أذكر أنني كنت مستلقياً إلى جوار ابننا الأصغر مايك، بينما كان يغلبه النعاس. وبطريقة ما، بدأنا التحدث عن مكانته الخاصة عندي. وقد سألته نفس السؤال الذي سألته إياه عدة مرات: “لماذا يحبك والدك كل هذا الحب؟”. وبدون تردد أجاب: “لأنني ولد ولدي عينان زرقاوان، أليس كذلك؟”. فأجبته: “نعم، ولكن تذكر أن هناك سبباً أكثر أهمية من هذا”. ففكر قليلاً، ثم ابتسم وقال: “لقد أعدتك إلى الأسرة من جديد، أليس كذلك؟”، فأجبته:” نعم، ولكن هناك سبب أهم من ذلك أيضاً”. لقد كان مايك سبباً رئيسياً في تغيير مهنتي لكي أقضي وقتاً أطول مع أسرتي. وفكر مايك للحظة ثم قال: “لأنني ما أنا عليه”، فقلت: “هذا هو السبب المهم!”. وقد ذكرني هذا الوقت المميز مع مايك بمشكلة رئيسية في تحفيز الأطفال.
إن تحفيز الأطفال طريقة فعالة لتغيير سلوكياتهم. ولكن، تحسين الأداء من أجل كسب القبول يمكن أن يضع عبئاً عاطفياً على الأطفال والبالغين على حد سواء. يجب أن يحرص الآباء بشدة على ألا يحجبوا القبول عن أطفالهم إذا كان الطفل لا يؤدي حسب توقعاتهم. فالعلاقة الصحية بين الأب والطفل تكون بأن يقبل الآباء الأطفال لشخصهم، وليس لما يفعلونه. والقبول يضيف إلى قوة الأطفال ورغبتهم في التغير.
ومرة أخرى، التحفيز الصحيح ينبع من داخل الطفل، وليس من الضغط الخارجي من الوالدين.
وتلك الطرق التسعة عشر التالية للتحفيز ليست مقدمة للتلاعب أو لتحسين أداء الأطفال، ولكن ليصبح كل طفل قادراً على استغلال قدراته كاملة وتحقيق أهدافه الخاصة.
ساعد الأطفال على تحديد أهدافهم الخاصة
طلب مدرب كرة القدم بنادي تكساس أيه أند إم من جميع اللاعبين كتابة رقم من واحد حتى عشرة، حيث رقم عشرة يمثل الأفضل، وتمثل تلك الأرقام مدى التميز الذي يود أن يكون عليه كل منهم. وكتب جيف -الذي يلعب احتياطياً- رقم “10” لأنه أراد أن يكون بارعاً بما يكفي للعب كرة قدم بشكل احترافي. وبعد ذلك، طلب منهم المدرب كتابة بعض الأهداف المرجوة لهذا الموسم. ووضع جيف أهدافاً خاصة برفع الأثقال، منها تمرين رفع الأثقال على المقعد بأربعمائة رطل، وقطع مسافة مائة ياردة في أحد عشر ثانية، وغير ذلك. وطلب المدرب من اللاعبين وضع هذه الأهداف في عدة أماكن، في خزائن الملابس، وفي المنزل حتى يتذكروها طوال الوقت. وكل أسبوع جعلهم يقرءون أهدافهم بصوت مرتفع ويقيمون تقدمهم. ويقول جيف إن طريقة تحديد الأهداف كانت على الأرجح أقوى تحفيز صادفه الإطلاق، وذلك لأن الأهداف التي كان يناضل من أجل تحقيقها كانت أهدافه هو.
إننا نمارس نفس طريقة وضع الأهداف مع أطفالنا، سواء تضمنت الألعاب الرياضية، أو الواجبات المدرسية، أو أي من اهتماماتهم الأخرى. فنحن نقول لهم: “من صفر حتى عشرة، كيف تود أن تكون؟ إننا ملتزمون بمساعدتك، ولكننا نريد أن نفهم أهدافك أولاً”.
في الماضي، لم يقم أطفالنا بوضع أهداف كبيرة بالقدر الذي اعتقدنا أنهم يجب أن يفعلوه، وقد أدى هذا إلى بعض الخلافات. وبرغم ذلك، فبمجرد أن عرفنا أهدافهم، أدركنا أيضاً سبب عدم تحفزهم بنفس القدر في بعض المجالات. فعلى سبيل المثال، ضغطنا على كاري لسنوات لكي تكون أعلى من المتوسط في عزف البيانو. فقد أردنا أن تكون جيدة بالدرجة الكافية لأن تعزف أمام مجموعة. وأخيراً، طلبنا منها أن تضع رقماً من بين واحد حتى عشرة للمستوى الذي تود أن تكون عليه. وقد اختارت رقم خمسة؛ أي متوسط. كنا قد اخترنا لها رقم ثمانية، ولكنه لم يكن هدفها. وبناء عليه، كان علينا أن نجلس معها لكي نجعلها تتدرب. وفي النهاية توقفت عن التمرين عندما وصلت السادسة عشر من عمرها لأنها حققت هدفها.
يكمن جزء من تحفيز الأطفال في مساعدتهم على تحقيق أهدافهم؛ وليس فرض أهدافنا عليهم. فإذا فرضنا أهدافنا عليهم، لن يستمر تحفيزهم لأنه سيكون مصدر ضغط خارجياً وليس تحفيزاً نابعاً من داخلهم.
عند مساعدة أطفالك على تحديد أهدافهم، حاول أن تجعلهم يحتكوا بأشخاص نجحوا في نفس الأشياء التي يهتم بها أطفالك. إذا كانوا مهتمين بالحيوانات والطب مثلاً، حدد لهم موعداً لقضاء عدة ساعات في زيارة ومشاهدة الطبيب البيطري. ربما يقال شيء أثناء تلك التجربة يساعد في تحفيزهم (ذلك إن لم يصابوا بالإغماء أثناء علاج الطبيب لساق مكسورة!). غالباً ما تكون قوة التحفيز أعظم وأقوى عندما تأتي من شخص خارج الأسرة.
ساعد أطفالك على تخيل النتائج الإيجابية لتحقيق أهدافهم، والنتائج السلبية لعدم تحقيقها
كنا في بداية موسم كرة السلة وكان الفريق يبلي بلاءاً حسناً للغاية. ولكنه كان على وشك مواجهة فريق أوقع به هزيمة مذلة العام الماضي بفارق ثلاثين نقطة. وقد عرف المدرب أن عليه أن يحفز اللاعبين، لذا قام بعرض الفيلم الخاص بمباراة العام الماضي. وقد بدت المباراة سيئة للغاية بالفيلم كما كانت تلك الليلة. كما أنها صورت تعبيرات الخزي على وجوه المشجعين، الذين كانوا مستاءين للغاية من فريقهم.
