يصعُب معرفة الأشخاص الذين سيصابون بالسرطان النقيلي أو المتقدم. يُلاحظ هنا أن بعض أنواع السرطان تتمتع بقابلية للانتشار أكثر من غيرها.
وإحدى الطرق التي يستخدمها الأطباء هي مراقبة مدى الشبه الذي تحمله الخلايا السرطانية للخلايا السليمة (أو الطبيعية)، وتسمى هذه العملية تحديد الدرجة. ويُلاحظ أنه كلما بدت الخلايا طبيعية (أي مثل الخلايا العادية)، كلما تقلصت احتمالات انتشار السرطان. وتوجد طريقة أخرى تتعلق بحجم الورم. وإذا ما اكتشف الطبيب أن السرطان قد انتشر نحو العقد اللمفاوية المجاورة، فقد يكون ذلك دلالة على تزايد خطر انتشار السرطان إلى أماكن بعيدة. يُكتشف هذا الأمر أحياناً بعد إجراء الجراحة وإزالة العقد اللمفاوية ثم اختبارها تحت المجهر.
حتى بعد معرفة هذه الأمور (التي أشرنا إليها)، يبقى الأطباء غير متأكدين من احتمال انتشار سرطان المريض أو إذا قد أُصيب المريض بالسرطان المتقدم في مرحلة سابقة. وسيعمد الطبيب في معظم الأحيان إلى مراجعة سجلك الطبي وإخضاعك لعدة فحوصات، مثل بعض أنواع اختبارات الدم بالإضافة إلى فحوصات التصوير. سيتمكن الطبيب عادةً من إعطائك نتيجة الفحوصات (أي إذا ما كنتَ مصاباً بالسرطان المتقدم)، بعد أن يضع أمامه كل المعلومات التي تجمعت لديه.
ستجد أدناه بعض الدلالات والأعراض للسرطان المتقدم، بالإضافة إلى طرق اكتشافه.
الدلالات والأعراض
يُعتبر الإحساس بفقدان الطاقة، والشعور بالتعب والإرهاق، أهم عَرضَين من أعراض المرض يؤكدان وجوده. ويجد معظم المصابين بالسرطان المتقدم صعوبة كبرى بالقيام بواجباتهم اليومية، ولذلك يطلبون غالباً مساعدة غيرهم من الناس. ويصل بهم الأمر أحياناً إلى درجة من السوء بحيث يمضون معظم أوقاتهم في السرير. ويُذكر أن فقدان الوزن هو مؤشر آخر.
قد يترافق الألم مع السرطان المتقدم ولكن ليس دائماً. ويجدر بنا أن نذكر أن ضيق النَّفَس هو أمر شائع في حالة سرطان الرئة.
يستطيع القارئ أن يجد معلومات إضافية عن الأعراض في القسم الذي يحمل عنوان “السيطرة على (معالجة) المشاكل الجسدية للسرطان المتقدم”.
الفحوصات الجسدية
سيعمد طبيبك إلى طرح أسئلة عن الأعراض التي تشعر بها، بالإضافة إلى قيامه بفحصك. يجد الطبيب في بعض الحالات علامات عن المشاكل التي يتسبب بها السرطان المتقدم. وتشتمل هذه العلامات على:
– وجود سائل في رئتيك، أو في تجويف بطنك
– وجود كتل ورمية في جسمك
– تضخم الكبد
اختبارات الدم
تدل بعض اختبارات الدم على وجود السرطان المتقدم. إن نتائج فحوصات وظائف الكبد غالباً ما تدل على شذوذ إذا كان السرطان قد غزا الكبد. قد يفرز الورم السرطاني مادة تدعى مؤشر الورم، مثل مادة مستضد البروستات المحدد (بي أس آي)، وتظهر هذه المادة في حالة إصابة المريض بسرطان البروستات، ومثل مادة مستضد السرطان الجنيني في حالة إصابة المريض بسرطان القولون. وقد ترتفع مستويات هذه المواد بصورة عالية جداًً. وتتميّز السرطانات الأخرى بمؤشرات ورم أخرى متعددة.
