يحدث أمر مذهل عندما يبلغ طفلك النامي قرابة الأسبوع الثامن والعشرين بعد الحمل: يتغير لون طفلك. في هذه المرحلة، يختفي اللون الضارب إلى الاحمرار الذي تسببه الأوعية الدموية القريبة من البشرة، وهي طبقة من الدهون الجديدة تطوق المحيط العظمي وتمنحه لوناً باهتاً قريباً إلى لون بشرته اللاحق.
بلغ طفلك حالياً نصف وزنه عند الولادة تقريباً. يقل معدل زيادة وزنه (لو استمرت زيادة الوزن على الوتيرة نفسها، لأصبح الطفل بوزن شخص بالغ قبل عيد مولده الأول) إلا أن نمو الدماغ يتسارع.
المكان يضيق داخل أحشاء الأم. يتجه رأس الطفل إلى الأسفل باتجاه حوض الأم. لقد انتهت فترة نموه في الماء (أصبحت أظافره طويلة بما يكفي ليحك نفسه). ولكن نمو الحواس ما زال في بدايته. والآن، تنمو أصغر العظام في الجسم مثل عُظيمات الأذن (السندان، عظم الركاب، وعظم المطرقة) مما يجعل حاسة السمع أكثر دقة من قبل. يمكن أن يتقلص بؤبؤ العين عندما يكون الضوء ساطعاً مما يتيح له النظر إلى النور براحة أكبر. أمامه الكثير ليتعلمه!
كرة بلورية
وُلد الطفل وها أنت تشعرين بعاطفة لم تشعري بها من قبل. كانت الرضاعة للمرة الأولى بالنسبة إليك مخيفة ومُبهجة. أصبح الأمر غريباً وشعرت بالحزن لأيام عديدة، ولكن الأمر يبدو الآن طبيعياً كالتنفس. لقد ضحكتِ، وبكيتِ، وهززت رأسك بتعجب. والآن، حان الوقت لتصحبي طفلك لإخضاعه للفحص لدى طبيب الأطفال. عندما استقبل العائلات لمعاينة أطفالهم بعد بلوغهم الشهر الثاني، أسألهم عما تمنوا لو يتعلموه قبل ولادة الطفل. أو ما الذي أرادوا أن يعرفوا المزيد عنه خلال الأسابيع الأولى من ولادة الطفل؟ عادة يكون الجواب أردنا ونتمنّى أن نعرف عن النوم!
أذكر ثنائياً التقيت بهما قبيل ولادة طفلهما. جاءا في نهاية يوم طويل من استقبال الأطفال، والأولاد الأصحاء، والمرضى. وكانت العيادة لا تزال تعج بالمرضى فوجدنا مكاناَ هادئاً وأغلقنا الباب. اجتمعنا في مكتبي وتكلمنا عن تغيّر كل شيء ما إنْ يولد الطفل.
كانا متحمسين، ومستعدين، وواثقين. كلاهما ناجح في عمله الكثير المطالب ومع ذلك وجدا الوقت لقراءة عدة كتب حول الأمومة والأبوة.
لقد طرحا أسئلة حول الرضاعة واستعمال المضادات الحيوية. عند نهاية الزيارة، أسديت لهما بعض النصائح حول كيفية الحصول على الراحة ما إنْ يولد الطفل. فضحكا وقالا إن الطاقة هي آخر ما يقلقهما. كانت الولادة والأيام الأولى أوقاتاً سحرية لهما كما توقعنا. وقد احتفينا بذلك معاً.
بعد مرور شهرين، رأيتهما في رواق غرفة الاستقبال في العيادة. تزيّن اللوحات الزيتية الجدران ويتحرك قطار صغير جيئة وذهاباً على منصة بالقرب من السقف. عندما دخلت إلى الغرفة، لاحظت إرهاقهما وضعفهما. تعانقنا وانهمرت الدموع على وجهيهما. قالا إنهما عجزا عن الاستمتاع بولادة طفلتهما لأنها حرمتهما النوم.