في البداية، قد لا يبدو ذلك كأفضل وسيلة للتحفيز، ولكن بعد ذلك عرض المدرب فيلم لفوز فريقه بمباراة كبرى. وفي تلك المرة كان المشجعين يصيحون ويهتفون. وقال لهم المدرب: “انظروا كيف أديتم بشكل جيد أمام هذا الفريق. هذا العام يمكنكم أن تلعبوا بنفس الأداء أمام الفريق الذي أحرجكم العام الماضي. فما رأيكم؟ دعونا ننل منهم!”.
لقد كان هدف المدرب هو مساعدة لاعبيه على تخيل هزيمة الفريق الثاني. كما أراد أن يروا ويسمعوا المشجعين وهم يهتفون لهم، وأن يروا أنفسهم على أرض الملعب، ويتذكروا فرحة التغلب على خصم قوي، والألم الذي سيعانونه إذا فشلوا.
ويحفز مدرب كرة قدم شهير بمدرسة ثانوية بجنوب كاليفورنيا لاعبيه من خلال اكتشاف ما يريده كل منهم من كرة القدم. قدر يرغب أحدهم في إسعاد والده، ويريد آخر أن يبهر أصدقاءه، في حين يأمل الثالث في الفور بمنحة تعليمية في جامعة كبيرة. وأثناء التمرين، ربما يأخذ المدرب اللاعب الذي يريد أن يسعد والده إلى جانب الملعب وينفرد به ويقول: “هل تعرف تلك اللعبة التي كنت تلعبها؟ أنت لا تؤديها بطريقة صحيحة. أما إذا استخدمت تلك التقنية، هل تتخيل مدى الفخر الذي سيشعر به والدك وأنت تؤديها بنجاح وتستحوذ على الكرة؟ هل يمكنك تخيل والدك وهو يهتف، ويقفز لأعلى في المدرجات؟”.
وقد يقول المدرب للاعب الذي يرغب في الفور بمنحة تعليمية: “سينبهر مدربو الجامعة إذا استخدمت تلك التقنية. فهم يقضون ساعات في محاولة تعليمها للاعبيهم. هل يمكنك تخيلهم وهم يبتسمون أثناء مشاهدتك تؤدي تلك اللعبة؟ سيكتبون ملحوظة مميزة في تقاريرهم عن ذلك”.
وقد لاحظنا الإعجاب في عيني مايكل وتعبيرات وجهه أثناء اقتفاء أثر خطوات أخيه الأكبر. إننا نعرف أنه يريد أن يكون بارعاً في كل شيء مثل جريج، وبخاصة في الألعاب الرياضية. والسبب الرئيسي لتشجيعنا أطفالنا في الأحداث الرياضية هو إمكانية مساهمتها في بناء الصفات الشخصية الداخلية مثل الصبر، والتواضع، وتعلم تقبل الفوز والهزيمة بصدر رحب.
وقد لاحظت قوة هذه الأداة التحفيزية عندما أخبرني مايك برغبته القوية في أن يكون لاعباً في فريق كرة القدم، مثل جريج. ولكنه كان يمارس ألعاب الجمباز، وكان أمامه عدة سنوات قبل أن يلتحق بالمدرسة الثانوية. فقلت له: “مايك، هل يمكنك تخيل المتعة الذي ستعيشها عند تمريرك تمريرة طويلة في كرة القدم، والإمساك بالكرة، والقيام بشقلبة كاملة فوق المدافع بسبب مهاراتك في ألعاب الجمباز؟ يمكنني أن أرى هذا الآن. حينئذٍ سأوكز الشخص المجاور لي في المدرجات وأقول له ‘هل رأيت ابني! لقد قفز من فوق هذا الفتى؛ إنها لعبةحركة رائعة حقاً!’ “. وكان مايك يضحك وأدركت أنه يوافقني؛ كان يشعر بالتحفز.
تذكر قوة الثناء
إذا كان لديك أقل من دقيقة واحدة كل يوم -كأب- للتحدث مع أطفالك، فماذا ستقول لهم؟ توضح الدراسات أن الآباء يقضون في المتوسط أقل من ستين ثانية في اليوم في التحدث مع أطفالهم، ومعظم هذا الوقت يتم قضائه في الإشارة إلى السلوك السلبي.
ولكن عكس النقد هو واحد من أهم أدوات التحفيز المتاحة للأباء؛ ألا وهو الثناء. ويمكن استخدام الثناء بعدة طرق مختلفة، حيث يمكنك أن تعطي أطفالك هدية على السلوك الجيد، كما يمكنك أن تلتقط صورة لطفلك وهو يفعل شيئاً تقدره حقاً وتضعه في ألبوم الصور أو تعلقه على الحائط كي يراه الجميع.
كان مايكل حزيناً للغاية بعد مباراته الأولى في المصارعة. فقد خسر المباراة، وبينما كنت أتجه نحوه، رايت الدموع تنساب على وجهه، فقلت له متجاهلاً دموعه: “مايكل، لقد كان هذا رائعاً. لقد مارس خصمك المصارعة لمدة عامين، فكر فقط، لقد كانت النتيجة اثنين مقابل واحد بعد جولتين. مايك، كيف تمكنت من مجاراة لاعب ذي خبرة كهذا؟”.
فنظر مايك لأعلى وقال: “لقد خدعوني، فقد كان من المفترض أن يدعوني أصارع شخصاً في نفس سني وخبرتي”، ثم توقف برهة وأضاف: “ولكنني طرحته أرضاً مرتين. هل رأيت ذلك يا أبي؟”. وأشرق وجهه وهو يشعر بالإثارة.
وبعد عام، قرر مايك عدم الالتحاق بفريق المصارعة مرة أخرى. ولكن المدرب قال له: “هذا سيء للغاية يا مايك، فلديك حركات جيدة للغاية وإمكانيات رائعة في المصارعة”. لم تستمر المحادثة بين مايك والمدرب لأكثر من دقيقة، ولكن نظرة مايك للعبة المصارعة تغيرت تماماً خلال تلك الثواني القليلة. وفي تلك الليلة أخبرني مايك أن مدربه قال له إنه صاحب مستوى جيد في المصارعة وسأل ما إذا كان من الممكن أن يرجع إلى الفريق.
