ردود الفعل المختلفة تجاه الغرباء
يمكنك معرفة كيفية انتقال صغيرك من مرحلة تنموية إلى أخرى عن طريق مراقبة ردة فعله تجاه الغرباء في أعمار مختلفة. ودونك الآن ما يحدث في عيادة الطبيب بالنسبة لطفل عادي، حتى يصبح في قرابة العام: عندما يكون عمره شهرين، لا ينتبه كثيرا للطبيب. وحين يرقد على طاولة الفحص، يظل ينظر عبر كتف الطبيب إلى أمه. أما عمر أربعة أشهر، فهو مصدر بهجة للطبيب؛ إذ إن الطفل يبدأ في الضحك بقوة إذا ما وجد الطبيب مستعدا للابتسام وإحداث جلبة معه. وفي الشهرين الخامس أو السادس، يبدأ الطفل في تغيير رأيه على الأرجح؛ وفي الشهر التاسع يضحى متأكدا من أن الطبيب شخص غريب عليه، ومن ثم تجب خشيته. فعندما يقترب منه الطبيب، يتوقف عن الركل والمناغاة، ويتجمد جسده وينظر للطبيب بانتباه، أو حتى بحذر، ربما لمدة عشرين ثانية. وفي النهاية، يرتجف ذقنه ويبدأ في الصراخ. وربما يظل غاضبا لدرجة أنه يستمر في البكاء لفترة طويلة بعد انتهاء الفحص.
القلق من الغرباء
لا يتعامل الصغير البالغ من العمر تسعة أشهر بحذر فقط مع الطبيب؛ بل إن أي شيء جديد وغير معتاد يقلقه، حتى ولو كان قبعة جديدة على رأس أمه أو ذقن أملس لأبيه إن اعتاد رؤيته وله لحية. ويطلق على هذا السلوك «القلق من الغرباء»، وإنه لمن المثير جدا التفكير فيما تغير ليجعل طفلك يتحول من حب الجميع إلى التعامل بحذر وقلق معهم.
قبل بلوغ ستة أشهر تقريبا، يمكن أن يتعرف الأطفال على شيء رأوه من قبل؛ (لأنهم يميلون إلى التحديق لفترة طويلة في الأشياء)، إلا أنهم لا يفكرون في الواقع في الأشياء على أنها غريبة أو مألوفة. وربما يكون سبب ذلك على الأرجح هو أن الجزء المسئول عن التفكير في دماغ الطفل البالغ من العمر أربعة أشهر -وهو الطبقة الخارجية، أو القشرة- لا يعمل بشكل كامل. وفي الشهر السادس، تصبح القشرة في حالة نشاط أكبر؛ ومن النتائج المترتبة على ذلك امتلاك الصغار في هذه السن مهارات ذاكرة أفضل بكثير. فيعرفون الفرق بوضوح بين ما هو مألوف وما هو غريب، ويبدو أنهم يمتلكون القدرة على فهم أن الأشياء الغريبة ربما تكون خطيرة. ويمكنك مشاهدة فاعليات هذه العملية الفكرية عندما يبدأ وليدك في التحديق في الغرباء، ثم في وجهك، ثم في الغرباء تارة أخرى، لينتهي بهم الحال بعد عدة ثوان أن يجهشوا بالبكاء.
في الفترة من الشهر السادس إلى الشهر التاسع، يزداد ذكاء الأطفال، إلا أنهم لا يستطيعون إجادة التنبؤ بما سيحدث على الأرجح، بناء على خبراتهم السابقة. فتجدين الطفل البالغ من العمر ستة أشهر يعيش في الوقت الحاضر، ولذا عندما يتواجد شخص غريب أمامه مباشرة، لا يستطيع الطفل أن يفهم السبب وراء كون الشخص غير مألوف، ولا يستطيع التفكير في أي شيء جيد يمكن أن يحدث في هذا الموقف. ولا يمكنه فعل أي شيء سوى الاحتجاج والبكاء. ولكن في الفترة بين الشهر الثاني عشر والشهر الخامس عشر -عندما يكون القلق من الغرباء على وشك الانتهاء بصفة عامة- يزداد الطفل خبرة في التعلم من الماضي وتوقع المستقبل، فيفكر على النحو التالي: «ربما لا أعرف من يكون هذا الشخص، ولكن لم يحدث شيء شنيع فيما مضى، ولذا فإنني أستطيع التعامل مع هذا الغريب دون أن أصاب بالرعب».
يصاب بعض الأطفال (قرابة واحد من كل سبعة) بالقلق الشديد كرد فعل للغرباء والأشياء غير المألوفة. ورغم أنهم صغار في السن، فإن قلوبهم تدق بصورة أسرع عندما يرون شيئا غير متوقع، وطوال فترة طفولتهم يميلون دوما إلى الحرص الزائد. على سبيل المثال، فإنهم يؤخرون أنفسهم في العادة لفترة طويلة قبل الانخراط في أي موقف جديد.
وهذه السمة المزاجية يطلق عليها في العادة اسم «البطء في الإحماء»، ويا له من اسم مناسب! فهي سمة فطرية، نتيجة لطريقة عمل الدماغ، وليس نتيجة ممارسات الرعاية المبكرة. والأهم من كل ذلك أنها ليست مرضا، وليست شيئا في حاجة إلى الإصلاح.
إن بدا وليدك حساسا للغاية في التعامل مع الأشخاص والأماكن الجديدة في منتصف عامه الأول، فمن الحكمة أن تقدمي له الحماية من الخوف الشديد الذي ينتابه عن طريق وضع مسافة بينه وبين الغرباء إلى أن يعتاد عليهم. ولكن لا تحجبي عنه رؤية الغرباء؛ فمع الوقت -من خلال التعامل المتكرر- فإن الأشياء التي كانت غريبة سيأتلفها، وحتى الأطفال الذين يتسمون ببطء الإحماء سيصبحون أكثر راحة في التعامل مع الأشخاص والمواقف الجديدة.