بمظهره الخارجي، بدا جون صورة للصحة بالنسبة لأطبائه وأصدقائه. فالمحامي والرياضي البالغ من العمر 46 عاما كان يركض عدة أميال كل صباح، ويسبح لمسافات في الليل، ويحافظ على مرونة جسمه بممارسة تمارين البيلاتس. وحيث كان هناك تاريخ عائلي باعتلال القلب من جهة والديه على حد سواء، فقد أخذ جون مسألة اللياقة البدنية بمنتهى الجدية وظهرت نتائجها واضحة عليه. فجسده النحيل العضلي كان موضع حسد أصدقائه وزملائه الذين كان الكثير منهم قد بدأ بتنمية كرش منتصف العمر المنذر بالخطر. كانت أرقام جون طبيعية؛ فالكوليسترول الإجمالي لديه كان أقل من 5.2 ميلي مول/ليتر وكوليسترول HDL وLDL كانا ضمن المدى الطبيعي. أما ضغط دمه فقد كان 75/115 وهي قيمة يحسد عليها. ولكن من الداخل، كانت الأمور قد بدأت تمضي على نحو خاطئ للغاية.
في صباح أحد الأيام، وبعد أن ركض لمسافة قصيرة فقط، انقطع نفس جون بحيث اضطر للجلوس. وفي صباح اليوم التالي عندما حاول الركض ثانية، أخذ يتصبب عرقا وشعر بضيق في صدره. اقترح صديقي مارك الذي كان صدفة شريك جون في المحاماة أن يتصل بي. وافقت على رؤية جون على الفور، ولكن عندما وصل إلى المستشفى، تبين من قصته ومن مخطط كهربائية القلب بأنه قد اختبر نوبة قلبية بالفعل. أرسلته مباشرة إلى مختبر القثطرة من أجل صورة وعائية، وأنا آمل بأن يكون الانسداد المتسبب بأعراضه يمكن فتحه برأب الوعاء وأن نتمكن من إنقاذ بعض من عضلة القلب على الأقل. ولكن لم يكن ممكنا عمليا القيام برأب وعاء بسيط من الناحية التقنية، لأن جون كان يعاني من انسدادات متعددة في شرايينه التاجية أوجبت خضوعه مباشرة لجراحة المجازة التاجية.
بعد فترة وجيزة من جراحة جون، اتصل بي مارك وهو في حالة هلع. كان إجماع الرأي في شركة المحاماة التي تضم حوالى 30 فردا هو التالي: “إذا حدث هذا لجون، فقد يحدث لأي واحد منا. عليك أن تساعده.. وتساعدنا”. وانتهى بنا الأمر أن خضعنا جميعا لاختبار الدم المتقدم وتفاريس القلب التي أظهرت أن اثنين من المحامين كانا عند خطر كبير جدا للإصابة بنوبة قلبية رغم أنهما لم يكونا على علم بذلك. كان الآخرون عند خطر متفاوت للإصابة بنوبة قلبية، ولكن هذين الاثنين كانا ينتظران حدوث نوبة قلبية بالفعل. أنا الآن أعالج مارك وشريكيه المعرضين لخطر إصابة عال.
بعد جراحة جون ببضعة أشهر، أجريت له تفريسة قلب CT كخط قاعدي كي أتمكن من مراقبة تقدمه المستقبلي. نحن نعرف بالفعل من التصوير الوعائي الخاص به بأن لديه لويحات واسعة الانتشار. واستطعت أن أرى من تفريسة القلب بأن شرايينه، كما هو متوقع، تشتمل على لويحات متكلسة واسعة الانتشار متوافقة مع التصلب العصيدي الذي تم تشخيصه بالفعل.
حذف التخمين من الطب
إن الإحباط الذي اعتراني بسبب حالة جون (والحالات العديدة الأخرى المماثلة لها، والتي أراها وأسمع بشأنها وأقرأ عنها)، هو أن نوبته القلبية وعمليته الجراحية كان بالإمكان تفاديهما. لو أن جون خضع لتفريسة قلب قبل سنة، أو اثنتين، أو خمس، أو حتى عشر سنوات، لكنا شاهدنا تصلبه العصيدي الصامت وأدركنا خطره المضاعف للإصابة بنوبة قلبية مستقبلية في ذلك الحين، رغم أنه كان ظاهريا بصحة ممتازة. كلما كان اكتشاف المرض مبكرا أكثر، كلما كانت فرصة النجاح أكبر. فحتى مجرد حبة أسبيرين يومية كان من الممكن أن تقلل خطر إصابته بنوبة قلبية بنسبة 25%. الأخبار السارة هي أن جراحة المجازة التاجية لجون كانت ناجحة، ورغم أن مقدارا كبيرا من عضلة القلب كان مشمولا، إلا أن جزءا كبيرا منها قد تعافى.