كآباء، يمكننا تحفيز أطفالنا من خلال الثناء. فبدلاً من أن نذكر لهم الشيئين السيئين اللذين فعلاهما اليوم، لنتحدث معهم عن الأشياء العشرة الصحيحة التي فعلوها. ستندهش للغاية من النتائج.
أشرك أطفالك في أنشطة مختلفة
بعض الطرق التحفيزية التي قمنا بمناقشتها حتى الآن مستقاة من أوائل الطلبة والرياضيين الجامعيين الأعضاء في معسكر كاناكوك، وهو المعسكر الرياضي القومي الشهير في برانسون، ميسوري. وقد أخبرتني إحدى الطالبات المتميزات في ألعاب الجمباز أن والديها أشركاها في مختلف أنواع الأنشطة الرياضية في صغرها. كما عرفاها على أشخاص مختلفين، من بينهم فتاة كانت من أبرز بطلات الجمباز في اللعب بالعصا في البلاد. وقد أثر هذا التواصل الشخصي عليها بشكل هائل. فقد لاحظ والديها اهتمامها الهائل، ودفعا الكثير من المال لتتلقى الدروس، وفيما بعد أصبحت واحدة من أبرز بطلات اللعبة في البلاد.
الأساس هو ترك الطفل يختار ما يريد. وعليك أن تُعرف الطفل على أنشطة متعددة، ثم تراقب بحرص استجابته واهتمامه. انتظر حتى يطلب منك المشاركة في نشاط معين، ثم ادعمه بأقصى جهد لديك.
توقع من الأطفال إنجاز المهام بطريقة صحيحة
عندما كنت مديراً لثلاثمائة تلميذ في المدرسة الإعدادية بجنوب كاليفورنيا، توقعت أن يصل التلاميد لحضور الأنشطة في الموعد المحدد، وأن يغادروا في موعد معين، وأن يقدموا العديد من البرامج، وأن يقدموها بشكل جيد. لقد كنت أطلب منهم أفضل ما لديهم من خلال توجهي الذهني، وكنت أندهش دائماً من النتائج الإبداعية الرائعة التي قدمها التلاميذ عند تكليفهم بأي مهمة.
لقد تعلمت أن الأطفال يشعرون ما إذا كنت تتوقع منهم أفضل ما لديهم أم لا. فإذا أحسوا أنه يمكنهم الإفلات عند القيام بما هو أقل من أفضل ما لديهم، فغالباً ما سيؤدون بمستوى أقل. وإذا شعروا أنك تتوقع أنهم لا يستطيعون إنجاز المهام المطلوبة بشكل أفضل، فربما يهبطون إلى مستوى توقعاتك. كما رأيت أيضاً أطفالاً كانوا متحفزين بقدر كبير للغاية عندما كان متوقع منهم عمل أشياء عظيمة. ولا زلت على اتصال ببعض هؤلاء التلاميذ، والذين يخبرونني أنهم يتذكرون العديد من الأشياء التي تعلموها لأنه كان من المتوقع منهم أن يتعلموا ويؤدوا بمستوى عالي.
آمنْ بأن أطفالك يمكنهم تحقيق أشياء عظيمة
تخيل ضآلة ما يمكنك إنجازه إذا كنت قادراً على استخدام نسبة 8 بالمائة فقط من عقلك. ما الأشياء التي ستضطر للتخلي عنها بخسارة نسبة 92 بالمائة؟
معظمنا كان ليتخلى عن أشياء قليلة أو لا يتخلى عن أي شيء على الإطلاق. ومعظم البشر يستخدمون حوالي 8 بالمائة فقط من قدارتهم العقلية. ويساعدني هذا على إدراك القدر الهائل الذي نستطيع القيام به. لذا، فكثير منا يقيد نفسه لأننا لا نؤمن بأن بإمكاننا إنجاز أشياء عظيمة. يقول الأطباء إنه حتى لو فقدنا أجزاء كبيرة من مخنا في حادث مثلاً، فمن المدهش ما يمكننا إعادة تعلمه من خلال إعادة التأهيل؛ مثل تعلم المشي والتحدث من جديد.
وقد شاهد كثير منا على شاشة التليفزيون حلقات خاصة عن تدريب أطفال يبلغون ثلاثة أعوام في اليابان لكي يصبحوا عازفي كمان بالحفلات. وقد نسبت المدرسة العمل الفذ إلى حقيقة أن الأطفال لم يعرفوا أنه لم يكن من المتوقع منهم أن يكونوا قادرين على هذا العمل الفذ.
قدرتنا العقلية قوية للغاية، ولكننا بكل أسف، نقنع أنفسنا غالباً بعدم إمكانية تحقيق الأشياء الممكنة. كذلك من الممكن أن نقنع أطفالنا بعدم القيام بما هو بإمكانهم تحقيقه فنقول مثلاً: “حسناً، لن أحاول هذا. إنك لن تستطيع أن تكون مثل هذا أبداً”.
وبمنحهم الفرصة المناسبة والتشجيع المناسب يمكن أن يحقق الأطفال إنجازات مذهلة. يا لها من معجزة عندما كانت كاري ترغب في محاولة لعب كرة السلة في عامها الأول من المرحلة الثانوية. إنها لم تنضم إلى أي ألعاب رياضية تنافسية من قبل، حتى أنها لم تكن تفهم الفرق بين الدفاع والهجوم. ولكنها حاولت أن تنضم للفريق، ونجحت في ذلك. وفي مباراتها الأولى، مررت إليها أحد زميلاتها الكرة، ولكن كاري تجنبتها، معتقدةً أنها كانت تمررها إلى لاعبة أخرى. كان ظن كاري هو أن أحداً لن يرغب في تمرير الكرة لها؟ وأدهشها القدر الهائل مما تعلمته والتحسن الكبير الذي حققته خلال العام. وكنا فرحين للغاية عندما سجلت كاري أول أهدافها، وعندما بدأت المباراة للمرة الأولى. وكانت كاري متحمسة للغاية، حيث اختارت لعبة كرة السلة لممارستها في المعسكر الصيفي لكي تكون مستعدة بشكل أفضل لعام التخرج.
ليتنا لا نقيد أنفسنا، فقد خلق الله تعالى كل منا بإمكانيات مذهلة مبهرة، بصرف النظر عن المستوى الذي نبدأ به. وكآباء، يجب أن نوصل لأبنائنا رسالة مفادها أنهم إذا أرادوا أن يحاولوا عمل شيء ما، فعليهم أن يجربوا ذلك، حتى إذا عانوا من أجله. وهذا سبب جعلني أجري أول سباق ماراثون لي وأنا في الثانية والأربعين من عمري. لقد أردت أن أوضح لأطفالي أنه حتى “الرجل كبير السن” يمكن أن يفعل أشياء تكاد تبدو مستحيلة.
