من أهم مبادئ التربية الإيجابية تنمية تقدير الذات لدى الطفل والثقة بها. ويقصد بتقدير الذات: الأفكار الإيجابية التي يؤمن بها الشخص عن نفسه، والإحساس الداخلي بالكفاءة والجدارة، والقدرة على الإنجاز والنجاح، والشعور بالرضا والطمأنينة.
لقد بينت الدراسات أن السبع سنوات الأولى من عمرالطفل هي التي تحدد مدى ثقة الشخص بذاته وتقديره لها، وفيها يكتسب حوالي 90 بالمائة من أفكاره عن نفسه وعن الآخرين. لذلك عليك أن تعامله باحترام منذ ميلاده وخلال مراحل نموه. فأنت بالنسبة لطفلك مصدر الأمان والراحة، أنت المرآة التي تعكس له من خلال تعاملك معه، من هو. يدرك من ابتسامتك أنك راض عنه، ومن عبوسك أنك مستاء منه، ومن صراخك وغضبك أنه مرفوض لديك. أساليبك في تربيته وتصرفاتك معه هي التي تبني صورته عن نفسه إما إيجاباً أو سلباً.
ولكي تساعد ابنك على أن يثق بنفسه ويقدرها، عليك اتباع ما يلي:
استخدام لغة تقدير الذات
اللغة التي تستخدمها مع أبنائك عبر المواقف اليومية، تعكس لهم صورة أنفسهم. تقييمك لسلوكهم وكلماتك ونبرة صوتك وإطراؤك وتوبيخك.. كل ذلك يشكل تقديرهم لأنفسهم وإحساسهم بذواتهم.
من خلال اللغة تبين لطفلك مدى تقديرك له، وتشمل لغة تقدير الذات على أربع خطوات، وهي:
– وصف السلوك: عندما تعمل على توجيه طفلك أو تقويمه عليك أن تصف سلوكه دون أن تحكم عليه كشخص، مثال: «لقد تأخرت عن موعد نومك».
– توضيح رد فعلك تجاه سلوكه: يجب عليك أن توضح شعورك أو مدى انزعاجك من سلوك طفلك، مثال: «يزعجني أن أراك مستيقظاً إلى هذه الساعة المتأخرة».
– الاعتراف بمشاعره: من الأهمية إعطاء مشاعر الطفل أهمية وعدم الاستهزاء بها، مثال: «أنا أفهم كم أنت مهتم بهذا البرنامج التلفزيوني».
– التعبير بوضوح عما هو متوقع منه: وهذا يساعد الطفل على إدراك ما هو متوقع منه فتصله الرسالة واضحة، مثال: «أريد منك أن تذهب للنوم خلال عشر دقائق من الآن».
العبارة كاملة. «لقد تأخرت عن موعد نومك، يزعجني أن أراك مستيقظاً إلى هذه الساعة المتأخرة، أنا أفهم كم أنت مهتم بهذا البرنامج التلفزيوني، أريد منك أن تذهب للنوم خلال عشر دقائق». إنها عبارة دقيقة ومحددة وتدل على احترام الطفل، تهتم بوصف السلوك، وتبين السبب الذي من أجله يرغب أحد الوالدين في تغيير السلوك، وتعترف بمشاعر الطفل وأحاسيسه، وتحدد ما هو متوقع منه بوضوح.
أساليب تدمر تقدير الطفل لذاته
مجموعة من الأساليب السلبية يستخدمها العديد من الآباء والأمهات دون قصد وعن جهل، بهدف تربية أبنائهم، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات في هذا المجال، أن تلك الأساليب تأثيرها سيء على ثقة وتقدير الطفل لذاته. وهي:
العنف والقسوة والضرب، والسخرية وكثرة التعليقات والانتقادات واللوم، والمقارنة مع الأقران أو الإخوة الآخرين وعدم تقبل الفروق الفردية الموجودة بينهم، والتلاعب بالحب، وتجاهل الأشياء التي يحبها الطفل ويهتم بها، وتجاهل مشاعره وعدم الإنصات له، ووصفه بتعابير سيئة من قبيل: «أنت كسول، أنت عصبي، أنت مزعج». وأيضاً من الأساليب السلبية حماية الطفل بشكل مفرط أي القيام نيابة عنه بما يمكنه القيام به والخوف المبالغ فيه عليه، والتساهل المفرط بتركه يفعل ما يحلو له أو عدم الحزم في وضع الحدود لتصرفاته، وعدم اتفاق الأبوين على طريقة واحدة في تربيته.
