في بعض الأحيان نحتاج إلى التعامل بشكل يومي مع زملاء أو جيران أو أقارب يضايقوننا بالأسلوب الذي يتحدثون به إلينا أو بسلوكياتهم. وربما تكون أنت بالتحديد حساساً لتصرفاتهم السلبية لأن حياتك لا تسير على النحو الذي ترضاه وسلوكهم هذا يثير غضبك، فيخرج ما في جعبتك من ضيق. غير أن هناك أيضاً حالات لأناس يصنعون، بسلوكهم، نفوراً عاماً وشعوراً بعدم الارتياح. فكيف يمكنك التعامل معهم؟
المتنمرون
المتنمرون سوف يتعمدون مضايقة أي شخص يسمح لهم بذلك. فإذا واجههم المرء، فإنهم عادة ما يبدون شديدي الأسف والاعتذار ويصبحون متعاونين، غير أن أغلب الناس لا يجرؤون على معارضة أولئك الناس. والمتنمرون هم أناس لا يشعرون بالأمان. تعرضوا للتنمر وهم أطفال، إما من آبائهم إما من أبنائهم وإما من أقرانهم. قد يصعب تصديق هذه الحقيقة عندما نرى شخصاً متنمراً على الطبيعة، يعاني منه الجميع. ولكن هذا لأن المتنمرين تعرضوا هم أنفسهم في الماضي للشعور بالعجز وقلة الحيلة، لذا فهم يعمدون إلى إهانة الغير. وهذا يعيد إليهم إحساسهم بالقوة. وأي شخص يتبين لهم أنه يصلح لأن يكون فريسة جيدة بإظهاره للخوف منهم سوف يتعرض لجبروتهم مراراً وتكراراً. وقد تكون هذه محنة مفزعة للأطفال لأن التعرض للتنمر من أولئك الناس غالباً ما يحدث في السر، ويشعر من تعرض لهذا الموقف بالخجل والعار نظراً لتعرضه للإهانة حتى أنه عادةً ما لا يخبر بها أي شخص بل إنه ينكر حدوثها إذا سأله عنها شخص بالغ معني بالأمر.
والتنمر ليس مقصوراً على ما يصيب الأطفال فقط. فقد يأخذ شكلاً بالغ التعقيد لدى الكبار الذين على سبيل المثال، يمارسونه على طريقتهم الخاصة فتجد أحدهم يبدي تعليقاً ساخراً إذا عجزت عن القيام بقدر هائل من العمل كلفك به. وبعض الناس يستأسدون بأسلوب ضاحك قائلين مثلاً: “دعني أطهُ العشاء. فلن تستطيع إعداده بطريقة سليمة!”.
وبمجرد أن تترسخ لدى شخص ما عادة الاستئساد عليك، فلن تستطيع إيقافه إلا إذا أظهرت له أمارات تشير إلى أنك لم تعد تلك الفريسة السهلة.
التعامل مع المتنمر
• لا تبتسم في وجه ذلك المتنمر. فالعديد من ضحاياهم يحاولون استمالة مشاعر مثل ذلك الشخص بالابتسام له، ولكن هذا سوف يعطيه إشارة بأنك تصلح لأن تكون فريسة سهلة.
• حافظ على الاتصال البصري معه. فهذا يشير إليه بأنك تستمد القدرة المختزنة لديك. وقد يكون هذا أمراً صعباً للغاية لأن معظم ضحايا التنمر يبدءون في كراهية من يمارسها بعد فترة وهم يحرصون على إبعاد عيونهم عنه حتى لا يرى فيها الكراهية.
• مهما قلت، فلا تصرخ. فالصراخ يجعلك في موقف الأضعف لأنك فقدت هدوءك وهذا هو ما يريده الشخص المتنمر على أية حال.
