الغدة الدرقية شديدة التأثر تجاه جميع أنواع الإشعاع، ومن بين هذه الأنواع الإشعاع المؤين، مثل الأشعة السينية، والإشعاع الناتج عن الانشطار النووي المستخدم في إنتاج الطاقة النووية، إضافة إلى اليود المشع (آي -١٣١).
وتمتص الغدة الدرقية كميات هائلة من اليود الموجود في الدم، ولا تستطيع التفريق بين اليود العادي واليود المشع، لذلك سوف تتراكم لدى أغلب الناس الذين يتعرضون لليود المشع كمية كبيرة منه في الغدة الدرقية.
ويمكن أن يتسبب التعرض للإشعاع في إصابة الغدة الدرقية بأمراض مختلفة، ومنها انخفاض نشاط الغدة الدرقية، وعُقَيْدات الغدة الدرقية، وسرطان الغدة الدرقية.
ما كمية الإشعاع اللازمة للتأثير في الغدة الدرقية؟
فضلًا عن بعض الأمراض الوراثية، فإن التعرض للإشعاع هو حاليًّا المسبب الوحيد لسرطان الغدة الدرقية المتفق عليه رسميًّا. ولا يُعرف الحد الأدنى لكمية الإشعاع التي قد تؤدي إلى أمراض الغدة الدرقية. ويستخدم اليود المشع علاجيًّا (لعلاج زيادة نشاط الغدة الدرقية، وسرطان الغدة الدرقية)، علاوةً على استخدامه في التشخيص (في المسح الذري للغدة الدرقية)، وتتراوح عادةً الجرعة التي يتلقاها الأشخاص الذين يعالجون من سرطان الغدة الدرقية ما بين ٥٠ و١٥٠ جراي.
ويتلقى الأشخاص الذين يتعرضون لليود المشع كجزء من اختبار المسح الذري ما بين ٠.٥ و ١.٥ جراي فقط.
وقد تعرض بعض الأشخاص الذين عاصروا حادث مفاعل تشيرنوبيل، وبعض الناجين من انفجار قنبلة هيروشيما ونجازاكي إلى الإشعاع أكثر من ذلك بكثير؛ وقد تعرض بعض الأطفال نتيجة حادث مفاعل تشيرنوبيل إلى كمية إشعاع قدرها ٥٠ جراي. وكلما زادت كمية الإشعاع زادت احتمالية الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.
من الأسرع تأثرًا بالإشعاع المسبب لأمراض الغدة الدرقية؟
الأطفال أسرع تأثرًا من البالغين بالإشعاع المسبب لأمراض الغدة الدرقية. فكلما كان الشخص أصغر في أثناء التعرض إلى الإشعاع، كان خطر الإصابة به أكبر. والأشخاص الذين يعانون نقص اليود أكثر عرضة للإصابة بمرض ناتج عن التعرض للإشعاع. وإذا كانت الغدة الدرقية لديك تحتوي على كمية كافية من اليود الذي تحصل عليه من تناول أطعمة غنية باليود، فسوف تكون الغدة الدرقية “ممتلئة” باليود، ولن تمتص الكثير من اليود المشع إذا تعرضت له، ومن المعروف جيدًا أن تناول المكملات المحتوية على يوديد البوتاسيوم قبل التعرض لليود المشع، أو بعده مباشرة (مثلًا خلال حادث نووي) سوف يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية. ولسوء الحظ كانت العديد من المناطق المحيطة بمحطة تشيرنوبيل النووية تعاني نقص اليود.
خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية الذي يواجه الناجين من الانفجار الذري في هيروشيما ونجازاكي
وقد اكتشف, بعد متابعة طويلة الأمد للناجين من الانفجار الذري في هيروشيما ونجازاكي, أن خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية يستمر لفترات طويلة بعد التعرض للإشعاع. وأجرى بحث نُشر في مجلة الرابطة الطبية الأمريكية دراسة على أكثر من ٤٠٠٠ ناج بعد فترة تتراوح ما بين ٥٥ إلى ٥٨ سنة من الانفجار، وكان متوسط أعمار المشاركين في الدراسة ٧٠ عامًا، وكان ٦٧٪ منهم من النساء، وقد عقدت مقارنة بين هؤلاء الذين تعرضوا إلى قدر كبير من الإشعاع، وهؤلاء الذين تعرضوا لقدر أقل، وفحص الباحثون هؤلاء الأشخاص للكشف عن الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، وعُقَيْدات وأكياس الغدة الدرقية الحميدة، إضافة إلى أمراض المناعة الذاتية التي تصيب الغدة الدرقية.
وقد اكتشفت الدراسة ما يلي:
• ٣٢٪ من الرجال، و٥١٪ من النساء مصابون بأحد أمراض الغدة الدرقية.
• ٢.٢٪ من الأشخاص مصابون بسرطان الغدة الدرقية. وكانت نسبة الإصابة أعلى عند هؤلاء الذين تعرضوا لكمية إشعاع أكبر.
• كانت عُقَيْدات الغدة الدرقية الحميدة أكثر شيوعًا عند هؤلاء الذين تعرضوا لكمية كبيرة من الإشعاع.
• لم تكن هناك زيادة في حالات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
• في هذه المجموعة، يُعتقد أن التعرض للإشعاع مسئول عن ٣٧٪ من حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، وعن ٣١٪ من عُقَيْدات الغدة الدرقية الحميدة، وعن ٢٥٪ من أكياس الغدة الدرقية.
تأثير اليود المشع في أنواع السرطان الأخرى
كشفت بعض الدراسات أن المرضى الذين يتعرضون لليود المشع بهدف علاج زيادة نشاط الغدة الدرقية، أو سرطان الغدة الدرقية يواجهون خطر الإصابة بشكل كبير بأنواع أخرى من السرطانات. وفقًا لقاعدة بيانات برنامج المراقبة وعلم الأوبئة، والنتائج النهائية الخاصة بالمعهد القومي للسرطان، فإن النساء بين عمر ٣٠ و ٣٤ عامًا اللاتي تلقين اليود المشع لعلاج سرطان الغدة الدرقية، يواجهن خطر الإصابة بشكل كبير بسرطان الثدي، وقد تظهر الإصابة بسرطان الثدي بعد فترة تتراوح ما بين خمسة و٢٠ عامًا من العلاج؛ وذلك في الأغلب بسبب أن بعض اليود يُخزَّن في أنسجة الثدي، كما أن اليود العادي يستخدم في بعض علاجات أكياس الثدي, وبالتالي يمكن أن يتراكم اليود المشع في أنسجة الثدي أيضًا. كما أظهرت دراسات أخرى أن هناك خطرًا متزايدًا للإصابة بسرطان الأمعاء الدقيقة بعد علاج زيادة نشاط الغدة الدرقية باليود المشع.