التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

تحسين عملياتك الإبداعية: التأمل ج19

بعد ممارسة التأمل لفترة، ستبدأ في رؤية أنماط متكررة في عملياتك الذهنية. ومن بين الأفكار المبعثرة التي ترد على خاطرك، ستجد تجميعات تكشف لك نمط إبداعك وما يشتتك عنه.

أول نوع من المشتتات المتكررة له علاقة بما تفعله في حياتك اليومية. فربما أنك تحاول إكمال مشروع مهم في عملك وتجد تفاصيل المشروع تتراقص أمامك أثناء تأملك. وربما أنك تواجه مشكلة ملحة في حياتك العاطفية تجعل هذه المشكلة تخطر على بالك بشكل مستمر. وبغض النظر عما يسبب لك التشتت، فإنه يتكرر مرة وراء أخرى أثناء تأملك. ما يشتت انتباهك هنا له علاقة بالمواقف التي ترد في حياتك اليومية.

النوع الثاني من المشتتات هو الذي يحدث بغض النظر عما يجري في حياتك اليومية. هذه المشتتات تتعلق بحياتك بشكل عام. وفي الغالب، يبدأ هذا النوع من المشتتات في الظهور بعد أن تتمكن من تهدئة النوع الأول. وهذا النوع من التفكير له علاقة في الغالب بموضوعات عامة تدور في ذهنك، وهي نفس الموضوعات التي تناقشها مع أصدقائك أو تتناولها بينك وبين نفسك، مثل الناس الذين يتعرضون للمجاعة في أماكن مختلفة من العالم، والمعاناة التي يعيشونها. فربما أنك تشعر بالتعاطف والرحمة والاهتمام العميق تجاه هؤلاء الناس عندما يخطر ذكرهم على بالك.

وهناك عدة طرق للتعامل مع هذه المشتتات وذلك عن طريق فهم العمليات الإبداعية التي تدور بذهنك. فعندما تخطر لك فكرة مرة وراء أخرى، ستبدأ في إدراك الاتجاه الذي تميل إلى التوجه إليه. وسوف تتغير الفكرة على مدار الوقت. في كل مرة تخطر نفس الفكرة على بالك، ستلاحظ بعض التغييرات الطفيفة التي قد تعكس أو لا تعكس التغيير الذي طرأ على العلاقة في الواقع. مثل تلك التغييرات هي نتيجة لمحاولتك الإبداعية لحل المشكلة أو نقل العلاقة إلى مستوى جديد.

وعندما تخطر في بالك بعض الموضوعات العامة، فربما تجد نفسك تستسلم في البداية لليأس لأنك ستشعر بأنه ليس بيدك شيء تستطيع فعله حيالها. ولكن بعد فترة، سيبدأ شعور اليأس في الخفوت ويحل محله التفكير فيما يمكنك بالفعل أن تقوم به. ربما لن تتمكن من حل مشكلة المجاعة في بلدان العالم الفقيرة، ولكنك تستطيع أن تتحدث عن هذه المشكلة مع أصدقائك لتزيد وعي الناس حولها، كما يمكنك أن تتبرع لصالح من يعيشون هذه المعاناة. ومن الممكن أن تنمي إحساسك بالتعاطف والرحمة تجاه هؤلاء الناس وتجعل هذا الإحساس ينتشر إلى كل من حولك.

شيء آخر ستبدأ في ملاحظته هو الكيفية التي تعود بها إلى التركيز بعد ورود هذه الأفكار على ذهنك. أحياناً ستعود بسرعة وأحياناً ستعود ببطء. وسوف تكتشف أيضاً كيف يعمل هذا الأمر. ما الذي ذكّرك بالرجوع إلى التأمل؟ هل هو هذا الوخز البسيط في ركبتك من الجلوس لفترة طويلة؟ هل اكتشفت أنك تحبس أنفاسك؟ ما الإشارات التي أعادتك إلى تركيزك في التأمل؟ وبمجرد أن تتعرف على هذه الدلائل، ستجد أنها تدخل في وعيك بسهولة أكثر. وعندها سوف تتمكن من العودة إلى التركيز أسرع.