• اطلب من الشخص المتنمر أن تتحدث معه على انفراد. وسواء كان هذا الشخص هو رئيسك في العمل أو شقيقتك الكبرى، فإن المسألة تحتاج لتناولها ومعالجتها قبل أن يستفحل الموقف ويصبح خارج نطاق السيطرة. فإذا شعرت بالخوف الشديد منه، فاطلب من صديق أو زميل أو من أي فرد آخر من أفراد الأسرة أن يأتي معك ليؤازرك. أفصح بوضوح عن أنك تشعر أنه يضغط عليك وأنك ترغب في إيقاف ذلك. ولا يهم حتى إن انفجرت باكياً. قل ما عليك قوله على أية حال.
الطاعنون من الظهر
أولئك هم أناس يعانون من عقدة الدونية فيقولون “نعم” وهم في حقيقة الأمر يعنون “لا”. فهم منافقون غير قادرين على النطق برأيهم الحقيقي عندما يختلفون مع أحد الأشخاص، لاسيما إذا كان هذا الشخص ذا سلطة ونفوذ. فهم لطفاء وبشوشون في وجود ذلك الشخص، ويتحولون إلى النقيض تماماً بعدها بل ويطلقون عليه تعليقات ملؤها الانتقاد والتهكم.
الطاعنون من الظهر يصنعون التوتر حيثما ذهبوا لأنه حتى لو كان نقدهم في محله، فإن الجميع يعانون من الشائعات التي يطلقونها ومن تعليقاتهم السلبية التي لا تؤيدها أبداً أفعال بنّاءة. وهذا ما يجعل الآخرين يتساءلون عما يقوله هؤلاء الطاعنون من الظهر في غيابهم.
التعامل مع الطاعن من الظهر
• أوضح له أنك غير مهتم بالشائعات. فما لم تعبر عن ذلك بلغة واضحة، فإن الطاعن من الظهر سوف يفترض أنك توافقه وتتفق معه.
• لا تقلق من قيام الطاعن من الظهر بتوجيه النقد لك من وراء ظهرك؛ فهو في الغالب سيفعل ذلك على أي الأحوال.
• أشر إليه بأن عليه أن يعرض أي شكاوى له على الشخص المعني بالأمر لو أنه أراد أن تتغير الأمور نحو الأفضل.
• غادر الغرفة إذا لم يستجب الطاعن من الخلف إلى طلبك بإيقاف انتقاده لشخص ما. فأنت لست مضطراً للإنصات إليه.
• إذا كنت أنت نفسك من توجه إليه الطعنات من الخلف، فلا تدع الأمر يستفحل. راجع بحرص ما قيل عنك. أبلغ الشخص الذي نقل إليك النقد الذي ادعاه الطاعن من الخلف أنك ستذهب إليه الآن وتبحث الأمر معه. فإذا علم الناس أنك ستلاحق أية شائعة تظهر، فإنهم في الغالب سيتوقفون عن نشرها.
• رتب اجتماعاً مع الطاعن من الخلف واطلب منه تفسيراً لما يقوله. أوضح له أنك تفضل أن يقال لك النقد مباشرة في وجهك إذا حدث ما يسوءه، بدلاً من أن تسمعه من طرف آخر.
المتهربون
المتهربون هم سادة اختلاق الأعذار. فكلما ظهر عمل يتعين إنجازه أو احتاج امرؤ لمعونة ما، تجدهم فجأة وقد تذكروا موعداً مع طبيب الأسنان، أو أصيبوا بصداع، أو ادعوا أنهم مشغولون جداً في الوقت الحالي. ويشعر المتهربون (أو يتظاهرون بأنهم يشعرون) بأنهم محملون بأعباء ثقال لا طاقة لهم بها، في حين أنه في واقع الأمر أن غيرهم يقومون بأضعاف حجم العمل الذي يقومون به في الوقت نفسه.
ويسهل جداً على المتهربين أن يقولوا “لا” لأي شيء يعني تحميلهم بأية أعباء تضطرهم لبذل الجهد. فهم يتصرفون مثل الأطفال المدللين، وهم في الواقع كذلك. فهم في الغالب تعرضوا للتدليل الزائد وهم صغار وهم لا يكترثون مطلقاً باحتياجات الآخرين.
