إن الطفل الذي ينتهي به الأمر محتجزا في المستشفى بسبب إصابته بمرض مفاجئ أو إصابة ما يشعر دوما بالحيرة والخوف؛ ولذا فإن وجود أحد أبويه معه، أو أي فرد آخر مقرب إليه من أفراد العائلة، في جميع الأوقات يحدث فرقا كبيرا من الناحية النفسية. أما الأطفال الذين يذهبون إلى المستشفى لعمل إجراءات مخطط لها مسبقا، مثل عملية جراحية لإزالة اللوزتين أو اللحمية المتضخمة، فيمكن أن يتعرضوا للإصابة بالقلق الشديد أثناء توقعهم ما سوف يحدث لهم. ومن ثم، فإن منحهم الفرصة للتعبير عن مخاوفهم وطمأنتهم في الوقت نفسه يمكن أن يساعدهم مساعدة كبيرة. على الجانب الآخر، ربما يقضي الأطفال المصابون بالأمراض المزمنة والذين يحتاجون إلى رعاية صحية خاصة معظم أوقاتهم بتكرار في المستشفيات. وبالنسبة للفئات الثلاث ولعائلاتهم، تعد خبرة أخصائيي حياة الأطفال -وهم مختصون مدربون على مساعدة الأطفال على التكيف مع المستشفيات والإجراءات الطبية- فائقة القيمة ولا تقدر بثمن.
لماذا تعد الإقامة في المستشفى مزعجة؟
يشعر الطفل بقلق بالغ، في المرحلة بين العام الأول والخامس، بشأن ابتعاده عن أبويه. وما دام يوجد بالقرب من الطفل على الأقل أحد أبوية طوال الوقت، فإن بإمكانه التعامل مع مسألة إقامته في المستشفى؛ فالمرض في حد ذاته مزعج، وكذلك الحقن وأي إجراءات مؤلمة أخرى، ولكن وجود أب أو أم محل ثقة بالقرب من الطفل يريحه بصورة كبيرة.
أما بعد سن الخامسة، فيميل الطفل إلى الخوف الشديد مما سوف يحدث له: أي إصابة قد يعانيها وأي شعور بالألم، ولن يفيد في تلك الحالة إبرام الآباء الوعود بأن المستشفى سيكون تجربة ممتعة؛ فإن حدثت أشياء تضايقه -وبالطبع سوف تحدث- فسوف يفقد الطفل الثقة في أبويه. على الجانب الآخر، إن قيلت له كل الأشياء السيئة التي ربما تحدث، فسوف يعاني -على الأرجح- معاناة أكبر ناتجة عن توقعه الأسوأ، مقارنة بمعاناته عندما يقيم في المستشفى بالفعل.
أهم شيء أن يتسم الآباء بالثقة الممزوجة بالهدوء والتعامل مع الأمر على أنه أمر واقع، وأنهم قادرون على تخطي الأزمة، دون مبالغات توحي بزيف تصرفاتهم. وما لم يكن الطفل قد أودع المستشفى من قبل، فمن الأكيد أنه سوف يتخيل التجربة على الأرجح، وربما يخشى أسوأ الاحتمالات. وفي هذه الحالة يمكن أن يجعله الأبوان يعيد تفكيره في الأمر على نحو مطمئن، بأن يصفا له المستشفى بصفة عامة، بدلا من الجدال معه بشأن ما إذا كان سيتضرر كثيرا أم بعض الشيء.
مما يساعد الطفل أيضا أن يذكر الأبوان بعض الأشياء المبهجة في المستشفى، مثل الكتب واللعب التي سوف يحضرانها له من المنزل، والتليفزيون الموجود أعلى فراشه، والزر الذي سيتصل من خلاله بالممرضة. كما أن الكثير من أقسام الأطفال في المستشفيات تشتمل على غرف للعب مملوءة بجميع أنواع الألعاب والدمى. ومن ثم؛ فمن العدل أن يتحدث الأبوان كثيرا عن جميع هذه الجوانب اليومية المبهجة التي يوفرها المستشفى؛ لأن الطفل -في أسوأ الأحوال- سوف يقضي معظم وقته في تسلية نفسه. بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا تتجنبي مناقشة البرنامج العلاجي مع الطفل تماما، وبدلا من ذلك اسمحي له بأن يعرف أن هذا البرنامج ما هو إلا جزء صغير من الحياة في المستشفى.
