العديد من المبيدات الحشرية لها القدرة على عرقلة وظائف الغدة الدرقية الطبيعية. وفي سبتمبر ١٩٩٨، نشرت مقالة في مجلة ثيرويد ذكر فيها أن نحو ٩٠٪ من المركبات الكيميائية المتفرقة صنفت بأن لها خصائص معرقلة لوظائف الغدة الدرقية، كما تعزز بعض هذه المواد الكيميائية الإصابة بعُقَيْدات الغدة الدرقية، أو سرطان الغدة الدرقية، حتى إن بعضها لديه القدرة على تحفيز إنتاج الأجسام المضادة للغدة الدرقية، وتعزيز الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. لذلك سوف نلقى نظرةً على بعض المواد الكيميائية المختلفة، وتأثيرها في الغدة الدرقية الآن:
الكلوربيريفوس
هو مبيد حشري مصنوع من الفوسفات العضوي، وهو شائع الاستخدام إلى حد كبير داخل المنازل والأماكن المغلقة، وفي مكافحة الآفات في الحدائق. وهذا المبيد مسجل للاستخدام في أستراليا مع مجموعة كبيرة من المحاصيل. وهناك أسماء تجارية للكلوربيريفوس منها دورسبان، ولورسبا، وستيبيند، وإمبير، وإراديكس. وقد أظهرت الأبحاث أن التعرض إلى الكلوربيريفوس يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الجهاز المناعي عند البشر. واكتشف العلماء في قسم الصحة بجامعة ولاية كاليفورنيا أن الأشخاص الذين يتعرضون إلى المبيدات الحشرية ينتجون أجسامًا مضادة تهاجم العضلات الملساء، والخلايا الجِدارية (بطانة المعدة)، والجدار الداخلي للأمعاء الدقيقة (بطانة الأمعاء الدقيقة)، والغدة الدرقية، وينتجون كذلك الميالين، و(الأجسام المضادة للنواة) إيه إن إيه.
الأميترول
يُصنف الأميترول كمبيد أعشاب تريازولين، وهو يعمل من خلال منع تصنيع الكاروتينات في النباتات، وبالتالي يُستخدم في مكافحة الأعشاب الضارة، ويُستخدم الأميترول أيضًا لمكافحة الأعشاب الضارة في البساتين، والحقول، وأشجار الكافور، ومزارع الصنوبر، ومحاصيل القمح، والشعير، ويُستخدم لمكافحة الأعشاب الضارة الموجودة على جوانب الطرق، وفي المصارف.
ويُعرف الأميترول بأنه عامل مضاد للغدة الدرقية؛ حيث يزيد إفراز الغدة النخامية من الهرمون المحفز للغدة الدرقية، وبالتالي فإن له تأثيرًا مسببًا للدراق (يحفز تضخم الغدة الدرقية). ومن المعروف أن الأميترول يسبب أورامًا في الغدة الدرقية، والغدة النخامية، والكبد في حيوانات التجارب. ولدى العاملين القائمين على رش المبيدات الحشرية والمعرضين للأميترول معدل متزايد للإصابة بالأورام.
البيرثرين والبيريثرويد
البيرثرين مبيد حشري يشتق من خلاصة زهور الأقحوان، والبيريثرويد هو البيرثرين المصنع المعد في المعمل، والبيرثرين والبيريثرويد قاتلان للحشرات، وذلك لأن بهما مادة سامة للجهاز العصبي. وتُستخدم هذه المبيدات بشكل موسع، وهي توجد في مبيدات الحشرات الطائرة المستخدمة في المنازل والأماكن المغلقة، ومبيدات البق، وعلاج قمل الرأس عند البشر، ومبيدات البراغيث في الحيوانات الأليفة.
وقد أظهرت الأبحاث أن البيريثرويد يزيد من مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية، ويوقف عمل كل من هرموني تي٤ وتي٣، ويمكن أن يسبب التعرض المستمر له تضخمًا في الغدة الدرقية، وتكوُّن أكياس، وظهور أورام غير سرطانية في الغدة الدرقية. وتُستخدم كميات هائلة من البيريثرويد في الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة البعوض الذي يحمل فيروس غرب النيل، وتقوم الطائرات برش المبيدات الحشرية في العديد من المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً نيويورك، وبوسطن.