من التبصرات الأخرى التي ستحدث لك هو مدى سهولة أو صعوبة التأمل. في بعض الأحيان، ستجد أن مجرد الجلوس للتأمل أصبح صعباً. فأنت تتشتت من أي شيء وكل شيء في مسارك. في تلك الحالة، من المهم أن تدخل في مساحة التأمل الخاصة بك وتجلس ولو حتى لدقائق بسيطة. وحتى إذا كنت قد تشتتت طوال الوقت المخصص للتأمل بالكامل، وبالكاد تمكنت من بدء التأمل، فإنك ستكون قد كسبت شرف المحاولة والالتزام. تذكر أن بعض جلسات التأمل لن تكون مثالية. إن جزءاً مما تفعله هو أن تتعلم كيفية التعامل مع عملياتك الذهنية والعاطفية، وهي عمليات غير ثابتة بالتأكيد. لاحظ الأشياء التي تفعلها بسهولة وتلك التي لا تفعلها بسهولة، ولاحظ ما يحدث عندما تركز على كلا النوعين.

في بعض الأحيان، ستغير من نفسك بمواجهة الصعوبة التي تجدها في التأمل. لاحظ ما يحدث عندما تندفع في اتجاه صعب. كيف ستتأثر المشكلة عندما تجعلها هي محور تركيزك؟ كيف يبدو الأمر، وكيف تشعر به؟ افحص سمات المشكلة بالتفصيل. ربما تجد أنك تتصادق حتى مع المشكلة. إنها جزء من حياتك، على الأقل بشكل مؤقت، ويمكنك أن تتعامل معها كما تتعامل مع صديق لك، وتطلب من المشكلة أن تتحدث إليك عن نفسها. بهذا الشكل، يمكن أن تحصل على المزيد من المعلومات حول سبب إزعاج المشكلة لك. يمكن أن تكون هذه المعلومات حليفاً قوياً لك.

وعندما تتفحص سلسلة المشتتات التي تقاطع تأملك، فإنك تتعلم كيفية إدراك الحدود. وكبداية، التأمل نفسه له حدوده الخاصة به. على سبيل المثال، ربما أنك أعددت مكاناً معيناً للتأمل وأصبحت تجد راحتك فيه بشكل كبير. في هذه الحالة، قد تجد من الصعب أن تتأمل في أي مكان آخر. هذا القيد هو نوع من الحدود. وربما تجد أن التأمل في لون معين صعب للغاية. وهذا يمثل قيداً على عملياتك الذهنية. وأخيراً، ربما تجد أن تشتيتاً معيناً يهاجمك بلا هوادة أثناء تأملك.

وكيفية إدراكك لحدود التأمل تعد مؤشراً جيداً على كيفية إدراكك للحدود في حياتك اليومية. ربما أن لديك طريقة مميزة في التفكير في المشاكل التي تواجهك. على سبيل المثال، عندما لا تتمكن من عرض وجهة نظرك بنجاح في مناقشة ما، هل تميل إلى التفكير أن الشخص الآخر يعاملك بوضاعة، أو أنه يجادل لمجرد الجدال؟ ربما أنك تتمكن في كثير من الأحيان من وضع الأمر في سياقه الصحيح، ولكن بعض المناقشات تفقدك صوابك. إن المشاعر التي تحس بها في التأمل هي في الأساس نفس المشاعر التي تحس بها في نشاطات حياتك الأخرى.

عندما تفكر في مشكلة ما وتحاول أن تضع خطة لحلها، فربما أنك تستخدم عملية ذهنية معينة بشكل دائم. نفس هذه العملية الذهنية تحدث أثناء التأمل. وعندما تجلس وتتدرب على استكشاف عملياتك الذهنية، فإنك ستبدأ في رؤية أنماط تفكيرك، ثم تتمكن بعد ذلك من تغييرها. وعندما تغير نمط تفكيرك في التأمل، فإنك سترى نتائج مشابهة في المواقف الأخرى في حياتك. وسيصبح توجهك الذهني أهدأ وأكثر ثباتاً. ربما لن يكون ثابتاً بشكل كامل، ولكنه سيكون مرناً في أغلب الأحيان.