يوفر الكثير من المستشفيات برامج لإعطاء نظرة عامة عن المستشفى للأطفال الذين من المخطط إقامتهم فيه لاحقا، فيأتي الطفل وأبواه إلى المستشفى قبل أيام من تاريخ دخوله الفعلي؛ ليروا معا أقسام المستشفى المختلفة، ويطرحوا أسئلتهم ويحصلوا على الإجابات الشافية. وغالبا، تستخدم برامج إعطاء النظرة العامة هذه عرض شرائح أو عروضا بالدمى لشرح كيف ستكون تجربة الإقامة في المستشفى. وفي أحيان كثيرة تتيح المستشفيات جولات فردية مع أحد أخصائيي حياة الأطفال، حيث إنه يعرف كيف يستخدم اللغة المناسبة من الناحية التطورية، والألعاب والصور؛ لطمأنة الطفل وإعداده للمرحلة اللاحقة، ولتدريب الأبوين أيضا على استخدام عناصر وأدوات إدخال البهجة على الطفل، إلى جانب الألعاب التي سوف تساعده أكثر من غيرها خلال إقامته في المستشفى.
اسمحي لطفلك بالتعبير عن قلقه
يتمثل أهم شيء في أن تمنحي طفلك الفرصة لطرح الأسئلة وإخبارك بما يتخيله؛ فصغار الأطفال يرون هذه الأشياء بطريقة لم تخطر ببال الكبار قط. وفي المقام الأول، يفكرون غالبا في أنه لا بد من الخضوع لعملية جراحية أو الذهاب إلى المستشفى لأنهم سيئون، لأنهم –مثلا- لم يرتدوا نعالهم، ولم يبقوا في الفراش عندما كانوا مرضى، وغضبوا ذات مرة من أفراد العائلة الآخرين. وربما يتخيل الطفل –مثلا- أنه لا بد من قطع رقبته لإزالة اللوزتين، أو قطع أنفه حتى يستطيع الجراح الوصول إلى اللحمية. ولهذه الأسباب؛ سهلي على الطفل عملية طرح الأسئلة، واستعدي لسماع مخاوفه الغريبة، وحاولي بالطبع طمأنته.
متى تخبرين طفلك؟
إن لم تكن هناك فرصة لمعرفته بالأمر، أظن أنه من الأكثر حنانا أن تنتظري حتى يتبقى عدة أيام قليلة على ميعاد ذهابه إلى المستشفى، ثم تخبريه؛ فلن ينفعه أبدا أن تخبريه قبل ميعاد الذهاب للمستشفى بأسابيع؛ إذ سيقضي كل هذه الفترة شاعرا بالقلق، وربما يكون من الأكثر عدلا أن تخبري طفلا يبلغ من العمر سبعة أعوام قبل ميعاد إيداعه المستشفى ببضعة أسابيع، فقط إن كان من النوع الذي يواجه المواقف بعقلانية، خاصة إن كان لديه شكوك، فمن الحكمة دائما أن تقدمي لطفلك معلومات أساسية، ثم تجيبي عن أسئلته؛ كثيرا ما يرتكب الآباء حسنو النية خطأ التصريح بالكثير من الأمور، وبدلا من ذلك، حاولي المشي على خطى طفلك، ولا تكذبي عليه بالتأكيد، أيا ما كان عمره، إن كان يطرح عليك الأسئلة. بالإضافة إلى ذلك، لا تخدعي الطفل عن طريق الذهاب به إلى مستشفى مع التظاهر بأنه ليس كذلك.
التخدير
إن كان طفلك سيخضع لعملية جراحية ولديك حرية الاختيار فيما يتعلق بترتيباتها؛ فإن بإمكانك مناقشة موضوع التخدير والتقني المسئول عنه مع الطبيب. فكيفية تقبل طفلك للتخدير هي المسألة التي تحدث الفرق الأكبر -على الأرجح- بشأن ما إذا كان سينزعج وجدانيا بالعملية أم سيدخل غرفة العمليات بحماس وارتياح. وفي المستشفيات في أحيان كثيرة، يوجد تقني تخدير أو أكثر يتقن بث الثقة في نفوس الأطفال إتقانا شديدا؛ ومن ثم، يستحق الأمر أن تحصلي على خدمات هذا التقني، إن كان لديك حرية الاختيار، وفي بعض الحالات، توفر المستشفيات اختيار نوعية المخدر الذي يراه الطبيب مناسبا، وهذا أيضا من الأشياء التي تحدث فرقا في صحة الطفل النفسية. وبصفة عامة، يعد الغاز أقل بعثا على الشعور بالخوف للطفل من الأنبوب الوريدي (الكانيولا)، وعلى الرغم من أن الطبيب هو الشخص الوحيد الذي يعرف جميع الحقائق -بطبيعة الحال- ولذا لديه الحق في اتخاذ القرار، فإنه عندما يشعر بأن هناك خيارا آخر مساويا في الفاعلية لخياره من الناحية الطبية، فيجب ترجيح كفة العامل النفسي بكل تأكيد.