لا بد أنك تعرفين ما تكون عليه حالة الإنسان من تذمر وانزعاج نتيجة قلة النوم. إنّ عدم النوم لليلة كاملة يُشعرك بالإرهاق. والحقيقة المفاجئة هي أن للحرمان الجزئي أو القليل من النوم أثر كبير على السلوك أكثر من الحرمان الكلي، القصير أو الطويل الأمد. إن ما سبق وذكرنا هو نتيجة دراسة قام بها أطباء مقيمون. لقد تمّ الاستخفاف بالآثار المترتبة على عدم النوم الجزئي والمزمن حتى وقت ليس ببعيد.
إننا ندرك أن النوم المتقطع يجعل المرء أكثر مزاجية، واندفاعاً، وأقل قدرة على التركيز. نعلم منذ أكثر من 25 سنة أن الحرمان من النوم يجعل من الصعب إنتاج ذكريات جديدة دائمة. أكدت أبحاث حديثة أن قلة النوم المزمنة تؤدي إلى التعب النهاري، صعوبات في التركيز والانتباه، الانزعاج، الإحباط بسهولة وصعوبة في ضبط العواطف.
لا تتأثر معظم العائلات كثيراً بقدر هذا الثنائي الذي استقبلته في عيادتي في ذلك اليوم إلا أن التغيّرات في النوم تتزايد بشكل كبير. بحلول الأسبوع الرابع إلى الأسبوع السادس بعد ولادة الطفل، تصبح قلة النوم المتراكمة واضحة خاصة بالنسبة إلى الأهالي الذين أنجبوا أكثر من طفل واحد! غيرت ماهية وكيفية إطلاع الأهالي عن النوم كي يحصل معظمهم على المزيد من الراحة.
سنتكلم عن التخلص من مشاكل النوم لاحقاً. لنبدأ بأمنية الأهل حول معرفة كيفية بدء النوم الصحي. طرحت راسلكن كالعديد من الأمهات الأخريات سؤالاً عن وقت بدء عادات النوم أي ما إذا كان الطفل ينام في الرحم.
لنعد إلى نقطة البداية عندما تتشكل أنماط النوم. يبدأ الأطفال بالنوم في مرحلة مُبكّرة من الحمل. يأخذ الطفل أقساطاً كثيرة من النوم قبل أن تفوت الأم دورتها الشهرية الأولى.
قسط من النوم
ينام البالغون قرابة ثلث الوقت بينما ينام المولودون الجدد قرابة ثلاثة أرباع الوقت. ولكن قبل الولادة، ينام الأطفال حوالى تسعة أعشار الوقت! يحدث الكثير من النمو العقلي والجسدي عندما نكون نياماً. يُفرز حوالى 80 بالمئة من هورمون النمو خلال النوم. من المنطقي الحاجة إلى الكثير من النوم خلال النمو الاستثنائي.
إنْ استهل الأطفال حياتهم كخبراء في النوم بمعدل 16 إلى 18 ساعة يومياً عند ولادتهم، إذاً لماذا يشعر الوالدان بالكثير من الإرهاق؟ لأن الأطفال يقسطون نومهم على فترات قصيرة. كما أن معظم أقساط نومه تكون في أوقات صحو الوالدين بدلاً من أن تكون خلال ساعات نومهما. يستيقظ الطفل كثيراً في الليل مثلما ينام كثيراً في النهار. ينام معظم الأهل لفترات أقل بعد ولادة الطفل. وغالباً ما يكون نومهم متقطعاً مما يؤدي إلى حالة حرمان جزئي ومزمن من النوم.
الحفاظ على الإيقاع
يُضبط برنامج نومنا اليومي على ما يسمى بإيقاع النوم اليومي. لكل منا ساعته البيولوجية الداخلية. وتبلغ مدة الدورة الكاملة تقريباً وليس تحديداً 24 ساعة.
لا تبقى حرارة الجسم الطبيعية 37 درجة مئوية مستقرة، ولكنها ترتفع وتنخفض مع إيقاع النوم اليومي. هذا الإيقاع عبارة عن دفق يحمل معه الكثير من الوظائف الجسدية. إن إيقاع النوم اليومي يؤثر في كل من ضغط الدم، ومعدل نبضات القلب، وتدفق الدم عبر الشرايين التاجية، وإفراز البول، وإفراز خلايا الدم البيضاء، ووظيفة المناعة، واستقلاب الأدوية، ووظيفة الكبد، وتعريض السرطان للعلاج الكيميائي والإشعاع. كما أن المعدلات الهورمونية مثل درجة الحرارة ترتفع وتنخفض مع إيقاع النوم اليومي. كما أننا نميل إلى الولادة والموت خلال الليل.
