التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

تشخيص مشكلتين: أمراض واضطرابات مع المدمنين: علاج الإدمان – ج16

إنّ التعامل مع الإدمان بحدّ ذاته أمر صعب للغاية، ولكنّ أكثر من نصف المدمنين يعانون أيضاً من اضطرابات انفعالية/نفسية مثل الكآبة واضطرابات القلق، والاضطراب ثنائي القطب، أو أمراض أخرى. إذا كنت واحداً من ملايين الناس الذين لديهم مثل هذا التشخيص الثنائي، فعليك أن تعالج مشكلتين في آن معاً.

الجانب السيّئ في هذا الأمر هو أن هذين المرضين، كليهما، هما من أمراض الدماغ التي يمكن أن تؤذيك جسدياً، ونفسياً، واجتماعياً، وروحياً، وتضعف قدرتك على العمل بفعالية، وعلى التعامل مع الآخرين. والجانب الجيد هو أن أشخاصاً لا يحصون قد واجهوا المرضَين وتغلبوا عليهما وخرجوا منهما منتصرين.

يعقّد التشخيص ثنائي المعالجة ويزيد في خطورة التعرض للانتكاس، حيث يمكن لكلا المرضين أن يتفاعلا وأن يزيد كل منهما الآخر سوءاً. أحياناً، تغطي أعراض أحدهما أعراض الآخر، بل وتكون قناعاً لها، جاعلة التشخيص والمعالجة أكثر صعوبة. إن وجود أحد المرضين قد يبطّئ شفاءك من الآخر، ويضعف من عزيمتك على البقاء صاحياً. لهذا السبب، من المهم الحصول على تشخيص صحيح وعلى معالجة لكليهما في وقت واحد.

حين تصبح المشكلة مشكلتين

هناك تنوع كبير في الأمراض الانفعالية النفسية التي قد ترافق الإدمان، ويشمل هذا التنوع:

– الاضطراب الاكتئابي الرئيس.
– الاضطراب ثنائي القطب/الهوس.
– اضطرابات القلق.
– اضطرابات الهوس القهري.
– اضطراب نقص الانتباه/اضطراب نقص الانتباه المفرط.
– العجز الجنسي.
– اضطرابات الأكل.
– اضطرابات الهلع.
– الرهاب.
– الفصام.

هناك بعض النماذج العامة التي تمّت مشاهدتها في العديد من التشخيصات الثنائية. مثلاً، ترتبط اضطرابات الكآبة غالباً بتناول الكحول والمسكنات، بينما تشاهَد الاضطرابات ثنائية القطب غالباً مصاحبة لتناول المنشطات والأفيونات. ولكنها على كل حال ليست قواعد منقوشة في الصخر. فيمكن أن نجد استخدام المخدرات أو الإدمان مترابطاً مع أي مرض انفعالي/نفسي، والعكس صحيح.

تبدأ المشكلة أحياناً بسوء استعمال المواد الإدمانية، بالإفراط بالتعاطي، أو بالإدمان الذي ينمو بشكل حادّ إلى درجة يتسبب معها بالكآبة، والغضب العارم، والهلوسة، ومحاولات الانتحار، والأعراض الأخرى للاضطراب الانفعالي/النفسي. خمسة وثلاثون بالمئة من الذين يتناولون المخدرات، وسبعة وثلاثون بالمئة ممن يتناولون الكحول يعانون على الأقل من مرض عقلي خطير واحد. وفي حالات أخرى، يبدأ الأمر بمرض انفعالي/نفسي. فيحاول الفرد معالجة نفسه، مستخدماً الكحول أو المخدرات كي يتخلص – بشكل مؤقت – من القلق، أو الكآبة، أو من أعراض أخرى. أو أنه يبدأ بتناول الكحول و/أو المخدرات من قبيل التسلية، ولكن، وبسبب المرض العاطفي/النفسي الموجود سابقاً، ينزلق المرء إلى الإدمان بسهولة أكبر مما قد يفعل الآخرون. وبطريقة ما يعاقر – تسعة وعشرون بالمئة ممن شُخص لديهم مرض عقلي – الكحول أو يتعاطون المخدرات.

قد تلعب العوامل الاقتصادية والاجتماعية دورها أيضاً في التشجيع على الإدمان لدى أولئك المصابين بأمراض عقلية والذين هم غالباً ضحايا انجراف هابط. وعلى سبيل المثال، فإن الشخص الذي لا يستطيع المحافظة على عمل ثابت ولا يستطيع الإبقاء على علاقات أسرية قوية، ينتهي به المطاف إلى العيش في حي هامشي حيث يسود تناول الكحول والمخدرات. ومن السهل أن يصبح في مثل هذه الظروف فريسة لتعاطي المخدرات. وإذا كان لديه أو لديها صعوبات في بناء علاقات اجتماعية، فإن المجموعات أو الصداقات القائمة على تناول الكحول والمخدرات تصبح أكثر جاذبية.

أكثر من مرضين في آن معاً

التشخيص الثنائي ليس ببساطة مرضاً أُضيف إلى مرض آخر: إنه مرض ضاعفه مرض آخر، مما يجعل التعامل مع كل منهما أمراً أشد تعقيداً. وقد تنجم التعقيدات عن عدة عوامل منها:

– إن العديد من أعراض الإدمان الحاد على المخدرات تحاكي أعراض الحالات النفسية. هذا يعني، أنه قد يتوجب على المريض أن يمرّ بمرحلة الانسحاب من الكحول والمخدرات قبل أن يكون من الممكن تشخيص المشكلة النفسية الكامنة لديه بشكل دقيق.

– قد يثير الانسحاب من الكحول والمخدرات أعراضاً مشابهة جداً لأعراض مرض نفسي، مما يزيد من احتمال الوقوع في التشخيص غير الصحيح.

– وحتى إذا تم تمييز المشكلات الثنائية بشكل صحيح، فمن الصعب جداً أن يتعهد أولئك الذين يعانون من الإدمان إضافةً إلى الضيق النفسي، الالتزام بالمعالجة وتلبية متطلباتها.

– إن سلوك المريض ذي التشخيص الثنائي غريب الأطوار والمؤلم و/أو الخطر يجعله شخصاً غير مُرحب به في البيت، أو في مكان سكنه في المجتمع، أو في برامج إعادة التأهيل. وينتج عن هذا أن المريض يفقد نظام الدعم وقد يعاني من انتكاسات متعددة وعلاجات في المستشفى متكررة.

– يرتكب مرضى التشخيص الثنائي غالباً العنف، ويمارسون العنف المنزلي ويحاولون الانتحار ويعانون من هذه المحاولات.