والآن بعد ست سنوات، يختبر جون نوعية حياة ممتازة ولا يزال يمارس الرياضة بانتظام ونشاط. وعلاوة على ذلك، أظهرت تفريسة قلب حديثة بأن عملية التصلب العصيدي لديه مستقرة وبأن رقع جراحة المجازة لديه خالية من اللويحات.
لو أنني رأيت جون قبل سنوات دون فائدة تفريسة القلب، لكنت حسبت أنا أيضا بأنه في حالة صحية ممتازة. ولكن، بالنظر إلى تاريخ عائلته الصحي، كان سيكون لدي بعض المخاوف. هل كنت سأخبره بأنه يبدو بحالة رائعة وأنه يجب أن يتابع نظام حياته الجيد؟ ومع احتمال وجود مشكلة مخبأة لديه نتيجة لعوامل خطرة غير معروفة تسري في عائلته، هل كنت سأتناول دفتر وصفاتي الطبية وأصف له عقاقير قوية ليتناولها بقية حياته، حتى مع احتمال عدم حاجته لها؟ لم تتفق أرقام صيغته الشحمية مع الإرشادات الوطنية لبدء العلاج؛ في ذلك الحين أو الآن. بدون أن أعرف كيف تبدو شرايينه فعليا، كان لا بد من أن أتخذ قرارا يستند على معلومات غير كاملة؛ وكان من الممكن جدا أن أتخذ القرار الخطأ.
نافذة الفرصة
النقطة التي أريد التأكيد عليها هنا هي أنه إذا كان رجل في منتصف العقد الرابع من عمره مثل جون في طريقه للإصابة بنوبة قلبية – سواء أكان ذلك بعد سنة أو خمس سنوات أو خمس عشرة سنة – فسيكون بالفعل قد راكم اللويحات العصادية التاجية. كيف نعرف هذا؟ أظهرت العديد من الدراسات التشريحية بأن التصلب العصيدي يبدأ في سن مبكرة، قد تكون في أواخر سنوات المراهقة للشخص أو في أوائل العشرينات من عمره. مشكلة هؤلاء الذين هم مهتمون بالاكتشاف المبكر لاعتلال القلب هي أن الرجال والنساء على حد سواء ربما كانوا يراكمون اللويحات لسنوات دون أعراض.
الدرس الحاسم الذي يجب تعلمه هنا هو أن هناك نافذة فرصة كبيرة – فترة طويلة من الزمن – لاكتشاف ومعالجة اللويحات العصادية قبل أن تسبب ألما صدريا أو نوبة قلبية. إذا انتظرنا حتى يختبر المريض أعراضا لنبدأ بالعلاج، فسنكون قد انتظرنا حتى تطور المرض ليصبح وخيما وقاتلا على نحو محتمل.
العلاقة بين اللويحات والعوامل الخطرة
لا يملك المرضى الذين نراهم في وحدات العناية التاجية غالبا العديد من العوامل الخطرة التقليدية التي تضعهم عند خطر عال للإصابة بنوبة قلبية. يساعدنا إجراء اختبار الدم المتقدم في اكتشاف الناس المعرضين لخطر إصابة عال، ولكن العوامل الخطرة المعروفة وتلك التي سيتم اكتشافها لاحقا تمتزج على نحو مختلف لدى كل مريض. بالاعتماد على الطريقة التي تمتزج بها، سيكون لكل مريض عتبة الكوليسترول الخاصة به حيث يدخل الكوليسترول جدران الأوعية بفاعلية ويراكم اللويحات. لقد تبين بوضوح، لحسن الحظ، أنه إذا كان لديك لويحات بالفعل، فإن خفض الكوليسترول أكثر سيبطئ أو يمنع تقدمها؛ بغض النظر عن مدى ارتفاع أو انخفاض مستوياتك الأساسية من الكوليسترول. لهذا السبب، إنه لأمر حاسم جدا بالنسبة لنا أن نعين أولئك الناس الذين ينمون اللويحات في مرحلة مبكرة بما يكفي من أجل مداخلة فعالة.