فإذا اضطررت للعمل مع أحد المتهربين أو إذا وجدت أحد أفراد أسرتك لا يقوم بدوره على النحو الواجب، فمن المحتمل أن تصاب بالإحباط بعد فترة لأنك تتحمل أعباء غيرك بينما يشكو المتهرب من أنه هو الذي يحتمل أعباءً مستحيلة. فإذا كان هذا المتهرب رئيسك في العمل، فسوف تقوم بكل العمل ويجني هو كل التقدير والعرفان، وفي بعض الأحيان دون حتى أن يكلف خاطره ويذكر اسمك كنوع من الشكر والتقدير عن اكتمال المشروع.
كيف تتعامل مع المتهرب
• تعامل مع الحقائق بشكل مباشر. أتح لنفسك بعض الوقت للتفكير بحرص في مسألة ما إذا كنت محقاً بالفعل في أن تغتاظ من المتهرب. وهل هو بالفعل لا يقوم بالقدر الكافي من العمل أم أن هناك سبباً أصلياً وراء عدم إسهامه بصورة أكبر؟
• إذا اقتنعت بأن المتهرب لا يؤدي الأعمال التي من المفترض أن يقوم بها، فتحدث معه على انفراد واكتشف إن كان هناك سبب وراء عدم استعداده لتقديم العون. فقد يكون هناك أمر ما وراء تصرفه هذا غير الكسل.
• صِف وضعك بأسلوب بنّاء، شارحاً بإيجاز مدى تأثير الأساليب غير النافعة التي يتبعها المتهرب عليك. فإذا أمكنك القيام بذلك بهدوء، فسوف يكون ذلك في صالحك.
• تفاوض معه من أجل التوصل لصفقة أفضل. اشرح له بوضوح ما أنت بحاجة إليه حتى تحل الموقف. تفاوض إلى أن تتمكن من الاتفاق معه على خطة جديدة تتعاونان من خلالها سوياً في العمل. قد تضطر إلى التضحية بعض الشيء ولكن لا تفرط في التضحية. وتذكر أن أي تحسن تحرزه هو بمثابة نبأ طيب، ويمكنك فيما بعد إعادة التفاوض من جديد.
هل أنت ثرثار؟
من الثرثار؟ لعلك تعاملت مع أحدهم من قبل. صديق يطلبك على الهاتف، ودون مقدمات تجده ينطلق في حديث طويل ممل عن أمه وماذا تفعل الآن، وكيف حال أطفاله وكيف أنهم شديدو الإهمال أو كيف أن أحد أصدقائه، مرة أخرى، دخل في مشادة مع مديره. ويستمر هذا الحوار أحادي الجانب لساعات وساعات بسرعة 100 ميل في الساعة، وهو عادة ما يأتي في وقت أنت مشغول فيه أو تستعد لدخول الحمام. ويظل يعيد ويردد كل ما قاله بأدق تفاصيله، حتى وإن كان ذلك عن أناس لم تلتق بهم مطلقاً من قبل ولا يحتمل أن تقابلهم أبداً. وهو لا يبدي وسط كل هذا الحوار أحادي الجانب أدنى اهتمام بك وبالسؤال عن أحوالك. وفي نهاية هذه المكالمة الهاتفية، تشعر بأنك منهك القوى ومكتئب حقاً. فالأمر يشبه أن يأتي أحدهم فيفرغ حمولة سيارة نقل ضخمة من القمامة داخل بهو مشاعرك.
بالطبع الأمر نفسه يمكن أن يحدث مع جار أو زميل بالعمل تجده فجأة واقفاً ببابك في براءة أو يدلف إلى مكتبك ويبدأ في الحديث بلا توقف.
والسبيل نحو معرفة أولئك الأشخاص بسيط وميسور. راجع النقاط التالية:
• إنهم يستمرون في طرق نفس الموضوع مرات ومرات دون ملل. إن الأمر أشبه بالاستماع إلى اسطوانة مشروخة.
• يغتابون الناس ويطلقون الشائعات كثيراً.
• يتحدثون باستمرار.
• لا يلقون بالاً ولو للحظة لأية نصيحة تقدمها لهم وإنما ينطلقون في رواية ثرثرتهم وكأنك لم تقل شيئاً.