إنّ تغيير برامج النوم يعني السير عكس التيار. ماذا عن إيقاع نوم الطفل اليومي قبل ولادته؟ هل يتحرك بلطف مع تحرك الأم وترتفع معدلات نبضات قلبه وتنخفض مع التيار نفسه؟ هل تحضر هورمونات الأم ساعة الطفل البيولوجية؟
بالعكس! تظهر الأبحاث التي أُجريت في بداية القرن الواحد والعشرين أن الطفل يكوّن إيقاع نوم يومي مستقل حتى قبل ولادته. إنه فرد مميز مستقل. إن إيقاع نوم الطفل اليومي يختلف عن إيقاع الأم بمعدل ثماني ساعات.
ربما تشعرين بالوقت الذي يكون فيه طفلك نشيطاً جداً والوقت الذي يكون فيه هادئاً جداً. بالنسبة إلى معظم العائلات، هذا لا يتصادف مع معدل نشاط الأهل.
ما إنْ يولد طفلك، تتمثل مهمتك الأولى كأم أن تبدأي بمحاولة ضبط إيقاع نومك ونوم طفلك. يجب تغيير كليهما. لم يعد الوالدان مجرد بالغين بل إنهما متأثران بطفلهما. يجب أن يساعدا طفلهما ليحافظ على استقلاليته ولكن بالتناغم مع كل ما يحيط به.
يمكن إعادة ضبط إيقاع النوم اليومي. بالطبع، يمكن إعادة ضبطه يومياً. في غياب الضوء، الساعات والخيارات الخارجية الأخرى، تدوم معظم دورات الناس حوالى 25 ساعة. قد ينام الفرد المستقل تماماً حوالى ساعة في وقت لاحق من كل يوم.
العوامل المساعدة على ضبط ناظمة النوم
يمثل إيقاع نوم الطفل اليومي ناظمة نومه. وتسمى عملية تكييف إيقاع النوم اليومي بالسحب. فيما يطلق على الإشارات البيئية التي تساعد على سحب إيقاع النوم اليومي اسم “زايتغبرز” أو (العوامل المساعدة على ضبط ناظمة النوم). هذه الأخيرة هي صديقة لك. إنها الأدوات التي يبحث عنها الكثير من الأهالي الذين أتحدث إليهم.
إنّ العامل المساعد الأكثر أهمية هو الضوء (أو الظلمة للأجناس الليلية). إنه يساهم كثيراً في ضبط ساعة النوم اليومية. أبقي الغرفة مضاءة خلال النهار حتى عندما يكون نائماً. افتحي الستائر وأضيئي الأنوار. وأطفئيها في الساعات التي تودينه أن يكون نائماً (حتى لو كنت الآن صاحية مع الطفل). استخدمي ضوءاً ليلياً ضعيفاً يكون عملياً عند إطعام طفلك في الليل.
أظن أن الضوء يشكّل عاملاً مساعداً قبل الولادة. يرى طفلك ضوءاً أحمر ناعماً عندما تكون الغرفة مضاءة. كل شيء في عالمه يبدو أكثر إثارة للاهتمام. إنّ تعدّد النوافذ، والتعرّض للشمس، والأقمشة الحاجبة للضوء، والأضواء الإضافية في الغرفة طيلة النهار المتعارضة مع إبقاء بطنك في ظلمة الليل قد تمنح عائلتك نقطة الانطلاق في إيجاد إيقاعات فردية ولكن متساوقة.