تصوير اللويحات
هناك نوعان من تفاريس القلب غير الباضعة المستخدمة الآن على نحو واسع. أولها هو تفريسة الكالسيوم التاجية التي تجرى في غضون دقائق بدون حقنة ملونة. ثانيها يدعى التصوير الوعائي غير الباضع وهو يتطلب حقنة ملونة داخل الوريد. يصور هذا النوع الكالسيوم التاجي بالإضافة إلى اللويحات الطرية. تعطيك كلتا الطريقتين نتيجة الكالسيوم الخاصة بك (والتي تعرف أيضا بنتيجة أغاتستون)، والتي كما ذكرت سابقا تخبرك عن مقدار اللويحات الصلبة المتكلسة المتراكمة في شرايينك. نتيجة الكالسيوم هي المتوقع الأوحد الأفضل لأي شخص مقدر له أن يصاب بنوبة قلبية في المستقبل. كلما ارتفعت نتيجة الكالسيوم لديك، كلما كنت أكثر عرضة للخطر.
بالإضافة إلى نتيجة الكالسيوم الإجمالية الخاصة بك، سيخبرك تقرير التفريسة أيضا عن مقدار اللويحات التي لديك مقارنة بالآخرين الذين هم من جنسك وفي مثل عمرك. لا تعطيك هذه المعلومة الإضافية فكرة عن مقدار اللويحات لديك فحسب، بل أيضا عن سرعة تراكمها. على سبيل المثال، إذا كنت في الخمسين من عمرك وكانت نتيجة الكالسيوم لديك 100، فإن التصلب العصيدي يتقدم لديك بسرعة أكبر بكثير من شخص في السبعين من عمره وبنتيجة كالسيوم مساوية لـ 100 (والذي استغرق الأمر معه 20 سنة إضافية ليتكون لديه نفس القدر من اللويحات). سيتم إظهار هذا الاختلاف في ما يسمى بالنتيجة المئوية الخاصة بك. فرجل في الخمسين من عمره وبنتيجة كالسيوم مساوية لـ 100، تكون نتيجته المئوية مساوية لـ 75 بالمائة. بتعبير آخر، إنه يملك لويحات أكثر من 75 بالمائة من الرجال في مثل عمره. بينما تكون النتيجة المئوية للرجل ذي السبعين عاما هي 40 بالمائة، ما يشير إلى أن مقدار اللويحات لديه هو أقل من معظم الرجال في مثل عمره. فما لديه من تصلب عصيدي يتقدم على نحو أبطأ بكثير من رجل في الخمسين من عمره، رغم أنه قد راكم نفس القدر من اللويحات. إن مقدار اللويحات المتكلسة التي تملكها في أي وقت يعكس القدر الذي نميته في كامل حياتك.
إذا حسنت من العوامل الخطرة لاعتلال القلب لديك عن طريق تغييرات أسلوب الحياة والأدوية، فبإمكانك أن تبطئ تقدم نتيجة الكالسيوم لديك لتزداد بنسبة 10 بالمائة تقريبا كل سنة. نعم، لقد قلت تبطئ، وليس تمنع. الكثير من مرضاي الذين يتبعون باجتهاد برنامجي الوقائي العدواني يصبحون قلقين جدا عندما تزداد نتيجة الكالسيوم الخاصة بهم، حتى ولو كانت عند معدل أبطأ بكثير من 10 بالمائة كل سنة. أنا أخبرهم بألا يقلقوا. فالزيادة الطفيفة في نتيجة الكالسيوم لا تعكس تكون لويحات جديدة، وإنما تعكس الزيادة في كثافة النسيج الندبي الذي يتكون عند شفاء لويحة ممزقة.
خلال السنوات العديدة التي مارست فيها طب القلب، راقبت التقدم التكنولوجي المتسارع. على سبيل المثال، في مجالي الخاص المتعلق بالتصوير القلبي غير الباضع، كان التقدم في التصوير القلبي فوق الصوتي وتصوير الرنين المغناطيسي القلبي (MRI) وتفاريس CT القلبية مثيرا على وجه التحديد. التقدم الرئيسي الأحدث في تصوير القلب هو مفراس CT الـ 64 شريحة 64-slice CT scanner، والذي هو نموذجي لإجراء التصوير الوعائي غير الباضع. وعلى نحو متباين مع التصوير الوعائي الباضع (القثطرة)، يتم إجراء تفريسة الـ 64 شريحة من خارج الجسم كليا، ولا يمكن لأي شيء أن يكون أبسط من ذلك. في الواقع، إن تفريسة القلب من وجهة نظر المريض تعتبر سهلة. في الحقيقة، إنها سهلة جدا بحيث إنك لست مضطرا لأن تخلع ثيابك أو تتخلى عن فطورك قبل خضوعك للإجراء. يمكنك الحصول على تفريسة قلب خلال استراحة الغداء والعودة إلى عملك في الوقت المحدد. وحقيقة أنها آمنة وسريعة وغير باضعة تجعل منها وسيلة تقص نموذجية.