– قد يسهم الاعتماد غير المعالج على المواد الكيميائية في معاودة المرض النفسي حتى وإن كان مسيطراً عليه بشكل جيد.

– قد يسهم المرض النفسي غير المعالج في الانتكاس والعودة إلى تعاطي الكحول والمخدرات.

مما يجعل الأمور أكثر سوءاً، هو أن برامج خدمات الصحة العقلية غير مهيّأة بشكل جيد للتعامل مع المرضى الذين لديهم تشخيص ثنائي. وعادةً، يوجد في مركز خدمة الصحة العقلية أقسام منفصلة للإدمان على المخدرات وأخرى للأمراض العقلية، ولكن لا يوجد قسم مصمَّم للتعامل مع المشكلتين في الوقت نفسه. وينتج عن هذا الوضع تقاذف المرضى بين الأقسام جيئةً وذهاباً أو يتم رفض معالجتهم لعدم وجود أيّ قسم مجهّز للتعامل معهم.

من المهم فهم الأمراض الأخرى قبل مناقشة كيفية معالجتها، لذا، دعونا نلقي نظرة على أصناف الأمراض الرئيسة التي كثيراً ما ترافق الإدمان.

نظرة إلى النصف الآخر من تشخيص ثنائي

تتوزع الأمراض الانفعالية/النفسية التي يمكن أن تترافق مع الإدمان، وتزيد من تعقيده، في ثلاثة أصناف:

– اضطرابات المزاج (العاطفية).
– اضطرابات القلق.
– اضطرابات ذهانية.

لنلقِ نظرة سريعة على كل من هذه الأصناف الثلاثة العامة.

اضطرابات المزاج (العاطفية)

الأمزجة هي جزء من الطيف العاطفي (العاطفي تعني بأنه يرتبط بالمشاعر أو العواطف، أو ينشأ عنها، أو يؤثر فيها) الذي يتراوح من الكآبة المتطرفة في المرحلة الأولى وحتى الابتهاج الخطير الذي لا يمكن التحكم به في المرحلة الأخيرة. تُدعى الأمراض العقلية كلها ضمن هذا الطيف باسم الاضطرابات العاطفية.

تعقب المزاج من صفر إلى عشرة:

يبدو الطيف العاطفي على هذا النحو:

0—-1—-2—-3—-4—-5—-6—-7—-8—-9—-10

الكآبة الحادة / الخليط الطبيعي من الحزن والسرور / الابتهاج غير القابل للتحكم به

إن مزاج المرء الصحيح عقلياً عادة يقع في مركز الطيف، متراوحاً ما بين رقمي 3 و7 وعاكساً ما تزخر به الحياة من عسر ويسر بشكل طبيعي. قد ينحدر خط المزاج أحياناً بشكل حاد – عندما يموت أحد الأحباء مثلاً – ولكنه لا يبقى في المستوى 0 أو 1. بل بالأحرى يعود إلى المعدل الأوسط بعد فترة مناسبة من الزمن. كذلك قد ينطلق المزاج صعوداً في بعض المناسبات عندما يقع أمر ما يثير فرحاً بالغاً، كولادة طفل، لكنه سرعان ما يعود للاستقرار في المعدل الأوسط.

أما بوجود اضطرابات المزاج، لا يحوم مزاج المرء حول مركز الطيف. بل بسبب عدم التوازن الكيميائي في الدماغ، فإنه يندفع نحو نهايات الطيف المتطرفة من دون سبب ظاهر ويمكن أن يبقى هناك فترات طويلة من الزمن بشكل مقلق.

وفي ما يلي الأنماط الأربعة لاضطرابات المزاج:

– الكآبة الرئيسة.

– الهوس.

– الاضطراب ثنائي القطب.

– الحالة المختلطة ثنائية القطب.

لنلقِ نظرة على كل من الأنماط الأربعة بالتفصيل:

الكآبة الرئيسة

كل فرد يشعر أحياناً أنه حزين: مشاعر اليأس والعجز والكآبة من وقت إلى آخر هي رد فعل طبيعي على خسائر الحياة وصراعاتها. السبب في هذا النوع من الكآبة واضح عادة، وتزول المشاعر الحزينة عموماً من تلقاء نفسها بمرور الوقت.

مع ذلك، تكون المشاعر التعيسة أحياناً مركّزة بشدة، وطويلة الأمد، ولا تحرضها أحداث الحياة ولا تتلاشى في مدى معقول من الوقت. وبدلاً من ذلك، قد تتباطأ لشهور، بل حتى لسنين متداخلة مع قدرة الفرد على التفكير والعمل والطعام والنوم والابتهاج برفقة الآخرين، بالإضافة إلى ذلك مشاركته الحياة. يبدو أن المشاعر الكئيبة تنبعث من دون مبرر، أو أنها تكون ردود أفعال مبالغاً فيها على مشكلة أو موقف. وحتى إذا تحسنت حياة المرء فإنه يستمر في الشعور بالبؤس والضعف واليأس وعدم القدرة على تخيل نفسه سعيداً مرة أخرى. هذه الأعراض الشديدة والجاثمة مدة طويلة تشير إلى اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ؛ وبخاصة، انخفاض شديد في مستويات الناقلات العصبية مثل سيروتونين ونورإبينفرين. بدلاً من الكآبة العادية، لدى الأشخاص الذين يمرون بهذا الظرف مرض عقلي يسمى الكآبة الرئيسة ويعانون من الأعراض التالية، مثل:

– أفكار حزينة.
– نوبات بكاء.
– انخفاض في الطاقة/تعب شديد.
– انقطاع عن الأنشطة العادية، مثل العمل أو تنظيف المنزل.
– فقدان الاهتمام بالمهنة أو بالهوايات.
– النوم أكثر من المعتاد.
– الأرق.
– زيادة التفكير في الشراب.
– نقص الاهتمام بالأنشطة الجسدية أو التمرينات.
– تحاشي الأنشطة الاجتماعية.
– مشاعر السأم، أو الانزعاج أو الغضب.
– نقصان في الدافع الجنسي.
– الأكل حتى التخمة أو عدم الأكل.
– أفكار أو أفعال انتحارية.

(يجب على الأقل أن يتوافر اثنان معاً من الأعراض المذكورة آنفاً خلال فترة شهرين على الأقل، كي تكون الحالة مؤهلة لتشخيص مثل اعتلال الكآبة الرئيسة).