ساعد أطفالك على تنمية صورة ذات أكثر إيجابية
أعطى والد ابنه الصغير الذي ينظر إلى الجانب المشرق من كل شيء كرة ومضرب. وأخبر الوالد ابنه أنه حين يعود من العمل سيلعب مباراة بيسبول كاملة معه. وبالطبع، عندما عاد الأب إلى المنزل، أخذ ابنه إلى الفناء الخلفي ليرى ما بإمكانه أن يفعله.
قذف الصبي الكرة لأعلى، ولوح بالمضرب، ولكنه لم يصب، فقال الأب: “الضربة الأولى”. وقذف الصبي الكرة لأعلى مرة أخرى، وأرجح المضرب وأخفق. فقال الوالد: “الضربة الثانية”. وبتصميم أكبر من أي مرة مضت، رمى الصبي الكرة لأعلى للمرة الثالثة، وأرجح المضرب بقوة، ولكنه أخفق، ودار بقوة وسقط على العشب. فقال أبيه “الضربة الثالثة. أنت خارج اللعبة. ما رأيك؟”.
وفي تلك المرة أجاب الصبي المتفائل قائلاً: “رائع، إنني بارع في الرمي وليس في الضرب !”.
قليل من التفكير الإيجابي يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً في التحفيز. وعلى الرغم من ذلك، كلما قل إحساس الشخص بقيمته، قل إنجاز هذا الشخص على النحو الجسدي والذهني. وتؤثر صورة الذات السلبية للطفل عليه فعلياً في كل مناحي الحياة؛ في الملبس، والمحادثات، وتعبيرات الوجه، واحتمالات التوظيف المستقبلية، وحتى مستقبل زواجه.
وفي استشاراتي للأطفال الصغار، والمراهقين، وحتى البالغين، وجدت أن بعض الأشخاص مبرمَجين للفشل. ولكنني وجدت أيضاً أن هناك شيئاً يمكننا فعله لتعزيز مستوى تقدير الذات لدى الفرد.
من الضروري أن نشرك أطفالنا في نشاط واحد على الأقل يمكنهم أن يكونوا ناجحين فيه. فكلما ازداد نجاحهم في العديد من الأنشطة، ازداد مستوى تقديرهم لذاتهم. كما يجب أن نساعدهم بمعنى الكلمة خلال واحد من الإنجازات على الأقل، سواء كان ذلك النفخ في البوق، أو السباحة، أو الرسم؛ أو أي شيء. قد يقول الطفل: “لا يمكنني فعل هذا”، ولكن يجب أن نجد نشاطاً يجذب اهتمام الطفل، ثم ندعه يعرف أننا نثق به وأنه قادر على إنجاز المهمة.
مازلت أذكر ما حدث عندما كنت في المرحلة الثانوية وصرخ بي مدرب كرة السلة بالمدرسة يوماً ما، حيث قال لي أنني كنت بطيئاً للغاية. وقد استغرق الأمر مني سنوات لأتخلص من تلك الكلمات التي كانت ترن بأذني دائماً: “سمولي، أنت بطئ للغاية”. وعندما حاولت ممارسة ألعاب المضمار، كان من الصعب علي أن أجري لأنني كنت لا أزال أذكر نفسي أنني بطئ للغاية. وبالفعل تسببت صورة الذات المحبطة في كبح قدرتي على الجري.
كافئ أطفالك
قرر الوالدان اللذان كانا يحاولان إيقاف ابنتهما عن مص إبهامها أنهما سيقدمان لها مفاجأة بسيطة في كل مرة يمر عليها سبعة أيام دون أن تمص إصبعها. وعندما مر ثلاثون يوماً دون أن تعود لتلك العادة، قدما لها هدية أكبر. فالجوائز لها طريقة في التحفيز وتغيير السلوك ويمكن أن تكون فعالة بشدة مع الأطفال صغار السن.
وبالطبع، يجب أن نكون حذرين ألا يتعلم الأطفال توقع الحصول على مكافأة في كل مرة ينجزون فيها عملاً ما، مثل الأعمال المنزلية الروتينية في المنزل. فالأطفال بحاجة إلى تعلم أنهم جزء من الأسرة، وأنه يجب على الجميع العمل معاً لإنجاز الأشياء في المنزل دون توقع الحصول على مكافأة.
عندما كان جريج في الخامسة عشر من عمره، اكتشفنا طريقة فعالة للغاية لتحفيزه على المشاركة في الأعمال المنزلية. ببساطة، قمنا بوضع قائمة بالمهام المطلوب عملها على الثلاجة مكتوب إلى جوارها الأجرة التي سيحصل عليها من يفعل كل مهمة منها. وكانت تلك مهام غير مرتبطة بأعمالنا المنزلية، مثل تنظيف مرآب السيارات، وإزالة الأعشاب الضارة من الفناء الخلفي والحديقة، وتقليم الأشجار.
كانت تلك المهام مفتوحة لأي من أطفالنا، ولكن كان جريج يقدم عليها بأقصى سرعة. ونادراً ما كان ذلك يضايق الاثنين الآخرين أن يكسب جريج أكبر قدر من المال. ولكن أحياناً كانوا يكتبون اسمهما إلى جوار المهمة المطلوبة وهو ما كان يعني: “كفوا أيديكم! إنها مهمتي”.
استخدم مبدأ: “لا يمكنك القيام بهذا، أليس كذلك؟”
ماذا يحدث عندما يقول لك أحدهم: “الأرجح أنه ليس لديك وقت لهذا”، أو “لا يمكنك القيام بهذا العمل، لذا سأحضر شخصاً يمكنه القيام به”؟ إذا كنت مثلي، فمثل هذه العبارات تزعجك، لذا فإنك عادةً ما تبادر وتبدأ في القيام بالعمل المطلوب أياً كان. لقد رأيتُ أن نفس طريقة التحفيز هذه تصلح مع أطفالي. فيمكن أن أقول: “إنك لا تستطيع معالجة هذا الأمر على الأرجح”، أو “إنني بحاجة لشخص قوي لهذا. فمن الذي يمكنني أن أستدعيه؟”، وتكون النتيجة هي أن يسرع الأطفال لأداء العمل المطلوب.
ذات يوم، استدعتني رئيسة قسم الرياضيات بالجامعة إلى مكتبها واقترحت أن أعيد التفكير في قراري بأن أدرس الرياضيات كتخصص ثانوي، وقالت: “جاري، أعرف أن لديك صعوبة في التعامل مع التفاضل والتكامل، ولست واثقة من قدرتك على التعامل مع المقررات الأكثر تقدماً”.