ماذا فعل لك طبيبك مؤخرا؟
لا أريد أن أصبح تقنيا جدا، ولهذا دعنا نقول فقط بأننا ولأول مرة نستطيع بواسطة تفريسة الـ 64 شريحة أن نصور على نحو موثوق اللويحات الطرية بطريقة غير باضعة. لماذا يعتبر هذا على هذه الدرجة من الأهمية؟ بتصوير مقدار اللويحات الطرية الموجودة لديك ومقارنة تفريسة قلب قاعدية بتفاريس لاحقة، يمكننا أن نقرر الكثير بشأن كيفية تفاعل عواملك الخطرة مع شرايينك. ما أخبره غالبا لمرضاي هو أن رؤية تواجد أو غياب اللويحات الطرية هو دليل على ما فعلته لكم مؤخرا، مما يخبرك أيضا بما فعلته لنفسك مؤخرا. على سبيل المثال، إذا كان خطر إصابتك بنوبة قلبية قد زاد بصورة مفاجئة، ربما بسبب توقفك عن ممارسة الرياضة البدنية واكتسابك الوزن خلال فترة سنة أو نحوها، فربما أنت تنمي لويحات طرية حيث لم يكن لديك سوى القليل سابقا، وهو ما سنراه على التفريسة.
ومع هذه المعلومة الجديدة المتوفرة بسهولة، أصبحت ممارسة طب القلب مجزية أكثر من أي وقت مضى. أستطيع أن أرى بسهولة تطور حالتك وأن أريك أيضا نتائج جهودنا الوقائية المشتركة.
قليل من التاريخ
في شهر مايو 1988، وبينما كنت مديرا للمختبر القلبي غير الباضع في مركز ماونت سيناي الطبي في ميامي بيتش في فلوريدا، حضر إلى مكتبي ديفيد كنغ، مدير العلوم الطبية لما كان يعرف آنذاك بتعاونية إيماترون، ليحاول إقناعي بقيمة مفراس التصوير المقطعي بالشعاع الإلكتروني عالي السرعة الجديد (EBT). وفر مفراس EBTالجديد الذي كان مركز ماونت سيناي قد ركبه قبل ذلك بسنة بعض المشاهد الممتازة للقلب الخافق، ولكن لم يكن هناك استعمال كاف للجهاز لتبرير ثمنه. في الحقيقة، إن ماونت سيناي كان مستعدا لإعادة المفراس لأنه كان باستطاعتنا أن نحصل على معلومات مماثلة باستخدام تكنولوجيا أقل ثمنا، مثل التصوير فوق الصوتي.
بينما كان ديفيد يريني الخصائص المختلفة لمفراس EBT، أشار إلى شيء حاز على اهتمامي: قال إن مفراس EBT يمكن أن يكون أكثر حساسية بعدة مرات من تنظير التألق (شكل من أشعة إكس) من جهة اكتشاف الكالسيوم في الأوعية. وعلى الفور لمعت فكرة في رأسي. كنت أعلم من دراسات التشريح بأن الكالسيوم التاجي يترافق بصورة وثيقة مع التصلب العصيدي التاجي. لقد كان عنصر الكالسيوم في اللويحات في أوعية القلب هو ما يسبب تصلب الشرايين.
كما كنت مدركا أيضا لدراسات أظهرت علاقة مباشرة بين كمية الكالسيوم والمقدار الكلي من التصلب العصيدي في الشرايين التاجية. في هذه المرحلة، كانت عقاقير الستاتين الأولى قد أصبحت متوفرة. واستطعنا للمرة الأولى أن نخفض مستويات الكوليسترول بصورة كبيرة. السؤال الذي فكرت بأنه بحاجة إلى إجابة كان “من هم الذين سيكونون المرشحين الأفضل لهذه العقاقير العجائبية؟” كنت قد أدركت بالفعل أن استخدام المستوى العالي للكوليسترول كمعيار وحيد للعلاج فيه استثناء للعديد جدا من المرضى المقدر لهم أن يصابوا بنوبة قلبية. وفكرت بأن التصوير غير الباضع واللويحات الكمية باستخدام الكالسيوم كواسم يمكنهما أن يخبرانا عن الأشخاص الذين هم بحاجة لأن يعالجوا بعقاقير الستاتين (المخفضة للكوليسترول).
اتصلت على الفور بطبيب الأشعة وارن جانويتز طلبا للمساعدة. وفي الحال توصلنا إلى بروتوكول لتصوير الكالسيوم التاجي. تطوع ديفيد كنغ ليكون المريض الأول، وقد أذهلتنا صور شرايينه التاجية. المشكلة الوحيدة هي أن ديفيد لم يكن لديه أي كالسيوم؛ وكذلك لم يكن لدي أو لدى وارن. تطوع عدة أطباء آخرين، وسرعان ما رأينا الكثير من الكالسيوم التاجي. كانت الصور رائعة.