تبقى الأمزجة السلبية، والحزن، وأعراض أخرى للكآبة الرئيسة شائعة بين المدمنين خلال عملية الشفاء. قد يتسبب بها، بشكل مباشر، آثار الكحول والمخدرات الموهنة للعزيمة، أو قد يسببها فقدان العمل، اضطرابات الأسرة أو مشاكل أخرى تنجم عن الإدمان. أو قد تعود الأعراض إلى اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ، أو إلى الكحول أو المخدرات، أو إلى نتائج تناول الكحول/المخدرات، أو إلى العوامل الثلاثة كلها.

ومن سوء الحظ، إن الشخص المدمن في مرحلة الصراع العنيف مع الكآبة الرئيسة يلاقي صعوبات خاصة في المشاركة في برنامج علاجي. فعندما لا تستطيع أن تسحب نفسك من السرير في الصباح وتشعر أنه لا يوجد أمل، فكيف ستجد لديك الطاقة لحضور اجتماع آخر مع أي مجموعة؟

الهوس

الهوس هو ببساطة عكس الكآبة الرئيسة، هو شعور بعيد المدى متطرف من الابتهاج الذي لا يتناسب مع الأحداث الإيجابية التي يبدو أنها قد ولّدته. يتسم الهوس بما يلي:

– قابلية اهتياج غير طبيعية.
– مشاعر مبالغ فيها بحسن الحال.
– التفكير في سرعة كبيرة جداً.
– نشاط مفرط، من دون تعب.
– حماس دائم.
– سلوك مندفع (مثال على ذلك: نوبات الإنفاق المسرف للمال، دافع جنسي مفرط النشاط).
– أحكام فاسدة.

يطبق تشخيص الهوس على أولئك ذوي المزاج المبتهج بإصرار، أو ذوي النزق المتطرف، إضافة إلى ظهور على الأقل ثلاثة من الأعراض التالية لمدة أسبوع على الأقل:

– تقدير الذات المبالغ فيه إلى درجة متطرفة.
– حاجة متضائلة إلى النوم (النوم أقل من أربع ساعات في الليلة، وبالرغم من ذلك، عدم الشعور بالتعب خلال النهار).
– زيادة في الميل إلى الحديث المفرط، وعادة تصعب مقاطعته.
– تشتّت الأفكار، القفز غالباً من موضوع إلى موضوع آخر بتتابع سريع وبدون ترابط.
– انتقال الانتباه بسهولة، مع صعوبة البقاء على مهمة أو المتابعة بمشاريع.
– زيادة النشاط الموجه إلى هدف، مثل التسوق المفرط، أو النشاط الجنسي، أو التحرك جسدياً (صعوبة الجلوس بهدوء).
– المشاركة المفرطة في سلوكيات ممتعة ومغامرة أو في أنشطة، مثل ممارسةالجنس من دون وقاية أو السرقة من المتاجر.

النقطة المفتاحية في الهوس هو أنه ليس شعور المرء بأنه سعيد جداً ونشيط وحسب. إنه سعادة متطرفة، وخارجة عن السيطرة، وشكل من الطاقة يجعل من الصعب الدخول في أنشطة الحياة العادية، وهو يشجع سلوكاً متهوراً، وغالباً خطيراً، ويمكن أن يحطّم علاقات الفرد وأوضاعه المالية وصحته. قد يظهر لدى المرضى الذين خبروا الهوس أيضاً أوهام من الشعور بالعظمة، وتديُّن مفرط واعتقادات غير صحيحة عن أنفسهم وعن العالم.

الاضطراب ثنائي القطب

الاضطراب ثنائي القطب معروف أيضاً كمرض هوسي/اكتئابي، وهو مرض دماغي خطير يسبب نوبات متطرفة في المزاج، وفي الطاقة، وفي أداء الوظائف؛ بمعنى أنه كآبة رئيسة وهوس يتناوبان في دفع المزاج من أحد أطراف الطيف إلى الطرف الآخر. تتناوب دورات الكآبة والهوس نمطياً، وقد تصبح أكثر تكراراً بمرور الوقت، ومعرقلة العمل، والمدرسة، والأسرة، والحياة الاجتماعية. هناك اتجاه نحو جعل الاضطراب ثنائي القطب رومانسياً لكون العديد من الفنانين والموسيقيين والكتّاب عانوا من التأرجح المتطرف للمزاج. ولكن ليس هناك شيء رومانسي أو يدعو للإعجاب أبداً في مرض هدم حياة الكثيرين وقد يزيد من خطر الانتحار، إن لم يعالَج بشكل فعال.

لسوء الحظ، فإن الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب يتوجهون نحو إيقاف المعالجة ما إن يصبح المرض مستقراً. وحين يشعرون بأن وضعهم عادي يقنعون أنفسهم بأنهم لم يكونوا مرضى، ولذا، فهم لا يحتاجون إلى متابعة العلاج النفسي وتناول الأدوية. وبما أن الأعراض لا تعاودهم نمطياً مباشرة فقد يشعرون بسهولة بأن تخليهم عن المعالجة أمر مبرر. لسوء الحظ، فإن الأعراض تعود عموماً بشكل هادئ وتدريجي مؤدية إلى أزمات عائلية ومالية بين المريض والأشخاص الآخرين.

قد يقع مريض الاضطراب ثنائي القطب عرضة لإغراء استخدام المخدرات والكحول للتعامل مع الأعراض الانفعالية. في بداية الأمر، قد تبدو هذه استراتيجية فعالة، فالأعراض ثنائية القطب قد تتراجع وحتى تختفي خلال الثمَل بالمخدرات أو الكحول. إنما لسوء الحظ، فإن هذه الموادّ قد تدمر أنظمة الناقلات العصبية، وأبعد من ذلك قد تفسد التوازن في كيمياء الدماغ، جاعلة المرض ثنائي القطب أسوأ حالاً على المدى البعيد. وتصبح زيادة كميات الكحول والمخدرات مطلوبة لإخفاء أعراض التدهور، مما يؤدي إلى تقدم متسارع في المرض، وربما إلى العلاج في المشفى.

الحالة المختلطة ثنائية القطب

بالرغم من غرابة الأمر، غير أنه من الممكن أن يعاني المرء من الكآبة الرئيسة وأيضاً الهوس في الوقت ذاته. تستمر أعراض المرضين كليهما على الأقل مدة أسبوع، ويومياً. كي تتمكن من تشكيل واقعة مختلط. ويجب أيضاً أن تكون حادة بما فيه الكفاية للتدخل بالعمل أو بالأنشطة اليومية النظامية، وقد تتضمن:

– الاهتياج أو النزق.
– الأرق.
– التغيّر الواضح في الشهية.
– المزاج المكتئب أحياناً؛ والمزاج المبتهج أحياناً أخرى.
– التفكير الانتحاري و/أو الواهم.

