيولوجية.
كذلك توجد مجموعة من الكريمات ذاتية ” البرونزاج ” أي الاسمرار الاصطناعي لمن يفضل ومحضرات أخرى مقاومة للماء وتناسب ذوي البشرة الحساسة.
ولكن للكريمات الشمسية آثار جانبية في بعض الأحيان مثل ظهور بعض التهيّج بعد التدليك لا سيما حول العينين ولا بد عندها من تبديل الكريم المستعمل.
يُحذّر عادة من الكريمات المعطَّرة أو الحاوية على مركبات اللانولين (المالئة) فهي مُحسِّسة أو الحاوية على الفورم ألدهيد أو البارابنز وغيرها من المواد الحافظة.
حماية الأطفال
الأطفال هم الأكثر عرضة لآثار الشمس الضارة لأسباب تتعلق أولاً بغضاضة بشرتهم وعدم اكتسابها الثخانة الواقية نسبياً.
بالإضافة إلى ضعف تقديرهم لقواعد الوقاية واستهتارهم بدور الكريمات الفعّال على جلودهم، كما أنهم لا يحسبون الوقت وهو يمضي..
يُقدر الأخصائيون أن حوالي 50% من التعرّض التراكمي لأشعة الشمس يتم قبل بلوغ سن الثامنة عشرة وهي الفترة التي تهيء غالباً للترهل الضيائي وربما سرطان الجلد.
كيف تحمي أطفالك تجاه أشعة الشمس
- الامتناع عن تعريضهم (على اختلاف أنواع بشراتهم) لأشعة الشمس المباشرة في الأوقات الحادّة.
- التشجيع على وضع الكريمات الشمسية المناسبة على الشواطىء وفي المسابح وعلى الجبال وغيرها.
- الحضّ على وضع القبعّات الواقية العريضة نسبياً.
- ارتداء الألبسة المناسبة الواقية للظهر والرقبة والكتفين.
لا توضع الكريمات على بشرة الرضّع ما دون الستة اشهر من العمر لأن البشرة تكون غير ” ناضجة ” بعد لتحملّ آثار هذه المحضرات الكيميائية ولا بد من تحاشي تعرض الأطفال دون السنة من العمر لأشعة الشمس المباشرة فضربة الشمس في هذا السن غاية في الخطورة.
إن جلد الأطفال عموماً لم يصل بعد إلى كامل نضجه وهو هش، ضعيف، حساس لا يقوى على أشعة الاسمرار لأن خلايا القتامين فيه (والتي تعطي بآلية دفاعية اللون البرونزي للجلد) تكون غير ناضجة بعد لإنتاج ما يكفي من الصباغ الدفاعي الأسمر، كما أن التماسك الخلوي لأدمة جلد الطفل يكون ضعيفاً ويسهل على سهام الشمس اختراقها.
ومن ناحية أخرى فإن بشرة الأطفال أرق منها عند الكبار بنسبة 3- 4 مرات كما أن الغدد الدهنية لا تصل إلى كامل نضجها حتى سن السابعة من العمر والغدد العرقية لا تكتمل حتى الثالثة منه وهذا يعني أن صغار السن غير قادرين على تنظيم الوارد الحراري الناتج من الشمس بكفاءة.
يدفع أولادكم ثمناً باهظاً أثناء تعرضهم لأشعة الشمس طويلاً:
إن مخاطر الإصابة بسرطان الجلد تعود لدى الإنسان إلى ما قبل بلوغه سن الخامسة عشر عاماً.
الكريمات الشمسية لا تفي بالوقاية تماماً.
توصي منظمة الصحة العالمية باتباع القواعد التالية:
- الامتناع عن تعريض صغار السن لأشعة الشمس
ما بين الساعة 12- 16 بالتوقيت الأوروبي
وما بين الساعة 11- 15 بالتوقيت المحلي.
- حماية صغار السن من الأشعة الشمسية بالألبسة القطنية والقبعات والنظارات الشمسية الملائمة.
- استعمال الكريمات الشمسية ذات المؤشر العالي (30 كحد أدنى) وبتجديد العملية بانتظام.
العلاج الأولي
لايوجد الكثير من العمل لعلاج الأعراض الفورية لضربة الشمس بصورة ناجعة ولا يوجد ما نفعله لمحو آثارها متى وقعت. إلاّ أن بعض الإجراءات قد تخفف من وطأة الألم بانتظار التماثل للشفاء الطبيعي:
– وضع كّمادات من الحليب المعقم البارد أو محلول ملحي على الأماكن المتضررة كإجراء فوري.
– شرب الماء بكثرة أو مشروبات أخرى (غير كحولية بالطبع) ووضع الكريمات المٌسكِّنة على الأماكن المتأذية مثل الكالامين.