الآن وقد عرفنا بأننا نستطيع أن نرى الكالسيوم بصورة جيدة جدا، تمثلت الخطوة التالية في أن نجد طريقة لنعبر عنه برقم يعكس المقدار الإجمالي. جلست أنا والدكتور جانويتز لنبتكر ما أسميناه بنتيجة الكالسيوم. كان هذا بسيطا إلى حد ما ولكنه نجح في مواجهة اختبار الزمن. فبعد بضع سنوات، وفي اجتماع في هيلتون هيد في كارولاينا الجنوبية، دهشت لسماعي أحدهم يشير إلى نتيجة أغاتستون، لأنني كنت المؤلف الأول في ورقة البحث الأولى التي تصف تفريسة القلب والكالسيوم التاجي. لقد شعرت دوما بأن اسم نتيجة أغاتستون – جانويتز أو نتيجة أغاتستون – جانويتز – كنغ كان سيكون أكثر دقة. (للأسف توفي ديفيد كنغ بسبب السرطان في العام 2004).
في دراستنا الأولى التي استخدمنا فيها نتيجة الكالسيوم والتي نشرت في العام 1990 في مجلة الكلية الأميركية لطب القلب، أوضحت والدكتور جانويتز مع زملاء آخرين بأن الذين احتملوا نوبات قلبية أو كان لديهم انسدادات في الشرايين التاجية كانت نتائج الكالسيوم الخاصة بهم أعلى من أولئك الخالين من المرض السريري. وتبع ذلك دراسات عدة أخرى. تضمنت هذه الدراسات بحثا من مايو كلينك والذي أظهر بأنه في الشرايين التاجية المشرحة يرتبط مقدار الكالسيوم المكتشف في تفاريس القلب بصورة وثيقة مع المقدار الإجمالي من اللويحات في الشرايين. كنا متحمسين جدا لهذه الاكتشافات.
بمعرفة أن التصلب العصيدي كان المتسبب في النوبات القلبية، قمنا بوضع فرضية تفيد بأنه إذا استطعنا أن نعبر كميا عن مقدار التصلب العصيدي باستخدام نتيجة الكالسيوم، فقد يكون ذلك متوقعا جيدا بالنوبات القلبية. ولكن لم ينضم الجميع إلى الفريق الرابح. لقد ذهلت بالمقاومة التي أبداها العديد من أفراد المجتمع الطبي والباحثين لهذه الفرضية البسيطة على ما يبدو. وشعرت بأن معظم الشك كان نتيجة للاتجاه الإجمالي نحو المداخلة بدلا من الوقاية. لحسن الحظ أن ذلك المنحى آخذ في التغير، ويجب أن يستمر بالتغير إذا كنا سنحدث أبدا بعجة في اعتلال القلب.
هناك اليوم تطورات مثيرة في تفاريس القلب، ومن أهمها مفراس CT الـ 64 شريحة 64-slice CT scanner. يجمع هذا المفراس سرعة التفرس والتحليل لينتج صورا للشرايين التاجية هي أفضل مما أنتج في أي وقت مضى. والواقع أن هذه هي الطريقة الأفضل لتصوير اللويحات التاجية الطرية على نحو غير باضع.
مع التقدم التكنولوجي المتواصل، هناك حتى مفاريس أخرى في طريقها للظهور. لقد شعرت دوما بأنه مهما كان ما لم نستطع رؤيته جيدا هذه السنة، فسنتمكن من رؤيته بشكل أفضل في السنة التالية مع الجيل الجديد من برامج الكمبيوتر وعتاده. إن مستقبل الوقاية من اعتلال القلب بمساعدة هذه التكنولوجيا الجديدة يبدو لامعا جدا.
تفاريس القلب تنقذ الأرواح
حاليا، تقترح الإرشادات الخاصة بتفاريس القلب من منظمات الولايات المتحدة بأن هذه التفاريس لها قيمة للناس الذين هم عند خطر متوسط للإصابة بنوبة قلبية والذين هناك شك في وجوب معالجتهم بأدوية تخفيض الكوليسترول. توصي جمعية الولايات المتحدة لتصوير التصلب العصيدي والوقاية بتفريسة قلب للرجال فوق سن الخامسة والأربعين وللنساء فوق سن الخامسة والخمسين والذين لديهم عوامل خطرة للاعتلال القلبي الوعائي، بما في ذلك أي من العوامل الخطرة. تميز جمعية القلب الأميركية تفريسة القلب كوسيلة مفيدة احتمالا للناس الذين هم عند خطر متوسط للإصابة بنوبة قلبية، ولكنها تقصر عن التوصية بها. ومع ذلك، ليست هناك إرشادات رسمية في المملكة المتحدة، ولا تتوفر تفاريس القلب على نحو روتيني على الـ NHS (دائرة الخدمات الصحية).