يجب ألا تستخدمي تعبير «التنويم» عندما تشرحين لطفلك مسألة التخدير. فيمكن أن يدفعه هذا التعبير إلى التفكير في كلب أو قطة مريضة رآها من قبل تم قتلها بالطريقة الرحيمة؛ كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إصابة الطفل باضطرابات النوم بعد العملية الجراحية، وبدلا من ذلك اشرحي له أن التخدير يسبب نوعا معينا من النوم للشخص المخدر، وأن تقني التخدير سوف يوقظه من نومه ما إن تنتهي العملية، وأخبري طفلك بأنه لن يشعر بأي شيء ولن يتذكر أي شيء يحدث أثناء العملية، وحاولي البقاء معه إلى أن يخضع للتخدير؛ فلقد تبين أن وجود الأب أو الأم في وقت التخدير يجعل الطفل أقل خوفا وعصبية وقلقا من العملية، بالإضافة إلى أنه يجنب الطفل الحاجة إلى أخذ العقاقير لتهدئته.
الزيارات
يجب أن يظل الأب أو الأم في المستشفى مع الطفل إذا كان يتراوح عمره بين العام والخمسة أعوام، إن كان ذلك ممكنا، خاصة في النهار. وعلى الأقل، ينبغي أن يزور الأبوان الطفل بصفة يومية، وفي الوقت الحالي تقدم معظم المستشفيات تسهيلات لإقامة شخص مرافق مع الطفل؛ حتى يتسنى لأحد الأبوين -أو أي شخص آخر يعرفه الطفل معرفة وثيقة- أن يبيت ليلا معه في الغرفة ذاتها.
إن لم يكن الأبوان قادرين على الزيارة إلا بصورة متقطعة فإن الزيارات يمكن أن تمثل صعوبات مؤقتة بالنسبة للطفل الصغير؛ فرؤية أبويه سوف تذكره بقدر اشتياقه إليهما، وبكم الأشياء والمعاني الجميلة التي يفتقدها، وربما يدفعه ذلك إلى البكاء على نحو يدمي القلوب عندما يغادران ويتركانه وحيدا، أو حتى خلال وقت الزيارة بأكمله؛ وبذلك، قد يتكون انطباع لدى الوالدين بأن طفلهما بائس ويشعر بالحزن طوال الوقت. على الرغم من ذلك، يبدو الأطفال هادئين عندما لا يكون الأبوان بالقرب منهم، حتى ولو كانوا يشعرون بالمرض أو عدم الارتياح بسبب العلاجات التي يأخذونها. وفي الواقع، قد يكون ذلك ناتجا عن شعورهم بالخوف الشديد الذي يجعلهم يخفون أي عاطفة يشعرون بها، ولكن عندما يعود الأبوان تظهر مشاعرهم الحقيقية ويتبدى خوفهم.
ومع ذلك، ينبغي ألا يفهم من كل ذلك أنه من المفيد أن يبتعد الأبوان عن الطفل، حيث إنه يشعر بالأمان من إدراكه أن أبويه دوما ما يعودان عندما يرحلان عنه. وإن اضطررت إلى المغادرة، فمن الأفضل أن تنصرفي ببهجة وعدم قلق قدر الإمكان، لأنك إن أبديت تعبيرات وجه تنم عن الأسى والحزن فسوف يجعل ذلك الطفل أكثر قلقا.
ردود فعل متأخرة تجاه الإقامة في المستشفى
ربما يبدو الطفل الصغير ناجحا في التعامل مع الأمور المتعلقة بالإقامة في المستشفى، ولكنه عندما يعود إلى المنزل يبدأ في إصدار سلوكيات مزعجة، سواء التشبث بالأبوين والشعور بالخوف الشديد، أو التصرف بعدوانية، وهذه ردود فعل طبيعية؛ وإن كانت مزعجة. وفي تلك الحالة، يتمثل كل ما يحتاجه الطفل في الصبر عند التعامل معه وطمأنته باستمرار، والإصرار بهدوء على أنه سوف يشعر بارتياح أكبر في أسرع وقت ممكن، وبذلك يستطيع إلقاء تجربة إقامته في المستشفى وراء ظهره ومواصلة حياته العادية بصفته طفلا صغيرا.