العطلة الدوائية drug Holiday هي فترات من الوقت يتوقف فيها الطفل، وتحت إشراف الطبيب المختص، عن تعاطي الدواء.
وهناك عدة أسباب وراء الحاجة إلى ذلك، ولا بد للطبيب من معرفة هل الطفل في حاجة إلى الدواء أم لا. إن بعض أعراض التوحد التي تعالج عن طريق الدواء يمكن أن تتحسن بتقدم عمر الطفل، أو إن هذه الأعراض تتحسن بفضل زيادة المهارات المعرفية لدى الطفل وعمليات التدريب والتعليم… في حين يمكن للطفل أحياناً أن يتشبث بالدواء ويعتمد عليه، وفي مثل هذه الحالات يتم سحب الدواء تدريجياً، مع ملاحظة تطور حالة الطفل، فإذا تبين أن بعض الأعراض التي تحسنت بدأت بالظهور ثانية، أو أصبحت أكثر شدَّة ووضوحاً فهذا دليل على عملية الانتكاس (Relapse) بسبب سحب الدواء. ففي هذه الحالات على الطفل العودة ثانية إلى العلاج تحت إشراف الطبيب والأسرة.
إن فكرة العطلة الدوائية ليست مستحسنة دائماً إذا كان ذلك سيؤدي إلى الانتكاس مثل حدوث العدوان، أو العزلة الاجتماعية… ويفضل بعض الأطباء وأولياء الأمور اختيار العطلة الدوائية خلال العطل المدرسية، أو في فصل الصيف، وفي هذه الحالة يكون الطفل أكثر قدرة على تحمل عملية سحب الدواء أو وقفه، وذلك بسبب أن الضغوط على الطفل تكون أقل بالمقارنة بأيام الدراسة، والامتحانات وغيرها، حيث تكون هذه الفترة صعبة إلى حد ما على أطفال التوحد وباقي أطفال اضطرابات النمو. من ناحية أخرى إن عملية سحب الدواء أو وقفه تعتبر فرصة مناسبة للطبيب (وللأسرة) لمعرفة أحقق الدواء فعلاً الفائدة في مجال الأداء والتواصل الاجتماعي واللغوي والمعرفي… أم لم يحقق ذلك. ويمكن للطبيب والمعلم والأهل ملاحظة الطفل في العطلة الدوائية؛ فإن ظهرت عليه علامات الاضطراب والانطواء والعدوان والتوترات… فهذا يشير إلى أن عملية سحب الدواء قد أضرَّت بالطفل.
ويفضل بعض الآباء استخدام الدواء عند الحاجة؛ وذلك بالنسبة إلى بعض العقاقير مثل التوفرانيل والدكسدرين وغيرهما، وهذا الأمر غير صحيح علمياً؛ وذلك لأن مثل هذه الأدوية قد تحتاج إلى أسابيع حتى يصل العقار إلى تحقيق الفعالية المطلوبة، وكذلك وصول العقار إلى المستوى الفعال في الدم، أما بالنسبة إلى المنبهات مثل الهالدول والريتالين فإن على الأبوين – وتحت إشراف الطبيب – تكييف الدواء أو الجرعة، وخاصة عندما يبدأ الطفل بممارسة بعض الأنشطة أو التدريبات بشيء من الضغط والانفعال، إلا أن ذلك غير مفضل من قبل بعض الأطباء لأنه يضع الطفل في حلقة مفرغة من التحسن والسوء ومن النشاط والهبوط، ومما لا شك فيه أن الطفل يفضل ألا يخضع لأي دواء، والآباء يتوخون دائماً عدم تناول الأدوية خشية من أعراضها وتأثيرها في نمو الطفل. والآباء غالباً ما ينظرون إلى الدواء كأنه قيد للطفل، في حين يعطي الأطباء الدواء للطفل على أنه ذو فعالية وسيظهر أثره بعد مدة قصيرة، علماً بأن فعالية أي دواء لا تكون دائماً على شكل خط مستقيم، وهذه الفعالية تعتمد على الجرعة الدوائية، والتي تعتمد بدورها على عمر الطفل ووزنه، وعلى مدى استجابته للدواء، كما يعتمد ذلك على عدة عوامل تحدد مقدار الجرعة الدوائية والإجراءات المترتبة على إعطاء الدواء للطفل.