التركيز على سلوك الطفل الإيجابي والثناء عليه
من الأهمية الثناء على سلوكيات الطفل الجيدة، كتعاونه معك وجمعه لألعابه والتزامه بمواعيد مشاهدته للتلفاز.. انتباهك لتصرفاته الحسنة يؤدي من جهة إلى زيادة تلك التصرفات، ومن جهة أخرى يؤدي إلى أن يرى نفسه بشكل أفضل لأنك تراه كذلك، فيميل إلى حب ذاته وتقديرها.
يميل معظم الآباء إلى معاقبة أبنائهم على تصرفاتهم التي تبدو سيئة والتركيز على تلك التصرفات، رغم أنه عندما يحصل العكس ويركزون على التصرفات الجيدة من أجل امتداحها والثناء عليها، فإن النتيجة ستكون مختلفة تماماً.
إن إطراء الطفل والثناء عليه شيء مهم، لكن المبالغة في ذلك واستخدامه في غير موقعه يجعل الإطراء يفقد تأثيره، في هذه الحالة لن يعرف الطفل الموقف الذي يحتاج إلى تحسين، حيث أغلب ما يقوم به يمتدح عليه، فالإطراء يجب أن يكون عندما يقوم الطفل بعمل يستحق ذلك، وليس بشكل اعتباطي. فمعظم الأطفال لا يشعرون بالارتياح عند استماعهم إلى تعليقات مستمرة على سلوكهم حتى وإن كان معظمها إيجابي، إنهم يشعرون وكأنهم يخضعون لمراقبة مستمرة وهذا يؤثر سلباً على ثقتهم بأنفسهم، وأحياناً يسيؤون التصرف عمداً ليبرهنوا لك أنك لست على صواب.
المدح المطلوب والذي يؤدي إلى ثقة الطفل بنفسه لا يعتمد فقط على الثناء عليه، بل أيضاً على وصف ما يقوم به. تقول: «أراك جمعت ألعابك ووضعتها في الصندوق المخصص لها أشكرك»، أو «رسمت الرجل بشكل دقيق الشعر والأذنين والأصابع والحاجبين». الطفل شديد الحساسية للصدق والكلام الموضوعي، فعندما تصف ما أنجز لتثني عليه يقول في نفسه: «فعلاً لقد لاحظ بالضبط ما قمت به إنني طفل منظم أو فنان». بينما المديح بعبارات: أنت طفل منظم أو طفل رائع.. فإنها تترك انطباعاً جيداً لكن لا يتعدى اللحظات التي قيل فيها. أما عبارات مثل: أنت الأفضل أو الأشطر.. فإنها تعطيه شعوراً بأن تفوقه أو نجاحه يعتمد على فشل أقرانه، لذلك هذا النوع من المدح ليس في محله ولا يساعده على تقدير ذاته.
ومن جهة أخرى إذا كان ما يقوم به الطفل من تصرف إيجابي لا يلقى الاستحسان والتأييد من قبل والديه، فإن ذلك يحبطه ويزعزع ثقته بنفسه.
تدريب الطفل على الاعتماد على النفس وتحمل المسئولية
يولد الطفل وينمو ليصبح إنساناً مستقلاً عن الوالدين، لكن تربطه بهما علاقة طيبة. ومن أجل أن يكتسب تقديراً لذاته وثقة بإمكانياتها، يجب تدريبه على الاعتماد على النفس وتحمل مسئوليتها تدريجياً، ويتزامن هذا التدريب مع تدرج نضج قدراته الجسمية، فمثلاً: تدريبه على التحكم في عملية الإخراج يتم مع نهاية العام الثاني، ويتم تدريبه على المشي في نهاية العام الأول، ومن ثم يتدرب على الأكل بمفرده وارتداء ملابسه..