فحوصات التصوير
تصوير الصدر بالأشعة السينية:
تستطيع صورة الصدر بالأشعة السينية إيجاد أورام في رئتيك أو سائل في صدرك.
التصوير المقطعي المحوسب (المسح المقطعي بالكمبيوتر):
يتألف التصوير المقطعي المحوسب من مجموعة صور بالأشعة السينية تُنتج صوراً مقطعية مفصلة لجسمك. يقوم جهاز الأشعة المقطعية بأخذ صور عديدة أثناء دورانه حول جسمك، وذلك بدلاً من أخذ صورة واحدة، كما في حالة صورة الأشعة السينية العادية. يقوم الكمبيوتر بعد ذلك بدمج هذه الصور في صورة واحدة تمثّل شريحة لذلك القسم من جسمك. وتقوم الآلة بأخذ صورٍ لشرائح متعددة لذلك القسم الذي يتم فحصه. ويلجأ الطبيب عادةً بعد الانتهاء من المجموعة الأولى من الصور إلى إعطائك حقنة وريدية تحتوي على عامل تباين، أو تحتوي على صبغة، وهو ما يساعد على إظهار حدود أعضاء الجسم الداخلية بطريقة أفضل. يقوم الطبيب بعدها بأخذ المجموعة الثانية من الصور.
يستطيع الطبيب أن يستخدم الماسحات المقطعية المحوسبة في عملية التوجيه الدقيق لخزعة إبرية، وذلك في حالة الاشتباه بسرطان نقيلي. يُدعى هذا الإجراء الخزعة الإبرية الموجهة بالماسحة المقطعية المحوسبة، ويستدعي هذا الإجراء بقاء المريض على طاولة المسح المقطعي المحوسب أثناء قيام طبيب الأشعة بإدخال خزعة إبرية باتجاه مكان الورم. ويقوم الأطباء بتكرار المسح المقطعي المحوسب حتى يتأكدوا من وجود الإبرة داخل كتلة الورم. يلجأ الطبيب بعد ذلك إلى اقتطاع خزعة إبرية دقيقة جداً (أي جزء دقيق من النسيج)، أو يقوم بأخذ نموذج من وسط الكتلة بواسطة الإبرة (يأخذ النموذج شكلاً أسطوانياً بطول نصف إنش (1.3 سم) تقريباً، وبقطر يقل عن 8/1 من البوصة (0.32 سم)). وتُفحص العينة بواسطة المجهر بعد استخراجها.
يثير الفحص بالماسحات المقطعية المحوسبة ضجراً أكثر من ذلك الذي تسببه صور الأشعة السينية، ويرجع ذلك إلى أنها تأخذ وقتاً أطول، وعادة يتطلب الأمر منك أن تستلقي على طاولة لمدة تتراوح بين خمس عشرة دقيقة ونصف ساعة، وهي المدة التي يستغرقها الفحص. يُذكر أن عمل هذه الأجهزة آخذٌ بالتسارع، مثلما هو الحال مع الأجهزة المحوسبة الأخرى، ونتيجة لذلك تقصر مدة الفحص. ويشعر المريض أنه محتجز أثناء استلقائه وسط ذلك الجهاز أثناء أخذ الصور.
يحتاج الأمر إلى أنبوب حقنة وريدية كي يتم حقن صباغ التباين بواسطته. ويمكن أن تتسبب هذه الحقنة أيضاً باحمرار الجلد وبالطفح الجلدي لدى بعض المرضى المصابين بالحساسية. تتسبب هذه الحقنة نادراً بارتكاسات أكثر خطورة، مثل صعوبة التنفس وانخفاضٍ في ضغط الدم. يتعيّن عليك لأجل ذلك أن تُبلغ طبيبك ما إذا كانت لديك أية ارتكاسات تجاه أية مادة تباين من تلك المواد المستخدمة في صور الأشعة السينية. ويطلب الطبيب منك أحياناً أن تشرب كوباً أو كوبين من محلول تباين. يساعد هذا المحلول على تحديد الأمعاء، وذلك بهدف عدم الخطأ في اعتبارها ورماً.