سيبين لك التأمل أيضاً القيود الجسمانية المفروضة عليك. بعض الناس لا يستطيعون الجلوس في وضع زهرة اللوتس أبداً ولو حتى لدقيقة واحدة، في حين أن آخرين يستطيعون الجلوس في هذا الوضع لمدة ساعة. بعض الناس يجدون أن قدمهم تتخدر بمجرد الجلوس، وآخرون يجدون أن عضلة ما لديهم تتقلص ولا تسترخي أبداً. وربما أنك تشعر بانقباض خفيف في أنفاسك عندما تحاول إبطاء تنفسك.

نحن جميعاً لدينا جدران نفسية أقمناها من أجل حماية أنفسنا من الألم. وهذه الجدران تصبح جانباً أقل وعياً من حياتنا اليومية؛ إنها موجودة هناك ولكننا لا نفكر فيها. سيساعدك التأمل على إدراك هذه الجدران. من المهم أن تعامل استجاباتك العاطفية كما تعامل أصدقاءك. لقد طورت هذه الاستجابات بغرض حمايتك، وهي تؤدي دوراً إيجابياً في حياتك. فإذا كان الغرض من هذه الاستجابات قد انتهى ولم يعد لها لزوم، فقد حان الوقت لكي تتخلص منها وتضع محلها مجموعة جديدة من الاستجابات الإبداعية. احتفظ باستجاباتك القديمة لكي تستخدمها فقط عندما تكون هي الخيار الأنسب. وتدرب على استجابات جديدة في تأملك حتى تصبح متاحة لديك في حياتك اليومية.

جميع المشتتات التي ذكرناها هنا، وغيرها كثير، توفر لك فرصة جيدة لقبول توجهاتك ومشاعرك. فأنت تتعلم أن تتقبل هذه الأفكار السيئة كما تتقبل الأفكار الجيدة، وتقتنع أنها مجرد أفكار لا أكثر. ستتعلم كيف تصنف هذه الأفكار ثم تعود إلى تأملك. وستتعلم كيف تتتبّع هذه الأفكار (سواء أثناء التأمل أو في وقت آخر)، وتتعامل معها، وتتصادق معها، وتصبح على علاقة حميمة واعية بالأنشطة الذهنية التي كانت في السابق تتم على مستوى اللا وعي.

ومع الإدراك الواعي تأتي إمكانية التغيير الإبداعي. المسائل الرياضية تعد مثالاً جيداً على ذلك، حيث يجب أن تفهم مكونات المسألة لكي تتمكن من إيجاد الحل الصحيح لها.

معظم المشاكل التي ستواجهك في حياتك ليس لها حل فريد. هناك دائماً جزء من الإنسان يحب أن يعتقد أن هناك دائماً حلاً صحيحاً مناسباً رائعاً لكل مشكلة، ولكن الحياة لا تعمل بهذه الطريقة. يساعد التأمل في تنمية العمليات الإبداعية عن طريق توفير استجابات مختلفة؛ أي طرق مختلفة لحل المشاكل. ستتمكن من العمل مع المشكلة، والعثور على عدد من البدائل لكيفية حلها، ثم تختار أحد هذه البدائل وتتصرف بناءً على ذلك. إن عدم القدرة على اتخاذ القرارات تؤدي إلى الإحباط والخوف. هذا الإحباط والخوف سيقلان بدرجة كبيرة عندما تصبح لديك طريقة مجربة وفعالة لتطوير الخيارات.

ملخص

لقد عرض لك هذا الفصل بعض الطرق التي يمكنك استخدامها لفهم عملياتك الذهنية الفريدة الخاصة بك، ولاستكشاف قدراتك الإبداعية الموجودة داخلك. إن القدرة على اتخاذ قرارات متنورة تعد جزءاً من أساسيات العملية الإبداعية. والقدرات التي ستطورها أثناء التأمل تعد أحجار زاوية تبني عليها المهارات التي ستكتسبها في حياتك. ومن خلال فهم العمليات الإبداعية الفريدة الخاصة بك، فإنك تجهز نفسك للأفراح والأتراح التي ستواجهها في حياتك.

يتعامل الفصل التالي مع مهمة تبدو بسيطة للغاية، وهي تسمية الأفكار والأشياء. وبالرغم من بساطتها، فإن هذه المهمة تعد من العناصر المكملة للتأمل.