العواقب الوخيمة للاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية في مدينة تسمانيا
في عشر سنوات ما بين ١٩٩٤ و٢٠٠٤، زاد تحول الأرض من المزارع والغابات الأصيلة في مدينة تسمانيا إلى مزارع أشجار أحادية بمقدار ما يقرب من
أربعة أضعاف. وتبلغ حاليًّا المساحة الإجمالية التي غطتها مزارع الأشجار الأحادية ٢٠٧٠ كيلومترًا مربعًا، وتعتمد مزارع الأشجار الأحادية بشكل كبير على المبيدات الحشرية، وتنتشر المبيدات الحشرية فوق قمم الأشجار، وتنتقل منها إلى أسطح المنازل التي تجمع ماء المطر من أجل استهلاكه، وتلوث أيضًا ماء الجداول والأنهار، إضافة إلى أحواض جمع الماء في المدينة بالمبيدات الحشرية.
ويُعتقد أن هذا الأسلوب المستخدم في الزراعة هو السبب الرئيسي في الارتفاع الصارخ في معدل الإصابة بالسرطان في مدينة تسمانيا؛ حيث عانت المدينة ما بين عامي ١٩٨٠ و ١٩٩٩ من:
• زيادة بنسبة ٦٧٪ في الإصابة بالليمفوما اللا هودجينكية.
• زيادة بنسبة ٨٦.٤٪ في الإصابة بسرطان البروستاتا.
• زيادة هائلة بنسبة ٢٧٣.٤٪ في الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.
المواد الكيميائية الأخرى المعروفة بتعطيلها أداء الغدة الدرقية
الديوكسين، وثنائي الفينيل متعدد الكلور (بي سي بي إس) هما نواتج صناعية من إنتاج البولي فينيل كلوريد (بي في سي)، والتبييض الصناعي، وحرق النفايات. وهذه المركبات هي مواد ملوثة عضوية دائمة، بمعنى أنها لا تتحلل بسهولة، وإنما تبقى في البيئة لسنوات عديدة، وتتراكم داخل أنسجة الإنسان والحيوانات. ومن المعروف أن الديوكسين وثنائي الفينيل متعدد الكلور يسببان اضطراب جهاز المناعة، وخللًا في التناسل وتطور الأجنة، إضافة إلى السرطان، ويؤثر ثنائي الفينيل متعدد الكلور في وظائف الغدة الدرقية، فهو يخفض مستوى هرمون تي٤.
إي بي دي سي هو نوع من مبيدات الفطريات، ويُستخدم مع العديد من المحاصيل بما في ذلك الخضراوات الجذرية، والورقية، والفواكه، والحبوب. وتمنع هذه المواد الكيميائية امتصاص الغدة الدرقية لليود، ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالدراق. ويحلل الجسم المادة الكيميائية إي بي دي سي إلى إثيلين ثيويوريا، التي صنفتها وكالة حماية البيئة بأنها مادة مسرطنة تسبب سرطان الغدة الدرقية. وقللت مادة إي بي دي سي مستوى هرمونات الغدة الدرقية عند الفئران، وأوقفت عمل إنزيم بيروكسيداز الغدة الدرقية، وهذا الإنزيم ضروري في صناعة هرموني تي٣، وتي٤.
البيركلورات هي مادة كيميائية اكتشفت في ماء الشرب، واللبن في ٣٥ ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه المادة تُستخدم كعامل مؤكسد في وقود الصواريخ، كما أنها موجودة أيضًا في الوسادات الهوائية، وبعض أنواع السماد الزراعي، وتُستخدم هذه المادة بكثافة في صناعة الألعاب النارية. البيركلورات معروفة بتقليلها قدرة الغدة الدرقية على امتصاص اليود من الدم، وهو أمر يثير القلق، حيث إن النظام الغذائي الحديث ينقص فيه اليود بالفعل.