وتشكل اليقظة عاملاً مهماً آخر. يؤثر اندفاع الأدرينالين الآتي من المعالجة الجسدية على ساعة الجسم. إنّ المعالجة الليلية أو النهارية للهامستر الذي يستيقظ ليلاً يمكن أن تغيّر مرحلة نومه بذاتها. بعد ولادة الطفل، أوصي بالإمساك بيديه وقدميه بلطف من وقت إلى آخر خلال النهار (حتى عندما يكون نائماً) وملاطفته برقة (المداعبة، الاهتزاز) خلال الليل. وجد بيير لوكانويه أن قبل ولادة الطفل، يؤثر الاهتزاز إلى الأمام والخلف على الكرسي الهزاز على الطفل أكثر من أرجحته من جانب إلى آخر في أرجوحة الحديقة. ستكتشفين إنْ كان ذلك يهدّئ طفلك أم يوقظه! اكتشف الباحثون في جامعة ميامي (بما في ذلك لوكانويه) أن الطفل يصحو عندما تخضع الأم الحامل لتدليك القدم لثلاث دقائق. لم يكن لتدليك اليد أو البطن الأثر نفسه. قد تودين بدء نهارك بتدليك للقدم للاسترخاء ولمساعدة طفلك كي يعتاد الاستيقاظ صباحاً.
كما أن النظر في عيني طفلك يشكّل منبهاً فعالاً. بعد الولادة، عندما تحدقان ببعضكما البعض، يرتفع معدل نبضات القلب وضغط الدم. خففي عملية التواصل عبر العينين خلال الساعات التي تودين أن ينام فيها طفلك. لتكن نظرات الحبّ الطويلة هذه خلال النهار.
كذلك، تعتبر الإشارات الاجتماعية عوامل مساعدة مهمة. يمكن أن يشير صوتك وسلوكك إلى أنه قد حان وقت اللعب أو الراحة. غالباً ما يحاول الأهل إبقاء المنزل هادئاً جداً عندما ينام الطفل خلال النهار. يمكن أن تكون الجلبة الخفيفة مفيدة. استخدمي صوتك أو طريقتك الخاصة في قول “حلّ النهار”. يجب أن يكون التواصل في الليل لطيفاً مع أغنية ناعمة. يمكنك البدء منذ الآن.
أما الطعام فهو عامل مساعد قوي لجميع الأعمار وبشكل خاصة للأطفال. عند بلوغ طفلك يومه الثالث في هذه الحياة، يمكنك الاستفادة من ذلك عبر اختيار وقت متأخر من الليل بين العاشرة ومنتصف الليل لتقومي بما يسمى بالإطعام المركّز. من خلال إطعامه مرة في الوقت نفسه من الليل، حتى لو اضطررتِ لإيقاظه، يمكنك مساعدة طفلك على تكوين دورته الخاصة بما يتناسب مع دورتك.
ملاءمة إيقاعاتك
بالطبع، ليس طفلك الوحيد الذي تتغير إيقاعاته فيما تصبحون عائلة. إن أول تغيير يطال حياة الأبوين يتمثل في برنامج نومهما. اعتاد معظمنا على الاستيقاظ خلال النهار والنوم خلال الليل. عندما يولد الطفل، لن يخدمكما هذا الأمر كثيراً.
إنّ الطفل الذي ينام من 16 إلى 18 ساعة يومياً يفسح الكثير من الوقت أمام الوالدين ليناما. ولكن بما أن فترات نوم الطفل متقطعة في البداية، يحتاج الوالدان إلى وقت للنوم أكثر من المعتاد لتجنب الشعور بالإرهاق مع الوقت.
عندما ينام الطفل، يستغل الوالدان الفرصة لتنظيف المنزل، والطهو، والاتصال بالأصدقاء، وتمضية بعض الساعات مع بعضهما البعض، أو التأمل بمولودهما الجديد. حان الوقت لاعتماد برنامج جديد للنوم خلال الأسابيع الستة الأولى. في هذه اللحظات السعيدة عندما ينام طفلك، فكري أولاً باستغلال الفرصة لتنامي قليلاً. لن تستطيعي النوم دائماً، لذا إنْ استطعتِ ذلك، فافعلي إلا إذا كان لديك سبب وجيه للقيام بأمر آخر.