شعرت بالغليان بداخلي، وقلت لها: “مهلاً، انتظري دقيقة. هل تقولين إنني غير قادر على التعامل مع الرياضيات؟ سأريك”. وبلطف، طلبت فرصة أخرى كي أثبت أنه بإمكاني عمل ذلك. وأعطتني تلك الفرصة، وبكوني متحفزاً للمذاكرة بجد واجتهاد، استمررت في الدراسة حتى تخرجت بتخصص ثانوي في الرياضيات.
ورغم أن هذا الأسلوب يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً، يجب استخدامه بحذر فائق. فإذا تم استخدامه مع شخص له صورة ذات متدنية أو شخص لديه مشكلة في الثقة بنفسه، فربما تنجح فقط في تثبيط عزيمته، أو تتسبب في أن ييأس تماماً.
اجعل أطفالك يحتكوا بأشخاص تكن لهم الإعجاب
زاد التحفز الداخلي لأطفالي بشكل هائل عن طريق تقديمهم لبعض الشخصيات الناجحة. لقد ألقيت دروساً ومحاضرات في العديد من مؤتمرات اللاعبين الرياضيين المحترفين، وتعرف أطفالي على بوب برونج، ثم تعرفوا على المدافع المحترف لفريق دالاس كاوبويز. ويمكن أن يتحدث بوب وماري برونج إلى ابنتنا كاري في أي وقت حول أي موضوع، وتستوعب كاري كل كلمة ينطقاها. ويحدث نفس الشيء مع ستيف لارجنت، اللاعب المحترف بفريق سياتل سيهوكس، حيث يعرف أطفالنا بالفعل بإيمانه بالله. وعندما يخصص ستيف وقتاً للجلوس مع أطفالنا والحديث معهم، فهم يتذكرون ما يقوله، ويتحفزون بحديثه وبكلماته المشجعة. ولا يحدث مطلقاً أن ينسوا هذه اللقاءات الخاصة.
ويزورنا تشاك سيندر -وهو رجل أعمال ناجح جداً من سياتل- بضع مرات كل عام. وعندما يأتي إلينا، عادةً ما يصطحب كاري للغداء بالخارج. وفي كل مرة يعيدها للمنزل، يكون من الواضح أنه أثر في حياتها، فهو يستمع لها بإنصات، ويطري عليها، ويحفزها حقاً.
ومنذ فترة ليست بعيدة، طلبت من تشاك أن يساعد كاري في معرفة أهدافها في الحياة. وعندما عادت للمنزل بعد الغداء، أعلنت بحماس عن معرفتها بالضبط لأهدافها في الحياة. لقد كان تأثير تشاك هائلاً، فهي لم تحدد أهدافها في الحياة فحسب، ولكنها بدأت مساعدتنا جميعاً في تحديد أهدافنا. تضاعف مستوى حماسها ثلاثة مرات بعد هذا اللقاء مع تشاك. إن قضاء أمسية في تناول العشاء والتحدث مع هؤلاء الأشخاص المتميزين هو بمثابة خبرة إلهامية لأطفالي. حتى إنني لست متأكداً من امتلاك نفس التأثير الفوري عليهم. وليس هناك أي قدر من المال يمكنني تقديمه لبوب برونج، وستيف لارجنت، وتشاك سيندر، أو أي من القادة الآخرين لما علموه لأطفالنا.
ربما كنت تقول: “حسناً، لا بأس بهذا بالنسبة لك لأنك تعرف بعض هؤلاء الرياضيين المحترفين ورجال الأعمال البارزين، ولكن ماذا عني؟ إنني لا أعرف أشخاص كهؤلاء”.
قد تدهشك درجة سهولة الاقتراب من هؤلاء الأشخاص البارزين والتعرف عليهم. فالكثير منهم يودون مشاركة حياتهم مع غيرهم من الناس، وبخاصة صغار السن. فهناك الكثير من الشخصيات المؤثرة التي سترحب بمقابلة أطفالك، وإن كان هذا لدقائق قليلة فقط، وذلك لكي تنتقل بعض الصفات التي جعلتهم ناجحين إلى أطفالك.
فعلى سبيل المثال، فكر في دعوة رجل دين على العشاء، وجهز لهذا الوقت من خلال السؤال عن كيفية بدايته في العمل، ودع المناقشة بعد العشاء تحفز أطفالك وتلهمهم. حاول عمل نفس التجربة مع رجل أعمال تعجب به أو قائد بارز في المجتمع. دع هؤلاء القادة يعرفوا غرضك من هذا. كما يمكن أن تدعو أحد رجال الدولة المتقاعدين إلى منزلك. كذلك يمكنك اصطحاب أطفالك إلى احد السجون، ودعهم يسألوا بعض الموظفين الرسميين للإدارة عن سبب وقوع الناس بصفة عامة في المشاكل. حاول أن تقضي بعض الوقت مع شخص مؤثر مرتين أو ثلاث مرات على الأقل كل عام.
كن مثابراً
كأب، لم أكن أدرك أبداً إلى أي مدى قد تكون المثابرة محفزة. ولكن يجب أن ننتبه لعدم الخلط بين المثابرة والمضايقة. المضايقة هي في الأساس شيء سلبي، وهي انتقاد لشخص ما لا يتصرف بالطريقة التي نعتقد أنه يجب أن يتصرف بها. وعادة ما تعكس المضايقة الأنانية: “ألم تبدأ في تنظيف حجرتك بعد؟ إنك لم تفعل بالأمس أيضاً. فمتى ستنظف تلك الحجرة؟” فنفس الموضوع ونفس نبرة الصوت عند تكرارهما مراراً وتكراراً يمكن أن يسبب المقاومة لدى الأطفال ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى إضعاف صورة ذاتهم. كما يبدءون في تصديق ما يسمعونه باستمرار: “لا يمكنني عمل أي شيء بطريقة صحيحة”.
وبرغم ذلك، فالمثابرة هي ما يحدث عندما نناقش بإبداع وبحماس شيئاً نعتبره مهماً. فنحن نذكره بعدة طرق مختلفة وفي أوقات مختلفة وبنبرات صوت مختلفة.
