التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

علاج التوتر والقلق بسبب تجاهل إيقاع الحياة والراحة

فكر لبرهة فيما سيكون الحال عليه عندما تشعر بأنك لست في عجلة من أمرك، ولست قلقاً، وراض إلى حد معقول بحياتك. ما سيكون عليه أي يوم عادي من أيام الأسبوع؟ لعلك ستنهض من نومك في توقيت معين، وتأخذ حماماً، وتأكل شيئاً، وتتأهب للذهاب لعملك ثم تخرج من المنزل، أو إذا كنت تعمل من منزلك، تدخل مكتبك أو ورشتك. وعلى مدار اليوم، سوف تقتطع بضع فترات من الراحة قصرت أم طالت لتأكل فيها شيئاً أو تشرب، ثم تحزم أوراقك في وقت معين لتعود إلى المنزل. ثم تستريح قليلاً وتبدأ في التفكير في وجبة عشائك، وتأكل وتتجول قليلاً ثم تأوي إلى فراشك لتنام. حسناً، هذه نهاية الحدوتة الخيالية. هذا ما يجب أن تسير عليه الأمور عندما تكون هادئاً ومتزناً؛ فأيامك ولياليك لها إيقاع وتجري بسلاسة تتدفق حاملة إياك معها في راحة وطمأنينة. وأنا أسمي هذا إيقاع الحياة.

يحتاج يوم العمل إلى وجود فترات راحة واسترخاء في وسطه، إما لكي تغذي جسدك بالطعام وإما للقيام بشيء آخر لا علاقة له بعملك. أما عطلات نهاية الأسبوع فهي مختلفة، لكنها أيضاً تحتاج لأن يكون لها إيقاعها الخاص. فعطلة نهاية الأسبوع يجب أن تتيح لك فترة نوم أطول، وإيقاعاً أكثر تمهلاً وروية، مع قدر كبير من الراحة أو من الأنشطة التي لا علاقة لها بالوظيفة الأصلية. هذه الإيقاعات الحياتية المتبادلة بين أيام العمل وعطلات نهاية الأسبوع سوف تتفاوت بطبيعة الحال من شخص إلى آخر، لكنها في حاجة لأن تحتوي على مكون رئيسي ما حتى تظل بصحة طيبة، أي قدرة معقولة على توقع الأحداث، وتناول الطعام بشكل منتظم، وتناول السوائل (غير الكحولية) بانتظام، وفترات راحة للاسترخاء والاستجمام والحصول على قسط وافر من النوم. وبرغم القدرة الهائلة التي يتمتع بها الجسم على التأقلم والتكيف، فسوف يُصبح في حالة غير طيبة إذا لم تزوده بتلك المكونات الحيوية بصورة منتظمة إلى حد ما.

وعندما نتعرض للتوتر، يخرج إيقاع حياتنا عن هذه المنظومة المنضبطة لأننا نبدأ في عملية تداخل بين واحد أو أكثر من المكونات الحيوية ليومنا. فلدينا الكثير لنفعله أو الكثير جداً لكي نقلق بشأنه، لهذا تجدنا نتجاهل وجبة الإفطار، وفترة الراحة الصباحية، ولا نتناول الغداء وننسى شرب السوائل، ونعمل لساعات أطول، ونأخذ العمل معنا إلى المنزل، سواء داخل حقيبة أو داخل رؤوسنا، ونتحايل بإعداد وجبة أو نأكل أي شيء نجده في الثلاجة ثم نعجز عن النوم. فإذا زاد تراكم العمل علينا، فإننا قد نخل بإيقاع عطلة نهاية الأسبوع إخلالاً تاماً ونتناسى وقت الاسترخاء والراحة والنوم وما إلى ذلك. ولكن لا يمكن لامرئ أن يفلت بهذا الخلل في إيقاع الحياة على الدوام.

إن الخلل في إيقاع الحياة يزيد من وطأة التوتر. ولا توجد حاجة لإصابة إيقاع الحياة بالخلل. فمع أني أقر بأن التوتر يمكنه أن يمنعك من النوم، فإن كل شيء آخر واقع تحت سيطرتك المباشرة. فهو في النهاية قرارك أنت إن أغفلت بعض الوجبات أو لم تحصل على فترات الراحة.