تتمتع الأمهات المُرضعات بآلية داخلية للمساعدة. تربط الرضاعة الأمهات بالاستيقاظ لفترات قصيرة على مدار الساعة، ولكنها أيضاً تجعل الأم (والطفل) يشعران بالنعاس بعيد الرضاعة، مما يفتح ثغرة في إيقاع النوم اليومي حيث يسهل النوم.
طلب المساعدة
قد تكون الأسابيع الأولى مع مولود جديد في المنزل الوقت المناسب لتطلبي المساعدة من أحدهم. إن حضر أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، أخبريه أن دوره المهم يقتصر على المساعدة في المهمات المنزلية كي تستمتعي وزوجك بوجود طفلك وبوجودكما معاً ولتحصلا على قسط من النوم.
أو قد تستفيدين من خدمات الدولا التي توفر الدعم خلال المخاض و/أو فترة ما بعد الوضع. تقوم الدولا مقام الأم ليركز الوالدان على الطفل. تؤمن الدولا العناية الليلية بالإضافة إلى تقديم الدعم والخبرة حول إطعام الطفل والاهتمام به. أصبح ذلك جزءاً مهماً من خدماتهن في السنوات القليلة الماضية. تتراوح كلفة الدولا عموماً بين 20 و28 دولاراً في الساعة. إن كنت تأخذين هذا الخيار بعين الاعتبار، يمكن تعلّم المزيد من كتاب الدولا بقلم مارشال كلاوس، جون كينيل، وفيليس كلاوس ومن الجمعية الوطنية لخدمات العناية في فترة ما بعد الوضع. كذلك، تساعد الدولا في إعداد وجبات الطعام، والقيام بالمهمات أو الأعمال المنزلية مع أنك تستطيعين تخفيف مصاريف الدولا عبر توظيف إحداهن ممن تعتبر كلفتها أقل.
تقلبات النوم
بالإضافة إلى إيقاع النوم، تُحدث برامج النوم فرقاً كبيراً لدى الأطفال (وبالتالي لدى الوالدين). إننا مخلوقات مبرمجة على العادة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنوم. إنْ تم إطعام الطفل وحمله أو هزّه أو الغناء له كي ينام في كل مرة، فسيعتمد على ذلك لتسهيل عملية النوم. إنه خيار ممتاز للعديد من العائلات، ولكنه قد يمثل مشكلة بالنسبة للأهل الذين يودون أن يتعلم أطفالهم النوم بالاعتماد على أنفسهم. هذا الميل القوي لاتباع العادات هو أحد الأسباب المؤدية إلى شعور الوالدين بالإحباط من جراء قلة النوم.
لا يفهم معظم الأهل المفهوم القائل إن “النوم خلال الليل” لا يعني القدرة على النوم طوال الليل بلا انقطاع. عوضاً عن ذلك، سيصبح الأمر عبارة عن صحو وعودة إلى النوم بدون إزعاج.
ليست المشكلة في استيقاظ طفلك في الليل، ولكن في عدم تلقينه كيفية العودة إلى النوم. هدفنا هو تلقين الطفل الاعتياد على النوم وحده (وليس تركه وحيداً يبكي). يتمكن العديد من الأطفال من فعل ذلك عند بلوغهم الشهر الرابع، فهم يستيقظون مرة واحدة فقط خلال الليل ربما للرضاعة. يعتاد 60 إلى 70 بالمئة تقريباً من الأطفال على العودة إلى النوم بحلول عيد مولدهم الأول. أما هؤلاء الذين لم يعتادوا الأمر بعد، فيمكنهم أن يتعلموا بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على المساعدة الخارجية.
ستكتشفين أن الطفل ينام في أغلب الأحيان خلال إرضاعه أو عندما يكون بين ذراعيك. لا بأس بذلك. ولكن حاولي أن تضعي طفلك في مهده قبل أن يستغرق في نومه بشكل تام.
عندئذٍ، سيعتاد بعض الأطفال على النوم بأنفسهم. وكما اكتشف مارك، أحد الآباء الذين يتواصلون معي عبر الموقع الإلكتروني؛ وعارضه آخرون بشدة! إنّ حمل الطفل قد يخفض من إمكانية تعلّمه النوم بمفرده. إلا أن تركه يبكي قد يعلمه أنك قد لا تكونين بجانبه عندما يحتاجك. وكبديل، قد يساعده على النوم تربيتة لطيفة مصحوبة ربما بتهويدة خفيفة أو مصّ إبهامه أو مصاصة أو الاستماع إلى الأصوات المسجلة.