التصوير بالرنين المغناطيسي
تستخدم ماسحات الرنين المغناطيسي الموجات الراديوية ومغناطيسات قوية بدلاً من الأشعة السينية. يجري أولاً امتصاص الطاقة الصادرة عن الأشعة الراديوية، ثم تُطلق هذه الطاقة على شكل أنماط يحددها نوع النسيج وأمراضٍ معينة. يقوم جهاز الكمبيوتر بعد ذلك بترجمة نمط الموجات الراديوية المنطلقة من الأنسجة، ويحولها إلى صورة مفصلّة جداً تُظهر أجزاء الجسم. ويقوم هذا الجهاز ليس فقط بتوليد صور لشرائح من جسمك، مثلما يفعل جهاز الأشعة المقطعية، بل أيضاً يُظهر شرائح متوازية مع طول جسمك. يحدث أحياناً أن يأمر الطبيب بحقن المريض بمادة تباين، مثلما هو الحال مع الماسحات المقطعية المحوسبة، لكن هذه الطريقة هي أقل استخداماً.
تُعتبر ماسحات الرنين المغناطيسي أدوات مساعدة جداً في تفحص الدماغ والحبل الشوكي، لكنها تثير ارتياحاً أقل من الماسحات المقطعية المحوسبة. تأخذ ماسحات الرنين المغناطيسي هذه وقتاً أطول من الوقت الذي يستغرقه التصوير بالماسحات المقطعية، وقد تصل مدة التصوير إلى ساعة من الزمن. يُذكر أيضاً أنه يتعيّن وضعكَ داخل جهاز يشبه الأنبوب، وهو ما يُشعرك أنك محتجز، ويدفع ببعض الأشخاص إلى الشعور برهاب الاحتجاز في الأماكن المغلقة. يُنصح في هذه الحالة أن تُغلق عينيك من أجل المحافظة على هدوئك. وثبُت أن التفكير بصور ذهنية مفرحة هو أمر يبعث على الاسترخاء ويبعث على الشعور أن الوقت يمضي بسرعة أكبر. تستطيع أن تطلب إعطاءك أدوية مضادة للاكتئاب إذا كنت تظن أنها ستساعدك. يُذكر أنه إذا كنت تعاني من خوف شديد من الاحتجاز في الأماكن المغلقة (رهاب الاحتجاز)، تستطيع عندها أن تبحث عن منشأةٍ لديها جهاز مفتوح للتصوير بالرنين المغناطيسي. ولا تخلو مدن كثيرة من مركز تصوير بالرنين المغناطيسي يتوفر فيه الجهاز المفتوح (أي لا يوجد فيه أنبوب مغلق).
يُصدر جهاز الرنين المغناطيسي صوتاً مرتفعاً يشبه الصوت الذي تصدره غسّالة الملابس، وقد تعتبره مزعجاً لك. يُذكر أن بعض مراكز التصوير توفّر سماعات أذن كي يستطيع المريض سماع الموسيقى، وإبعاد صوت ضجيج الجهاز. يلاحظ أن معظم الناس لا يجدون صعوبة كبرى في الخضوع لتجربة الرنين المغناطيسي، ولذلك تستطيع مناقشة ما يقلقك من أمور وطرح ما تشاء من الأسئلة على طبيبك أو ممرضتك. كما أنك تستطيع البقاء على اتصال مع تقني التصوير خلال عملية الفحص هذه.
التصوير الطبقي باستخدام الإلكترونات الإيجابية (PET)
يستخدم التصوير الطبقي باستخدام الإلكترونات الإيجابية نوعاً من السكر (الغلوكوز) الذي يحتوي على ذرة مشعة. تقوم كاميرا خاصة بالكشف عن النشاط الإشعاعي، ويُذكر أن الخلايا السرطانية الموجودة في الجسم تمتص كميات عالية من السكر المشع، ويرجع ذلك إلى نسبة الأيض المرتفعة التي تتمتع بها. يفيد هذا النوع من التصوير عندما يشك طبيبك أن السرطان قد انتشر، لكنه لا يعرف أمكنة الانتشار بالتحديد. ويستطيع الطبيب استخدام التصوير المقطعي باستخدام الإلكترونات الإيجابية (PET) ليكون بديلاً عن أخذ عدة صور بالأشعة السينية، نظراً لشمول هذا النوع من التصوير جسمك كله.