منذ عدة سنوات، توصلت إلى استنتاج أن كل شخص في أسرتنا، ومن بينهم أنا، يشاهد التليفزيون بقدر كبير. كنا عالقين أمامه. كنت أشاهد العديد من البرامج الرياضية، وكان الأطفال يشاهدون العديد من برامج الكرتون، أما نورما فكانت متابعة دائمة للمسلسلات الطويلة. شعرتُ بالقلق بسبب سيطرة التليفزيون على حياتنا. وفي كل مرة كنت أذكر فيها هذا الموضوع كنت أتلقى رد فعل صاخباً. وسريعاً أدركت أن ذلك كان خطئي، فقد كنت أكرر كثيراً عبارات مثل: “دعونا نتوقف عن مشاهدة التليفزيون”، أو “ينبغي أن نكف عن مشاهدة التليفزيون”. وهذه النوعية من العبارات لم تفعل أي شيء سوى خلق مشاعر وردود أفعال سلبية تجاهي. ولم يتحفز أي منهم للتغيير.
وبمجرد أن أدركت ما يحدث، قررت أن أصبح مثابراً بطريقة هادئة ودودة. فقد قلت أشياء مثل: “سأكون حقاً شاكراً إذا تمكنا من تقليل الوقت الذي نقضيه أمام التليفزيون”. وبعد ذلك لم أقل هذا لأسابيع، وذلك لأنني لم أكن أريد أن أضغط لأكثر من هذا. وبعد بضعة أسابيع، قدمت بياناً بقدر مشاهدتنا للتليفزيون، ولكن لمرة أخرى، تركت الموضوع في الحال.
ولكي أكون قدوة، بدأت في قضاء وقت أقل أمام التليفزيون. وفي أغلب الأحيان كنت أقرأ كتاباً في حجرة أخرى. ومع ذلك، كنت حريصاً على عدم الظهور بأنني أفضل منهم. فقد كنت أشاهد برامج معينة من حين لآخر، ولكني كنت أختارها بعناية. وكانت أقوى عبارة قلتها بعد العشاء ذات مساء، ولكنني لم أدرك هذا إلا لاحقاً. فقد ذكرت بشكل عرضي أنه سيزيدني سروراً إذا تمكنا من العيش يوماً ما في المنزل دون الحاجة إلى التليفزيون لأننا نستمتع بحياتنا كثيراً بدونه. ولكنني أضفت: “ولكن هذا غير ممكن على الأرجح”.
وبعد عام تقريباً، اتصلت بي نورما في العمل وقالت لي إنها والأطفال أعدوا لي مفاجأة. وعندما فتحت باب المنزل، كان الأطفال يقهقهون وكانت نورما تبتسم. فألقيت نظرة بالمنزل، ولكنني لم أتمكن من معرفة المفاجأة.
صاح الأطفال: “أبي، ألا ترى؟ هل حقاً لا ترى؟”. لم أستطع أن أرى ما يقصدون. وفي النهاية أشاروا إلى المنضدة التي اعتدنا وضع التليفزيون عليها. كانت خالية.
فسألوني: “ما رأيك يا أبي؟”. كنت عاجزاً عن النطق. لقد تخلصوا من التليفزيون. أرادوا أن يوقفوا تلك العادة وينسوا التليفزيون، على الأقل حتى يكتسبوا تحكماً بتلك العادة.
كنت مذهولاً، وعلى الفور أردت أن أفعل لهم شيئاً لأنهم غيروا أسلوب حياتهم من أجلي. فأمسكت بحافظة نقودي وقلت: “دعونا نتناول العشاء بالخارج”.
ومرة أخرى أذهلني رد فعلهم. فلم يريدوا أن أكافئهم، فهم لم يبعدوا التليفزيون على اعتقاد أنهم سيحصلون على مكافأة. وأخبروني أنهم فعلوا ذلك من باب التقدير لمشاعري. فعلوه من باب الحب. لقد شعرت بالحب حقاً فيما فعلوه. فلم أشعر أبداً أنهم تخلوا عن التليفزيون تحت الضغط. وبعد عام أو نحو ذلك أعدنا التليفزيون مرة أخرى، حيث نشاهد بعض البرامج معاً بين الحين والآخر. ولكن الآن لم يعد التليفزيون يتحكم بحياتنا، ولكننا نتحكم به.
كن متحمساً
لم يكن مطلقاً الاستيقاظ في الصباح واحداً من الأجزاء الممتعة أو المسلية من يومي. فأنا واحد من هؤلاء الأشخاص الذين يضطرون إلى جر أنفسهم إلى الدش لكي يستيقظوا. أما نورما، من ناحية أخرى، فهي واحدة من هؤلاء الأشخاص الذين يستيقظون كل يوم بابتسامة على وجوههم. إنها تبدأ الغناء بمجرد أن تلامس قدميها الأرض، حتى أنها تؤلف أغانيها بنفسها. وتكون نورما متحمسة لرؤية اليوم الجديد، ويملأ حماسها المنزل بأكمله. وبسبب توجهها الذهني هذا، يشعر الجميع بشعور أفضل نحو الاستيقاظ والذهاب للمدرسة، أو الذهاب للعمل، أو عمل أي شيء يجب عمله في هذا اليوم.
والتواجد مع شخص متحمس يشبه التواجد مع شخص ضاحك. فكلاهما معدٍ. حتى إن لم تكن تعرف الشيء الذي يضحك عليه شخص ما، فأنت تبدأ الابتسام، ثم الضحك ضحكاً خافتاً، ولا يمر وقت طويل قبل أن تقهقه أنت الآخر.
وكأب، وجدت أنه إذا كنت حقاً متحمساً بشأن شيء ما، فإن أسرتي ينتابها نفس الشعور أيضاً.
في إحدى السنوات، قضيت عدة شهور في محاولة إقناع أسرتي بقضاء أربعة أسابيع في معسكر صيفي مذهل. ولكن لم يكن أحد منهم مهتماً بمجرد سماع هذا الحديث. ففي كل مرة كنت أطرح فيها فكرة المعسكر، كنت أواجَه بعدم الاكتراث. وفيما بعد، قابلت فنان تسجيل موسيقي كان قد قضى بعض الوقت في المعسكر ومنحني كل الحماس الذي كنت بحاجة إليه. وفي هذا المساء، اتصلت هاتفياً بالمنزل وطلبت أن يمسك كل واحد منهم بإحدى سماعات الهاتف حتى يسمعوني جميعاً.