ولكن من هم الذين يشرفون على إعطاء الطفل الدواء، وكيف يمكن للأهل (وللطبيب) تحقيق ذلك؟
إن العقاقير السائلة التي توصف للأطفال قليلة جداً، وبعضها معبّأ في كبسولات مغلفة بمادة الجيلاتين مثل التوفرانيل والبروزاك وغيرها، وبعضها قابل للمضغ في الفم (chewable) مثل التكراتول، ومعظم الآباء يرغمون أطفالهم على تناول الحبوب، وبعض الأطفال يتناولون الدواء بإرادتهم (وبفضل المعززات)، وبعضهم الآخر يتناولون الدواء إذا قدمه الآخرون لهم، وبعض الأطفال يغلقون فمهم منعاً لوضع حبة الدواء، وردَّ فعل لإرغامهم على ذلك، أو يرفضون وضع الدواء في فمهم، والإجراء المناسب في مثل هذه الحالات تهدئة الطفل وتشجيعه، وجعله يرى الأطفال الآخرين كيف يتناولون علاجاتهم دون ممانعة أو إزعاج، ويمكن قرن إعطاء الدواء بمكافأة… ويمكن تكسير حبة الدواء ووضعها داخل سائل مستحب للطفل مثل العصير، أو تقديمه بواسطة الملعقة مع بعض الأشياء اللاذة كمعزز (Reinforcement) مثل الآيس كريم والشوكولا وغير ذلك، ويمكن للطبيب إخبار أسرة الطفل عن طعم الدواء المر كما في طعم الدواء (pondimin)، ويمكن للأسرة إعداد خلطة مكونة من الدواء المر وقليل من الأطعمة التي يحبها الطفل، بحيث يصبح طعم الدواء أفضل، ومعظم الأطفال يتعلمون كيف يبتلعون حبة الدواء إذا تمَّ الإلحاح عليهم بشكل مقبول وبأخذ الدواء مع السائل، وبعض الأطفال يرفضون تناول الدواء إلا إذا كان عن طريق الكبار، والطفل يفضل دائماً أن يأخذ شيئاً محبباً له مع الدواء (نظرية الإشراط conditioning). ويجب التأكد من أن الطفل تناول الدواء فعلاً، ولم يلقه خارجاً بشكل أو بآخر، بحيث لم يلاحظه الكبار من حوله، ويمكن تعويد الطفل تناول الدواء بانتظام، مع تنظيف الأسنان، أو غير ذلك من الأعمال الروتينية اليومية، ومن الضروري على الطبيب الذي يصف الدواء الأخذ بعين الاعتبار حالة الطفل الصحية ومن جوانبها كافة، وعلى الطفل ألا يتناول دواء من قبل طبيب آخر وفي الوقت نفسه، دون معرفة عمل الطبيب الأول، وحتى لو كانت الأدوية بسيطة من نوع المقويات أو الفيتامينات، ولأن تفاعل الأدوية بعضها مع بعض قد يضر بالطفل، والطبيب الاختصاصي هو الذي يحدد ذلك.
ويجب على الطبيب معرفة أن هناك عدة طرق لعلاج حالات اضطرابات النمو لدى الأطفال علاوة على العلاج الطبي – الدوائي الذي يفيد في أحسن الحالات في علاج (40 – 50%) من أعراض التوحد، ولا بد من الاعتماد على علاجات تربوية – نفسية – سلوكية من أجل مساعدة الطفل على تحقيق أفضل مستوى من التحسن، وهي طرق تعمل على تدريب طفل التوحد لتسهيل قدرته على التواصل اللغوي والاجتماعي والحركي مع الأطفال الآخرين وتعديل سلوكياته (بشأن الدواء وبشأن أمور أخرى)، وهي تدريبات اجتماعية، وسمعية وحركية، وتدريبات على السيطرة الذاتية، وسنشير فيما بعد إلى أهم طرق العلاج غير الدوائية، النفسية، والسلوكية، والتربوية… إلخ، وكلها مكملة للعلاج الدوائي ومن دونها يصعب على الطبيب تحسين حالة الطفل وعلاج أعراض التوحد.