التصوير فوق السمعي
يستخدم التصوير فوق السمعي الأمواج الصوتية لتكوين صور للأعضاء الداخلية. ويقوم جهاز الكمبيوتر بعرض الصورة على شاشته. يُعتبر التصوير فوق السمعي مفيداً بالكشف عما إذا كانت بعض الأورام سرطانية أم لا، وهو فحص سهل جداً للقيام به بالإضافة إلى أنه لا يستخدم الأشعة السينية. ويُطلب من المريض في هذا الفحص أن يستلقي على طاولة بينما يحرك أحدهم آلة منبسطة فوق مستوى جلده مباشرة.
ماسحات العظام بالنوى المشعة
تساعد هذه الطريقة على إظهار ما إذا كان السرطان قد انتقل إلى العظام. ستُعطى عند خضوعك لهذا الفحص حقنةً وريدية تحتوي على مادةٍ مشعة تدعى تكنيتيوم ثنائية الفوسفونات. يُذكر أن الحقنة هي الجزء المزعج الوحيد في عملية المسح بكاملها. ويُذكر أيضاً أن كمية الإشعاع المستخدمة تُعتبر منخفضة إذا ما قورنت مع الجرعات الأعلى المستخدمة في المعالجة الإشعاعية، ونلاحظ أن هذا المستوى المنخفض من الإشعاع لا يسبب أية تأثيرات جانبية.
تنجذب المادة المشعة المستخدمة في هذا الفحص إلى خلايا العظام المريضة المتواجدة في كامل الهيكل العظمي. وتظهر المناطق المصابة في صورة مسح العظام هذه بشكل مناطق رمادية داكنة إلى سوداء، تدعى “البقع الساخنة”. تدل هذه المناطق على احتمال وجود السرطان النقيلي، إلا أن التهاب المفاصل، أو الالتهاب (الخمج)، أو حتى أمراض العظام الأخرى، تتسبب بظهور هذه البقع الساخنة، إلا أن أنماط ظهورها تختلف عن الأنماط التي يسببها السرطان. ويلجأ الفريق المعالج للسرطان إلى استخدام فحوصات تصوير أخرى، أو أخذ عينات من العظام لفحصها، وذلك من أجل تمييز حالة السرطان عن غيرها. وتستطيع ماسحات العظام اكتشاف وجود السرطان النقيلي أبكر من صور الأشعة السينية (أشعة أكس) العادية. وتوجد ميزة أخرى لفحص ماسحات العظام هذه، وهي فائدتها في تحديد مكان وجود السرطان النقيلي في العظام وقدرتها على تتبع استجابة المرض للمعالجة.
تفشل ماسحات العظام أحياناً في اكتشاف مناطق انتشار السرطان في العظام. يحدث هذا الفشل أحياناً إذا كانت النقائل مدمرة للعظام (تدمر أو تذيب العظام). ويفشل المسح في إظهار أي نشاط مشع في مناطق محددة من العظام إذا كان السرطان قد دمر هذه المناطق كلياً.
فحص العيّنات
يرغب الأطباء عادة بالتأكد من وجود السرطان إذا ما أظهرت فحوصات التصوير وجود شيء غير طبيعي. يتم هذا الأمر عادة عن طريق أخذ قطعة صغيرة من النسيج المصاب وتفحّصه تحت المجهر. يلجأ الطبيب عادة إلى إدخال إبرة في البقعة المصابة، ثم يتم شفط أجزاء من النسيج، أو قطعة مأخوذة من وسط المنطقة المصابة. وتتواجد الخلايا السرطانية أحياناً في السائل الذي يتكوّن في الصدر أو في البطن. تُفحص هذه النماذج فيما بعد تحت المجهر. يُذكر أنه من المهم أن يتأكد طبيبك من انتشار السرطان، وعادة ما يكون فحص العينات هو الطريقة الوحيدة لذلك.