سألتهم بحماس: “هل أنتم مستعدون لهذا؟” ثم أكملت حديثي واصفاً المعسكر كاملاً: “استمعوا لوصف هذا المكان الرائع الذي سمعت عنه للتو”. وأخبرتهم بالتفصيل عن جميع الأنشطة المذهلة المتوفرة هناك، والأطعمة، والبحيرات، والمنزلقات، وبالونات المياه الضخمة. وعندما انتهيت سألتهم: “هل سبق أن سمعتم عن مكان مثل هذا؟” فكانت إجابتهم: “لا”. وأرادوا أن يسمعوا المزيد عن ذلك، وعندئذ أخبرتهم أن المعسكر هو المكان الذي كنت أتحدث عنه. وقد وافقنا جميعاً على الذهاب ذلك المساء. فالحماس معدٍ!
اغرس معتقدات داخلية راسخة
أعتقد أنه من المهم للغاية أن يقيّم الآباء معتقداتهم الداخلية على نحو منتظم. ما الذي نعتقد أنه صحيح بالنسبة للأسرة وما الذي نعتقد أنه خطأ؟ ما المناسب لأطفالنا وما غير المناسب لهم؟ وما السلوك الذي يشير الدين إلى أنه مناسب، وما السلوك المخالف لتعاليم الله؟
من المرجح أن المرأة العادية ليست لديها أي فكرة عن مدى تأثيرها وقدرتها على التحفيز إذا كان لديها إيمان داخلي عميق. ويتحدث التراث القديم عن المرأة “الفاضلة”. ويقول إنه إذا وجدت امرأة كهذه، فقد وجدت امرأة أقيم من الجواهر. وكانت معنى عبارة المرأة الفاضلة في الماضي هو المرأة التي لديها إيمان قوي وتأثير نابع من معتقداتها وإيمانها.
فإذا اعتقدت سيدة ما أنه من المهم بالنسبة لأطفالها أن يتعلموا مهارات الاتصال -على سبيل المثال- ستكون لديها رغبة في جمع معلومات عن كيفية تعليم هذه المهارات لأطفالها. كما ستكون متيقظة لأي شيء سيساعدها في تحقيق هدفها. كما أن إيمانها بأهمية تعلم أطفالها تلك المهارات سيزيد بشكل كبير من احتمالات تعلم الأطفال لها بالفعل.
وهذا سبب رئيسي لتعلم الأطفال من والديهم بطريقة غير شفهية. فعندما يُطري الوالدان على ما يفعله أطفالهما، فإنهم يشعرون بالحماس، ويظهر ذلك في أعينهم، وفي تعبيرات وجوههم، وفي أفعالهم غير الشفهية. والأطفال يفهمون هذا التواصل غير الشفهي، ويميلون إلى التحمس أيضاً. وعندما نكون غير سعداء، تظهر تعبيرات سلبية على وجوهنا، مثل تقطيب الجبين وزم الشفاه.
ويمكن أن يكون التواصل غير الشفهي عاملاً محفزاً للغاية للأطفال لأنهم ينتبهون للغاية لتعبيرات الوجه ولغة الجسد. وكلما زاد إيماننا، زاد نقل لغتنا غير الشفهية لهذا الإيمان.
كم عدد الأشخاص الذين كان لهم تأثير دائم على حياتك؟ فكر في هذا، فالأرجح أنهم كانوا أشخاصاً أصحاب إيمان قوي. ونفس الشيء صحيح بالنسبة لنا. فكلما زادت قوة إيماننا، زاد تأثيرنا على المحيطين بنا.
وأثناء حديثي مع بعض لاعبي كرة القدم بفريق دالاس كاوبويز، علمت أن المدرب السابق توم لاندري كان صاحب إيمان راسخ عميق حول كيفية لعب كرة القدم. فقد كانت لديه أفكاره الخاصة عن كيفية إعداد الدفاع والهجوم. ويقول اللاعبون أنه كان بإمكانهم الشعور بهذا الإيمان. حتى مشاهدو التليفزيون كانوا يشعرون بجديته أثناء مرور الكاميرا على الخطوط الجانبية في المباراة.
استخدم الاتفاقيات
لقد وجدنا أنه من المحفز للغاية للأطفال أن يستجيبوا لاتفاقيات ساهموا بأنفسهم في وضعها. وقد لاحظنا أن أطفالنا يقومون بتغييرات في حياتهم لأنهم وافقوا على بنود تلك الاتفاقيات. فعلى سبيل المثال، قرر جريج بنفسه أن يغير مدرسته، بموافقتنا، بعد أن قمنا بكتابة اتفاقية توضح الأسباب الرئيسية التي تحفز الأطفال على الذهاب للمدرسة. فبعد أن رأى الاتفاقية النهائية، اقترح التغيير. فلم تكن المدرسة التي يذهب إليها تضم بعض الأسباب المهمة التي أوردناها في الاتفاقية. وإليك نموذجاً لهذه الاتفاقية.
يجب أن تضم المدرسة:
- أنشطة تتطلب مشاركة الأسرة بأكملها.
- تلاميذ يمكنني تنمية صداقات قوية معهم بسبب وجود أشياء مشتركة كثيرة بيننا.
- جواً يمكن للتلاميذ أن يؤدوا الصلاة فيه ويتحاوروا بشأن الدين والإيمان بالله.
كذلك هناك العديد من العوامل الأخرى في المسألة. كما تمت إضافة بنوداً أخرى إلى تلك القائمة بواسطة جميع أطفالنا، ومعاً اخترنا جميعاً المدرسة التي شعرنا أنها أصبحت الأقرب لاتفاقية الدراسة.
التشجيع من النظراء
عندما بدأ جريج الذهاب للمدرسة الجديدة، أراد أن ينضم لفريق كرة السلة، ولكنه تراجع لأنه اعتقد أنه لم يكن جيداً بما يكفي. وأثناء العام، تناول الغداء مع بعض اللاعبين ولعب معهم كرة السلة بعد المدرسة. وعندما أخبر هؤلاء اللاعبون جريج أنه يجب أن يحاول الانضمام للفريق، كان تشجيعهم هو فقط التحفيز الذي يحتاجه. وحاول ذلك، وانضم للفريق في العام التالي.
وكانت هناك تجربة استمرت ثلاثين ثانية فحسب ولكنها غيرت حياة كاري. لقد تركت كاري فريق كرة السلة ذات مساء بعد أحد التدريبات. وذهبتُ إلى صالة الألعاب الرياضية لأصطحبها إلى المنزل، وأثناء خروجنا من الملعب قالت: “هذه هي النهاية، لقد نلت كفايتي. لا يمكنني أن ألعب كرة السلة بعد الآن!”. كانت البوابات الأمامية مغلقة، لذا اضطررنا للدوران حول المدرسة مارين أمام منطقة حجرة الملابس الخاصة بالفتيان. وعندما رأى فرق الفتيان كاري، كانوا معجبين بمحاولتها أن تتقن لعب كرة السلة، وكانوا يربتون على ظهرها ويقولون أشياء مثل: “كاري، استمري!”. وبعد مرور ثلاثين ثانية، وأثناء قيادة السيارة في طريق عودتنا للمنزل، قالت: “أبي، إنني أحب كرة السلة حقاً. في الحقيقة، لا يمكنني الآن تذكر سبب رغبتي في ترك الفريق”.