في شهر تموز من العام 2006، أصدر تنظير الولايات المتحدة الشعاعي للوقاية من النوبات القلبية والتعليم (SHAPE) تقرير الحملة من مجموعة بارزة من اختصاصيي القلب بالاندماج مع جمعية اجتثاث النوبات القلبية (AEHA)، والذي تم فيه اتخاذ خطوة جريئة للأمام في المعركة ضد اعتلال القلب. أوصى التقرير الذي نشر في المجلة الأميركية لطب القلب بتفاريس CT لقياس كالسيوم الشريان التاجي و/أو التصوير فوق الصوتي السباتي وذلك لكل الرجال العديمي الأعراض والمعرضين لخطر الإصابة بنوبة قلبية والذين تتراوح أعمارهم بين الـ 45 و75 سنة، وأيضا لكل النساء العديمات الأعراض والمعرضات لخطر الإصابة بنوبة قلبية واللواتي تتراوح أعمارهن بين 55 و75 سنة.
تعمد معظم شركات التأمين الصحي في الوقت الحالي إلى تصوير تفريسة القلب كوسيلة لتقصي (تنظير) اعتلال القلب، وليس لعلاجه، ولهذا هم عادة لا يشملون الاختبار بالتغطية. يمكن لهذا الوضع أن يتغير مع تمييز المزيد من السلطات الطبية لمقدرات تكنولوجية تفرس القلب ومتعلقة بإنقاذ الحياة وتوفير المال. ولكن، للوقت الراهن، أنت ستدفع على الأرجح لتفريسة قلبك من جيبك الخاص. ولكن الأخبار السارة هي أن الكلفة الآن هي في متناول معظم الناس. إن الحصول على تفريسة قلب يمكن أن يكلف أقل من شراء تلفزيون ذي شاشة مسطحة أو ابتياع دواليب جديدة لسيارتك.
أنا أحب أن أفكر في تفريسة القلب كصورة ثدي للقلب وأعتقد بأنها إذا استخدمت على نحو واسع كوسيلة تقص (تنظير شعاعي)، مثل صورة الثدي، فستنقذ العديد من الأرواح. سيكون تفضيلي هو إجراء تفريسة قلب قاعدية واحدة على الأقل لكل الرجال فوق سن الأربعين والذين لديهم أي عوامل خطرة لاعتلال القلب، ولكل النساء فوق سن الخمسين واللواتي هن في مرحلة ما بعد سن الإياس ولديهن أي عوامل خطرة. ستعين هذه الطريقة البسيطة غير الباضعة عددا كبيرا من الناس المصابين بالتصلب العصيدي والذي ما كان يمكن كشفه بدونها، وتجعل من الممكن البدء بالعلاج قبل سنوات من نشوء المشكلة. بالنسبة للمرضى الذين لديهم تراكم قليل أو معدوم من اللويحات (تعكسه نتيجة الكالسيوم المنخفضة)، يجب أن تتم إعادة الاختبار كل خمس سنوات. أما بالنسبة للمرضى الذين لديهم إشارات دالة على تراكم اللويحات، فيجب إعادة الاختبار كل 2 إلى 5 سنوات اعتمادا على عوامل خطرة أخرى.
أزمة قلب ما كان يجب أن تحصل
ليس هناك مثال أفضل على عدم تلاؤم إجراءات تقصي القلب القياسية من تاريخ القلب لرئيس الولايات المتحدة السابق بيل كلينتون. عرف عن الرئيس كلينتون حبه للأطعمة الغنية، وخاصة الأطعمة الدهنية مثل شطائر لحم البقر (الهمبرغر)، والكعك المحلى، والفطائر المقلية والدجاج المقلي. والحق يقال إنه كان أيضا مهرولا متحمسا وكان يركض 5 أميال عدة مرات في الأسبوع. بدا لسنوات عديدة أن الرياضة البدنية كانت تساعده في التعويض عن شهيته. بدا لائقا بدنيا ومعافى بصورة معقولة.