• يطلبون منك دائماً أن تمنحهم انتباهك.
• يحولون كل شيء صغير في حياتهم إلى دراما (يصنعون من الحبة قبة!).
• يغضبون بحق إذا ألغيت موعداً معهم ويصرون على أن تحضر بأي طريقة مهما كانت الأعذار التي ستقدمها لإلغاء الموعد.
ولا يسهل التخلص من الثرثارين. فهم على ما يبدو لا يتوقفون عن الكلام ومن الصعب للغاية إيقافهم خلال استرسالهم في الحديث وإلا فستشعر أنك كنت فظاً معهم. وهم عادة ما يصنعون لك كميناً في المساء أو حتى في وقت متأخر من الليل حيث يكونون على يقين من تواجدك بالمنزل. إنهم يفترضون أنه ماداموا هم متيقظين فلابد أنك يقظان أيضاً، وأنه تحت أي الأحوال طالما كانوا يقضون وقتاً عصيباً فمن حقهم عليك كصديق، أن تستمع إلى مشكلاتهم.
بعض النصائح حول كيفية التعامل مع الثرثارين
• اجعلها قاعدة ألا تجيب على الهاتف أبداً بعد ساعة معينة من الليل. دع جهاز الرد على المكالمات يرد عنك. ويمكنك أن تستمع في الوقت نفسه للمكالمة بينما المتكلم يضع رسالته؛ وإذا وجدت أن المكالمة بخصوص حالة طوارئ فعلية، فارفع السماعة وتلقَ المكالمة بنفسك.
• لا تتجنب الثرثارين. فهذا لن يجدي. عليك بمواجهتهم. تحدث معهم إذا وجدت هذا ضرورياً، ولكن عليك أن تقول لهم في حزم إنه ليس لديك وقت للتحدث في الوقت الراهن، وأن ترجوهم معاودة الاتصال لاحقاً أو الاتصال في وقت آخر.
• إذا شعرت أنك كنت فظاً، فلتعلم أن الفظ حقاً هو ذلك الثرثار الذي ينهك قواك دون أن يكلف خاطره حتى بالسؤال عن صحتك!
• لا تخف من فقدان صداقة الثرثار مصاص الدماء. فهي ليست صداقة مفيدة لك على أية حال. فإذا قاطعك ولم يكلمك بعد ذلك أبداً، فإن هذا سيكون أفضل شيء من الممكن أن يحدث لك. وطالما كان ينقل الشائعات عن الجميع فلابد أنه كان ينقل عنك أنت أيضاً الشائعات. فأنت حقاً أفضل حالاً بدونه.
إن مشكلة ابتلائك بهذا الثرثار مصاص الدماء هي أنه قد يجعلك مثله! فنظراً للضيق الذي ألم بك من جراء تلك المكالمات التي تزعجك في منتصف الليالي والأحاديث الطويلة المملة التي لا تنتهي، قد تجد نفسك مدفوعاً نحو التغلب على ضيقك هذا بإلقائه على صديق آخر. فاحذر من هذا! وراجع مرة أخرى القائمة التي عرضناها لتونا عن الشخصيات المزعجة المختلفة واحرص على ألا تفعل نفس الشيء مع الآخرين.
لو كانت لديك شكوى من شخص ما، فاحصر شكواك في ذلك الشخص المعني. فليس من الخير أن تخبر كل الباقين بأن صديقاً لك يحطم أعصابك. فقط أخبر الصديق؛ فعندئذ فقط يمكن أن تتغير الأمور.
إن التعامل بأسلوب بنّاء مع عواطفك سوف يقطع بك شوطاً طويلاً نحو حل مسائل التوتر الذي تشعر به. ومع تحولك إلى مزيد من الهدوء، سوف يعمل ذهنك بكفاءة أكثر وتستطيع أن تحل المواقف الصعبة بمزيد من السهولة. ولكن احرص برغم ذلك أن تمنح جسدك العناية الواجبة. فأثناء فترات التوتر وبعدها، قد تستنفد طاقتك وعناصرك الغذائية ومخزونك من الماء.