اصنع خبرة إيجابية ناجحة
نخشى في كثير من الأوقات أنه إذا اشترك أبناؤنا في نشاط معين أن يتعرضوا للفشل لأنهم يفتقدون بعض المهارات والمعرفة الأساسية. ويكون لدينا هذا الإحساس الداخلي الذي يقول لنا: “لا أعتقد أن بإمكانهم التعامل مع هذا”، أو “لا أعتقد أنهم مستعدون لهذا”.
في مثل تلك الحالات، أعتقد أنه من المناسب لنا كآباء أن نتدخل لمساعدة أطفالنا على اكتساب المعرفة أو المهارات التي يحتاجونها قبل محاولة القيام بأي نشاط يبدو أنه فشل محقق.
انتظر حتى يتصرف الأطفال بأنفسهم
من حين لآخر، يجب أن يحث الأبوان أطفالهما على التصرف. ولكن هناك أيضاً أوقات علينا أن ننتظرهم فيها حتى يروا ما نراه. فعلى سبيل المثال، وجدنا أنه من المحفز للغاية بين الحين والآخر أن نسمح لأطفالنا أن يتركوا حجراتهم فوضوية للغاية. ففي النهاية، يشعرون بالانزعاج بسبب التناقض بين حجراتهم غير المنظمة والحجرات الأخرى المرتبة بالمنزل. وبعد فترة ليست طويلة، يصبح الأطفال متعبين بسبب الفوضى وينظمون حجراتهم. فإن لم يعش الطفل مطلقاً في الفوضى وعدم النظام، فسيكون من الصعب عليه أن يقدّر النظام والترتيب.
صحيح بالطبع أن بعض الأطفال لن ينظفوا حجراتهم مطلقاً دون توجيه من الأب، ولكن الفكرة هي أن تمنح الطفل وقتاً لبدء السلوك المرغوب فيه بنفسه.
المسئولية والدعم
عندما نشارك أهدافنا مع الآخرين، سواء مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء، نصبح محفزين بقدر أكبر لتحقيق تلك الأهداف لأننا نعرف أننا سنحاسب. هناك قدر كبير من عدم الراحة يصاحب معرفتنا أننا لم نحقق أهدافنا، ومعرفة الآخرين الذين يهتمون بنا ذلك أيضاً. وهذا الإحساس بالمسئولية -عندما يقترن بالدعم- يكون عامل تحفيز هائلاً.
وعندما تُثبط عزائمنا أو يصيبنا الإحباط بسبب عدم تحقيق ما نتمناه، يمكن حينئذٍ أن يولد دعم أسرتنا وأصدقائنا الطاقة بداخلنا. وهذه الطاقة تشجعنا على المضي قدماً، حتى في كثير من الأوقات التي يبدو فيها الاستسلام أسهل بكثير. إن مجرد وجود شخص يقول: “كيف حالك؟”، أو “يمكنك عمل هذا” يعطي الكثير من الطاقة والحيوية.
الملامسة الحنونة والإنصات
يمكن أن يصاب الأطفال بالإحباط لعدة أسباب؛ الإصابة، أو عدم تحقيق تقدم، أو معرفة أن هناك دوماً من هو أفضل. ويمكن أن يتسبب أي من هذه الأسباب في فقد الطفل لطاقته. وأسهل طريقة يستعيد بها الطفل طاقته هي أن يهتم به شخص ما ويضع ذراعه حوله، أو يلمس يديه، أو يربت على ظهره. فعندما ينصت شخص ما لما يشعر به الطفل، يلهب هذا الطاقة بداخله ويحفزه على الاستمرار عند النقطة التي كان سيستلم فيها لليأس والإحباط.
أثناء التدريب لخوض سباق الماراثون الأول لي، كنت أجري على أحد الطرق السريعة الرئيسية في بورتلاند، أوريجون. وبينما كنت غارقاً في التفكير، فاجئني أحد سائقي السيارات صائحاً ومشيراً بقبضته المطبقة بإحكام بإشارة تبدو عدوانية تجاه العدائين. بعد ذلك رأيته يبتسم وسمعته يقول: “من الرائع أن نراك هنا بالخارج! يمكنك أن تفعلها!”. دمعت عيناي بينما تابع انطلاقه بالسيارة، وشعرت بتدفق الطاقة في سائر جسدي. وشعرت أنني أنطلق بخفة ورشاقة على الطريق. إن تشجيعاً كهذا محفز للغاية.
عندما يشعر الطفل بالإحباط، حاول طريقة الملامسة والإنصات: قل له مثلاً: “حدثني عن هذا الأمر” بينما تضع ذراعك حول الطفل. أو قل: “إنك متألم اليوم حقاً، أليس كذلك؟ هل تريد التحدث عن هذا؟”، أو “أعرف أن هذا صعب عليك، ولكن تستطيع القيام به”.
عندما تلمس طفلك، أنت لا تشاركه شعوره بالحزن فحسب، ولكنك تمده بالطاقة أيضاً. كما لا يجب أن تشعر بالشفقة عليه وترثى لحاله، حيث يمكن أن يسبب هذا الإحباط لكما معاً. ولكن ما تفعله هو ملامسته من أجل سماعه، ومن أجل فهم الأمر.
بعد أن تجرب هذا، دع بعض الوقت يمر قبل أن تخبر طفلك كيف يعود إلى المسار الصحيح. ففي بعض الأحيان، نحاول تصحيح كل شيء بسرعة بالغة ونتسبب في استنزاف طاقة الطفل. امنحه بعض الوقت، وستندهش بمدى تزويد الملامسة والإنصات وحدهما له بالطاقة.
عند استخدام أي من أدوات التحفيز، يجب أن نتذكر أن التحفيز الدائم يجب أن ينبع من داخل الطفل. فأساليب التحفيز من قبيل الإكراه، والتهديد، والرشوة هي وسائل مؤقتة. ووظيفتنا كآباء هي مساعدة أطفالنا على تحديد أهدافهم، والثقة بهم بالقدر الكافي لكي نراهم يحققون تلك الأهداف، ومتى أمكن، علينا أن نستخدم مواردنا لمساعدتهم على تحقيق تلك الأهداف.