ولتزيد الأمور تعقيداً، فقد يصاحب الكآبة الحادة أو الهوس فقدان الاتصال مع الواقع (الذهان). وتتضمن أعراض الذهان ما يلي:

– الهلوسات، أي سماع مثيرات لا وجود لها، رؤيتها، أو بطريقة أخرى، الإحساس بوجودها.
– الأوهام، أي معتقدات لاعقلانية، لا تقرها ثقافة الشخص ولا معتقداته الدينية، وهي تتحدى التفكير الطبيعي، وتبقى وطيدة حتى في مواجهة الدليل الساحق الذي يناقضها.

اضطرابات القلق

الشعور بالقلق، أن تكون قلقاً، أو أن تخاف من وقت إلى آخر، هي أمور عادية وحتى إنها أحياناً مساعدة، لأنها تلزم المرء تأمّل الأشياء بعناية وربما تجنّب المواقف الخطرة.

ولكن، أحياناً يصبح القلق مفرطاً ويسبب خوفاً غامراً وغير عقلاني، وربما يُشلّ المرء عن الحركة في مواجهة المواقف اليومية، كمقابلة أشخاص جدد، أو الذهاب إلى مقابلة عمل، أو حتى مغادرة المنزل. حين يبدأ القلق العادي يتداخل مع قدرة الشخص على الضلوع بمسؤوليات الحياة اليومية، فيكون قد تجاوز الحد وأصبح اضطراب القلق.

يمكن أن يأخذ الاضطراب عدة أشكال، بما في ذلك الرهاب الاجتماعي، واضطراب الهلع، والهوس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة. وفي حين أن أعراض اضطرابات القلق تتنوع، فإن السمات المركزية مع ذلك تتضمن:

– الظواهر عصبية التي تكون حادة جداً أحياناً.
– الخوف.
– الكدر الانفعالي.
– الأعراض الجسدية التي يحفزها الكدر الشديد والتوتر مثل ازدياد نبض القلب والتنفس السريع.
– اضطرابات النوم والقابلية على الطعام، زيادةً أو نقصاناً في كليهما، أو الزيادة في بعض الأوقات والنقصان في أوقات أخرى.
– شعور المرء بأنه خارج حدود السيطرة؛ وخاصةً في مواقف معينة كما هو الحال حين يكون في أماكن عالية أو في أماكن عامة مزدحمة.
– صعوبة التكيف مع مواقف الحياة المجهدة والعادية.
– وفي الحالات الحادة للغاية، إذا تكرّرت تسبب حالةً من الإحباط، يمكن أن يعاني المرء من ممارسة طقوس إدراكية وسلوكية، مثل غسل اليدين المتكرر، أو التأكد باستمرار من قفل الباب الذي يخفف مؤقتاً القلق، ولكن لا يخدم أي هدف آخر.

القلق عامل معقد ومهم في معالجة الإدمان. يفسر معظم المدمنين القلق بأنه رغبة ملحة تنتابهم للحصول على مادتهم الإدمانية. وعليه، فإن اضطراب القلق المستمر غير المعالج يضع المدمن أمام درجة عالية جداً من خطر الانتكاس. بالمقابل، يمكن أن تزيد المعالجة الناجحة لاضطراب القلق الموجود مع الإدمان فرص الشخص في البقاء صاحياً بدرجة كبيرة.

الاضطرابات الذهانية

الاضطرابات الذهانية هي اضطرابات عقلية من قبيل انفصام الشخصية، والاضطراب الفصامي العاطفي، تنتهي إلى أنماط في التفكير مشوشة بشكل خطير وضعيفة الاتصال بالواقع. تتضمن أعراض الاضطرابات الذهانية، والتي يسببها اختلال التوازن العصبي الكيميائي في الدماغ: الأوهام، أو الهلوسات، أو الحديث المتفكك أو المشوش والسلوك المشوش و/أو الشاذ. ويمكن لأعراض الاضطراب الذهاني أيضاً أن تظهر بوضوح في الحالات المتطرفة من الكآبة الرئيسة أو الاضطراب ثنائي القطب.

تُعرّف الأوهام على أنها اعتقادات غير دقيقة أو غير صحيحة يتعلق بها المرء حتى في مواجهة دليل ومنطق مناقضين لها. تتضمن الأمثلة: شعور المرء بأن هناك أحداً ما أو شيئاً ما في الخارج يسعى للنيل منه (مثل مكتب التحقيقات الفدرالي أو كائنات فضائية)، أو اعتقاده بأنه شخص آخر مغاير (ربما رئيس الولايات المتحدة).

يمكن للهلوسات، التي تُعرّف على أنها إدراك حسي داخلي (مثل مشاهد أو أصوات) لا يعكس الواقع، أن تكون إما بصرية أو سمعية أو شمية (رائحة ما) أو لمسية (ملمس ما). وتتضمن الهلوسات البصرية رؤية أشياء غير موجودة بالفعل مثل شخص آخر أو غرباء. في حين تتضمن الهلوسات السمعية سماع صوت غير موجود في تلك اللحظة كسماع صوت شخص آخر.

يمكن أن تشكل معالجة مرضى التشخيص الثنائي ذوي الاضطرابات الذهانية تحدياً كبيراً. بشكل عام، تنطبق مبادئ العلاج على المرضين كليهما معاً، لكن المعالجة توجه بشكل متناسق، وتتطلّب تعاوناً كبيراً من الأسرة.

معالجة النصفين كليهما: برنامج التشخيص الثنائي

هناك أنماط عديدة من إدمان الكحول أو إدمان المخدرات التي يمكن أن تتحد مع أنماط عدة من الأمراض النفسية لإنتاج تنوع كبير في الاضطرابات الثنائية. إن معالجة النصف الأول من اضطراب ثنائي قد تلطّف من أعراض النصف الثاني إلى حدٍّ ما. لكن المعالجة المفردة لا تكفي البتة، حتى وإن كان النصف الذي نتوجه إليه هو الأشد وطأة بين المرضين! وكي تكون المعالجة ناجحة، لا بدّ من معالجة نصفي التشخيص الثنائي في آن واحد ببرنامج موجه إلى تعاطي المادة الإدمانية، وإلى الاضطرابات الانفعالية النفسية وطريقة الحياة. ويجب أن تكون خطة المعالجة المدمجة هذه شاملةً، ومنسقةً، ومتكاملةً، ومرنةً، كما يجب أن تتضمّن:

– معالجةً للمرض النفسي.
– معالجةً للإدمان على الكحول أو المخدرات.
– مشاركةً في برنامج الاثنتي عشرة خطوة.
– أدويةً مناسبة لكل مرض لا تسبب الإدمان.
– تثقيف الأسرة ومشاركتها في معالجة المرضين المركبين الاثنين.