إنّ الطفل الذي ينام دائماً على صدرك أو بين ذراعيك سيعتمد على هذا النمط في جميع الأحوال. ولكن كلما حاول النوم وحده، يساعده ذلك على تحقيق القدرة على النوم وحده.
نوم الطفل
يتساءل العديد من الأهل هل الكوابيس تقضّ مضاجع نوم الأطفال؟ وغالباً ما يسألني العديد من الأهل عن المرحلة العمرية التي يبدأ فيها الأطفال برؤية الأحلام. والسؤال الصامت الذي يلي هو “ماذا عن الكوابيس؟” ستفاجئكم حقيقة الأحلام والكوابيس.
تمّ التطرق إلى موضوع الأحلام منذ فجر التاريخ، ولكن فقط عام 1953، اكتشف أسرينسكي وكلايتمان نموذج الموجة الدماغية الذي نسميه مرحلة النوم مع حركة العين السريعة (REM). خلال النوم، نتقدم تدريجياً في مراحل النوم العميقة (من المرحلة 1 إلى 4). في كل من هذه المراحل الأربع، يكون دماغنا ساكناً مع أن جسدنا قد يكون متحركاً.
في مرحلة مختلفة تدعى النوم مع حركة العين السريعة (REM)، يكون الدماغ فاعلاً جداً، ولكن يبدو الجسم مشلولاً (باستثناء العينين اللتين تتحركان جيئة وذهاباً). هذا النوع من النوم هو ما يُعرف بالنوم المترافق مع الأحلام. كراشدين، نمضي حوالى 20 بالمئة من وقت نومنا مع حركة عين سريعة.
أخبرتني أم من كاليفورنيا هذه القصة عن طفلها قائلةً: يبلغ ابني الرابعة من العمر. ذات ليلة، نزل إلى الردهة، ودخل غرفة نومنا، والدموع تنهمر على خديه. وقال: “أمي، لقد رأيت حلماً مزعجاً! سقطتُ عن مبنى واستمررت في السقوط”. لقد حلم بأنه يسقط وهو في الرابعة من العمر!
في سن الثالثة أو الرابعة، يلاحظ معظم الأطفال الأحلام. ولكن في تقليدهم لسلوك الراشدين، يؤكد الأطفال في هذا العمر أشياء كثيرة غير واقعية. هل يحملون بالفعل؟ هل من الممكن أنهم يستخدمون فقط مخيلاتهم الخصبة لوصف ما سمعوه من أحاديث؟ قد تكون طريقة أخرى لمحاولة النوم في سرير الوالدين الكبير (“لا أستطيع النوم. أيمكنني النوم في سريركما؟”). أو بالأحرى، هل من الممكن أن يحلم الأطفال قبل سن الثالثة أو الرابعة ويتكلمون عن أحلامهم في صفوف الروضات؟
لحلّ هذا اللغز، أجرى الأطباء روفوارغ، وموزيو، وديمينت دراسة كلاسيكية عام 1966. بدأوا بدراسة موجات النوم الدماغية لدى المولودين الجدد. اعتقد المحققون أن الأطفال لن يختبروا النوم المترافق مع حركة العين السريعة (REM) لأنهم لا يحلمون وأرادوا فقط اكتشاف شكل موجات النوم لدى المولودين الجدد. استمر الفريق بقياس موجات النوم طيلة فترة الطفولة وعندما يبدأ الطفل بالحبو لمعرفة وقت وكيفية بدء الأحلام. واكتشفوا أن المولودين الجدد لا يحلمون فحسب حتى في يومهم الأول بل أيضاً يحلمون أكثر من طلاب الجامعة في بداية فترة دراستهم!