في شهر كانون الثاني من العام 2001 خضع كلينتون البالغ من العمر حينها 54 عاما لفحصه الجسدي الرئاسي السادس والأخير. وكما هو الحال في فحوصاته الجسدية السابقة، تم فحصه لعدة ساعات من قبل هيئة من الاختصاصيين الطبيين في مستشفى Bethesda Naval. وخلال البيان الصحفي الموجز الذي تلا ذلك، قال الطبيب الشخصي للرئيس بأنه قد اجتاز الاختبار ووصف فحصه بأنه طبيعي إلى حد ما. كانت هناك مشكلة صحية قلبية واحدة تستحق الذكر. كان كوليسترول LDL للرئيس قد ارتفع من 3.5 إلى 4.6 ميلي مول/ليتر والتي تعتبر قيمة عالية وفقا للقياسات الوطنية. وصف له سيمفاستاتين Simvastatin (زوكور Zocor)، وهو دواء معروف لخفض الكوليسترول، ونصح بأن يكون محترسا أكثر بشأن غذائه وتمرينه الرياضي.
نحن نعرف اليوم بأنه عندما خضع الرئيس كلينتون لذلك الفحص، كان لديه لويحات واسعة الانتشار في كامل أنحاء شرايينه التاجية، وكان عند خطر كبير للإصابة بنوبة قلبية. الوسيلة التشخيصية التي كانت ستكشف خطورة حالته هي تفريسة القلب، ولم تكن لتستغرق أكثر من 10 دقائق أو أقل. وهو بحاجة إلى تفريسة قلب، غادر الرئيس كلينتون – الذي كان على الأرجح الشخص الأكثر نفوذا في العالم آنذاك – مستشفى Bethesda Naval وهو عبارة عن قنبلة قلبية موقوتة.
استغرق الأمر ثلاث سنوات ليشتعل الفتيل. فعندما استأنف كلينتون حياته المدنية، استمر في ممارسة العدو الوئيد، ولكنه وجد بأنه لم يعد يستطيع أن يعدو خمسة أميال. وقد عزا الأمر لحقيقة أنه كان مشغولا جدا ليمارس الرياضة خلال معظم فترة رئاسته الثانية. وفكر بأنه بحاجة فقط لأن يستعيد لياقته البدنية.
في محاولة جاهدة منه لخسارة الوزن، قام باتباع حمية ساوث بيتش التي ساعدته فعليا على خفض وزنه إلى ما كان عليه أيام الثانوية. كانت تلك خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، ولكنها لم تكن كافية لإبطال التلف السابق. كما استمر أيضا في تناول الزوكور لشهور عديدة، ولكنه للأسف، مثل العديد من الناس، توقف عن تناوله حالما انخفض مستوى الكوليسترول لديه إلى مستوى مقبول نتيجة لاجتماع خسارة الوزن والدواء. لو كان يعلم الحالة الحقيقية لشرايينه، لكان استمر في تناول عقاره الخافض للكوليسترول وربما أضاف إليه عقاقير أخرى أيضا.
وفي 31 آب من العام 2004، كان الرئيس كلينتون عائدا إلى موطنه من رحلة إلى نيو أورليانز. وعندما غادر الطائرة، شعر بضيق حاد في صدره. كان شيئا اختبره عدة مرات من قبل، ولكن فقط خلال ممارسته الرياضة. ولكنه في هذه المرة كان أكثر إنذارا بالخطر. اتصل بطبيبه الذي طلب منه أن يذهب للمستشفى لإجراء اختبارات. خضع هناك لتصوير وعائي أظهر وجود انسداد وخيم في شرايين تاجية متعددة. للأسف، تطلب الأمر نوبة قلبية وشيكة لتنبيه الرئيس وأطبائه إلى حقيقة إصابته باعتلال قلبي وعائي متقدم. وحالما تم ترتيب الأمر، خضع الرئيس السابق لجراحة مجازة رباعية في مستشفى نيويورك المشيخي في مانهاتن/مركز جامعة كولومبيا الطبي.
إدراك المراد من نتيجة الكالسيوم الخاصة بك
عندما تخضع لتفريسة قلب، يتم إعطاؤك رقما إجماليا يعرف بنتيجة الكالسيوم، أو نتيجة أغاتستون. يمثل هذا الرقم المقدار الكلي من اللويحات في شرايينك التاجية، وهو يمكن أن يتراوح بين 0 و1000 أو أكثر. كلما كان رقمك أكبر، كلما كنت تملك مقدارا أكبر من اللويحات في شرايينك، وكلما كنت معرضا لخطر أكبر. على سبيل المثال، إذا كانت نتيجتك أكبر من 400، فأنت أكثر احتمالا لأن تصاب باعتلال القلب العرضي – ذبحة في الصدر (خناق)، أو نوبة قلبية، أو حتى موت مفاجئ – في السنتين أو السنوات الخمس التالية. إذا كانت نتيجتك أكبر من 1000، فهناك احتمال نسبته 25% لأن تصاب بنوية قلبية خلال سنة دون مداخلة.