وشخصياً لا أستطيع التأكيد بما يكفي على أهمية البحث عن برنامجِ معالجةٍ صُمّم للتشخيص الثنائي (في حال وجد)، بدلاً من أن يكون قد صُمّم للإدمان لوحده. ولا يوصى عموماً ببرامج معالجة الإدمان للأشخاص الذين يُعانون من مرض عقلي فقط. إذ تميل هذه البرامج إلى المجابهة والقسر، في حين أن معظم الناس ذوي المرض العقلي هم أصحاب شخصيات هشة جداً ولا تستطيع تحمل مثل هذه الهزات العاطفية الحادة.

كذلك تميل هذه البرامج إلى عدم التشجيع على استعمال الدواء، الذي كثيراً ما يكون وجوده حاسماً لأولئك المرضى ذوي الأمراض النفسية. إضافة إلى ذلك، قد تتطلب برامج الإدمان الامتناع عن بعض المآكل والمسكرات كشرط مسبق للدخول في المعالجة. وهذا الامتناع هو بطبيعة الحال الغاية النهائية للمدمنين جميعهم، لكن كثيراً ممن يُعانون من تشخيص ثنائي، هم في حالة إنكار شديد لإدمانهم. ولا يجوز أن يُفرض عليهم الانتظار إلى حين اعترافهم بإدمانهم قبل البدء بالمعالجة.

التعامل مع الاضطراب الانفعالي/النفسي:

قد يأخذ التشخيص الثنائي أشكالاً متعددة، لذا، يجب أن تكون خطة المعالجة مرنة بقدر ما تكون شاملة ومتكاملة. بالإضافة إلى توفيرها الأدوية، والمعالجات السلوكية، وبرنامجاً من اثنتي عشرة خطوة، واستشارة أسرية وعناصر أخرى معيارية في معالجة الإدمان، لا بدّ من أن تتناول خطة التشخيص الثنائي الحالات منفردة لكل نمط من الاضطراب النفسي. والمجالات العامة التي ينبغي التوجه إليها في كل نمط من الاضطراب هي كالتالي:

للكآبة الرئيسة (أو لمُركّب الكآبة الرئيسة في الاضطراب ثنائي القطب):

1.  قدّر الخطر على الفرد والآخرين.
2.  أوجد بيئة آمنة من الكحول والمخدرات للمدمن.
3.  قدّر الحاجة إلى الأدوية وحدد المناسب منها.
4.  حسّن طرائق حل المشكلات لدى المدمن.
5.  حسّن مهارات التكيف لمواجهة التوتر والتعامل معه.
6.  شجّع وساعد على تطوير نظام دعم واعٍ.
7.  حلَّ قضايا الخسارة.
8.  حسّن تقدير الذات ومشاعر التحكم بالنفس (أعد بناء عملية التفكير من خلال العلاج السلوكي المعرفي).
9.  حسّن عادات الطعام.
10. تدبّر الكآبة (قدّم معالجة متخصصة للكآبة الرئيسة).
11. قدّم برنامجاً لمعالجة الإدمان يأخذ التشخيص الثنائي بالحسبان.
12. قدّم تربية تُعنى بأهمية المثابرة على تناول الأدوية.

للهوس:

1.  أوجد بيئة خالية من الكحول والمخدرات للمدمن.
2.  استخدم الأدوية كي يستقر المرض، وأمّن تعليماً يُعنى بالتأثيرات الجانبية للأدوية وبأهمية الالتزام بالدواء.
3.  أمّن تعليماً حول كيفية الحفاظ على عمليات التفكير منطقية ومناسبة.
4.  أزل الاضطرابات الوهمية والذهانية.
5.  حسّن التفاعل الاجتماعي المتبادل وقلل من العزلة عن طريق مجموعة من الأنداد صحية وصاحية.
6.  حسّن تقدير الذات ومشاعر التحكم بالنفس (إعادة بناء عملية التفكير من خلال العلاج السلوكي المعرفي).
7.  حسّن أنماط النوم.
8.  تزوّد ببرنامج معالجة الإدمان الذي يأخذ التشخيص الثنائي في الحسبان.
9.  قدِّم برنامج علاج نفسي يعين على دمج ما ذكر سابقاً جميعاً.

لاضطراب القلق:

1.  قدّر الحاجة إلى الأدوية المضادة للقلق والتي لا تسبب الإدمان.
2.  حدّد مصدر القلق والمخاوف.
3.  حسّن مهارات التكيف ومواجهة المتاعب وبخاصة في مواقف التوتر.
4.  حسّن مهارات حل المشكلات.
5.  حسّن الرعاية الذاتية (التمرينات، التغذية، الصحة).
6.  حسّن التفاعل الاجتماعي المتبادل وقلّل من العزلة عن طريق مجموعة من الأنداد صحية وصاحية.
7.  حسّن تقدير الذات ومشاعر التحكم بالنفس (إعادة بناء عملية التفكير من خلال العلاج السلوكي المعرفي).
8.  حسّن مهارات التواصل.
9.  علّم تقنيات إدارة الإجهاد.
10. ثقّف الأسرة حول القلق.
11. ثقّف الشخص المدمن والأسرة حول التأثيرات الجانبية للأدوية.
12. وفّر برنامج معالجة الإدمان بحيث يأخذ التشخيص الثنائي في الحسبان.

للاضطراب الذهاني:

1.  اكتشف مصدر الاضطراب ووضّحه.
2.  اعرض الاضطرابات النفسية التي تتلازم معاً، والتي قد تحتاج أيضاً إلى المعالجة (وهي الكآبة الرئيسة أو القلق).
3.  وفّر إحالات طبية مناسبة إلى المعالجين ذوي المعرفة.
4.  ضع في اعتبارك استخدام الأدوية التي لا تسبّب الإدمان.
5.  ثقّف الشّخص المدمن والأسرة حول المشكلات الانفعالية والنفسية ومعالجتها.
6.  حسّن مهارات الحماية، وبخاصة في المواقف ذات التوتر العالي.
7.  حسّن مهارات حلّ المشكلات.
8.  علّم تقنيات إدارة التوتر.
9.  حسّن التفاعل الاجتماعي المتبادل، وقلّل من الانعزال عن طريق جماعة صحية من الأقران الصاحين.
10. قدّم برنامج معالجة الإدمان الذي يأخذ التشخيص الثنائي في الحسبان.
11. ثقّف الأسرة وأشركها في برنامج المعالجة.