– تناول الأسبرين أو الباراسيتامول أو مضاد التهاب غير ستيروئيدي كالايبوبروفين بجرعات عادية بعد التعرض وبأسرع ما يمكن. كما يمكن الاستفادة من بعض مواد التخدير الموضعي باستشارة طبية فقط.
– الامتناع عن أي تعرض جديد لأشعة الشمس قبل زوال الإحمرار والألم نهائياً.
– إذا كانت ضربة الشمس متّسعة وقوية كظهور الأكياس الممتلئة بالماء على الجلد (مترافقة بالرجفان والصداع والغثيان) فإن استشارة الطبيب تصبح عاجلة وقد يقتضي الأمر الاسعاف في بعض الحالات المتمكنة كالتقرحات الجلدية والتجفاف الكبير وقد ينتهي الأمر بشكل استثنائي بالموت المفاجىء.
التحسّسات الجلدية لأشعة الشمس
تصيب التحسسات الجلدية لأشعة الشمس قرابة 10- 15% من سكان العالم وتدعى أحياناً التحسّسات العَرَقية الجلدية وهي ليست بفعل الحرارة بل بتأثير الأشعة فوق البنفسجية.
وغالباً ما تتعرض النساء لهذه التحسسات أكثر من الرجال وفي أنواع البشرة كافة. تظهر هذه التحسّسات على الجلد (ما عدا الوجه وظهر اليدين) على شكل طفح يثير الحكّة ويدوم من عدة أيام إلى أسابيع وينتهي تلقائياً ولكن بشرط حماية الجلد من أشعة الشمس.
إن سبب هذه التحسّسات لأشعة الشمس غير معروف تماماً ولكن يبدو أن للاستعداد الوراثي أثر في ذلك.
والآلية التي يتم بموجبها هذا التحسس على الأغلب هي كالتالي:
تثير الأشعة فوق البنفسجية في جلد البعض تحولاً كيميائياً لمادة فيه تجعلَ منها دخيلاً أي عاملاً مُحسِّساً.
تتم المعالجة عادة باستعمال كريم شمسي يقي من الأشعة فوق البنفسجية B و A وإذا لم ينجح ذلك نلجأ إلى المعالجة الفيزيائية بالأشعة فوق البنفسجية نفسها ! كيف ؟
إذا كانت الأشعة فوق البنفسجية ضارة بشكل عام للجلد على المدى البعيد إلاّ أنها قد تكون رديفة للراحة على المدى القصير في معالجة بعض الحالات طبياً ولكن بشكل محدود (كالأكزيما مثلاً).
تُستعمل الأشعة فوق البنفسجية B منفردة أما الأشعة A فتكون متلازمة مع تناول مركب البزورالين الدوائي لخاصيته المحُسَّسة ضوئياً وكشف الخلايا المصابة قبل المعالجة بالأشعة A ويُرمز لهذه المعالجة بـ PUVA (وتُستعمل للصداف بشكل خاص).
إلا أن كثيراً من الأشخاص لا يستجيبون بسرعة لهذه المعالجة ” الضيائية ” وقد تظهر لديهم بوادر عدم تحملّ للأشعة فوق البنفسجية المستعملة وهذا ما يجعل معالجتهم بهذه الطريقة غير مجدية على المدى الأبعد. وقد لوحظ أن هذه المعالجة تناسب على الأغلب ذوي البشرة الغامقة. وتبقى المعالجة ” القصيرة ” بالأشعة أنسب في كل الأحوال.
الترهّل الجلدي الضيائي
يمكن تحسين مظهر الجلد باستعمال الكريمات المرطّبة يومياً فهي تقي من التجفاف وتُلطّف من ظهور التجاعيد فيه.
بالإضافة إلى كون الكريمات تحتوي عادة على مشتقات الفيتامين A وعلى الأخص ما يحتوي منها على التري تينوئين الذي يحدّ من عدم انتظام لون البشرة ويقي نسبياً من ظهور التجاعيد في زوايا العين.
يوجد في عصرنا طرق عديدة متطورة كالمعالجة الكيميائية وعلى البارد بأشعة الليزر وهي أنجعها.
تؤدي هذه الطرق عادة إلى إحمرار الجلد في الموضع وبعض الخشونة في الملمس لأيام أو أسابيع ثم تزول وهي طرق معالجة باهظة الثمن وقد تترك بعض الآثار الظاهرة.
ظهر حديثاً جهاز لإبطاء ظهور التجاعيد في الوجه يعمل على تنشيط المادة المرنة في الجلد، وهو جهاز يمتاز بسهولة استخدامه.