وهناك أسباب عديدة وراء أهمية المحافظة على الإيقاع اليومي المنتظم. أحدها أنه يمنحك بنياناً تتمسك به عندما تختل باقي موازين الحياة. فنحن في حاجة لإطار يومي يبقى دون تغيير بقدر الإمكان؛ لاسيما اليوم، ونحن في حاجة لأن نكون أكثر قدرة بكثير على التكيف مما كان الحال عليه منذ خمسين عاماً مضت. فلقد تغير الكثير من أوجه حياتنا. ونحن نتحرك وعملنا معنا أكثر كثيراً مما كان يحدث في الماضي، وصرنا نسافر أكثر، والتكنولوجيا تتغير في سرعة غير مسبوقة، والأسرة مشتتة في جميع أنحاء البلاد وأحياناً في جميع أنحاء العالم. ولم تتبق لنا في حياتنا سوى بضعة ثوابت قليلة كانت في الماضي تصنع شكلاً واضحاً ليومنا. وفوق كل هذا، جاء احتياجنا المتزايد لمستوى طيب من المعيشة ليملي علينا ضرورة عمل الزوج والزوجة معاً، فصار هناك في الغالب اثنان معرضان للتوتر في كل منزل وليس واحد. إن إيقاع الحياة قد يؤدي وظيفة الخيط الرفيع الذي يربط كل شيء معاً، وهو شيء ثابت يذكرك بأنه لا يزال هناك أمر اسمه الحياة الطبيعية.

 

وهناك سبب آخر وراء أهمية إيقاع الحياة وهو أنه يضمن لك فرصة رعاية جسدك. فجسدك في حاجة للتغذية والإمداد بالطعام والشراب بانتظام، لاسيما عندما تتعرض للتوتر. فجسدك هو المسئول عن مساندة أدائك الذهني خلال النهار. وكما أننا لا ننتظر من السيارة أن تسير دون بنزين، فكذلك أجسادنا لا يمكن أن تسير دون غذاء. إن السيارات تتوقف عن الدوران دون وقود، لكن أجسادنا تعوض نقص الطاقة التي تصلها عبر الطعام والراحة بأن تأخذ من احتياطياتها. ولا بأس بهذا الأمر لمدة أسبوع أو اثنين، لكن إذا استمر التوتر، فإن هذا المخزون من الطاقة سوف ينفد ما لم نأكل ونسترح من جديد.

ولمراجعة العناصر التي تشكل إيقاع حياتك الخاصة، حدد ما يلي:

  • كم عدد الوجبات التي تتناولها جالساً على مائدة الطعام أثناء يوم العمل العادي عندما لا تكون متوتراً؟
  • كم عدد فترات الراحة التي تحصل عليها خلال يوم العمل العادي، عندما لا تكون متوتراً؟
  • كم عدد الوجبات التي تتناولها جالساً أثناء عطلة نهاية الأسبوع التي تقضيها في استرخاء؟
  • هل يمكنك الحصول على فترة استرخاء ونوم خلال عطلة نهاية الأسبوع إذا أردت ذلك؟
  • هل يمكنك القيام بما تود أن تقوم به في يوم عطلة نهاية الأسبوع؟

وإني لأفترض هنا أنك تعمل من الاثنين إلى الجمعة وأن السبت والأحد هما عطلة نهاية الأسبوع. وحتى إذا كنت تعمل بنظام الورديات أو إذا كنت تحصل على إجازات في أيام العمل وليس في عطلات نهاية الأسبوع، فأجب عن تلك الأسئلة أيضاً. فلا يهم إذا كنت لا تتمتع بإيقاع الحياة التقليدي؛ أهم شيء أنه يوجد لديك نوع ما من الإيقاع في أيامك يتضمن فترات من الراحة وتناول الطعام والشراب والخلود إلى النوم. إذا كنت تسافر كثيراً، فإن يوم العمل لديك قد يكون أكثر تغيراً من أي موظف آخر يعمل في ساعات العمل العادية. وأنت لا تزال، برغم ذلك، في حاجة لنوع ما من إيقاع الحياة!

أتح لنفسك الوقت لاكتشاف ما يشكل أسلوبك واجعل الأولوية للالتزام به بقدر الإمكان عندما تتصاعد عجلة الأحداث. إذا لم يكن من الممكن أن تتناول غداءك في وقت الغداء، فاحرص على تناوله فيما بعد ولكن لا تجعل وجباتك متقاربة. فمخك في حاجة لفترات راحة وكذلك جسدك. فإذا لم تحصل على فترات الراحة، فلابد أن هناك أمراً خطأ. فإما أنك تبالغ في الشد العصبي وإما أن شخصاً آخر مسئول عن ذلك. ولن تحصل على خطاب شكر من أحد لتدميرك صحتك من أجل إنجاز عملك. فإذا هاجمتك الأمراض وأعجزتك عن العمل، فسوف يستبدلون بك شخصاً آخر.

وبمجرد أن يذوي جسدك وتضمحل صحتك، فإنك تحتاج لوقت طويل حتى تشفى. فالأفضل أن تعتني بصحتك يوماً بيوم بدلاً من أن تبدأ في العلاج بعد فوات الأوان. لا تدمر صحتك إرضاءً للآخرين أو لتحقيق ثروة من المال، لأن الأمر قد ينتهي بك إلى إفناء ذلك المال على العلاج والأطباء حتى تسترد صحتك.