التصنيفات
الصحة العامة

تأثير الأفكار والمشاعر على صحة الجسد والنفس

حتى وإن اجتهدنا في زيادة معرفتنا بحاجاتنا الغذائية، لنحافظ على أجسادنا صحيحة معافاة. علينا ألاّ نغفل عن غذائنا العقلي وانفعالاتنا وعواطفنا، كم من هذه الأمور على درب سالك؟ وكم منها عرضة للعثرات الموهنة والمثبطة التي تولد الأمراض؟

رغماً عنا يملؤنا حزناً ما تفيض به علينا الصحافة ومحطات الإذاعة والتلفزة، من أنباء سيئة حول مآسي الحياة على اختلاف أنواعها، سواء ما يدور في ساحتنا، أو في أي مكان آخر، إن الانفعالات التي تتولد في نفوسنا من جرّاء ذلك تغوص في أعماقنا وتعمل هناك في صمت ولكن بجدية على تدميرنا جسدياً ونفسياً.

لماذا نغذِّي عقولنا يومياً بهذه النفايات؟ إن إصغاءنا لما يعكر صفاء نفوسنا هو خطوة مائلة في طريق زلق نحو حياة بائسة في كل الميادين. باستطاعتنا أن نكون في منأى عما يؤذينا إذا اخترنا أن نغلق تلك الأبواق المؤذية وما شابهها مما حولنا. لا بد أن نعي ما تسببه طبيعة أفكارنا ومشاعرنا وانفعالاتنا في صحة أجسادنا.

تذكر – كانداس بيرت -، وهي عالمة أميركية، في كتابها (جزيئات المشاعر) عن أحد الأطباء قوله: (الجسد يتحول إلى مسرح تجري فوقه حروب العقل).

فكل المشاعر والأفكار غير المحرّرة وكل معاناة سلبية لدينا سوف تظهر جميعها وتؤدي بنا إلى المرض.

يتفق المتخصصون الذين يمارسون العلاج النفسي الجسدي على قدرتنا في التحكم في صحتنا عن طريق مشاعرنا وأفكارنا وقناعاتنا في كل ثانية تمر علينا.

طبعاً ليس من المنطق أن نفهم من ذلك، أن الحفاظ على الصحة مطلب لا يتوفر إلا إذا كنا في حالة من السعادة والفرح الدائمين، فمثل هذا الأمر لا ينسجم وطبيعتنا الإنسانية، فنحن معرضون لمؤثرات لا تحصى على مدار اليوم وعادة ما تكون لها أصداء متباينة في داخلنا، لكن ينبغي أن يكون لنا دور واعٍ في المحافظة على مستوى من السلام النفسي والرضا والاتزان. وأنا أتفق مع المقولة التي ترى، (أن فورة غضب أحياناً في وقتها الصحيح، صحيّة أكثر من الأفكار السعيدة في وقت غير مناسب).

كما تجمع الدراسات الحديثة على أن الشخص الذي يتعرض لإجهاد نفسي يومياً، يعاني من اختلال التوازن البدني لأن هنالك أكثر من عامل يؤدي إلى المرض، فحياة أجسادنا تقوم على ترابط العوامل النفسية والبدنية والفكرية وعندما تختل بعض هذه العوامل أو جميعها تتشكل حلقة سيئة تودي بصحتنا.

إن المشاعر السلبية كالكراهية والاستياء والغيرة والحزن مماثلة للطعام الرديء في إنتاج الجذور الحرة وتدمير الصحة.

إذا أقلعنا مثلاً عن التدخين وعن تناول الأطعمة المصنعة والمؤكسدة والخالية من المغذيات الضرورية، والتزمنا بنظام غذائي صحي، ولكن بقي غذاؤنا الفكري والنفسي هو الإجهاد والغضب والخوف والكبت واليأس. فمعنى ذلك أننا ما زلنا نعرِّض أنفسنا للمرض.

إن ما يجب إدراكه، وعدم غيابه عن أذهاننا أبداً. هو أن كل أفكارنا ومشاعرنا وتصوراتنا التي نحملها في داخلنا جميعها تحت المراقبة والتنصت.

تقول مارغيت بوركهارت الاختصاصية بعلم النفس في كتابها (التدريب الذهني لمقاومة الشيخوخة) (جهازك المناعي يلاحظ ويسمع ويحس. مرِّن مخيلتك وتصوّر أن في كل بقعة من جسمك محطات استقبال صغيرة تشرع هوائياتها للالتقاط على مدار الساعة، وتحول كل الأفكار إلى نبضات وترسلها فوراً عبر سعاة صغار سريعين بلمح البصر إلى كل أجهزة الجسم التي تُدخل التعديلات المناسبة على نفسها).