تذكر أن هذه هي فقط خطوات توجيهية عامة، حيث يجب أن تُفصّل كل خطة علاج على قدر المريض واحتياجاته. وكن على علم، من ناحية ثانية، بأن أي خطة معالجة لا تنكبّ على هذه القضايا قد لا تكون مناسبة للمرضى ذوي التشخيص الثنائي.

معالجة الإدمان والاضطرابات النفسية بالأدوية

يوجد الآن الكثير من الأدوية الآمنة وغير المسببة للإدمان التي يمكنها أن تساعد على التخفيف من أعراض الاضطرابات الانفعالية/النفسية، وأن توازن المزاج، وتزيد القدرة على التركيز على المعالجة. وبالرغم من أن الوصف التفصيلي للأدوية يخرج عن نطاق هذا النص، فإن النظرة العامة الموجزة التالية ستعرّف بالمفاهيم الأساسية:

المعالجة الدوائية للاضطرابات العاطفية (الكآبة أو الهوس)

تُستخدم ثلاثة أصناف من الأدوية للمساعدة على تخفيف أعراض الاضطراب ثنائي القطب: موازنات المزاج، ومضادات الذهان غير النمطية، ومضادات الاكتئاب:

– موازنات المزاج: إن المعالجة الأقدم والأكثر شيوعاً للاضطراب ثنائي القطب هو موازن مزاج لا يسبب الإدمان يسمى ليثيوم، وهو في الواقع معدن مستخرج من الأرض. والليثيوم فعال جداً، بالرغم من أن لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف يساعد على موازنة المزاج المتأرجح في الاضطراب ثنائي القطب. خلال السنوات العشر إلى العشرين الأخيرة تم اكتشاف موازنات مزاج أخرى يمكنها أن تعزز فعالية الليثيوم وتشمل ما يلي:

ديباكوت (فالبرويك أسيد)، نويرونتين (غابابينتين)، تيغريتول (كاربامازيبين)، تريليبتال (أوكسكاربازيبين)، ولاميكتال (لاموتريجين). هذه الأدوية جميعها لا تسبّب الإدمان، وكثير منها يمكن أن يخفف من حدة الرغبات الملحّة بتعاطي الكحول والمخدرات.

– مضادات الذهان غير النمطية: هذا الصنف من الأدوية التي لا تسبّب الإدمان فعال جداً في معالجة الأمراض ثنائية القطب، ويشمل سيروكويل (كويتيابين)، ريسبيردال (ريسبيردون)، أبيليفي (أريبيبرازول)، زيبريكسا (أولانزابين)، وجيودون (زيبراسيدون). وإضافة إلى ذلك تساعد هذه الأدوية في حالات الإدمان على تحسين النوم وتقصير فترات القلق بينما يمكن أن يساعد بعضهم على التخفيف من بعض مضاعفات الكآبة الرئيسة. إلا أن الأدوية في هذا الصنف تزيد بوضوح من خطر تأثير جانبي خطر يسمى تارديف ديسكينزيا (والذي هو عبارة عن حركات متكررة، لا إرادية للعضلات في الساقين والوجه والجذع). فلتتأكد من سؤال طبيبك حول هذه القضية قبل استخدام مضادات الذهان غير النمطية.

– مضادات الاكتئاب: هناك صنفان من مضادات الاكتئاب قد يكونان مفيدين: مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائي (SSRIs)، مثبطات امتصاص النوريبينيفرين الانتقائي (SNRIs). يتضمن الصنف الأول ليكسابرو (إيسيتالوبرام)، زولوفت (سيرترالين)، وباكسيل (باروكسيتين هيدروكلوريد)، ويمكن لهذه العقاقير أن تعالج الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب بشكل آمن وفعّال من دون خطر الإدمان. وهي تمارس أيضاً تأثيرات إيجابية على الإدمان وعلى تعاطي الكحول والمخدرات بالرغم من أنها لا تُعتبر علاجات لهذه المشكلات. تتضمن مضادات الاكتئاب من الصنف الثاني إفيكسور (فلوروراسيل)، بريستيك (ديسفينلافاكسين)، وسيمبالتا (دولوكسيتين). وهي ذات آلية مختلفة بعض الشيء في عملها ولكنها تحقق نتائج مماثلة.

تخفّض أصناف الأدوية الثلاثة هذه أيضاً القلق، مما يمكن أن تساعد في تقليل الرغبات الملحّة وتساهم في استقرار الكآبة الرئيسة واضطراب ثنائي القطب التي تسبب أعراض القلق.

المعالجة الدوائية لاضطرابات القلق

البينزوديازيبينات مثل الفاليوم (ديازيبام)، إكساناكس (ألبرازولام) وأتيفان (لورازيبام) فعالة جداً في التقليل من أعراض القلق؛ غير أن الأشخاص الذين يكافحون الإدمان سلفاً معرضون بشكل كبير لخطر الإدمان على هذه الأدوية.

لذا، فإن البينزوديازيبينات ليست خياراً مطروحاً للمرضى ذوي التشخيص الثنائي. حيث تطرح أدوية مضادات الكآبة الجديدة خيارات أفضل، وكذلك بعض أدوية مضادات النوب ومضادات الذهان يمكن كلها أن تخفف من نسبة القلق من دون أن تسبب انتكاساً. (انظر أدوية الاضطرابات العاطفية المطروحة سابقاً لمزيد من المعلومات عن هذه الأدوية).

دواءان آخران يبدو أنهما فعالان تماماً في تخفيف القلق:

– فيستاريل (هيدروكسيزين).
– ديسيريل (ترازودون).

الفيستاريل مماثل للبينادريل، وهو دواء مألوف يوجد في عدد لا يحصى من المستحضرات للحساسية، ولكن يبدو أن لديه تأثيراً مركّزاً ضد القلق. الترانزودون هو مضادّ كآبة قديم أظهر أن لديه تأثيرات مهمة ضد القلق إضافة إلى قدرته على التسبُّب بالنوم.

تثقيف الأسرة ومشاركتها

بما أن أفراد أسرة المدمن غالباً ما يمنحون الرعاية، ويقدمون الدعم الاجتماعي والمالي، ويراقبون بشكل جيد تقدّم برنامج شفائه، فمن المهم أيضاً أن يكونوا ضمن برنامج المعالجة. فالزوج أو أي شخص آخر مهم، الوالدان، الإخوة والأخوات والأطفال هؤلاء جميعاً يستطيعون أن يلعبوا أدواراً إيجابية في الشفاء – وعلى أقل تقدير – يستطيعون أن يتعلموا حماية أنفسهم من الجمع بين الإدمان والاضطراب النفسي.

