يتطلب إجراء أي عملية جراحية في الكبد استعمال أربعة مبازل على الأقل، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون هذه المبازل متباعدة كفاية؛ تلافياً لتشابك الأدوات المستعملة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا مواقع ثابتة لإدخال المبازل، بل يمكن تعديل مكانها وعددها بحسب نوع العمل الجراحي.
بالإضافة إلى أدوات الجراحة التنظيرية الأساسية، تتطلب جراحة الكبد أدوات ذات نوعية مختلفة، بدءاً من مسبار الأمواج ما فوق الصوتية التنظيرية والليزر YAG وشعاع الأرغون، إلى المشرط المتسق الصوتي ultracision والمخثر الكهربائي ligasure.
يُستَهَل أي عمل جراحي بالكبد بالإجراءات الآتية:
1 ـ تنظير البطن التشخيصي: يسمح بالتعرف إلى الأورام الصغيرة والنقائل، ومن ثم أخذ خزعة. ويساعد في هذا التنظير التصوير بالأمواج ما فوق الصوتية التنظيري لدراسة أنسجة الكبد لتشخيص النقائل العميقة وأخذ عينات من داخل الكبد من دون خطر إصابة السويقات الوعائية الصفراوية.
2 ـ الاستئصال المحدود للآفات التنشؤية الصغيرة: يمكن استئصال النقائل الصغيرة والسطحية في الكبد بأمان من طريق التنظير، وهو المثال الأفضل لهذه الجراحة.
3 ـ استئصال فلق كبدي segmental resection: إن إجراء هذا العمل يتطلب خبرة كبيرة في الجراحة التنظيرية، ويطبق على الأورام الكبيرة في أحد فصوص الكبد. وهذه الجراحة تخضع لقواعد الجراحة المفتوحة نفسها، وتتضمن السيطرة الوعائية الوقائية فوق الكبد وتحته.
بعد هذه السيطرة، تُقطَع الأنسجة الكبدية وتُعالَج الأوعية الدموية والصفراوية داخل الكبد بوضع غرز عليها لمنع حدوث أي نزف دموي أو صفراوي.
يجب عدم إغفال خطر الصمّة الغازية بالـ CO2 بسبب التروية الدموية الغزيرة للكبد وارتباطها المباشر بالوريد الأجوف والقلب. كذلك يجب السيطرة على كل نزف وريدي الذي يمثل الاختلاط الرئيسي أثناء العمل الجراحي. إن استخراج النقائل بين 5 – 8 سم يمكن إجراؤه من دون مشاكل بتوسيع الشق السُّري. ولا يمكن استخراج الفص المستأصل مباشرة بعد إدخاله في الكيس، ما لم يُفَتَّت أو يستخرج عند النساء بإجراء جرح في المنطقة الخلفية للمهبل.
4 ـ علاج التكيسات الكبدية: إن علاج معظم التكيسات الكبدية غير الكلبية في معظمه دوائي أو يتسم بسحبه ووضع قثطرة داخل الكيس من طريق التصوير الصوتي أو الطبقي المحوري ونادراً ما يحتاج إلى مداخلة جراحية. إن مرض الأكياس المائية المعروفة عادة باسم الكلبية hydatid disease قديم قدم التاريخ نفسه؛ فقد ذكر الأقدمون في مؤلفاتهم حيوانات قدمت قرباناً لآلهتهم ووجد في كبدها ورئتيها أكياس مائية.
وقد وصف أبقراط لأول مرة، وعلى نحو علمي، حالة الكبد المصابة بأكياس مائية، ثم قال إنها إذا انفجرت في البطن تسبب حالة سيئة جداً قد تودي بحياة المريض.
فما هي هذه الأكياس، وما مصدرها؟
إنها جيوب كروية الشكل تتراوح سعتها بين سنتيليتر واحد وعشرين ليتراً، وأحياناً تتجاوز هذا المقدار. وهي مكونة من غشاء ذي طبقتين: الطبقة الداخلية التي تفرز خلاياها السائل المائي، والطبقة الخارجية. إن الطبقة الخارجية متعددة الطيات وتحيط بالطبقة الداخلية وتقوم على حمايتها وتغذيتها. وتكسو هاتين الطبقتين طبقة تتألف من خلايا العضو المصاب. فإذا استوطن الكيس في الكبد، تألف هذا الكساء من الأنسجة الكبدية، أما إذا استقر الكيس في الكلية، فيكون الكساء من أنسجتها.
أما الماء الذي تحويه هذه الأكياس فيكون صافياً كماء العين eau de roche، وتقل كميته أو تكثر بحسب العضو المصاب ونشاط الغشاء الداخلي ودرجة تغذيته. ففي بعض الأعضاء، كالكبد مثلاً، يكون مقدار الماء كبيراً. أما في الأعضاء الأخرى، كالرئة، فيكون مقدار الماء أقل.
تكوّن الأكياس
إن المسبب الوحيد لهذه الأكياس هو نوع من الطفيليات يدعى أكينوكوكس Echinococcus، وهذه الطفيليات تعيش في أمعاء الكلب وتتكاثر وتضع مئات الألوف من البويضاتova التي تخرج مع براز الكلب بكميات هائلة وتنتشر في الحقول والمراعي وفي مجاري المياه، ولها قدرة على مقاومة البرد والحر والعيش أشهراً طويلة.
يصاب الإنسان نتيجة التهامه خضاراً ملوثة ببراز الكلب، وكذلك تصاب الماشية. فالكلاب عندما تأكل لحم الماشية المصابة تلتقط الجراثيم. إذاً، إنّ الكلب والماشية والإنسان يمثّلون معاً الحلقة الضرورية لتكوّن هذه الأكياس.
الكبد هو الموطن الأول والمحطة الأولى للبويضات المسبّبة للأكياس المائية؛ إذ إن ستين في المئة من الأكياس المائية تستوطن فيه، ويستقر القسم الأكبر من هذه النسبة، أي نحو ثمانين في المئة منها، في القسم الأيمن من الكبد، وستة عشر في المئة في القسم الأيسر. أما في أربعة في المئة من الحالات، فتنتشر في الجزأين معاً.
تسبب هذه الأكياس لدى المصاب شعوراً بالثقل في منطقة الكبد، وتسبب بعض الآلام الغامضة التي تستدعي فحصاً سريرياً وصور صوتية يظهران بوضوح شكل هذه الأكياس وحجمها وموقعها في الكبد.
ويمكن تحديد موقعها وعلاقتها مع المجاري الصفراوية بواسطة التصوير الطبقي المحوري.
العلاج
في جميع هذه الحالات، يحسن أن يكون العلاج بالجراحة، فتستأصل هذه الأكياس بعد حقنها بمادة قاتلة للطفيليات كي لا يحدث في أثناء العملية تلوث يكون سبباً في نشوء أكياس جديدة، ما يعرّض المريض لإجراء جراحات متعددة لاحقاً وأكثر صعوبة من الجراحة الأولى.
ولن يكون الشفاء تاماً ومؤكداً إلا إذا استؤصلت الأكياس بطريقة صحيحة وحذرة كي لا تتسرب الجراثيم وتسبب تلوثاً لاحقاً.
هذا العلاج يمكن إجراؤه كاملاً بالمنظار، وفي الحالات المستعصية، بالطريقة الكلاسيكية يفتح الجراح التكيس ويستخرج محتواه جراحياً.