توقع الخيال العلمي في الستينات مستقبلاً يقتات فيه بنو البشر بحبوب أو مساحيق تحتوي على عدد محدد من مغذيات أساسية ثبت فاعليتها في إدامة أداء الجسم البشري. ومع ذلك، يتوضح لنا تعقيد الجسم البشري ومغذياته كلما مر عقد من الزمن ويتفاعل كل من المغذيات الأساسية الخمسين المعروفة اليوم مع مغذيات أخرى بطريقة يمكن تسميتها بالتضامن (Synergy):
ومن هذه المعلومة قد يكون غير واقعي ولأغراض تجريبية حرمان الجسم من أحد المغذيات أو وصف أحدها لغرض علاج أحد الأمراض. وعلى سبيل المثال يساهم نقص الفيتامينات B6 وB12 وحامض الفوليك والحديد والزنك والمنغنيز في الإصابة بالأنيميا (فقر الدم). وفي بعض الحالات يزيد وصف أحد هذه المغذيات من حِدَّة نقص الآخر. فالحديد على سبيل المثال مضاد للزنك ويظهر النقص في المعدنين عادة. وعندما توصف كميات كبيرة من الحديد يلاحظ أنها تزيد من حدة نقص الزنك غير المُعالج. وحيث أن الزنك عامل حاسم في تطوير الجنين فإن نقصه يؤدي إلى تأثيرات جدية عند الحمل.
الموضوع أكثر من مجرد جمع الأجزاء
بعض المغذيات لا تعمل دون تضامن. فالفيتامين (Pyridoxine) B6 يبقى دون فائدة في الجسم حتى يتحول إلى Pyridoxal- 5- Phosphate من خلال عمل أنزيم معتمد على الزنك. فإن كنت مفتقراً إلى الزنك وأخذت فيتامين B6 ليساعدك في شفاء أعراض ما مثل الحيض فسوف لا يؤثر هذا أبداً. في حين أظهرت الدراسات أن إعطاء النساء الزنك وفيتامين B6 معاً يزيل أعراض PMS بصورة فعالة. من ناحية أخرى، فإن معظم الأبحاث الحالية في مجال التغذية تدرس تأثير كل مغذٍ على حدة والنتيجة قد لا تكون قابلة للمقارنة مع تأثير التغذية المُثلى على الفرد، أو الموازنة الحقيقية للمغذيات الأساسية مجتمعة. فمثلاً لا توجد أدلة قاطعة بأن تناول فيتامينات أو معادن معينة يزيد من معدلات الذكاء IQ لدى الأطفال. إلا أن جميع الفيتامينات والمعادن مع بعضها بعضاً، حتى وإن أعطيت بمستويات RDA، تظهر زيادة في معدل IQ لدى الأطفال بمقدار 4 إلى 5 درجات. إن استطاع فيتامين E وحده أن يخفض خطر الإصابة بالأزمة القلبية وبنسبة 75%، كما أظهر ذلك البروفسور Morris Brown في كلية الطب في جامعة كامبريدج، فماذا ستكون النتيجة لو أُعْطي المعرضون لخطر الأزمة القلبية «التغذية المناسبة» المشتملة على الغذاء النموذجي مع المضافات المتضمنة تلك المغذيات ذات الصلة بتحسين صحة القلب والأوعية الدموية؟
وقد أظهرت دراسات لاحقة امتدت لعشر سنين توبع فيها 11178 شخصاً بين الأعمار 67 و105، بأن معدل الوفيات من جرّاء تعاطي فيتامين E وحده خلال تلك الفترة قد انخفض إلى 33% وانخفض خطر الإصابة بالأزمة القلبية إلى 47%. من ناحية أخرى انخفض معدل الوفيات بين متعاطي فيتامين E وc معاً إلى 42% وخطر الموت بسبب الأزمة القلبية إلى 52%. هذا وقد أظهرت الدراسات الخاصة بتأثير المغذيات المتعددة على الصحة نتائج باهرة تفوق تلك الخاصة باستخدام المغذيات المنفردة.
وفي الحقيقة فإن حاجتك للمغذيات قد تكون أقل إذا ما أعطيت بالتوافق والتضامن المناسب. وإليك بعض الأمثلة:
● بالوقت الذي لم يظهر أثر الفيتامينات المتفردة في تحسين IQ أظهرت عشر دراسات أن إعطاء خليط من الفيتامينات والمعادن، حتى وإن كان بمستويات RDA، يزيد على نحو بارز من معدل الذكاء IQ.
● بالوقت الذي أظهرت فيه التغذيات المنفردة تأثيراً بسيطاً على تنشيط المناعة فإعطاء الفيتامينات المتعددة مع المعادن قد أثبت أنه يقلل نسبة الإصابة بالالتهابات لدى كبار السن إلى 50% مع تحسن واضح في الاستجابة المناعية.
● بالوقت الذي أظهر أخذ الكالسيوم، والمغنيزيوم، وفيتامين E وEPA تأثيراً طفيفاً على الضغط الدموي فإن إعطاءها مجتمعة يقلل على نحو بارز الضغط الدموي بظرف ثلاثة أشهر. وبالطريقة نفسها تقلل الفيتامينات C، E وA منفردة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، إلا أن الخطر يتضاءل إلى النصف عندما تؤخذ مجتمعة.
إن مبدأ التضامن «مفهوم أساسي للتغذية المثلى. وهذا الكتاب سيمكنك من التعرف على حاجتك الأساسية آخذاً بعين الاعتبار مبدأ التضامن فبإمكانك الوصول إلى نتائج أفضل بتناولك الأغذية المناسبة ومجموعات متألفة من المغذيات وبجرع أقل مقارنة بما كنت تأخذه في السابق. وبهذا تتجلى قوة التضامن الغذائي.
بعض الإرشادات لتبقى في الذاكرة:
● ليس هنالك ما يعوض الغذاء الكامل الذي يحتوي على مئات المكونات المحفزة للصحة ولا تزال أهمية الكثير منها قيد البحث والاكتشاف.
● تناول أغذية متنوعة، تختارها من نطاق واسع من الأصناف الغذائية المتعددة.
● لا تتناول مغذياً وحدَه دون أن تأخذ معه بقية الفيتامينات والمعادن.
● لا تتناول كميات كبيرة من فيتامين B وحده دون أخذ معقد (Complex) B أو الفيتامينات المتعددة (Multivitamin).
● لا تتناول كميات كبيرة من المقاومات للتأكسد (كفيتامين C أو E) دون أخذ أيضاً صيغة متكاملة من المقاومات للتأكسد.