يستطيع أفراد الأسرة أن يفعلوا الكثير لمساعدة الأحبّاء ولمساعدة الذات بإدراكها أن الإدمان والاعتلال النفسي هما من الأمراض التي تستدعي المعالجة. عليهم أن يفهموا أنهم لا يستطيعون إيقاف الشخص المدمن عن تعاطي المخدرات، بل يجب أن يتوقفوا عن تمهيد الطريق أمامه أو أمامها للاستمرار في ممارسة الإدمان والحياة في حالة منكَرَة. في الواقع، لدى التعامل مع شخص ذي تشخيص ثنائي، يسهل على أفراد الأسرة أن يطوروا مهارات خاصة بهم للتكيف مع الوضع، وتكون غير فعالة. لذا، فإن تعلم مواجهة المشكلة والتكيف معها بطرائق سليمة وإيجابية تجاه الحياة أمرٌ ضروري.

على الأسرة أيضاً أن تتأكد من أن الشخص المدمن يتلقى علاجاً للتشخيص الثنائي متناسقاً على نحو جيد. وإن لم يكن هذا متاحاً وجاهزاً، فيجب على الأسرة تسجيله أو تسجيلها في برنامجين منفصلين (للصحة العقلية ولمعالجة الإدمان). يمكن في كثير من الحالات تنسيق هذين البرنامجين بتطبيق المفاهيم الملخصة في هذا الفصل. ويمكن للأسرة أيضاً أن تكون ذات عون كبير في تيسير الاتصال بين البرنامجين.

إذا نظرنا إلى النواحي الإيجابية نقول، لدى تقديم المعالجة المناسبة، إن لدى الأشخاص ذوي التشخيص الثنائي فرصة كبرى لتحقيق حالة الصحو والوصول إلى الصحة العقلية الجيدة. وهكذا يحق لأفراد الأسرة أن يتشجعوا ويكونوا واثقين من أن أمراض التشخيص الثنائي قابلة للمعالجة.

برنامج التشخيص الثنائي ذو الاثنتي عشرة خطوة: علاج المجهولين الثنائي

برنامج الاثنتي عشرة خطوة هو جزء أساسي من علاج التشخيص الثنائي. وعلاج المجهولين الثنائي (DRA) هو برنامج ومجموعة دعم يستند إلى برنامج ذي اثنتي عشرة خطوة يستخدمه مدمنو الكحول المجهولون AA)) ومدمنو المخدرات المجهولون (NA). في حين أنه من الرائع لذوي التشخيص الثنائي حضور لقاءات الخطوات الاثنتي عشرة النظامية (كمدمني الكحول المجهولين ومدمني المخدرات المجهولين)، فإن علاج المجهولين الثنائي يركّز بشكل خاص على قضايا ترتبط بالتشخيص الثنائي، وبالتالي فقد يكون أكثر فائدة.

تؤكد مجموعات علاج المجهولين الثنائي (DRA) أهمية معالجة الإدمان والاضطراب النفسي في الوقت ذاته وبشكل ثابت. يشجّع البرنامج الاستخدام المسؤول للأدوية النفسية، ويعلّم المهارات الصحية للتكيف، ويساعد الأعضاء على تطوير شبكات اجتماعية جديدة وصاحية. يذهب بعض مرضاي إلى مجموعات مدمني الكحول المجهولين وإلى مجموعات علاج المجهولين الثنائي: فلديهم في كل برنامج مجموعة بيت، ويوزعون حضورهم بين الاثنين. ولكن إذا لم تتوفر مجموعة علاج المجهولين الثنائي، فيضحي مدمنو الكحول المجهولون (AA) أو مدمنو المخدرات المجهولون (NA) هم المساعد الممتاز لبرنامج معالجة التشخيص الثنائي.

ملاحظة حول الكافيين والنوم

على جميع الذين يخضعون لمعالجة الإدمان أو المرض النفسي أن يقللوا من استهلاك الكافيين بشكل كبير وبخاصة خلال الانسحاب وبعد مراحل الانسحاب الحاسمة، أو في حالات القلق أو اضطراب المزاج.

بالرغم من أن الكافيين لا يتعدى كونه منبهاً معتدلاً لمعظم الناس، فإن الكميات الكبرى منه يمكن أن تجعل بعضهم يشعرون باهتياج عصبيّ بالغ أو بحالةٍ نفسية قلقة قد تؤثر في نومهم. يطوّر الناس عامة قدرة على احتمال آثار الكافيين المنبّهة ولكنّهم لا يطوّرون مثل هذه القدرة لاحتمال آثاره التي تستدعي القلق/الاهتياج واضطراب النوم.

معظم آثار الكافيين المنبهة هي نفسية وليست عضوية. وبتعبير آخر، فإن مجرد مشاهدة فنجان القهوة، أو مقهى لتناول القهوة، أو شمّ رائحة القهوة، أو الإحساس بحرارتها مع إضافة ما يناسبك من القشدة والسكر، كلّ هذا يسبب لك الشعور بالتنبّه. إذا أردت أن تستخدم القهوة كمنبّه فعلاً، يتوجب عليك أن تزيد الكميّة كلّ أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وبعد ستّة أشهر، يترتّب عليك أن ترتشف دلةً ونصف من القهوة إذا أردت فعلاً أن توقظك.

وإذا انتقلت إلى مشروبات خالية من الكافيين – أي تحتوي على كمية ضئيلة من الكافيين بالمقارنة مع المشروبات الغنية به – فحضّرها بالطريقة نفسها، واشربها ضمن البيئة نفسها، فإن الصباح على الأرجح، سيطلع عليك بعينين مفتوحتين على سعتهما من دون كافيين.

يمكن أن يشكل الكافيين مشكلة مهمة للمدمنين أو لأولئك ذوي التشخيص الثنائي خلال المعالجة، تتمثل بأن يصبحوا حساسين بشدة للكافيين؛ إلى درجة أن يسبب لهم ارتشاف فنجان من القهوة في صباح يوم الاثنين مشاكل في النوم واهتياجاً حتى مساء الخميس!