يتعلم تدريجياً تحمل مسئولية واجباته تجاه نفسه، كجمع ألعابه وترتيب غرفته وتنظيف جسمه.. ومسئولية واجباته تجاه الآخرين المحيطين به وأولهم الأم والأب، كالاحترام والتحكم في الغضب وتقديم المساعدة في مهام البيت ومراعاة مشاعر الآخرين والوصول للحل الوسط والتفاوض..
ويتطلب تدريبه على الاعتماد على النفس وتحمل مسئوليتها، استخدام أساليب التربية الإيجابية التي محورها الاحترام ووضع الحدود والتكليف بمهمات ليقوم بها والثقة في قدرته على ذلك. فمن أخطر الأمور، القيام نيابة عن الطفل بالمهمات التي يمكنه القيام بها، لأن ذلك يعرقل إحساسه بالكفاءة والجدارة، فمع قليل من التدريب والصبر يمكنه اتقان ما كلف به من أعمال، وبالتالي يكتسب ثقة في قدراته وكفاءاته.
مساعدة الطفل على التفكير بطريقة إيجابية
يصدّق الأطفال ما يقوله آباؤهم لهم ويأخذونه كحقائق مسلم بها، ويفسرون تصرفاتهم معهم بشكل شخصي. لذلك عندما يقول أحد الوالدين لابنه باستمرار «أنت مزعج» أو «أنت لا تطاق» أو «أنت عصبي».. فإنه في هذه الحالة ودون أن يقصد يكون قد برمج عقل ابنه بتلك الصفات، ويؤمن الابن بأنه مزعج أو لا يطاق أو عصبي، وتلقائياً يتصرف بناءً على ما آمن به.
وأيضاً خوف الوالدين المبالغ فيه على أطفالهم، وتكرارهم لعبارات من قبيل «انتبه لا تجري وإلا وقعت على الأرض وكسرت رجلك أو يدك» أو «لا تلعب بأنبوبة الغاز وإلا حرقت البيت» أو «انتبه لدروسك وإلا فشلت في المدرسة».. تلك العبارات تحمل معاني سلبية، كسر وحرق وفشل.. مع تكرار سماع الأطفال لها يتبرمج عقلهم عليها فيؤمنون بها ويكتسبون مخاوف كثيرة تحد من قدراتهم، كالخوف من الفشل والخوف من الانفصال.. من الأفضل قول: «انتبه وأنت تجري» أو «لا تلعب بأنبوبة الغاز لأنها قابلة للاشتعال» أو «انتبه لدروسك كي تنجح»..
الأساليب السلبية تؤدي إلى تكوين ناقد مرضي لدى الأطفال ويلازمهم مدى الحياة. والناقد المرضي هو صوت يأتي من داخل عقولنا ليقول لنا: أنت فاشل، أنت عصبي، أنت لا تطاق، أنت قبيح.. إنه صوت ملازم لمن تقديره لنفسه ضعيف فهو يقوم بمهاجمته وإصدار الأحكام عليه ويذكره في كل مناسبة أنه أقل من غيره ويلومه على أي خطأ يرتكبه..
إذاً عليك أن تراقب ما تقوله وما تفعله مع أطفالك، عليك أن تختار أفكاراً إيجابية، أفكار الحب والثقة والكفاءة.. لتغذي بها عقول أطفالك. وتتجنب الأفكار السلبية، أفكار الإحباط والفشل والخوف.. فنوعية أفكارك تحدد شكل حياتك. فساعد أطفالك على التفكير الإيجابي ليكونوا أقوياء بثقتهم بأنفسهم واعتزازهم بها.
تأليف: د. فاطمة الكتاني