تمّ تكرار هذه الدراسة عدة مرات مما يؤكد ويوسّع آفاق معرفتنا. إننا نحلم في الأسبوعين الأولين من الحياة أكثر من أي وقت مضى. ويكون جزء الدماغ البصري فاعلاً خلال النوم مع حركة العين السريعة لدى المولود الجديد أكثر منه خلال أحلام البالغ. يبدو أن الأطفال يرون أحلاماً بصرية أكثر حيوية من أي أشخاص أكبر سناً.
يحلم الأطفال البالغون بين 3 و5 أشهر من العمر أكثر بكثير من البالغين بين 6 و12 شهراً. ويحلم البالغون 18 شهراً أكثر بضعفين من البالغين ثلاث سنوات. عند بلوغ السنة الثالثة من العمر، تعادل أحلام الطفل المرئية في الليلة معدل أحلام البالغين الشباب. مع مرور الوقت، تقلّ الأحلام سنة بعد سنة.
يحلم الأطفال منذ لحظة ولادتهم. هل بدأوا بالحلم حتى قبل ولادتهم؟ يعيدنا ذلك إلى نمو الطفل في الأسبوع الثامن والعشرين بعد الحمل.
اكتشفت موجات النوم مع حركة العين السريعة في الأسبوع السادس والعشرين بعد الحمل. فيما تبدأ موجات النوم مع حركة العين السريعة مصحوبة مع الحمل السوي في الأسبوع الثامن والعشرين تقريباً. يبدأ الحلم قبل ولادة الأطفال بشهرين أو ثلاثة أشهر.
ندرك الآن أنه مع اقتراب ولادة الطفل، ينام هذا الأخير بنسبة 85 إلى 95 بالمئة من الوقت. يمضي حوالى 6 ساعات يومياً في نوم جنيني ساكن (المرحلة الأولى) وفيما يمضي من 14 إلى 17 ساعة في النوم الجنيني الفاعل حيث يتحرك ويحلم في نفس الوقت (المرحلة الثانية). تأتي ساعات النوم الطويلة هذه في أقساط قصيرة من النوم. عادةً ما تكون فترات النوم الساكن حوالى 20 دقيقة فيما يدوم النوم الفاعل حوالى 40 دقيقة. إنْ جمعنا كل شيء، نجد أن الطفل يمضي معظم وقته وهو يحلم!
الأحلام
يبدو أن الأحلام عبارة عن عملية متوازية نقوم من خلالها بدمج تجاربنا، ونقوم بإنشاء روابط جديدة في أدمغتنا. ويتفاجأ العديد من الأشخاص عندما يعلمون أننا نحلم في اليقظة أكثر مما نحلم عندما نكون نياماً.
كما ذكرنا سابقاً، إننا نمضي حوالى 20 بالمئة من مدة نومنا في الأحلام، أما ما يتبقى من وقت فنترك دماغنا ليأخذ قسطاً من الراحة، تظهر الأدلة أننا نعيش أحلاماً حقيقية طيلة اليوم. إلا أننا لا نلاحظها بسبب يقظة حواسنا وتفكيرنا الواعي. بكلمات أخرى نقول، إنّ النجوم موجودة في السماء دائماً إلا أننا نعجز عن رؤيتها بسبب قوة نور الشمس. أما في الليل فتظهر النجوم والأحلام. الأمر سيان في الرحم.
مع بدء الحلم في الأسبوع الثامن والعشرين بعد الحمل، يصل الدماغ إلى مرحلة متطورة من النمو. ينمو الدماغ وروابطه بسرعة كبيرة لدرجة أن شرب كأس واحد من الكحول خلال هذه الفترة يؤدي إلى تضرر دائم وجسيم في وظيفة دماغ الطفل.
يحلم الأطفال كثيراً ويتعلمون مع بداية الأسبوع الثامن والعشرين أكثر من أي وقت مضى. في الرحم، قد يحلم الطفل بتحركاته الخاصة مما يجعله أكثر ألفةً مع آلية جسمه المعقدة والجديدة. قد يحلم بالنور الخفيف الذي يراه والأصوات الخافتة التي يسمعها (نبضات القلب، والأصوات، والموسيقى). إنْ قرأتِ لطفلك قصة، قد يحلم بالألفاظ المقفاة في الأيام التالية. بما أن الطفل يحلم كثيراً، من المنطقي أن يتعرف على الموسيقى التي “سمعها” فقط في الرحم بعد مرور سنة كاملة.