هذا يعني أننا نستطيع أن نؤثر على هذا التواصل بتفكيرنا ومشاعرنا تأثيراً إيجابياً وإلى ذلك يذهب د. ديباك تشوبرا اختصاصي الغدد الصم في كتابه (الزمن الجسدي) حيث يقول:

(إن جهاز المناعة يسترق السمع دائماً ويسجل كل حواراتنا الداخلية). يمكننا أن نخدع من حولنا وندفعهم إلى الاعتقاد بأننا في حالة هدوء تام، ولا نعاني من أية ضغوط نفسية. إلا أننا لا نستطيع خداع أجسادنا، فحين نكون في حالة توتر أو شدة نفسية سيرتفع ضغط دمائنا وسيتسارع نبضنا وتزداد سرعة تنفسنا وتبدأ الجذور الحرة بقصف خلايانا.

ما رأيك أخي القارئ في أن نبدأ منذ اليوم بمراقبة أفكارنا ومشاعرنا وانفعالاتنا لنرى كم منها يفيد أجسادنا ويخدم صحتنا ومصلحتنا العامة، وكم منها يسبب الضرر لأجهزتنا الحيوية وصحتنا ككل؟

حياتنا تمضي سريعاً، حتى وإن عشنا عمراً طويلاً، فحياتنا تعتبر قصيرة. وهناك الكثير من المهام التي يجب القيام بها. والكثير من الطموحات التي نسعى إلى تحقيقها وجميعها تتطلب تأهباً دائماً ومستوى عالٍ من الطاقة.

بأي وصف يمكن أن نصف سلوكنا الذي يضيع تلك الحياة القصيرة الثمينة، بتعكيرها بالخوف والاستياء والغيرة والكراهية والأحزان وتناول الطعام الرديء والمعاناة من اعتلال الصحة وتدنّي الطاقة.

وللحب دور لصالح أنزيماتنا

لدى الإنسان قدرات هائلة، لكنها غالباً ما تكون كامنة وعندما يتوفر مخرج لتلك القدرة الكامنة كي تنطلق تنشط الأنـزيمات في الجسم مكونة طاقة قد تنقذ مريضاً من حافة الموت.

يذكر المعالجون قصصاً متنوعة عن مرضى تعافوا من المرض بمعجزة بعد أن شدّهم حلم سعيد سعوا إلى تحقيقه. وكانت هناك حالات في أماكن مختلفة من العالم يعاني فيها المرضى من انتشار السرطان في أجسامهم، ولكن بسبب وقوع حدث عارض يفيض عليهم مشاعر الرضا والحب التي ما إن تنتابهم حتى يبدأ شفاؤهم من المرض. وبالمقابل إذا عاش الإنسان حياة الوحدة والعزلة مركزاً دائماً على السلبيات ويعاني من الشعور بالحزن عندئذ تفقد أنـزيمات جسمه قوتها بالتدريج، وتسلّمه في نهاية المطاف لواحد أو أكثر من الأمراض.

وللحب كما نعلم أشكال كثيرة فمنه ما يجمع بين الأم وأبنائها، وبين الزوج والزوجة وبين الأخوة والأصدقاء والأصحاب. المهم أن الحب يولد الحوافز والصحة والسعادة، بأي شكل من تلك الأشكال كان، وكذلك كل المشاعر والعواطف الإنسانية السامية التي تجمعنا وتجعلنا سعداء مع بعضنا.

أثبت الواقع الذي خضع للدراسة المتخصصة، أن الشخص عندما يكون سعيداً بالفعل تُظهر اختبارات الدم جهازاً مناعياً نشيطاً جداً. وبما أن الأنـزيمات المصدرية تعزز مستوى وظائف الجسم المناعية. يكون لدى الشخص الذي يشعر بالسعادة الكثير من الأنـزيمات المصدرية. ولعلّ ما ينبغي ذكرهُ هنا أن بعض المراجع العلمية، تطلق على الأنـزيمات اسم (شرارات الحياة) ولكي نفهم بشكل علمي كيف يمهِّد لنا الشعور بالحب والسعادة والرضا طريقاً آمناً إلى الصحة.

علينا أن نرى ما يصفه لنا د. شينيا بعين المتخصص:

عندما نشعر بالسعادة تسود الأعصاب اللاودية للجهاز العصبـي وتسيطر، بحيث تقلل من مستوى الإجهاد لديك. وعندما يتناقص مستوى الإجهاد، يتناقص عدد الجذور الحرة الناتجة، ويبدأ توازن البكتيريا المعوية بالتحول لصالح البكتيريا المفيدة. وحينما تتحسن بيئتك المعوية يجري انتقال تلك الحال عن طريق الأعصاب اللاودية إلى الوطاء في الدماغ، ومن ثم يتلقى المخ هذه المعلومات ويمنحك شعوراً بسعادة أكبر.

عندما تبدأ بحلقة من السعادة، تنتج الأنـزيمات بمقادير كبيرة، وهذه الأنـزيمات بدورها تحفّز بشكل إيجابـي الخلايا في جميع أنحاء الجسم. وهكذا، فإن الأنـزيمات التي تنتجها حلقة السعادة تقوم فعلياً بتنشيط قوى الشفاء الذاتي لشخص يشعر بالسعادة من خلال الحبّ والمشاعر الإنسانية الإيجابية الأخرى.