وهناك ادعاءات أو مبالغات حول صلاحية جميع طرق العلاج للطفل الذي يعاني التوحد، والحقيقة أن هناك فروقاً بين حالات الأطفال الواحدة من حيث الأسباب، والظروف، والأعراض المصاحبة، كما أن هناك فروقاً بين الاضطرابات وشدتها وأعراضها وهذا ما أكدناه في حديثنا عن التشخيص التفريقي؛ لأن عملية التشخيص التفريقي هامة في التشخيص وفي اختيار الدواء المناسب. وإن أي معلومة حول ذلك سيكون لها أثر كبير في أسرة الطفل (وفي تسويق الدواء)، وعندما يستجيب الطفل للدواء فإن الأهل يتساءلون: لماذا استجاب هذا الطفل للعلاج؟ وماذا حدث فعلاً؟ وأين موضع التحسن؟ وهل هناك نجاحات أخرى حققها العلاج؟ وهل هناك مقياس أو معايير صحيحة للتقييم القبلي والتقييم البعدي (بعد العلاج)، كما في الدراسات والبحوث العلمية؟
إن من سوء الحظ أن معظم الآباء يتشوقون للبحث عن أي شيء في طفلهم يطرأ عليه التحسن (حتى ولو كان هذا الشيء غير صحيح)، وسرعان ما يسعون إلى شراء الدواء دون أن يعطوا أنفسهم وقتاً كافياً للتفكير في ذلك، أو دون أن يناقشوا الأمر مع اختصاصي موثوق فيه، إنهم يعتقدون أنهم وجدوا علاجاً ساحراً. ومن المؤسف أن آباء بعض الأطفال أكثر ميلاً إلى هذه الأفكار والمعتقدات الخاطئة. إن الآباء والمعلمين والأطباء الذين يتعاملون مع أطفال التوحد بحاجة إلى رؤية أطفالهم وقد تحسنت حالتهم، وهذا ما يشعرهم بالسعادة عندما يجدون في الواقع تحسناً ملموساً. ولكن كيف يمكننا معرفة أن علاجاً ما قد حقق الفائدة المرجوة منه، أو كان علاجاً صادقاً؟ وماذا لو كان العلاج قد حقق نسبة من الفائدة نحو (5%) من الحالات، ولم يكن الطفل الذي تحسن هو طفلي أو طفلك؟ فلا بد من معرفة أن الطفل عندما يتحسن لا يكون تحسنه بسبب العلاج الدوائي فقط، بل هناك أسباب أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ وهي العوامل الأسرية والتربوية والمدرسية والاجتماعية والنفسية المحيطة بالطفل، علاوة على عمليات التعليم والتدريب والمتابعة… ولعل أفضل طرق العلاج هي التي تقدم لنا دليلاً موضوعياً، وتغذية راجعة من خلال عمليات القياس والفحص السريري والتي تبين مدى فعالية العلاج أو تأثيره.
ولا ننسى أن للأم الدور الهام في عملية العلاج وتحسين التواصل الاجتماعي واللغوي لدى طفل التوحد، وكذلك في تطبيق الحمية الغذائية الصحية المناسبة لطفلها، ومن الخطأ استخدام بعض الطرق العلاجية لجميع حالات الأطفال، مثل الدواء العام الذي يعطى لكل من الأمراض (panacea) الصعبة منها والسهلة. والواقع أنه لا يوجد علاج يصلح لجميع حالات اضطرابات الأطفال، وذلك لأن حالات التوحد واضطرابات السلوك الأخرى هي حالات ذات أعراض مختلفة من طفل إلى آخر؛ فبعض الأطفال تظهر لديهم أعراض أكثر شدة ووضوحاً من أعراض أخرى، ثم إن تشابه الأعراض لدى طفلين أو أكثر ليس معناه أن الأسباب واحدة؛ لذلك علينا ألا نتوقع درجة شفاء أو تحسن واحدة لدى الأطفال المصابين بالتوحد، وإن عملية العلاج تكون محددة بالعَرَض الذي يعالج، والطرق الهامة في العلاج هي التي تعدل من سلوك الطفل وأعراضه، وتزيد من قدرته على التواصل وعلى التكيف الاجتماعي، إن بعض المعالجين الأذكياء يركزون على بعض الأعراض في علاجهم دون غيرها، مثلاً علاج التواصل البصري، أو التواصل اللغوي أو غير ذلك. ولا بد من توضيح ذلك للآباء من أجل القيام بدورهم في علاج أطفالهم، ومن أجل الالتزام بتعليمات الطبيب ويتم ذلك عن طريق عملية الإرشاد الأسري.