نتيجة الكالسيوم لرجل أو امرأة في الخامسة والخمسين من العمر | المقدار النسبي من اللويحات |
0 – 10 | حدّ أدنى |
11 – 100 | معتدل |
101 – 400 | زائد |
401+ | واسع الانتشار |
تذكر بأنه لا توجد طريقة ثابتة للتوقع بمن سيصاب بنوبة قلبية، ولكن نتيجة الكالسيوم هي طريقة ممتازة للتوقع باحتمال حدوث نوبة لك. بالطبع، عندما تحاول التوقع بما سيحدث في المستقبل، عليك أن تأخذ في عين الاعتبار متغيرات أخرى عدا عن نتيجة الكالسيوم. على سبيل المثال، لن تحميك نتيجة الكالسيوم المنخفضة إذا كنت من المدخنين. من شأن المدخنين أن يكون دمهم لزجا جدا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث جلطة دموية بعد تمزق اللويحات أكبر بكثير من تلك التي ستحدث لدى غير المدخنين. من ناحية أخرى، يمكن لشخص ذي نتيجة كالسيوم مرتفعة باعتدال أن يحبط نوبة قلبية لأجل غير مسمى – أو حتى أن يمنعها كليا – بمجرد أن يتحكم بالعوامل الخطرة. وحتى إن كانت نتيجة الكالسيوم الخاصة بك تشير إلى احتمال عال لإصابتك بنوبة قلبية في المستقبل القريب، إلا أن مستوى الخطر يمكن أن ينحدر بشدة في غضون أشهر إذا بدأت على الفور ببرنامج وقاية جسور.
الدرس الذي يجب تعلمه من تجربة الرئيس كلينتون هو أن اختبارات التقصي (التنظير الشعاعي) القلبي التقليدية – حتى عندما تكون بإدارة أفضل الأطباء في البلاد – لا تقوم إلا بعمل رديء من جهة التوقع بما يجري في شرايينك التاجية. في دراسة نشرت في العام 2003 في مجلة الكلية الأميركية لطب القلب، يتم التأكيد على أهمية هذه النقطة. تفحص الباحثون السجلات الطبية لـ 222 ضحية من ضحايا النوبات القلبية. وقد خلصوا إلى نتيجة مفادها أنه لو كان هؤلاء الضحايا قد خضعوا لاختبارات التقصي القياسية لاعتلال القلب قبل يوم من حدوث النوبة القلبية، لتم تصنيف 25 بالمائة منهم فقط على أنهم معرضون لخطر إصابة كبير وأنهم بحاجة لعلاج. أما الـ 75 بالمائة الباقين منهم فقد كانوا سيعطون فاتورة صحية نظيفة وسيرسلون إلى بيوتهم بدون أي علاج من أي نوع كان.
في الفترة الزمنية منذ محنة الرئيس كلينتون، أصبح التقصي (التنظير الشعاعي) القلبي أكثر شيوعا وقد أثبت تفوقه في اكتشاف الحالات المستترة من الاعتلال التاجي. ومع انقضاء كل سنة، يصبح الإجراء تدريجيا أقل كلفة ومتوفرا على نحو واسع أكثر.
الرؤية إذعان
بالإضافة إلى استعمال تفاريس القلب للمساعدة في تشخيص الأمراض المتعلقة بالقلب والأوعية الدموية، يستطيع الأطباء استخدام هذه التفاريس لمراقبة مدى استجابة مرضاهم للأدوية. بدلا من طرح السؤال غير المباشر “هل كوليسترول مريضي منخفض بما يكفي؟” يمكنهم أن يطرحوا السؤال الأكثر فائدة “هل مقدار اللويحات لدى مريضي أكثر أو أقل مما كان لديه قبل سنتين؟” بإمكان هذه المعلومات الأكثر دقة أن تساعد الأطباء على تحديد علاج المريض بدقة.
يمكن لتفريسة القلب أيضا أن تكون حافزا قويا للمرضى. حاليا، لا يستمر سوى نصف المرضى تقريبا في تناول عقاقير الستاتين المخفضة للكوليسترول بعد سنة واحدة فقط. ومع ذلك، عندما يخضع المرضى لتفريسة قلب ويرون بأعينهم مقدار اللويحات المتراكمة في شرايينهم، يكونون أكثر احتمالا بكثير لتناول عقاقير الستاتين كما هو موصوف. حدد استطلاع حديث أن 90 بالمائة من المرضى الذين شاهدوا بأعينهم صورة شرايينهم المعتلة والذين كانت نتيجة الكالسيوم لديهم أكبر من 400، استمروا في تناول أدويتهم المخفضة للكوليسترول.
تأليف الدكتور آرثر أغاتستون