بعد الولادة، قد يحلم الطفل باكتشاف المناظر، والأصوات، والأذواق، والروائح، والبنى الجديدة فيما يبتهج للتعرف على والديه.
الكوابيس
الكوابيس أحلام مزعجة توقظ الحالم من نومه. من المعروف عن الأحداث المزعجة أنها تسبب نموذجاً من الكوابيس يسهل توقعه. فأولاً نرى الأحلام التي تعيد إحياء الحدث، ثم الأحلام التي تعيد إحياء حالة الحدث الأولية في أطر (صور) مختلفة، وبعدئذٍ الأحلام التي تدمج جوانب الحدث مع فترات أخرى من الحياة. تشكل الكوابيس وسيلة مهمة لنقل الأحداث الصعبة والعواطف القوية وتساعد على ترسيخها في أذهاننا بطريقة بناءة.
يُعتقد أن الكوابيس أكثر شيوعاً بين سن الثالثة والخامسة وهي الأعمار التي يشعر فيها الأولاد بالخوف فيما يشيع في أوساط العامة أنها تبدأ قبل ذلك. تقودني الأدلة المتوفرة إلى استنتاج مختلف ألا وهو أن الكوابيس أكثر شيوعاً في سن الطفولة تماماً مثل الأحلام الأخرى. إلا أن الشيء الأكيد والذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن أي شيء يستحق البكاء فهو يستحق الحلم به أيضاً.
نعلم من الأولاد الأكبر سناً أن الكوابيس تلي العملية الجراحية، عملية اقتلاع السن، وحوادث السير. لمَ لا تلي عملية الولادة؟
لا نود الاعتقاد أن أطفالنا يختبرون أشياء مزعجة. إنها رغبة قوية لدرجة أنها تقود إلى الاعتقاد السائد (الذي دُحض أخيراً) بأن المولودين الجدد لا يشعرون بالألم عند الختان. أمر منافٍ للعقل!
بما أننا نعلم أن الأطفال يحلمون ويبكون كثيراً (ويستيقظون باكين)، من السخف الاعتقاد أن كل أحلامهم سعيدة. إنّ الولادة تجربة رائعة ورهيبة في آن معاً. هناك الكثير لنسعد به والكثير لنتعلمه خلال الأسابيع التالية. يجب أن تتعاون أحلام الأطفال وتوجه الأمور التي تسعدهم وتلك التي تبكيهم. أعتقد أن ذروة العمر أي الأسابيع الستة الأولى هي أيضاً ذروة الكوابيس التي تُرى في هذا العمر.
ليست هذه الكوابيس أحلاماً مخففة. على العكس! إنها تساعد الطفل على التعلم والنمو. قد تشكل الكوابيس سبباً وجيهاً لتقلّص معدل البكاء بعد الأسابيع الستة.
أليسوا رائعين وهم نياماً؟
لا أحد ينكر أن رؤية طفل نائم تؤجج المشاعر وتعوض كل المجهود المبذول. ها هو طفلك نائم، ولكن الآن فقط يمكنك إلقاء نظرة خاطفة على هذا المشهد الرائع في أحلامك ومخيلتك.
إنها بداية مرحلة جديدة في حياة طفلك. إنها مرحلة من التغيير الساكن والعميق. يقوم طفلك بتخزين الغذاء الذي يأخذه منك كطبقة من الدهن من أجل رحلته الأولى إلى العالم الخارجي لأن حليب الثدي لن يتوفر إلا لفترة قصيرة مقارنة مع فترة حياته التي تعد طويلة نسبياً.
يمتزج نموه السريع وطبقة الدهن الجديدة لإبقاء درجة حرارة جسمه عالية أي 100.2 درجة فهرنهايت. فكأنك تحفظين كعكة محلاة في الفرن!
فيما تحلمين بطفلك الذي يستطيع أن يحلم الآن، ينام طفلك طيلة اليوم وهو يحلم بك. في هذه الأثناء، تتكون روابط جديدة في دماغه بمعدل مدهش. وتتكون الأحلام.