التناقص

من المهم أن تبدأوا بالتناقص البطيء في تناول مشروبات الكافيين والتحول إلى تلك الخالية منه. أنا لا أطلب منكم الاستغناء عن الكافيين في ما تبقى من حياتكم، بل التوقف عن تناول الكافيين مدة شهر فقط وملاحظة إذا كانت أيّ من المشكلات المرتبطة باستهلاكه – مثل الصعوبة في النوم، أو القلق الشديد أو التعصيب، أو الاهتياج – ستزول. إذا لم تلاحظ أي تغيّرات نحو الأحسن، أضف ببطء الكافيين إلى مشروبك وانظر في ما إذا كنت تلاحظ حدوث أي تغيّرات سلبية.

ابدأ بكمية الكافيين التي تتناولها عادة وأنقِصها إلى النصف كل يومين، حتى تتخلّص منها كلها. لنفترض مثلاً أنك تشرب أربعة فناجين من القهوة يومياً. تحوّل إلى تناول فنجانين من القهوة العادية، وفنجانين من القهوة الخالية من الكافيين مدّة يومين، بعدها تناول فنجاناً عادياً وثلاثة فناجين من القهوة الخالية من الكافيين مدّة يومين، بعدها نصف فنجان عادي مخلوطاً مع نصف فنجان من القهوة الخالية من الكافيين (يسمى أحياناً نصف كافيين) وثلاثة فناجين من القهوة الخالية من الكافيين مدة يومين. بعد ذلك، اشرب فقط قهوة خالية من الكافيين. نحن نتناول الكافيين عادة في ثلاثة من المشروبات. يشكل الشاي المثلج في المطاعم مشكلة فعلية لأنه لا سبيل لك للتأكد من أنهم قدموا إليك الشاي الخالي من الكافيين. وأنا أوصي بشدة أنه عندما تحاول إيقاف الكافيين، فلا تطلب الشاي المثلّج خارج البيت. عوضاً عن ذلك حضّر في البيت ملء إبريق كبير من الشاي الخالي من الكافيين واشربه هناك وحسب.

النوم

من الممكن أن يتداخل الإدمان على الكحول/المخدرات والاضطرابات النفسية مع النوم. يشكّل النوم جزءاً مهماً جداً من أسلوب الحياة الصّحي، وجزءاً حيوياً من الشفاء. إذا كانت لديك مشكلات مع النوم، فإنك ستكون أكثر تعباً واهتياجاً، مما يجعلك أكثر قلقاً وأسهل تعرضاً للانزعاج، الأمر الذي بدوره سيزيد من احتمالات سوء تفسيرك لمشاعرك ظنّاً منك أنها رغبة جامحة لتناول الكحول والمخدرات. إذا كنت تستطيع أن تنام على الأقل سبع ساعات مريحة ليلاً – ثماني إلى تسع ساعات هي أفضل لمعظم الناس – فلديك حظ أوفر بكثير للبقاء صاحياً وللحفاظ على مرضك النفسي تحت الرقابة. يبقى حل مشكلات النوم المرتبطة بالإدمان أمراً متعدد الجوانب، ويتطلّب: زيادة تدريباتك اليومية، الطعام الصحي، وممارسة إدارة التوتر وتقنيات الاسترخاء (وبخاصة التخيل، والتنفس العميق، وتمرينات استرخاء العضلات العميقة). أما بالنسبة إلى الأدوية من صنف بينزوديازيبين فهي ممنوعة لأنها قد تصبح سبباً للإدمان: وهكذا لا تشكل هالسيون، لونيستا، وريستوريل خيارات لمدمني المخدرات والكحول أو لمرضى التشخيص الثنائي. وتعتبر الأدوية فيستاريل (هيدروكسيزين) وترازودون فعالة وآمنة بما فيه الكفاية لاستخدامها كمساعد على النوم. بعض المضادات اللانمطية والجديدة لأعراض الاضطرابات النفسية مثل سيروكويل، زيبريكسا أو ريسبيردال، بكميات ضئيلة، هي أيضاً فعالة جداً.

كلمات أخيرة

أقل ما يمكن قوله عن الشفاء من الإدمان هو أنه أمر صعب. وهو تحدٍّ أشدّ صعوبة بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون من مرض انفعالي/نفسي. لكن الخبر السعيد هو أن معظم الناس الذين يعانون من اضطرابات ثنائية قادرون على استعادة صحتهم واستقرارهم العاطفي ويعيشون حياة منتجة، لا سيّما إذا تلقوا معالجة متكاملة للتشخيص الثنائي؛ معالجة تجتمع بين العلاج النفسي والعلاج من الإدمان من قبل الطبيب نفسه، أو من الفريق المعالج ذاته. وإذا ما تمت معالجة نصف التشخيص الثنائي، فسيخلّف أعراضاً لا تزول. ولكن بالمعالجة الفعالة المتكاملة هناك أمل!

نقاط مفتاحية للمراجعة

– يسمى الشخص المصاب بالإدمان وبالاضطراب النفسي بأنه شخص ذو تشخيص ثنائي.

– ليس الشخص ذو التشخيص الثنائي مصاباً فقط بمرضين بارزين (الإدمان والاضطراب النفسي)، بل إن كلاً من المرضين يجعل الآخر أسوأ حالاً، مما يعقّد مسيرة الشفاء.

– تتضمن الاضطرابات النفسية، التي ترافق الإدمان غالباً، اضطرابات المزاج (الكآبة الرئيسة، والهوس، والمرض ثنائي القطب)، اضطرابات القلق، واضطرابات نفسية (الفصام والاضطراب الفصامي العاطفي).

– للوصول إلى الشفاء التام يجب أن يتلقى المريض ذو التشخيص الثنائي معالجة شاملة للمشكلتين كليهما في آن معاً.

– تضم المعالجة الشاملة للتشخيص الثنائي معالجة الإدمان، ومعالجة المرض الانفعالي النفسي، والمشاركة في برنامج ذي اثنتي عشرة خطوة، والأدوية المناسبة التي لا تسبب الإدمان لكل مرض، وتثقيف الأسرة حول المرضين ومشاركتها.

– يجب أن يعلم أفراد الأسرة أنهم لا يستطيعون إيقاف تعاطي الشخص المدمن لمادته الإدمانية، غير أنهم يجب أن يمتنعوا عن جعل استمراره في تعاطي المخدرات والعيش رافضاً الاعتراف بمشكلته والتعامل معها أمراً ميسراً.

– يعتمد برنامج الاثنتي عشرة خطوة المسمى علاج المجهولين الثنائي (DRA) على برنامج الاثنتي عشرة خطوة، الذي طوّره مدمنو الكحول المجهولون، وهو يمكن أن يكون جزءاً من علاج التشخيص الثنائي.